الأحد، 22 مايو 2016

في التوحيد مرة أخرى


لم يعرف التاريخ موحِّداً خيراً وأفضل تمثيلاً وتمثّلاً لقانون الله وشرعه الحقيقيين من أولئك الذين تحاشوا النطق باسمه، والالتحاف بعباءته، وتجنبوا تقديسه، وكفروا بكل ما نسب إليه من أسماء وصفات وأديان وشخوص لما في ذلك من ادعاء وتطاول وشرك ووثنية. بل ذهبوا أبعد من ذلك، فشكَّكوا بوجود الله ذاته، لكن، ليس من منطلق التكبر، بل استحياءاً، لأن التعامل مع المطلق واللامحدود من قبل كائنات محدودة وناقصة ينطوي على قدر كبير من الصلف والغرور.

*
قد يسأل البعض: كيف يتسنى للاديني أن يتحدث عن التوحيد والشرك والوثنية؟ أليست هذه القضايا بطبيعتها غيبية وإيمانية؟  أجل، هناك بلا شك بعد ديني لهذه المصطلحات، لكن هذا الأمر لا يتعارض مع وجود أبعاد أخرى لها في هذا العصر. فالتوحيد في أيامنا هذه أصبح فرضية موضوعية قائمة على جملة من الحقائق العلمية المثبتة، وأخرى مازلت قيد البحث. وفي تأمل المثبت من هذه الحقائق ومتابعة ما يجري من بحوث في هذا الصدد ما يكفي من الروحانية لشخص لاديني مثلي. من هذا المنطلق، يمثل الشرك هنا خلطاً ما بين هذا البعد الموضوعي للظاهرة واليقينات الغيبية إياها. أي أن الشرك ينجم عن الخلط ما بين الموضوعي والغيبي في محاولة لتقديم إجابات حاسمة، أي يقينات، حول المطلق، مما يتعارض مع كون التوحيد عملية بحث مستمرة: سيرورة وصيرورة في آن. أما الوثنية، فمشكلتها الأساسية تكمن في  تجريدها لما أو من تقدس من قيمته الأصيلة وذلك من خلال تركيزها على ما نُسِجَ حوله من أوهام وأمنيات وعلى ما عُلِّقَ عليه من آمال وتوقعات. 

*
لا تُحطَّم الأوثان بالكسر بل بالفهم، ولا تُفنَّد الأفكار بحرق الكتب، أو تُحمى بتقديسها، إذ لا يُنافَح الفكر إلا بالفكر، ولا الكتاب إلا بالكتاب.

*
وحدهم الوثنيون يتبارون في كسر أوثان بعضهم بعضاً، أما الموحّدون، فلغتهم لغة الفكر والفن، لغة العلم الموضوعي والحوار البناء، لغة الإبداع والإرتقاء المستمر بالوعي، لغة التعاون، أو التنافس الشريف.

*
من الوثنية أن تكسر صنماً، أو تحرق كتاباً، أو تقدس فكرة أو شخصاً. ففي الكسر والحرق والتقديس تكريس للوثنية لا تقويض لها.

*
الإيمان صلف وجهل، التوحيد بحث ومعرفة.

الخميس، 12 مايو 2016

مزبلة التاريخ


مزبلة التاريخ. كم سئمت هذا المصطلح. هل تريدون أن تعرفوا حقاً من يقطن حالياً في مزبلة التاريخ إياها: نحن. نحن المتآمرون على أنفسنا باسم الله والوطن والقائد والشعب والقومية والعقيدة والمجد. نحن المنتصرون على بعضنا البعض نصرة لبعضنا على بعض. نحن الوثنيون. نحن الذين لم نعرف من الحياة شيئاً إلا الغرق في الموت والخوف، الخوف من بعضنا البعض، من التغيير، من كل شيء. نحن الذين نخشى أن نبدأ الحياة من جديد، مجردين من أسمال الماضي. نحن المدمنون على الأوهام. نحن من نخال أنفسنا مركز الكون، وسر الوجود، وقمة الخليقة، فيما نقبع محاطين بجيف أحلامنا المتفسخة، هنا/هناك... في مزبلة التاريخ، إياها.


الاثنين، 9 مايو 2016

عن الماضي والمستقبل


* الأفكار التي مهدت لأمجاد الماضي لن تمهد لأمجاد المستقبل. فلو كان بوسعها ذلك، لكان الحاضر ذاته مجيداً، فما الحاضر إلا مستقبل الماضي، أليس كذلك؟ ولنا في وقائعه وحقائقه خير دلالة على نوعية الحياة التي يمكن لأفكار الماضي أن تقدمها لنا اليوم. وقبل أن نبرر كون الحاضر أبعد ما يكون عن المجد بالإشارة إلى تخلي القوم عن أفكار ومعتقدات بعينها، علينا أن نشرح أولاً كيف يمكن لقوم أن يتخلوا عن هذه الأمور لو كنت بالفعل قادرة على تحقيق مصالحهم والإرتقاء بهم إلى مستوى طموحاتهم ومساعدتهم على مواكبة الأزمنة بتطوراتها ومتغيراتها المختلفة. أجل، بوسع الشعوب أن تنهض من جديد، وتبني حضارات جديدة، لكن هذا لن يتم إلا بناءاً على أفكار جديدة، إذ لا يمكن للشعوب أن تستعيد الماضي مهما فعلت، ولا يمكن لها أن تؤسس لنهضة جديدة باجترار أفكاره، ولقد أخفقت كلما حاولت. وإلى أن تتصالح الشعوب مع هذه الحقيقة، ستبقى غارقة في مستنقعات الحيرى والتخبط، عاجزة عن صم آذانها عن عويل الماضي، أو عن تلبية نداء المستقبل.

* لن تعوضنا أمجاد الماضي ومعارفه عن هواننا في الحاضر. وحده المستقبل قادر على التعويض، إن سعينا له.

* من أراد لمستقبله أن يكون نسخة عن ماضيه لا مستقبل له.

* طالما بقينا جسوراً وأقنية تربط الماضي بالمستقبل سنبقى عبيداً له. علينا أن نصبح غرابيلاً للماضي لنبقى أحراراً اليوم، وفي الغد.