الأربعاء، 29 أغسطس 2012

سنّة سوريا ومسألة الوحدة الوطنية


حالة الاحتقان والشحن الطائفي التي تمرّ بها البلاد في هذه المرحلة يجب أن لا تمنعنا عن تسمية الأشياء بمسمياتها المناسبة وتقديم تحليلات عقلانية للأوضاع ومقترحات عملية دون مداهنة أو مواربة أو تدليس، خشية أن نتهم بالطائفية. إذ ليس من الطائفية التنويه إلى أن غالبية الثوار، خاصة المنخرطين منهم في النشاط المسلح، هم من الطائفة السنية، وليس من الطائفية أن ننوّه إلى غياب التنسيق في الرؤى والجهود ما بين إسلاميي وعلمانيي هذه الطائفة المطالَبة دائماً بتقديم ضمانات للأقليات، ففي غياب الحوار الداخلي كيف يمكن للحوار البيني أن يكون مثمراً؟ وليس من الطائفية التنويه إلى ندرة الانشقاقات في صفوف الضباط العلويين وإلى غياب الشخصيات العلوية النافذة في صفوف المعارضة، وإلى انعكاسات هذا الأمر السلبية على مستقبل البلاد، ولا يقلّل هذا التنويه من شجاعة وتضحيات من انضم  إلى المعارضة والثورة من صفوف العلويين. وليس من الطائفية التنويه إلى غياب أي نقاش جدي حول موضوع الضمانات حتى هذه اللحظة. وليس من الطائفية التنويه إلى حال التفتّت والتداعي التي تمر بها البلاد أو إلى أن الوطن قد أصبح شُقفاً مشقّفة وكانتونات قائمة على أسس طائفية وقومية وعشائرية ومذهبية وكتائبية، في وقت ماتزال فيه معظم أحاديثنا تصرّ على تجاهل معالجة القضايا الأساسية بحجّة أنها خلافية. الوطن ينهار، وسوريا التي نعرف قد تختفي عن الخارطة تماماً في غضون الأشهر القادمة، ليس من الطائفية، على ما أعتقد، أن ننوّه إلى ذلك، وأن نحاول التحريض على التفكير وفقاً لمعطيات الواقع لا الأوهام والإيديولوجيات التي مازالت معشّشة في الرؤوس.

 مشكلة المرحلة لتي نمر بها ومشكلة الإحتقان الطائفي بحد ذاته هو أنه يعقّد موضوع الهوية إلى درجة كبيرة. فهوية المرء من الناحية العملية ليست ملكه وحده، فمَن حوله لهم دور كبير في تحديدها أيضاً. أنا علماني في نظري، لكن، وبالنسبة للمسيحي والعلوي والدرزي، بل حتى السني المتدين، سأبقى سنياً أولاً، وستبقى نظرتي إلى الأمور من وجهة نظرهم محكومة بخلفيتي السنية. وربما كانوا على حقّ إلى حد ما، فمهما غيّر المرء من آرائه يبقى للبيئة التي نشأ بها تأثيرها على نفسيته وفكره. من هذا المنطلق، وعلى رغم من التناقض الظاهر في تسمية "سني علماني" أو "شيوعي مسيحي،" إلا أن الواقع السياسي والاجتماعي السائد لا يرى تناقضاً على الإطلاق. هكذا كانت الأمور قبل الثورة أيضاً. فالزيجات المختلطة في صفوف الشيوعيين السوريين  مثلاً تبقى نادرة، والعوامل الطائفية والدينية والمناطقية بل والطبقية هي المسؤولة عن ذلك.

من هنا انبثقت دعوتي الأخيرة إلى قيام تفاهم بين علمانيي وإسلاميي الطائفة السنية، لكن  دعوني أوضح أن  الكلام هنا ليس عن العقيدة بالطبع، فلكل طرف موقفه الواضح في هذا الصدد، الكلام هنا هو عن طبيعة الدولة التي نريد تأسيسها وكيفية إدارتها والحقوق الأساسية فيها. وليس الهدف هنا هو استثناء المسيحيين والعلويين من هذا الحوار، لكني وبعد محاولات عدة لجمع شخصيات من مختلف الخلفيات للتحاور حول هذه الأمور، وجدت أنه في جو الاحتقان الطائفي السائد والذي يضع الطائفة السنية بالذات على محكّ تقديم الضمانات للأطراف الأخرى، ربما كان من الأسهل القيام بحوار داخلي على مستوى كل طائفة أولاً، فيضع كل طرف مقترحاته الخاصة فيما يتعلّق بطبيعة الدولة الجديدة ومسألة الضمانات. الأزمة القائمة في سوريا اليوم نتيجة القمع العنيف الذي تتعرّض له ثورتنا وما صاحبه من تجييش طائفي ليست أزمة يسار ويمين سياسي أو صراع شيوعيين وإسلاميين مع ليبراليين، البعد الطائفي للأزمة أصبح واضحاً للعيان اليوم، والحوار الذي يمكن له أن يخرجنا من هذه الأزمة ويضمن نجاح الثورة وإسقاط النظام لا يمكن له بأي حال أن يتجنّب المسألة الطائفية. ولأن المؤتمرات السابقة للمعارضة، والتي قامت على أساس الحوار ما بين أطياف سياسية مختلفة، تجنّبت الخوض  في هذه المسألة الأساسية، ربما كان الحوار على أساس الانتماءات الطائفية هو الطريقة الوحيدة لضمان عدم تجنّب المسألة. وليس من الضرورة أن  يؤدي الحوار بين الطوائف إلى تبنّي نظام سياسي مبني على المحاصصة الطائفية كما في لبنان، وهو الأمر الذي يخشاه الكثيرون، فهناك أكثر من نموذج يمكن دراسته أو تطويره لضمان  حقوق الجميع، وهذا ما علينا أن نتحدّث عنه.

ولقد سبق واقترحت على بعض الشخصيات المسيحية والعلوية المعروفة في سوريا صياغة بعض المقترحات المتعلّقة بالضمانات التي يرغبون في الحصول عليها، ومازالت أنتظر.

