لم
يعرف التاريخ موحِّداً خيراً وأفضل تمثيلاً وتمثّلاً لقانون الله وشرعه الحقيقيين من
أولئك الذين تحاشوا النطق باسمه، والالتحاف بعباءته، وتجنبوا تقديسه، وكفروا بكل ما
نسب إليه من أسماء وصفات وأديان وشخوص لما في ذلك من ادعاء وتطاول وشرك ووثنية. بل
ذهبوا أبعد من ذلك، فشكَّكوا بوجود الله ذاته، لكن، ليس من منطلق التكبر، بل استحياءاً،
لأن التعامل مع المطلق واللامحدود من قبل كائنات محدودة وناقصة ينطوي على قدر كبير
من الصلف والغرور.
*
قد
يسأل البعض: كيف يتسنى للاديني أن يتحدث عن التوحيد والشرك والوثنية؟ أليست هذه
القضايا بطبيعتها غيبية وإيمانية؟ أجل، هناك بلا شك بعد ديني لهذه
المصطلحات، لكن هذا الأمر لا يتعارض مع وجود أبعاد أخرى لها في هذا العصر. فالتوحيد
في أيامنا هذه أصبح فرضية موضوعية قائمة على جملة من الحقائق العلمية المثبتة،
وأخرى مازلت قيد البحث. وفي تأمل المثبت من هذه الحقائق ومتابعة ما يجري من بحوث
في هذا الصدد ما يكفي من الروحانية لشخص لاديني مثلي. من هذا المنطلق، يمثل الشرك
هنا خلطاً ما بين هذا البعد الموضوعي للظاهرة واليقينات الغيبية إياها. أي أن الشرك
ينجم عن الخلط ما بين الموضوعي والغيبي في محاولة لتقديم إجابات حاسمة، أي يقينات،
حول المطلق، مما يتعارض مع كون التوحيد عملية بحث مستمرة: سيرورة وصيرورة في آن.
أما الوثنية، فمشكلتها الأساسية تكمن في تجريدها لما أو من تقدس من قيمته الأصيلة وذلك
من خلال تركيزها على ما نُسِجَ حوله من أوهام وأمنيات وعلى ما عُلِّقَ عليه من
آمال وتوقعات.
*
لا
تُحطَّم الأوثان بالكسر بل بالفهم، ولا تُفنَّد الأفكار بحرق الكتب، أو تُحمى بتقديسها،
إذ لا يُنافَح الفكر إلا بالفكر، ولا الكتاب إلا بالكتاب.
*
وحدهم
الوثنيون يتبارون في كسر أوثان بعضهم بعضاً، أما الموحّدون، فلغتهم لغة الفكر والفن،
لغة العلم الموضوعي والحوار البناء، لغة الإبداع والإرتقاء المستمر بالوعي، لغة
التعاون، أو التنافس الشريف.
*
من
الوثنية أن تكسر صنماً، أو تحرق كتاباً، أو تقدس فكرة أو شخصاً. ففي الكسر والحرق
والتقديس تكريس للوثنية لا تقويض لها.
*
الإيمان
صلف وجهل، التوحيد بحث ومعرفة.