السبت، 15 مارس 2014

أزمتنا اليوم


هناك الكثير من الخبراء العقلانيين من صفوف اليمين واليسار ممن تتميّز تحليلاتهم السياسية للأزمات المختلفة التي تجري من حولنا بالذكاء في معظم الأحيان، ومع ذلك، يبدو أن معظمهم يغفل لسبب أو آخر التعامل مع القضية المحورية التي تواجهنا اليوم وتلك النزعة التي تحرّك كل الأحداث في هذه المرحلة: حقيقة أنه عندما تقوم نخبة حاكمة في مكان ما بارتكاب جرائم وانتهاكات كبيرة دون أن تتعرّض للمسائلة والعقاب في هذه المرحلة من صيرورتنا التاريخية، فأن هذا الواقع سيمهّد مع الوقت طريقنا إلى فوضى واسعة النطاق قدارة على تشكيل تهديد وجودي للبشرية جمعاء.

إذ لايمكن لأساليب إدارة الأزمات التي استخدمناها في القرون الماضية، بما فيها القرن الثامن عشر والتاسع عشر وحتى القرن العشرين، أن تساعدنا على التعامل بشكل ناجع وفعّال مع التحديات التي نواجهها اليوم. لا وجود لأمم حصينة اليوم، ولا يمكن لأي شعب أن يحمي نفسه من تبعات بعض الأزمات التي قد تبدو لوهلة محلية الطابع. لا وجود في عالمنا اليوم لأزمات محلية إلا فيما ندر، لقد أضحت معظم الأزمات التي ينبغي علينا التعامل معها اليوم عالمية الوقع والتبعات، لأن الإنسانية، وعلى الرغم من كل الحدود الكائنة وتلك التي يتمّ تصنيعها بشكل أو آخر، أضحت متوحّدة الحال، خاصة فيما يتعلّق بالتطلّعات والرغبات الأساسية للشعوب والمجموعات والأفراد المكونيين لها. لقد أضحت أقدارنا أكثر ترابطاً وتخالطاً مما كانت عليه في أي وقت مضى. هذه هي النتيجة الطبيعية لعولمة بدأت مذ بدأت الخليقة.

لهذا نجد أنفسنا اليوم وأكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى تكوين رؤية عالمية ونظام عالمي عادل وواضح المعالم ليساعدنا على إدارة شؤوننا من خلال مؤسّسات عالمية تعمل وفقاً لإطر ديموقراطية وشفافة لتحقيق التطلّعات ولحفظ النظام في كل زاوية وبقعة. لقد آن أوان البدء بالتفكير وبشكل جدّي بكيفية إنشاء حكومة عالمية تساعدنا على إدارة التحديات التي تواجهنا اليوم والذي لم نعد نملك فيه رفاهية التعامل مع طرح هذا النوع من خلال قصص الخيال العلمي وحسب، لإن كل أزمة تواجها اليوم من صراع الهويات، إلى سياسات الطاقة، وتجارة المخدرات والرقيق، والكوارث البيئية المختلفة، تشير بوضوح إلى العجز ذاته: غياب المؤسّسات الحاكمة والعادلة التي يمكننا اللجوء إليها وقت الأزمات أو لكي نتجنّب الوقوع في الأزمات أساساً. لكن لا يمكن للأفكار التي لاتجد من يتبنّاها أن تزدهر، وهذا هو مصدر تشاؤمي في هذه المرحلة، إذ  ما زالت النخب السياسية الحالية الفاعلة على الساحة الدولية اليوم غير راغبة في مواجهة حقيقية الأزمة التي نمرّ بها، وبالتالي سنبقى نتصارع ونتخبّط، دون هوادة أو وجهة.