أما المطالبة بأن يكون الانتماء إلى سوريا فقط، فهذا ليس مطلباً منطقياً على الإطلاق، فالانتماءات الطائفية والقومية والفئوية ما تزال قوية حتى في أكثر الدول حرية وتحرّراً، وليس من المنطقي أن نطالب بزوالها ما لم تزل من تلقاء نفسها. أما أن نطالب بأن يكون الانتماء إلى سوريا أولاً فهذا ما نطمح إليه. 


الاثنين، 27 أغسطس 2012

لا شيء يُعطى بالمجان


- لا شيء يُعطى بالمجان، ولا شيء يكفي، ولا أحد يفي بالغرض. لا علاج لهذا المرض. 

- طالما بقيت حصتنا من القتلة أصغر ومن الموت قتلاً أكبر سيبقى بوسعنا التطلّع إلى ما هو أفضل. 

- أن نقتل دفاعاً عن النفس شيء وأن نستمرئ القتل شيء آخر. 

- ذروا محبّي الأسد يستمرئون القتل ويمجّدونه فهاهنا مفتاح هزيمتهم: ما حوّل بشر أنفسهم إلى وحوش طواعية إلّا خسروا. 

- ورطة محبّي الأسد في سوريا ليست مع الثوار بل مع الشياطين التي زرعها ونمّاها في صفوفنا شياطينهم. 

- الموقف المسؤول في هذه المرحلة وأبداً أن يكون المرء صادقاً مع نفسه، فيعمل كل على المحور المناسب له سواء آمن باللاعنف أو العمل المسلّح أو الحوار. فإذا كانت النتيجة بالمحصلة هي الفوضى فالفوضى قدرنا إذاً، حتى حين. 

- نحن غرباء في الوطن فيما يبدو لا شركاء. 

- الثوار ليسوا ملائكة لكنهم على حق. 

- ليس كل من اصطفّ وراء الأسد شيطان لكنه مخطئ. 

- مهما تكلّمنا عن نسبية الحق والصواب، هناك حق وهناك صواب في هذه الثورة وعلينا أن نختار. 

- أكبر دليل على كذب النظام هو عدم إعلانه الحداد العام على الشهداء المدنيين أو حضور أي من المسؤولين لجنازاتهم: هاهي داريا تقدم مثالاً جديداً على ذلك. 

- بعضنا يثور وبعضنا يخور. 

- هذه ليست رائحة الموت بل عبق الحرية القادمة.


يا سنّة سوريا اتحدوا!


عبّر أحد الناشطين العلويين الموالين للنظام (بسام القاضي) وعلى خلفية مجزرة داريا الأخيرة عن رغبته في أن تقوم الأغلبية الساحقة المؤيدة للنظام في البلاد بسحق وإبادة الأقلية الإرهابية، أو كما قال، دون أن يدرك المضامين الحقيقية لكلامه فيما يبدو. لكن، ومن حسن حظ الأقليات الديموغرافية في سوريا أن الأغلبية الساحقة الحقيقية للشعب السوري ما تزال ترفض تبنّي هذا المنطق في تعاملها مع الأقليات، على الرغم من الإرهاب الذي يمارس ضدها يومياً باسم حماية هذه الأقليات.

سُعار الناشط الموالي هذا هو النتيجة الطبيعية لربط وتوريط طائفة بعينها بمؤسّسات الاستبداد والفساد في سوريا. ولن بسام القاضي وغيره من أبناء الطائفة العلوية بالذات إلا أن ينظروا إلى الحِراك الثوري على أنه حِراك سنّي سيحكم البلاد في حال نجاحه بذات الأساليب الاستبدادية التي استخدمها الأسد، فكيف لا نتوقّع منهم مقاومة الثورة بكل الوسائل المتاحة لديهم اليوم؟

من اللحظة الأولى إذاً كانت المعركة بالنسبة للعلويين في سوريا، وماتزال، معركة وجودية الطابع. وأمام آلة النظام الإعلامية وتورّط الكثير من التجمّعات العلوية في تشكيل ميليشيات مؤيدة للأسد تبثّ كل أنواع الشائعات والسموم وترتكب كل أنواع الجرائم منذ بداية الثورة وحتى هذه اللحظة، لم يعد بوسع أحد تقديم أية رسائل تطمينية أو ضمانات مقنعة لقلب هذه المعادلة. وبالتالي، ستبقى المواجهات القائمة بالنسبة للطائفة العلوية طائفية ووجودية في جوهرها حتى النهاية، ولن يغير وجود بعض الشخصيات العلوية الأكثر وعياً في صفوف الثورة من الأمر شيئاً في هذه المرحلة.

كل هذا يعني أن العبء كل العبء فيما يتعلّق برسم مستقبل جديد لهذا الوطن يقع بامتياز على عاتق قيادات الطائفة السنية على اختلاف مشاربهم السياسية، مع التسليم بصعوبة التعامل مع السنّة في سوريا على أنهم كيان واحد متماسك، فهم ليسوا كذلك على الإطلاق، لكن مجرى الأمور بات يتطلّب منهم التفكير وفقاً لهذا المنحى الجديد. ولقد ظهرت أصوات عدة فيما سبق تطالب بذلك ولكن دون وضع رؤية واضحة لما يعني هذا الأمر. إذ كيف يمكن للسلفي والإخواني والقبائلي والقومي واليساري والليبرالي والديري والحلبي والشامي إلخ.، أن يتفقوا على برنامج عمل مشترك؟ هذا هو السؤال وهذه هي المعضلة. إن انتصار الثورة وإعادة تركيب البنية المفتتة للدولة السورية ومن ثم إعادة إعمار ما تهدم من مدن وبنى تحتية أمور تتطلب إيجاد أجوبة ناجعة وآليات عملية وفعّالة للتعامل مع هذه المعضلة بالذات.

