فيما يلي الحلقة الثالثة
من برنامج "بين سام وعمار"
إظهار الرسائل ذات التسميات الفدرالية. إظهار كافة الرسائل
إظهار الرسائل ذات التسميات الفدرالية. إظهار كافة الرسائل
الجمعة، 30 مارس 2018
الأربعاء، 30 مارس 2016
"النصر" و "الهزيمة" في عالمنا المعاصر
![]() |
لوحة للرسام الفرنسي شارل لبرون (1616-1690): عائلة الإمبراطور الفارسي داريوس تركع أمام الإسكندر المقدوني بعد انتصاره. |
النصر بمعناه التقليدي المألوف لدينا من خلال الأساطير و
"الحواديت" التاريخية المنتشرة في ثقافتنا يقتضي عادة هزيمة الطرف الآخر
بشكل تام وماحق يشمل السيطرة على المناطق التي خضعت لسيطرته في مرحلة ما بشكل تام،
وربط مصيره بمزاجية قائد الجانب المنتصر وحساباته المرحلية الخاصة.
وفقاً لهذا التعريف، ولاستقرائي الخاص للواقع القائم اليوم،
بوسعي أن أؤكد أن ما بوسع أي طرف من أطراف النزاع الحالي في سوريا، محليين كانوا،
أم إقليميين، أم دوليين، أن يحقق هذا النصر مهما فعل.
فتحقيق نصر من هذا النوع، وهو الأمر الذي يشتهيه كل طرف
محلي، لا يحقق بالضرورة مصالح حلفائه، الإقليميين والدوليين، ولا ينسجم مع متطلبات
مصالحهم أو مع حساباتهم الخاصة بالتطورات والتوازنات القائمة في بلدان ومناطق أخرى.
إن هذه الاعتبارات تحتم على القوى الإقليمية والدولية المعنية بالصراع السوري
القيام بـ "إدارة الصراع" لا محاولة حسمه لحساب أي طرف، لأن الهدف
بالنسبة لهم لا يتجاوز إجراء تعديل، أو تعديلات، ما في التوازنات القائمة، لا
السعي وراء انهيارها، لما في ذلك من انعكاسات سلبية محتملة على الجميع. علاوة على ذلك،
هناك إدراك أعمق عند الكثير من هذه الأطراف، بالمقارنة مع اللاعبين المحليين على
الأقل، لحجمهم الحقيقي من الإعراب، سياسياً واقتصادياً وبنيوياً، وبالتالي لأي مدى
يمكن لهم المغامرة بالتدخل وقلب الموازين.
من ناحية أخرى، هناك عامل جدي آخر لابد من التنويه إليه هنا
لتأثيره المباشر على معظم القرارات المتخذة فيما يتعلق بكيفية إدارة الصراع في
سوريا، ألا وهو عامل الثقة، سواء بالنوايا أو بالقدرات. ففي حين يبدو أن بوسع
الأطراف الإقليمية والدولية أن تثق ببعضها البعض إلى حد معقول، بسبب التاريخ
الطويل لتفاعلاتها المشتركة، الودية منها
والعدوانية، وإدراك معظمها بشكل أو آخر لضرورة الحفاظ على بعض، إن لم نقل معظم،
التوازنات القائمة بينها، وتجنب التسرع والتهور في المحاولات الجارية لتعديلها، لا
يبدو أن لدى أي من هذه الأطراف ثقة كبيرة بالجهات المحلية التي يدعمها لا من حيث
النوايا، ولا من حيث الكيفية التي يمكن أن تتصرف بها في حال تحقق لها النصر الحاسم
والنهائي، ولا من حيث القدرة على تحمل مسؤولية الحكم في المرحلة التالية.
فإن كان حلفاء الأسد يريدون له أن يبقى في هذه المرحلة،
فهذا لا يعني أنهم يثقون به ويريدون له أن ينتصر. بل هم يفضلون له أن يبقى في حاجة
مستمرة إليهم حتى يتعبوا هم منه، ويتمكنوا من إيجاد معادلات أخرى للسيطرة على
المناطق التي يرغبون بها في البلد عن طريق شخصيات وتوازنات داخلية أخرى. أي أن
الأسد بالنسبة لهم لا يزيد عن كونه ستار يمكن له أن يخفي وراءه أهدافهم الحقيقية
ومساعيهم إلى تقسيم سوريا لمناطق نفوذ خاضعة لهم، بشكل أو آخر: المناطق الساحلية
لروسيا، والمناطق الجنوبية والوسطى لإيران وميليشياتها الشيعية المتطرفة، بحيث
تحظى أخيراً بممر بري يصل طهران بالبقاع
وبيروت، عن طريق بغداد وتدمر وحمص ودمشق، خاضع لسيطرة مباشرة من قبل ميليشياتها
الطائفية.
