السبت، 25 يونيو 2016

عن الرِّدة والغَلَبَة وحرية الاعتقاد




أنَّ الرِّدة كمصطلح فقهي إسلامي هي الخروج عن الإسلام بعد الدخول فيه سواء رجع إلى دينه الأصلي قبل الإسلام أو إلى دين آخر أو أصبح لا دينيًّا أو أصبح ملحدًا، ويجب أن نعلم أن حرية الاعتقاد شيء وحرية الارتداد شيء آخر؛ لأن المرتد عرف الحق ودخل فيه ثم أدار ظهره له وخرج إلى شيء آخر، وهذا في حد ذاته انحراف... وتابع: «المرتد قد يشكل خطراً على المجتمع الإسلامي، لأن تصميمه على الخروج من عباءة الدِّين الذي كان عليه غالباً ما تصاحبه مشاعر عدائية ضد هذا الدين، لكن قد تكون هناك أزمات فكرية تمر ببعض الأفراد جعلته لم يعد يؤمن بهذا الدين، سواء تحت إغراءات مادية أو إغراءات فكرية بدين آخر أو بمذهب آخر، واكتفى بأن يخرج من دينه ويتدين بطريقة أخرى، وهذا لا يشكل خطورة على المسلمين ولا على المجتمع الإسلامي، لكن فقه القديم كله فيه أن الردة بشكل عام خطر على الإسلام وخطر على المجتمع الإسلامي. واختتم شيخ الأزهر حديثه بأن البيئة والمنطلقات والثقافات التي أنتجت حرية الردة وحرية تغيير الدين وحرية العودة إلى الدين وحرية اللادين، تختلف تمامًا مع الأرضية والثقافة التي ينشأ فيها حكم إسلامي يتعامل مع الردة، ولذلك من الظلم أن نتحاكم إلى حقوق إنسان نشأت في بيئة تختلف مع الآخر اختلافًا جذريًّا.

من حق المرء أن يغير رأيه ومعتقده، خاصة فيما يتعلق بقضايا وجدانية مثل الدين. نعم قد يشكل هذا الأمر تحدياً للمجتمع وقيمه الراسخة كما حذر الدكتور الطيب، لكن هذا الأمر لا يعطي للمجتمع الحق في تقييد حرية وجدانية كهذه، بل على المجتمع أن يوجد طرقاً أخرى للتعامل هنا غير الحد من حرية الناس، أفراداً وجماعات. إذ لم تعد حقيقة نشأة مفهوم حقوق الإنسان في بيئة غير إسلامية بذات الأهمية التي يخالها الشيخ، فبعد مرور أكثر من قرن على طرحه، وغيره من المبادئ المرتبطة بالحداثة عموماً، برزت في "ديار الإسلام" شرائح بشرية واسعة تأثرت به وأصبح لدى مكوناتها قناعة قوية بضرورته في تشكيل مصيرها. من هذا المنطلق، أصبح مفهوم حقوق الإنسان قضية مصيرية داخلية ولم يعد من الممكن التعامل معه كشأن خارجي أو فرعي.

ولا ننسى هنا أيضاً أن الإسلام نفسه مر بمرحلة من هذا النوع في بداية ما يسمى بعهد الفتوحات، مرحلة مثّل هو فيها الفكرة غريبة المنشأ في المجتمعات السورية والمصرية والمغاربية، فكرة فرضت نفسها على الساحة مستفيدة من الفرص الكثيرة التي أتيحت أمامها جراء ارتباط أصحابها ومعتنقيها بالسلطة السياسية القائمة.