هناك حزمة من القضايا المصيرية التي ينبغي التعامل معها هنا، منها: العلاقة ما بين المناطق المختلفة ومابين الريف والمدينة وقضايا التنمية المحلية وحصة المجتمعات المحلية من الموارد الطبيعية المستخرجة من أراضيها، وغيرها من القضايا التنموية والإدارية. أما من الناحية الفكرية، فمالم يتمكّن إسلاميي وعلمانيي السنّة على وجه التحديد من التوصّل إلى رؤية مشتركة واضحة لطبيعة الدولة والمجتمع، فلن يكون هناك أي أمل في إنقاذ الدولة السورية من الانهيار والفشل. لكن، في حال تمكّن سنّة سوريا، على اختلاف أطيافهم ومناطقهم، من الاتفاق على رؤية مشتركة فلا شكّ عندي أن هذه الرؤية ستحتوي على الكثير من العناصر التطمينية والضمانات المتعلّقة بحقوق الأقليات الدينية والقومية، وستشكّل بالتالي قاعدة هامة لاتفاقيات مستقبلية مع سائر أطياف المجتمع عندما تصبح على استعداد للدخول في نقاش جدي حول المستقبل.

لذا أقول: يا سنّة سوريا اتحدوا.


الأحد، 26 أغسطس 2012

داريا


- داريا... الإبادة تستمر، والثورة أيضاً. 

- بتنا نخيّر اليوم ما بين الإبادة والثورة! ماذا يتوقّعون منا أن نختار؟ 

- المجازر لا تردع بل تحرّض. 

- قلوبنا تنفطر حزناً، لكن إرادتنا فُطمت على الحديد. 

- آتنا المجازر كفاف يومنا لنستمر في وجه الأحقاد، والأضداد، والقدر.


السبت، 25 أغسطس 2012

السُعار

Turmoil by APSpinks

- سُعاركم لا يثير فينا إلا الاحتقار. لم تعودوا قادرين على إثارة الخوف إلا في قلوب أبنائكم لتحولوهم إلى مرتزقة ووحوش تقتل الأبرياء وتقتات على الجيف وتخاله دفاعاً عن النفس. هكذانثأر منكم في كل لحظة تقتلونا فيها. ثأرنا أنا جعلناكم تتخلون عن إنسانيتكم طوعاً من أول يوم لثورتنا، أنا جعلناكم تخافوننا حتى السُعار، حتى التوحش. ستصبحون مضرب الأمثال في الحقد والإجرام. ستصبحون أضحوكة التاريخ. وفي النهاية سننتصر في وجه كل إجرامكم، وعوضاً عن الانتقام منكم فنفعل بكم ما فعلتم بنا، سننساكم. ستمشون بيننا ولن نراكم، ستكونون كما ارتضيتم لأنفسكم أن تكونوا: أشباحاً. فطوبى لكم.

- بعد الدمار الذي حل بالبلاد لن تجد أية فئة مأمناً في الانفصال: فما زُرع أمس في حمص ويزرع اليوم في حماة وحلب ودرعا والدير ودمشق الشام سيُحصد غداً في كل مكان. والكلام ليس عن سوريا فقط، بل عن المنطقة بأسرها. والكلام ليس تحريضاً، فهذا آخر ما أريد، لكنه استقراء للأحداث المتسارعة. فإن كان الانفصال والتقسيم هو المخطّط الذي تبناه الأسد، فهاهو الأسد يهزم نفسه من جديد، فالانفصال لن يحقّق له المأمن الذي يريد. لم يترك الأسد لنفسه أو محبّيه مخرجاً. كل شيء سينهار، والخراب سيعم البلاد والمنطقة بأسرها. حقد الأسد كان أكبر من عقله وأكثر عماءاً من قلبه. 

- لن أنتقم ولن أدعو إلى الانتقام، لكن، ليس محبة في من أخطأ بحقي، بل لأني لا أريد لأولادي وأحفادي أن يعيشوا تحت حكم شريعة الغاب. 

- على مستوى المجتمعات والدول، ومن منظور العاملين في مجال صنع السلام الأهلي، لا يكمن علاج الطائفية في التخلص من المشاعر الطائفية بل في إيجاد ترتيبات سياسية للعيش المشترك وتقاسم السلطة وتداولها. أما عملية التخلص من مشاعر الطائفية فهي عملية طويلة ومعقدة وتستغرق أجيالاً طويلة، ولا يمكنها أن تبدأ إلا عندما تقرر جميع الأطراف تسمية الأشياء بمسمياتها دون حساسية مفرطة. ولو أردنا أن نؤجل عمليات صنع السلام والمصالحة الأهلية إلى حين التخلص من الطائفية، فلن تضع الحروب أوزارها ما حيينا. 

- من حق المرء أن يتحزب لرأيه ودينه وطائفته وقومه، وأن يعبر بكل وضوح وصراحة عن تحزبه. لكن ليس من حقه أن يفرض حزبه علينا.


الجمعة، 24 أغسطس 2012

اختلطت الأوراق


- ذروا الحقد يفيض سيولاً والمجازر تتوالى: أرض الوطن ما تزال عطشى، عقود من الكلام عن مقاومة وبطولات زائفة جفّفت ترابها، عشرون شهراً من سفك الدماء لن تكفي لرويها. سنبقى نرويها بدمائنا أعواماً. 

- لا أصدقاء للسوريين اليوم ولا حتى أنفسهم: ففئات تنتصر للحق وأخرى للباطل، وجحود وقوافل تراقب وتنتظر.  

- سيصبح الناس يومها صنفان بين نادم على صمته ونادب لحظه. 

- الحياد ليس خياراً أخلاقياً في الكثير من الأحيان، بل هو تهرّب من مسؤولية الاختيار وتبعاته. 

- ليس من الموضوعية أن تعطي للقاتل ذات حقوق المقتول. 

- باسم الموضوعية والحياد يبيع البعض ضمائرهم. لكن الطامة الكبرى أن البعض يبيعونها باسم القضية أيضاً. 

- اختلطت الأوراق، وهذا بحد ذاته نصر للنظام. 