ويمثل الأسد أيضاً ورقة ضغط يمكن استخدامها في العملية
التفاوضية للتسويف وللتحصل على تنازلات من حلفاء الجهات المعارضة إلى أن يأتي
الوقت المناسب لحرقها. وقد تكون اللحظة قد اقتربت، بالذات لأن الأسد يبدو غير قادر
على إدراك ذلك، ومايزال يتكلم ويتصرف وكأنه سيد الموقف.
أما بالنسبة للدول الداعمة للمعارضة، بشكل أو آخر، فإن
لم تكن الحقيقة واضحة فيما قبل، فلابد أنها قد أصبحت واضحة اليوم: إن دعم هذه
الدول للمعارضة كان دئماً مشروطاً برؤيتها الخاصة للكيفية التي ينبغي من خلالها
إدارة الحكم في سوريا في المرحلة التالية.
![]() |
لوحة للرسام الفرنسي يوجين دولاكروا (1798-1863): سقوط القسطنطينية على أيدي الصليبيين في 12 نيسان/أبريل، 1204. |
إذ سعت كل من تركيا وقطر إلى تحقيق انتقال يضمن استمرار
الدولة المركزية لكن تحت سيطرة إخوانية "مدنية"، بحيث لا يتحقق للإكراد
ما يريدون، أي دولة لامركزية أو فيدرالية، ولا يتحقق للقوى العلمانية ما تريد:
دولة علمانية ديموقراطية. من هذا المنطلق جاءت سياسة العزل التي مارسها الأتراك
بحق الضباط المنشقين، العلويين منهم خاصة، بالتوا زي مع محاولاتهم المستمرة
لاختيار مَنْ من الضباط السنة يمكن لهم دعمه، أو بالأحرى، مَنْ منهم يبدي انفتاحاً
على موضوع التعامل مع الإخوان والقبول بسلطتهم السياسية. ولنا في ما حصل مع الضابط
حسين هرموش، مؤسس حركة الضباط الأحرار، خير مثال على الكيفية التي قامت بها
السلطات التركية بالتلاعب بالمنشقين وتحييد من لم يرق لها منهم. وإن لم يقدر لهذه
المحاولات أن تنجح تماماً، فهي لم تخفق كلية أيضاً.
أما السعودية، فكانت معنية أكثر بدعم التيارات السلفية
على حساب حركة الإخوان المسلمين، لا لأسباب دينية، لكن لأن الإخوان، كما أبدوا في
مصر، كانوا دائماً على استعداد لإيجاد صيغة تعاونية ما مع إيران من منطلق السياسة
الشرعية، أما التيارات السلفية الوهابية فيمكن للسعودية الاعتماد عليها أكثر في
هذا الصدد بسبب عدائهم الأعمى للشيعة، مما يضمن قيام حكومة غير مهادنة لإيران بعد
سقوط النظام الأسدي في سوريا، وهو الهدف الأساسي للسعودية فيما يتعلق بالنزاع في
سوريا، في حين لا تمثل قضية الفدرلة عائقاً كبيراً بالنسبة لحكامها.
أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فلقد أبدت
إدارة أوباما تخوفها من الملف السوري منذ اللحظة الأولى، بسبب اهتمامها الأكبر
بالمفاوضات الجارية مع إيران حول برنامجها النووي، ورؤيتها الإيديولوجية التي تصور
لها إمكانية إعادة تأهيل إيران كلاعب إقليمي هام في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى،
لاعب يمكن التعويل عليه لتحقيق الاستقرار في المنطقة في المستقبل، لاعب لا يمكن
لمشاغباته المتكررة أن تكون مصدراً كبيراً للإزعاج، خاصة بعض تجميد وتحجيم برنامجه
النووي، لأن صبغته الديموغرافية والسياسية، أي كونه بلداً شيعياً محكوماً من قبل
نخبة دينية، ستحد من قدرته على التأثير على الصيرورات المختلفة من حوله، وستمنعه
من التحول إلى مصدر للقلق. وفي حال تمردت إيران وأصرت على لعب دور أكبر من حجمها،
سيتم تذكيرها بمدى هشاشتها من خلال تقديم دعم حقيقي للمعارضات المختلفة فيها. فإن
بدت إيران مستقرة اليوم فذلك بسبب وجود إرادة دولية، غربية بل أمريكية على وجه
التحديد، تحبذ ذلك، وليس لأنها تملك مقومات الاستقرار بالضرورة. وهناك ما يكفي من
الحصافة عند قادتها ليدركوا حقيقة الأمر. على الأقل، هذه هي رؤية الإدارة الإمريكية
الحالية والواقعيين السياسيين للأمور.