 لا، لم يُجبر الناس في هذه المجتمعات على اعتناق الإسلام، لكنه أصبح واقعاً سلطوياً فيها بقوة السلاح، ومن خلال سيطرة أصحابه على مؤسسات الدولة ونفوذها، وليس بقوة معتقداته وأفكاره وحسب. لقد جاء دور الفكر لاحقاً هنا، ولقد كان للشخصيات والنخب الجديدة التي اعتنقت الإسلام وحاولت التقريب بينه وبين الثقافة السائدة في الأوساط الإجتماعية والمختلفة، دوراً كبيراً في تسهيل تقبل شرائح واسعة له من خلال محاولاتها تأسيس مصدر جديد للتشريع في الإسلام، ألا وهو الحديث – ذلك الباب الواسع الذي سمح بإسباغ غطاء إسلامي على الكثير من الأعراف والتقاليد المحلية المقدسة عن طريق إيجاد، أو بالأحرى ابتكار، سوابق لها في حياة الرسول وصحبه.

ومع ذلك، وبسبب التعقيدات الناجمة عن الاقتتال الداخلي بين المسلمين، من الصعب تصور نمو الإسلام ليصبح دين الأغلبية قبل مرور قرنين من الزمن، لكن يبقى هذا الطرح مجرد افتراض شخصي في هذه المرحلة، ولا شك أن الأمر يتطلب الكثير من التمحيص قبل البت فيه.

وتكمن القضية الأساسية هنا في أهمية إدراك أن الإسلام كان لفترة طويلة من الزمن دين الأقلية الحاكمة في معظم الأراضي الواقعة تحت سيطرته، ومع ذلك، من الواضح أن المسلمين طوّروا نظرتهم وأفكارهم وتشريعاتهم المتعلقة بالسلطة من منطلق قوة وهيمنة، سمح لهم بتجاهل حجمهم الديموغرافي الأقلوي من جهة، وبتقسيم العالم  إلى دار حرب ودار صلح ودار سلام من ناحية أخرى.

في عالمنا المعاصر هذا، أصبحت الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية قائمة على مبدأ التوازنات، الداخلية منها والخارجية. لقد أصبح مبدأ الغلبة مرفوضاً بالكامل، ليس من منطلق فكري أخلاقي وحسب، بل من منطلق عملي.  ففي عصر الأسلحة النووية والحروب الشاملة وتداخل المصالح، بل والعوالم، الافتراضي منها والمادي، وما في ذلك من تمييع لمفهوم السيادة ومناطق النفوذ، يؤدي التعامل مع المتغيرات استناداً إلى مبدأ الغَلَبَة إلى استدامة الصراعات ونشر الفوضى في كل مكان. قد يناسب هذا الأمر الحركات الإرهابية، لكنه لا يمكن أن يمهّد لقيام الدول، ناهيك عن الحضارات.

ولأن المسلمين يتعاملون مع العالم اليوم من واقع قائم على الضعف والشرذمة يشكّل الإصرار على مبدأ الغَلَبَة تكريساً لهذا الواقع.

لكن الانتقال نحو رؤية مختلفة للأمور يتطلب تحقيق قفزة أو طفرة على مستوى الوعي، إذ لا يكفي التراكم المعرفي هنا ما لم يؤدي إلى إعادة تشكيل الحدس ذاته، والدليل تعامل معظم اليساريين والقوميين العلمانيين المسلمين وفقاً لمنطق الغلبة التقليدي إياه.

من ناحية أخرى، تشكل فكرة رفض الردة من قبل علماء المسلمين، على اختلاف توجهاتهم وطوائفهم، بل وتجريمها، تمثلاً داخلياً لمبدأ الغلبة. ولهذا بالذات، لا يكمن التساهل في تعاملنا معها أو اعتبارها قضية ثانوية، بل هي القضية الأساس ونقطة الانطلاق نحو إعادة تشكيل وعينا، الفردي منه والجمعي.