- للطغاة على الدوام فئات تؤمن بهم وتزود عنهم وتخلص لهم حتى بعد موتهم. لهتلر وصدام أتباعهم حتى اليوم. هكذا هي الحياة مفعمة بالتناقضات، ولكل حقيقته. الأسد سيزوي ويموت، لكنه سيبقى حياً كرمز وبطل في قلوب محبّينه، وسيدافعون عن ذكراه كأنه المسيح الذي كان، أو المسيح المنتظر، وسيترحّمون على أيامه، وسيبقون يرون في الثورة مؤامرة، حتى بعد انتصارها، ولن يقبلوا أبداً أن يعترفوا بأية مسؤولية تجاه ما حصل ويحصل من مجازر، سنبقى نحن الملامون في نظرهم، نحن المجرمون، وسيبقون، شئنا أم أبينا، شركاءاً لنا في الوطن، وسيبقى لزاماً علينا أن نجد طرقاً للتعايش معهم، كما هم، لأن حقدهم لن يتغيّر... وسنفعل... لابد أن نفعل... ولكن، بعد أن ننتزع النصر. هم يكسبون حقيقتهم اليوم بإمعانهم في القتل، علينا نحن أيضاً أن نكسب حقيقتنا بإصرارنا على النصر، ولا شيء دونه. دعوهم يكسبوا شرف المقارنة بأتباع هتلر، ولنتحلّى نحن بأخلاق صلاح الدين ساعة نصره. 



الأحد، 19 أغسطس 2012

ألم


- من لا يشعر إلا بآلامه يتألم وحيداً.

- نعم أنا لا أخوض في خضم الموت اليوم لكني خضته وحيداً وبعيداً عن الأنظار أمس. 

- أنا اللاجئ في الخيام، لا أريد أن تكون حياتي فيها أسهل، بل أريد أن تكون عودتي إلى ربوع الوطن أسرع، وأن تكون حياتي فيه أفضل. 

- عندما طالب الناس بالحرية فخيّروا ما بينها وبين الدمار، وما بين الأسد وحرق البلد، زالت كل الأوهام، وأصبحت مهامنا منذ ذلك الحين تشمل التحضير لإعادة الإعمار وإطفاء الحريق. 

- سنرث هذا الوطن حُطاماً ورُكاماً وسيكون علينا أن نبنيه من جديد، وسنفعل. 

- لا يُلام مظلوم على ثورته وإن جلبت عليه الدمار، فما من مظلوم ثار عبثاً ولهواً. 

- الثورة الشعبية ليست شهوة أو قراراً عبثياً، بل صيرورة لا تتفجّر إلا بعد استهلاك كل احتمالات التغيير الأخرى. 

- الثورة هي الخيار الأخير لكل مظلوم، وعندما تتفجّر لا مفرّ من المضي حتى نهاية الطريق. 

- كلنا ثائر وكلنا مسؤول عن ثورته. 


الأربعاء، 15 أغسطس 2012

لمحة شخصية


يسألني البعض هذه الأيام عن دوافعي الشخصية وعن تاريخي في العمل المعارض وكناشط، وهذا شيء طبيعي: الناس تريد أن تتعرف أكثر على المعارضة، لكن في الواقع لا أدري ماذا أقول: جلّ ما أخشاه في هذه المرحلة هو شخصنة الأمور وأن أتهم بمحاولة التسلّق. لكن، وللأمانة هاهي بعض التوضيحات: 

فيما يتعلّق بطبيعة نشاطاتي قبل 2009، فهذا حديث طويل لا أعتقد أن هذا وقته. وكنت قد ابتعدت عن الإعلام منذ 2009، وعدت مع بداية الثورة لأسابيع قليلة، لابتعد من جديد، خاصة عن الإعلام العربي، بعد امتلاء الساحة الإعلامية بالناطقين الرسميين وغيرالرسميين للثورة من الداخل والخارج. بل إني امتنعت حتى الأسابيع الأخيرة عن التعليق المنتظم على صفحات الفيسبوك من ذات المنطلق ما خلا بعض التعليقات هنا وهناك. لكني حافظت على تحديث مدونة بالإنكليزية مكرسة لمتابعة آخر التطورات اليومية المتعلقة بالثورة، ومازلت أدلي ببعض التصريحات للإعلام الغربي لتفادي النقص  في هذا المجال. ولقد قمت في الفترة الماضية بتنظيم عدة ورشات عمل حول تحديات المرحلة الانتقالية والمصالحة الوطنية في كوبنهاجن ولاهاي وواشنطن. وسأستمر في عقد مثل هذه الورشات في الفترة القادمة في محاولة لسد ثغرة هامة، في رأيي على الأقل، في النشاط المعارض.


أما عن المستقبل، فهذا بسيط: لاأريد أن يكون لي مستقبل، ليس بالمعنى السياسي على الأقل J وأعتقد، أو على الأقل أرجو، أن يكون دوري، على هامشيته، قد شارف على الانتهاء. لا أريد أن أكون وزنا زائداً.

الثلاثاء، 14 أغسطس 2012

السكرة والفكرة

 حسن عبد العظيم، رئيس هيئة التنسيق الوطنية

- مصير الأسد لم يعد مهماً، مصير البلد على المحك اليوم. 

- القمع والقصف سيستمران حتى بعد سقوط الأسد ما لم نجد طريقة للتواصل مع ممثلي المجتمعات المحلية من كل الخلفيات والطوائف للاتفاق على ترتيبات أمنية محلية تضمن السلم الأهلي. 

- أعتقد أن السَكرة قد ذهبت وعادت الفِكرة بالنسبة للكثير من مؤيدي النظام في الطائفة العلوية، وغيرها، ولقد آن أوان التفكير جدي في مرحلة ما بعد الأسد بالنسبة لهم أيضاً. المعاندة لن تفيد هنا إلا في تكريس العنف والتفتيت، وهو ليس من مصلحة أحد. من الأهمية بمكان في هذه المرحلة أن يبدأ ممثلي هذه الفئات بتعديل خطابهم المتعلّق بالثورة والثوار، فطالما استمروا بالحديث عن مؤامرة وإرهابيين لن يكون هناك مجال للحوار. 

- المعارضة التقليدية لم تتمكن من فرز شخصيات قيادية مناسبة للمرحلة، وبعد سقوط آصف وشركاه أصبح النظام بلا قيادات مناسبة أيضاً. هناك شرذمة على المستوى القيادي عند الطرفين. المسؤولون عن قيادة الثورة والمسؤولون عن قيادة القمع هم شخصيات الصف الثاني وشخصيات محلية لا يعرفها أحد، بعد. إشكالية التعامل مع شخصيات الصف الثاني خاصة في غياب آلية واضحة لصنع القرار وفي حال انعدام الثقة بينها أنها لا تستطيع اتخاذ قرار ملزم للجميع، بوسعها فقط عقد صفقات محلّية الطابع. 