من ناحية أخرى، ما كان بوسع الإدارة أن تترك الحكم في
بلد محوري مثل سوريا يقع في أيدي معارضة متخبطة كالمعارضة السورية، معارضة لا تملك
أية مقومات تؤهلها للتعامل مع الملفات المعقدة المتعلقة بشكل أو آخر بسوريا. لذا،
نرى الإدارة مصرة على بقاء مؤسسات الدولة، الذي يستتبع بقاء الكثير من الشخصيات
التابعة للنظام في مكانها.
![]() |
جانب من لوحة للرسام الفرنسي شارل لبرون (1616-1690): الإسكندر المقدوني يعاين حال غريمه حاكم مدينة بور أثناء معركة هيداسبيس. |
نظراً لكل هذا، لا شك هناك في لاجدوى الجدال الجاري بين
فئات المعارضة حول موضوع طبيعة المرحلة الانتقالية والفدرلة، لأنا ما زلنا في الواقع
نرزح تحت "انتداب لين" وغير معلن، بل لا يمكن له أن يعلن، من قبل قوى
إقليمية ودولية مختلفة، تتطلب مصالحها ورؤاها الخاصة، المتعارضة في الكثير من الأحيان،
في هذه المرحلة والمراحل القادمة، إجراء بعض التعديلات فيما يتعلق بالحدود وآليات
إدارة الدول للحكم، سواء في منطقتنا أو المناطق المجاورة. وليس ما يجري من صراعات
في سوريا والمنطقة إلا ضرباً من ضروب التفاوض بين هذه القوى.
ويبدو اليوم أن اعتماد النظام الفدرالي في سوريا مع رحيل
اللأسد في المستقبل القريب، أو اغتياله، وهو الاحتمال الأكبر، بات يمثل حلاً
مقبولاً لهذه القوى.
من أعطى هذه الدول الحق في التصرف هكذا؟ قوتها طبعاً،
كما هي العادة. فهناك معادلات موضوعية تحكم تصرفات الدول مع بعضها، سواء كانت
ديموقراطية أم استبدادية، علمانية أم دينية، ولا تغير الديموقراطية في هذه الأمر
شيئاً إلا من خلال قدرتها على إسباغ نوع من المرونة والحصانة على تلك الدول التي
تبنتها بحيث تصبح أكثر قدرة وفعالية في تعاملها مع المتغيرات الدولية، على المديين
المتوسط والطويل على الأقل.
ولن نستطيع كشعوب شرقأوسطية تغيير هذه المعادلات بقوة
السلاح، لأن هذه القوى هي مصدر السلاح، ولن تقوم بتسليحنا لنهزم مخططاتها. فعلى
الرغم من حالة التنافس القائمة بينها، هناك أيضاً تنسيق كبير لم يجر مثيله خلال
الحرب الباردة، لذا لا توجد لدينا اليوم فرصة حقيقية للعب طرف ضد آخر كما فعلت
أنظمتنا في السابق. إن هامش المناورة المتاح لدينا اليوم محدود للغاية، ويتطلب تحقيق
أي تقدم حكمة ومهارة دبلوماسية وسياسية كبيرة لا يبدو أنها متوفرة اليوم. وهذه هي
المعضلة الحقيقية التي تواجهنا: ها نحن نمر بمرحلة حرجة أخرى من تاريخنا المعاصر
ولا توجد لدينا، فيما يبدو، لا الشخصيات ولا الخبرات ولا الرؤى المناسبة لإدارتها
بحيث نتحصل على بعض المكاسب، أو على الأقل نقلل حجم الخسائر.