ولكي لا نظن أن موضوع الردة قضية تخص الطوائف السنية وحسب، ربما كان من المفيد الإطلاع على هذه الفتوى من فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني:
  

السؤال: ما هو تعريفكم للمرتد بالتفصيل؟
الجواب: المرتد وهو من خرج عن الاِسلام واختار الكفر على قسمين: فطري وملّي، والفطري من ولد على اسلام احد ابويه أو كليها ثم كفر، وفي اعتبار اسلامه بعد التمييز قبل الكفر وجهان اقربهما الاعتبار. وحكم الفطري انه يقتل في الحال، وتبين منه زوجته بمجرد ارتداده وينفسخ نكاحها بغير طلاق، وتعتد عدة الوفاة ـ على ما تقدم ـ ثم تتزوج ان شاءت، وتُقسّم امواله التي كانت له حين ارتداده بين ورثته بعد اداء ديونه كالميت ولا ينتظر موته، ولا تفيد توبته ورجوعه الى الاسلام في سقوط الاحكام المذكورة مطلقاً على المشهور، ولكنه لا يخلو عن شوب اشكال، نعم لا اشكال في عدم وجوب استتابته. وأما بالنسبة الى ما عدا الاحكام الثلاثة المذكورات فالاقوى قبول توبته باطناً وظاهراً، فيطهر بدنه وتصح عباداته ويجوز تزويجه من المسلمة، بل له تجديد العقد على زوجته السابقة حتى قبل خروجها من العدة على القول ببينونتها عنه بمجرد الارتداد، والظاهر انه يملك الاموال الجديدة باسبابه الاختيارية كالنجارة والحيازة والقهرية كالارث ولو قبل توبته. واما المرتد الملّي ـ وهو من يقابل الفطري ـ فحكمه انه يستتاب، فان تاب وإلاّ قتل، وانفسخ نكاح زوجته إذا كان الارتداد قبل الدخول أو كانت يائسة أو صغيرة ولم تكن عليها عدة، وأما إذا كان الارتداد بعد الدخول وكانت المرأة في سن من تحيض وجب عليها ان تعتد عدة الطلاق من حين الارتداد، فان رجع عن ارتداده الى الاسلام قبل انقضاء العدة بقي الزواج على حاله على الاقرب وإلاّ انكشف انها قد بانت عنه عند الارتداد. ولا تقسم أموال المرتد الملي إلاّ بعد موته بالقتل أو غيره، وإذا تاب ثم ارتد ففي وجوب قتله من دون استتابة في الثالثة أو الرابعة اشكال. هذا إذا كان المرتد رجلاً، واما لو كان امرأة فلا تقتل ولا تنتقل اموالها عنها الى الورثة إلاّ بالموت، وينفسخ نكاحها بمجرد الارتداد بدون اعتداد مع عدم الدخول أو كونها صغيرة أو يائسة وإلاّ توقف الانفساخ على انقضاء العدة وهي بمقدار عدة الطلاق كما مر في المسألة (٥٦٣). وتحبس المرتدة ويضيّق عليها وتضرب على الصلاة حتى تتوب فان تابت قبلت توبتها، ولا فرق في ذلك بين أن تكون مرتدة عن ملة أو عن فطرة.


الاثنين، 13 يونيو 2016

عن الوجود والوعي والإله


1.
الإنسان محور وجوده، ضميره المركز، وعقله القمة، وفي سعيه لصيانتهم يبني مجده. ويكمن التحدي الحقيقي الذي يواجه الإنسان عند تعامله مع هذا الواقع في تجنب الخلط بين فطرية تمحوره حول نفسه ووهم تمحور الوجود حوله. فالأول انعكاس طبيعي لوعي المرء بذاته، والآخر سقطة تحول دون إدارك المرء لحقيقة موقعه من الإعراب.

2.
لا شيء يحدث قبل أوانه أو بعده، قوانين القدر صماء كلها، وإن رفضت أحاسيسنا تقبل ذلك.

3.
نحن من نعطي اللحظات والأحداث والأشياء معناها، لا يبالي القدر بذلك، بل لا قدرة له على المبالاة، فلا عقل لديه، ولا وعي، إلا من خلال ما أسبغنا عليه نحن من عقولنا ووعينا، وما حياتنا في الواقع إلا محاولة مستمرة لتعقيل القدر وتوعيته، بل لإحيائه ونفخ الروح فيه، لتعريفه وإعادة تعريفه باستمرار، لتوجيهه واحتوائه، وربما، ومهما بدا الأمر مستحيلاً، أو كان، لاقتنائه...  لا معنى للقدر بلانا، أو على الأقل، بلا كائنات تعيه، وتسبغ عليه من عقولها ووعيها.