الجمعة، 10 أغسطس 2012

الدين والحرية والعدل


1.
"لا للدولة الإسلامية في سوريا. لا للدولة الطائفية في سوريا. لا للدولة البعثية في سوريا. نعم للدولة المدنية، فدون ذلك الاستبداد والفساد والخراب."

أثارت المداخلة الفيسبوكية أعلاه ردوداً تطلّبت معالجة مطوّلة بعض الشيء، لذ ارتأيت نشر هذه المعالجة كمقالة أيضاً للفائدة.

بالنسبة لرأي أ. أ.ز. أولاً لاصوت للمجتمع إلا عبر الأفراد. لذا، عندما تقول أنه من "حقّ المجتمع أن يعلن رأيه تماماً كالفرد،" لايبدو الأمر دقيقاً. قلّما تكون الأمور مواجهة بين المجتمع ككل والفرد، ومحاولة إظهار الأمور على أنها مواجهة من هذا النوع هي محاولة للتقليل من أهمية أحد الأطراف، وحقّه. أعتقد أنه من الأنسب القول: من حق الأغلبية أن تعرب عن رأيها تماماً كالأقلية.

ثانياً، بالنسبة للقول "أنّ الفيسبوك أو الصحف أو التلفزيون هي حيّز مجتمعيّ عامّ و ليست حيّزاً خاصّاً بإمكان الإنسان أن يتعرّى فيه على الملأ، ثمّ يقول: لم تنظرون؟ ما علاقتكم !؟" هل يمكن للسيد أ.ز. أن يطبّق هذا المعيار على رجال الدين الإسلاميين الذين لايكفّون عن الإساءة بآرائهم لفئات اجتماعية واسعة: من أقليات دينية، وفنانين، وعلمانيين، وسافرات، و و و؟ الإسلاميون أكثرنا تعرياً في الفضاء العام. من حقّ الجميع أن يعبّروا عن آرائهم في الفضاء العام، مهما بدت آرائهم مستهجنة بالنسبة لبعض الفئات، بصرف النظر عن الحجم الديموغرافي: أكثرية أو أقلية،  وطالما خلت هذه الآراء من أي تحريض لفئة على أخرى.

2.
يقول م.ع. "الوعي المشوَّه لمفهوم الحريَّة: - أن تُعتبر الإساءة لمعتقدات الآخرين -التي يقدّسونها أكثر من ذواتهم- حقاً أصيلاً وحرية تعبير مشروعة .. وأن يعتبر رد الإساءة بمثلها .. جريمة تستحقّ الشجب والاستنكار .. وتعدياً على حقوق الآخرين وحرياتهم.. !!"
حسناً، دعونا نأخذ بعين الاعتبار هنا أن أحد الاعتراضات الرئيسة لقريش على ما جاء به محمد هو شتمه وتحقيره لآلهتهم: "سفَّه أحلامنا وسبّ آلهتنا وكفَّر آباءنا." وبالفعل، كان الانتقادات التي وجهها محمد والقرآن لآلهة ومعتقدات قريش لاذعة. هل كان على خطأ؟ هل كان يسوع على خطأ في انتقاداته اللاذعة لقومه؟ وموسى؟ ونوح؟ الإساءة إلى المقدسات والمعتقدات هي أحد أساليب الرفض، وقد لجأ إليه المفكّرون والأنبياء والفلاسفة، والعامة والخاصة، على مرّ العصور.

لاهيبة الدولة ولاهيبة الله تتأثران بالنقد. الشرائع الدولية تحمي الحقوق لا المشاعر. لاتفرضوا على الآخرين حدوداً لستم على الاستعداد للتقيد بها. مشاعر المرء مسؤوليته، حقوق المرء مسؤولية الجميع.

من ناحية الأخرى، وفي معظم الأحيان، هناك تهديدات مبطنّة أو صريحة، ليس فقط فيما يتعلّق بـ "رد الإساءة بمثلها،" بل بماهو أكثر: كالقتل أو القمع. وهاهو أبو سعد السوري يتسائل: "والله أعجب أشد العجب عندما تخرج عبارة (لا للدولة الإسلامية) من شخص اسمه عمار عبد الحميد !!أهي ردة أم ماذا؟" وكلنا نعرف ما حكم المرتد في الإسلام.

والواقع أن ما كل من يرفض الدولة الإسلامية يرفض الإسلام أيضاً، لكن في حالتي، وبما أني ليبرالي علماني، هي في الواقع "رِدة." اقتلوني حيث ثقفتموني إذاً. لكن، من ستقتلون معي و مِن بعدي؟ ومتي سيتوقف القتل؟ هل ستقتلون برهان غليون وصادق جلال العظم أيضاً؟

لاتقولوا أن هذا ليس وقت طرح الأمور كهذه، بل هي هذه الأمور التي ينبغي أن تطرح اليوم: لأننا مالم نتفق على كيفية التعامل معها اليوم، سنتناحر حولها غداً. ونحن إنما نسعى لغد أفضل للجميع.

وتذكّروا هنا، أني لاأدعو إلى قيام دولة علمانية، بل إلى دولة مدنية. لاأريد للدولة أن تتبنّى وجهة نظري أو نظر غيري فيما يتعلّق بغيببيات الأمور، فهي أمور لن نجتمع عليها ماحيينا، وهذا في الإسلام سنّة الله في خلقه. الدولة المدنية هي الدولة التي تأخذ موقف الحياد في هذه الأمور. فقضايا من هذا النوع هي قضايا حقوق أساسية لاعلاقة لها بالتغييرات السياسية في الدولة، وعقيدة التيار أو الحزب الحاكم، أو عقيدة الأغلبية أو الأقلية: هذه قضايا في صميم حرية الاعتقاد والتعبير، وهي ليست وليدة اليوم في مجتمعاتنا أو وليدة الاحتكاك مع الغرب وحسب، ولقد آن أوان أن نتفق على أساليب منطقية للتعايش معها، بعد مئات السنين من التناحر، غير مطالبة بعضنا البعض بالصمت أو بالتطنيش أو التأجيل أو التسويف.

أخيراً، دعوني أوضح أني أؤمن بالتعاون مع التيارات الإسلامية ليس في سوريا فقط، بل أينما وجدوا، والواقع أن الكثير من الائتلافات والمجالس المعارضة تحتوي على خليط ما من ممثلي التيارات الإسلامية والعلمانية، وهذا مشجّع. لكن، مازلنا بحاجة إلى تبنّي رؤى ووسائل واضحة للتعامل مع هذه القضايا ولانكتفي بالكلام في العموميات.

ولو صح ما قالت دانا المندسة: " احتفظ بهذه الكلمات في درجك .. الشعب السوري بلغ سن الرشد وهو يعرف من يختار،" لكان الأمر رائعاً، لكن من بلغ سن الرشد لا يخشى الكلمات، سواء نُشرت أو بقيت في الأدراج. والمشكلة قد لاتكون مع الشعب أكثر منها مع الناطقين باسمه. من ناحية أخرى علينا أن لاننسى أن جزءاً لاباس به من هذا الشعب مازال مع الأسد، وهذا قد يعني أنهم لم يبلغوا "سن الرشد" بعد.

3.

نعم أغلب الذين ضحّوا في الثورة هم من المسلمين السنة وربما كان أكثرهم متدينين أيضاً، لكنهم  ليسوا بالضرورة إسلاميين. فهناك مشاركة كبيرة من أصحاب التيارات المدنية والعلمانية ولقد كان لهم دور كبير في إشعال فتيلها (ياسين الحاج صالح، رزان زيتونة، سهير الأتاسي، منتهى الأطرش، فداء حوراني...). لكن، حتى لو كان معظم الثوار إسلاميين فهذا لا يعطيهم حقّ تقرير هوية الدولة. علينا أن نأخذ بعين الاعتبار الحقوق الأساسية للآخرين. إذ لايحقّ للأغلبية أن تلغي أياً من الحقوق الأساسية للمواطنين.

إن رفض طرح الدولة الإسلامية ليس رفضاً لحقّ التيارات الإسلامية في الإنخراط في العمل السياسي، إذ ليس هذا من الديموقراطية، لكنه رفض على إصرار تيار سياسي بعينه على التفرّد بتحديد هوية الدولة. إذ لايمكن لهوية الدولة أن تُقرّر من قبل حزب أو تيار معين. والاحتكام إلى صندوق الإقتراع لايكفي هنا، فالموضوع مرتبط بالحقوق الأساسية للإنسان، وهذه الحقوق غير خاضعة للتصويت، أي: لا يحقّ للأغلبية السياسية أو الدينية أو القومية أن تلغي حقاً أساسياً من حقوق الإنسان. فللديموقراطية ركنان أساسيان: أولاً، للأغلبية السياسية الناتجة عن عملية انتخاب حرة الحقّ في إدارة شؤون البلاد للفترة المتفق عليها دستورياً، وثانياً، على هذه الأغلبية من خلال إشرافها على مؤسّسات الدولة أن تضلع بمسؤوليتها في الحفاظ على الحقوق الأساسية للمواطنين، أفراداً وجماعات، على اختلاف مشاربهم السياسية والدينية والقومية، وبصرف النظر عن الحجم الديموغرافي للمكوّنات: أغلبيات كانت أو أقليات. أي، ينبغي على التيار الفائز بالانتخابات الحرة في الدولة الديموقراطية أن يحترم ويدافع عن الحقوق الأساسية لكل المواطنين بمن فيهم ممثلي التيارات الخاسرة. أي على الإسلامي أن يدافع عن حق العلماني، والعلماني عن حق الإسلامي، بصرف النظر عن حجم الخلافات الفكرية التي تفصلهما.

4.
عندما يسعى كل مكوّن سياسي أو ديني أو عرقي إلى فرض هويته على الدولة ككل: فيسعى الإسلامي لجعلها إسلامية، والعربي عربية، والكوردي كوردية، والعلماني علمانية، هناك مشكلة: فكل طرف يحاول أن يجعل من الدولة حليفاً وحامياً له ضد الطرف اللآخر، وهذا دليل على انعدام الثقة بين المكوّنات المختلفة. هذه ليست ظروفاً استثنائية، لقد مرّت معظم دول العالم، المتقدّمة والنامية، بظروف شبيهة، وبوسعنا من خلال مراقبتنا لهذه التجارب المختلفة أن نتعلّم كيف نتجاوز خلافاتنا بدورنا لنبني أرضية مشتركة تجمعنا. هذا ما تسعى الدولة المدنية إلى تأمينه.

إذا أردنا أن نعيد تجميع الأحجية السورية ونعيد بناء الدولة من جديد، فعلينا أن نتخلّى أولاً عن العقلية التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من تشتّت وتفتيت: عقلية كل شيء أو لاشيء، أو التملّص من مواجهة الوقائع كما هي والإصرار على دفن رؤوسنا في التراب.
مابعثره الاستبداد لايجمّعه إلا العدل.

الدين يفرّق والعدل يجمع، واختلاف الأديان والطوائف وتكافرها وتناحرها عبر الأجيال خير دليل على ذلك. إذ لم ينجح الناس حتى اللحظة من الاتفاق على دين واحد، ولن ينجحوا، فاتفاق من هذا النوع يخالف الطبيعة البشرية. لكن البشرية نجحت في منتصف القرن العشرين في الاتفاق على ميثاق عالمي مشترك لحقوق الإنسان ليكون مرجعاً جامعاً للعدل. لذا، ومن منطلق الرغبة في الحفاظ على اللُحمة الوطنية، والانتصار لجميع مكونات وطننا، السياسية والدينية والقومية، تأتي المطالبة بأن تقوم الدولة السورية الجديدة على أساس العدل لا الدين. وإذا كان ابن تيمية محقاً في مقولته الشهيرة أن "الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة،" فلايوجد ما يمنع المسلم المؤمن من تأييد دولة قوامها العدل، دولة ترفض التمييز بين أبنائها على أساس انتماءاتهم الدينية والسياسية والقومية، فلاتحاسبهم على أفكارهم وأقوالهم، بل على نشاطاتهم وأعمالهم.