4.
عندما نتأمل في كلية الوجود، أي في الكون بكل أبعاده، التي لا تقتصر على الأربعة الشهيرة إياها: الطول، العرض، الإرتفاع، الزمن، بل تتعداها لتشمل أبعاداً أخرى لا قدرة لنا على استيعابها حالياً لخروجها كلية عن عالم خبراتنا اليومية، والتي نستدل على وجودها مع ذلك من خلال سبرنا لكيفية نشأة وتطور الكون، ومن خلال الافتراضيات التي وضعها العلماء في هذا المجال بناءاً على مشاهداتهم واكتشافاتهم وأبحاثهم... عندما نتأمل في كلية هذا الوجود يفقد الزمكان بأبعاده الأربعة إياها معناه، كوننا نتعامل هنا مع إمكانية الوجود خارج نطاقه وخارج الأطر والدلالات التي ترسمها مفاهيم مثل هنا وهناك، وبداية ونهاية، وقبل وبعد، وسبب ونتيجة، وخالق وخليقة. ولهذا بالذات يستحيل علينا التوصل إلى نتائح قابلة للنطق وللشرح والاستيعاب باستخدام وسائلنا اللغوية والفكرية إياها. ولهذا أيضاً، لا معنى على الإطلاق لكل ما يوجد في الكتب "المقدسة" من ادعاءات حول الخلق والخالق والخليقة، أو حول أي من العلوم الموضوعية، ولا معنى لتعاملنا مع مسألة الخلق والخالق من منطلق التقاليد والموروث واليقينيات، خاصة عندما يأتي التعامل مع هذا الهاجس على حساب قضيتنا المصيرية الأولى كبشر: العيش بكرامة.

5.
عندما يتحدث عالم مثل ميتشيو كاكو عن أنه وجد إثباتاً على وجود الله، أو، كما قال، على وجود "ذكاء" ما مسؤول عن خلق الكون ووضع قوانينه، فهو لا يتحدث عن الله كما هو في القرآن والتوارة والإنجيل، أو كما يفهمه الهندوسيون أو البوذيون، وهو بالتالي لا يثبت صحة أي دين أو عقيدة دينية، ولا يثبت ما جاء به الرسل والأنبياء المزعومون، ولا يبرهن على قدسية أي تراث. كل ما في الأمر أنه يقدم تفسيره الخاص لظاهرة كونية ما تزال قيد الدراسة والبحث. لكن، ولأنه استخدم مصطلح الله السحري، سيهرع أهل الدين لالتقاف كلماته واستخدامها لتثبيت معتقداتهم الخاصة بكل ما فيها من تناقضات داخلية وبينية، وقصور، وتنافي مع معطيات العلوم الموضوعية.


وبالعودة إلى مفهوم "الذكاء الخلاق" الذي طرحه كاكو، فكلامه هنا لا يحتوي على أي إدعاء فيما يتعلق بكمال ذلك "الذكاء" المفترض وعصمته وقيمه ونواياه. كما أنه لا يدعونا إلى عبادته وتقديم فروض الطاعة له من خلال طقوس معينة، ما خلا الالتزام بالتجارب والأبحاث العلمية ومعطياتها. وأخيراً، لا يستدعي وجود هذا الذكاء وجود غرض واضح من وراء الخلق.

والكون الذي يتعامل معه كاكو هنا هو كون مؤلف من إحدى عشر بعداً (لا وجود فيه لشمس أو قمر يسجدان له، كما في حلم يوسف)، وهو الكون الذي تفترضه نظرية النوابض الخارقة والفيزياء الكمية (الكوانتية). لا معنى في هذا الكون لمفاهيمنا التقليدية المتعلقة بالزمان والمكان، وبالتالي الخالق والمخلوق. إن العلاقة مابين الوجود والوعي في هذا الكون علاقة تفاعلية الطابع يؤثر فيها المُراقِب على سلوك الظاهرة التي يقوم بمراقبتها، فيصبح المراقب هنا جزءاً من الظاهرة، جزءاً من عملية الخلق: سبباً ونتيجة في آن.