5.
التعاطف شيء والسياسات والدعم شيء آخر، معظم الحكومات الإسلامية، بمن فيهم الحكومة الأندونيسية، ضد التدخل الخارجي لدعم الثوار، ولايقومون بشي يذكر لدعم الثوار، باستثناء بعض الدعم الإنساني من المنظمات الخيرية. الدين الإسلامي لايوحّد مواقف المسلمين وآرائهم في الكثير من القضايا الحساسة: لذا، الإيرانيون والكثير من الشيعة يقفون مع الأسد ضد الثورة. وفي سوريا، يقف معظم العلويين مع النظام، ويكفّر معظم السنة العلويين (بل والدروز والإسماعليين والحعفريين أيضاً)، وهناك مسيحيون كما تعرف، ولادينيون، لذا، من الواضح أن الإسلام لايجمعنا ولن يجمعنا. ومن هنا التناقض العملي ما بين الدين والعدل. قد يكون مفهومك الخاص للدين والعدل قادر على الجمع بين الإثنين، وانا أعرف الكثير من الإسلاميين الذين يقولون أن الدولة المدنية العادلة بالنسبة لهم هي دولة إسلامية، ولكن، ما مدى رواج هذا المفهوم عند الإسلامين؟ كلما زادت نسبة قبول هذا المفهوم عند الإسلاميين كلما تضاءلت نسبة التناقض العملي ما بين الدين والعدل.


الدين يفرّق والعدل يجمع


- عندما يسعى كل مكوّن سياسي أو ديني أو عرقي إلى فرض هويته على الدولة ككل: فيسعى الإسلامي لجعلها إسلامية، والعربي عربية، والكوردي كوردية، والعلماني علمانية، هناك مشكلة: فكل طرف يحاول أن يجعل من الدولة حليفاً وحامياً له ضد الطرف اللآخر، وهذا دليل على انعدام الثقة بين المكوّنات المختلفة. هذه ليست ظروفاً استثنائية، لقد مرّت معظم دول العالم، المتقدّمة والنامية، بظروف شبيهة، وبوسعنا من خلال مراقبتنا لهذه التجارب المختلفة أن نتعلّم كيف نتجاوز خلافاتنا بدورنا لنبني أرضية مشتركة تجمعنا. هذا ما تسعى الدولة المدنية إلى تأمينه.

- الدين يفرّق والعدل يجمع، واختلاف الأديان والطوائف وتكافرها وتناحرها عبر الأجيال خير دليل على ذلك. إذ لم ينجح الناس حتى اللحظة من الاتفاق على دين واحد، ولن ينجحوا، فاتفاق من هذا النوع يخالف الطبيعة البشرية. لكن البشرية نجحت في منتصف القرن العشرين في الاتفاق على ميثاق عالمي مشترك لحقوق الإنسان ليكون مرجعاً جامعاً للعدل. لذا، ومن منطلق الرغبة في الحفاظ على اللحمة الوطنية، والانتصار لجميع مكونات وطننا، السياسية والدينية والقومية، تأتي المطالبة بأن تقوم الدولة السورية الجديدة على أساس العدل لا الدين. وإذا كان ابن تيمية محقاً في مقولته الشهيرة أن "الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة،" فلايوجد ما يمنع المسلم المؤمن من تأييد دولة قوامها العدل، دولة ترفض التمييز بين أبنائها على أساس انتماءاتهم الدينية والسياسية والقومية، فلاتحاسبهم على أفكارهم وأقوالهم، بل على نشاطاتهم وأعمالهم.

- التعاطف شيء والسياسات والدعم شيء آخر، معظم الحكومات الإسلامية، بمن فيهم الحكومة الأندونيسية، ضد التدخل الخارجي لدعم الثوار، ولايقومون بشي يذكر لدعم الثوار، باستثناء بعض الدعم الإنساني من المنظمات الخيرية. الدين الإسلامي لايوحّد مواقف المسلمين وآرائهم في الكثير من القضايا الحساسة: لذا، الإيرانيون والكثير من الشيعة يقفون مع الأسد ضد الثورة. وفي سوريا، يقف معظم العلويين مع النظام، ويكفّر معظم السنة العلويين (بل والدروز والإسماعليين والحعفريين أيضاً)، وهناك مسيحيون كما تعرف، ولادينيون، لذا، من الواضح أن الإسلام لايجمعنا ولن يجمعنا. ومن هنا التناقض العملي ما بين الدين والعدل. قد يكون مفهومك الخاص للدين والعدل قادر على الجمع بين الإثنين، وانا أعرف الكثير من الإسلاميين الذين يقولون أن الدولة المدنية العادلة بالنسبة لهم هي دولة إسلامية، ولكن، ما مدى رواج هذا المفهوم عند الإسلامين؟ كلما زادت نسبة قبول هذا المفهوم عند الإسلاميين كلما تضاءلت نسبة التناقض العملي ما بين الدين والعدل.


الخميس، 9 أغسطس 2012

حرية الاعتقاد


الشرائع الدولية "تقدس" وتصون حرية الاعتقاد ولا تنصر معتقد على حساب آخر. وعلى أية دولة تسعى لتكون دولة لكل مواطنيها على اختلاف آرائهم ومذاهبهم ومعتقداتهم أن تنصر وتصون حرية الاعتقاد ولا تتحيز لمعتقد بذاته. هذا معنى أن تكون الدولة دولة مدنية.


الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

هوية سنّية جامعة


يدفع البعض في الآونة الأخيرة باتجاه تشكيل هوية سنّية جامعة، لكن هذا الأمر ليس مبعثاً على الاستغراب خاصة بعد مضيّ عقود طويلة من القمع باسم حماية الأقليات الدينية والطائفية، وماجرى ويجري من قمع وتفاعلات في سوريا والمهجر منذ اندلاع الثورة، لكن نجاح هذا المشروع لن يؤدي في المحصّلة إلا إلى تشكيل هوية بل هويات أقلوية جديدة، سنّية النكهة. وفي المستقبل القريب ستكون العلاقات بين هذه الأقليات السنية بالتحديد أكثر إشكالاً من العلاقات ما بين السنّة والأقليات الأخرى.

الأحد، 5 أغسطس 2012

للألم لغته الخاصة


للألم لغته الخاصة التي قد تجنح نحو الطائفية حيناً والعنصرية حيناً، لكن هذا لا يلغي حقيقة الألم. المشكلة الأكبر هي في الفعل الناجم عن الألم: الثأر. كيف نلجم نزعات الثأر عندما تنبع عن ألم حقيقي؟ لن يكون الأمر سهلاً خاصة عند تورط مثقفين ورجال دين وفنانين وغيرهم من الشخصيات التي تؤثر أقوالها في الناس في عملية التحريض، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن حسن أو سوء نية.

السبت، 4 أغسطس 2012

الأسد: النسخة العلوية لبن لادن


ما الأسد إلا النسخة العلوية لبن لادن، وما تنظيم الشبيحة إلا النسخة العلوية للقاعدة، الحقد الطائفي متجذر في عقيدة الطرفين، وكلاهما على استعداد لتدمير التاريخ (سواء تجسد في تماثيل بوذا أو مباني حمص أو حلب القديمة أو قلعة الحصن) والتجارة بالبشر والمخدرات والمبادئ من أجل السلطة ومن أجل البقاء في الساحة السياسي  والإعلامية. وهنا يجدر التنبيه أن كلا الطرفين لا يمثلان الطائفة التي يتكلمان باسمها لا من حيث التعداد ولا من حيث العقيدة.


الجمعة، 3 أغسطس 2012

المعارضة


- كل كلام المعارضة حقّ... يُراد به باطل.

- معارضة متناحرة لا تفرز استقراراً وأمناً وتنمية، بل حرباً ضروساً تأكل كل شيء.

- معركتنا مع النظام هي المعركة الأسهل وهي مجرد مقدمة لحرب طويلة وشعواء وضرورية مع المعارضة.

- لن تغفر المعارضة لشعب يرفض تبني إيديولوجياتها العقيمة وتمجيد أفرادها كما يمجّدون هم أنفسهم.

- لن تغفر المعارضة لشعب لم يقدر تضحيتها به لتحقيق أهدافها العقائدية.

- الشعب السوري اليوم يدفع ثمن "خيانته" لعقائد النظام والمعارضة معاً.

- أكرهني عندما أنتقد المعارضة، لكن أدائها عبر الأشهر الماضية يستوجب الرفض لا النقد فقط.

- نعم إنها أزمة حقيقية أن نضطر إلى رفض النظام والمعارضة في آن، لكن التعامل مع الأزمات لا يكون بالهروب منها أو دفن الرأس في التراب، بل بمواجهتها كما هي وبناء ما هو أفضل.

- جلّ عملنا في المعارضة حتى اللحظة تكالب مستمر ودؤوب على مكاسب وهمية.

- بديهية نسيناها أو تناسيناها: الهرم لايُبنى من القمة.

- لايمكن للجهود الساعية إلى تأسيس حكومة انتقالية وطنية أن تنجح ما لم تأتِ كتكليل لعملية تبدأ على المستوى المحلّي. 

- نحن بحاجة إلى بناء منظومة سياسية جديدة تتخذ من التنمية والشفافية والمسائلة الشعبية أولويات أساسية لها، ولاتخلط ما بين المثقّف والقائد السياسي، ولا تتعامل مع المناصب السياسية كمكافآت وجوائز بل كأعباء بحاجة لمن يقدر على حملها.

- من هم القادة الجدد؟ هم من يعرفون قدر أنفسهم، فلا يبخسون أنفسهم حقّها ولايتهربون من تحمل المسؤولية بدعوى التواضع، ولايسعون لشغل مناصب هم غير مؤهّلين لها كمكافأة لأنفسهم على ما قدموا من تضحيات: فالمناصب ليست تشريفاً.

- نحن بحاجة إلى إيجاد حكومات محلية أولاً تسعى إلى تأمين الاستقرار والسلم الداخلي، وإلى الحفاظ على الأمن من هجمات الشبيحة وقوات النظام. بعد ذلك يمكن دعوة قادة هذا الحكومات المحلية لتشكيل حكومة وطنية انتقالية. قد لايناسب هذا الطرح بعض الحكومات الغربية، وقد لايناسب المعارضة التقليدية، لكنه يبقى الحل الأفضل إذا ما أردنا أن نعيد تجميع قطع الأحجية السورية من جديد تحت قيادات تتمتّع بشرعية حقيقية نابعة من العمل الثوري، لا من التنظير.  

- الاحترام هو المكافأة الوحيدة التي يمكن أن نقدمها للجيل القديم من المعارضين، أما المناصب فنحجزها لمن يمتلك القدرات المناسبة على شغلها.

- أهم دور يمكن للناشطين السلميين والمثقفين والتكنوقراط أن يضلعوا به في هذه المرحلة هو العمل على تأسيس حكومات محلية قادرة على المسك بزمام الأمور وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. وعليهم في هذا الصدد التواصل مع الوحدات العسكرية المحلية التابعة للجيش الحر للتنسيق ولإيجاد دور لهم فيما يتعلّق بعملية الحفظ على الأمن المحلي، وللتوصّل إلى تفاهمات واضحة حول دور الساسة والعسكر فيما يتعلّق بإدارة الحكم محلياً. لايأتي هذا المقترح بجديد، فهذه النشاطات جارية على قدم وساق في كل أنحاء سوريا، لكن ينقص البعض في هذا الصدد أن يدركوا البعد السياسي لما يقوموا به، وأن يدركوا أنهم هم البديل وهم القادة وهم مهندسي سوريا الجديدة والمسؤولين عن إعادة هيكلتها الإدارية، وأن يسعوا لتطوير رؤى سياسية جديدة تتناسب مع هذا الواقع الجديد. وإذا أرادوا نصائح وأفكاراً في هذا الصدد، فهذا دور يمكن لبعض الشخصيات في المعارضة التقليدية في الداخل أو الخارج لعبه، وهذا أقصى ما يمكن للمعارضة التقليدية تقديمه في هذه المرحلة حتى يأتي يوم تراجع فيه تاريخها وعقائدها وتعيد استنباط أدواتها.