6.
أية علاقة تلك التي تربط الوجود والوعي؟ أيهما جاء قبل الآخر؟ هل يستحضر أحدهما الآخر بالضرورة؟ هل هما متزامنان عبر الأبد؟ وهل يعتبر الزمن جزءاً من الوجود أم الوعي، أم كلاهما؟ وأي شيء يترتب على ذلك؟ تبقى هذه الأسئلة مطروحة على بساط البحث.

7.
يختلف إحساسنا بالزمن بين اليقظة والمنام، بل بين مرحلة وأخرى في اليقظة والمنام، وبين فرد وآخر، وبين ثقافة وأخرى، فما هو الزمن إذاً؟ أقانون موضوعي، أم نتاج للوعي الذاتي، فردياً كان أم جمعياً، أم الإثنان معاً؟ بصرف النظر عن الإجابات، يدل وجود أبعاد موضوعية وذاتية لمفهوم أساسي مثل الزمن، ووجود علاقة تفاعلية بينها، على تعقيد المسائل المتعلقة بوجودنا في هذا الكون، وعلى ضرورة التعامل معها كأسئلة بحثية مفتوحة، وعدم تقييد أجوبتنا المطروحة عليها، وبالتالي تقييد عقولنا، بنصوص مقدسة، وأجوبة جاهزة. 

8.
لا معنى لما لا يُدرك، وإن وُجد، وكان هو الحق والحقيقة. بل سنبقى متمحورين حول مداركنا، وإن جانبها الصواب، فلا مفر من ذلك. وما إيمان الكثير منا بالغيبيات إلا محاولة بائسة للالتفاف على هذا الواقع. لكن هيهات. ستبقى كل أسئلتنا مفتوحة، وإن أغلقنا عقولنا. إن قدرتنا على توسيع مداركنا من خلال اكتساب معارف جديدة لا تلغي محدوديتها اللحظية، لكنها تعطي البعض منا، ذلك البعض الذي لم تعد الأوهام تغريه أو تكفيه،  دافعاً للاستمرار، للبحث.

9.
لا معرفة بلا إدراك، ولا إدراك بلا وعي، ولا وعي بلا حواس.

10.
لا وعي بلا حواس، لا روح بلا جسد. الإنسان في كله لا في تباعيضه.


السبت، 11 يونيو 2016

مؤمنون هم


مؤمنون هم، أعماهم تكثف اليقين في الأحداق والقلوب، وأذابت عصارته العقول.  

مؤمنون هم، تتجلى مواهبهم الأساسية في إتقانهم لفنون التقليد وتعمقهم في عوالمه، وتهدف أبحاثهم العلمية دائماً لإثبات أنهم على حق، دائماً.

مؤمنون هم. أُهديت لهم "الحقيقة" بتفاصيلها جاهزة، كاملة ومنسقة. جاءتهم وحياً، وإرثاً وعنعنة، فكيف يتحرّرون؟ وكيف يبدعون؟ وكيف يحكّمون العقل في أية مسألة وهم من ضحّى بجلّه حرصاً على "قدسية" إيمانهم و "أصالته،" وكرّسوا ما بقي منه للتشكّي من هوانهم على الكون؟

مؤمنون هم، لذا، ضالّون هم. نهلوا من الماضي حتى الثمالة، وخاضوا فيه حتى الغرق، فأضاعوا حاضرهم والمستقبل. وفيما تلهج أقلامهم وألسنتهم بالتوحيد تبقى قلوبهم وضمائرهم عامرة بالشرك والوثنية، وهاهي ذي ألسنتهم اليوم، كما في كل يوم، تغزل أزياء جديدة لأكاذيب وأوهام قديمة، فيما أضحت صدورهم قبوراً للرحمة، ورؤوسهم توابيت للمعرفة.

مؤمنون هم.