ولمن يرى في تسليمنا بهذا الواقع هزيمة، أود تذكيرهم بأن
في المقاومة العسكرية هزيمة أكبر، إذ حتى عندما تنجح هذه المقاومة في أيامنا هذه،
كما حدث مع الشعوب الأفغانية في مواجهتهم مع الاتحاد السوفييتي، سيأتي هذا النجاح
مصحوباً بدمار شامل للدولة والمجتمع، وبنزوح للعقول والمهارات عن البلد، مما يفسح
المجال أمام بروز قوى ظلامية متناحرة كالقاعدة، والطالبان، وداعش، أو قوى الحشد
الشعبي وغيرها من الميليشات الشيعية المنافحة عن الأسد والمصالح الإيرانية. ولا
يمكن لهذه القوى أن تصنع حضارة أو تقود نهضة. ولا شك في أن السماح ببروزها
وبتقويتها هو الهزيمة الحقيقية. ولأنها أصبحت هي المسيطر على الساحة اليوم، ينبغي
علينا أن نقلل من حجم الخسائر ونسعى إلى اتفاق ينهي حالة النزيف والاستنزاف، ويسمح
للقوى الانتدابية بتحويل عملياتها إلى ساحات أخرى للصراع. لقد دفعنا ما يكفي من
أثمان باهظة في سوريا. لندع القوى إياها تخطط كما يحلو لها، ولنحاول التحصل على
أفضل شروط ممكنة لنا.
لكن، وفي خاتم المطاف، علينا أن نتعامل مع هذه المرحلة
مسلحين بإدراك أفضل لطبيعة المتغيرات من حولنا، وبإيمان بقدرتنا في التأثير على
الصيرورات مع مرور الوقت من خلال العمل الدبلوماسي والنشاط الفكري والإنساني. هذه
هي المقاومة التي نحن بحاجة إليها اليوم، وإن كان ثمة نصر في مستقبلنا فلن يتحقق
لنا إلا من خلالها. ولابد أن يؤدي هذا النصر في مرحلة ما إلى تحييد دور شخصيات
بعينها، ومحاسبة بعضها، لكنه لا يتطلب هزيمة الطرف الآخر، أو تهديد وجوده، أو وضعه
تحت حكم البوط العسكري الطائفي، فالهدف هنا هو الاتفاق على آلية تحقق توازناً جديداً
بين الجميع يحافظ على حقوقهم الأساسية، يأخذ بعين الاعتبار توازن القوى العام في
الداخل والخارج، مما يسمح لنا بالتعامل على نحو أفضل مع ضغوط وتدخلات القوى
الخارجية في المراحل القادمة.
الاثنين، 14 مارس 2016
عن المواطنة والهوية والعَـلمانية
![]() |
سوريا - حماة، مطلع القرن العشرين: القنصل الروسي يتنزه على نهر العاصي. المسيحيون الأورثوكس في الإمبراطورية العثمانية كانوا تحت حماية الإمبراطور الروسي آنذاك. |
يتعامل
الكثيرون منا مع فكرة المواطنة على أنها تتعارض مع الانتماء الطائفي أو القومي أو المناطقي،
بل يعتبر مثقفونا هذا التعارض من المسلمات والبديهيات التي لا يمكن بل لا يجوز
الخوض فيها. لكن الواقع غير ذلك. فالمواطن كفرد له هوية تشكلها مجموعة من العوامل،
منها بيئته المحلية التي يبدأ تأثيرها فيه منذ لحظة ولادته ويستمر إلى أن تتحول
العلاقة مع الوقت فتصبح أكثر تفاعلية مع تقدم عمره وازدياد خبراته، وبحسب موقعه
الاجتماعي وتحصيله العلمي، وكيفية تعامل المجتمع المحلي والدولة مع مسألة الحريات
الفردية، إلى آخره من ظروف.
ولا
يمكن للفرد أن يشعر بالأمان كمواطن ما لم تتيح له الدولة فرصة التعبير بحرية عن
هويته بأبعادها وجزئياتها المختلفة، مثل القدرة على التكلم بلغته الأم وتعليمها
لأطفاله، وممارسة الطقوس التي نشأ عليها أو أصبح يؤمن بها، وغيرها من أمور.
إن
عادتنا التي نفخر بها في سوريا والمتمثلة في تجاهلنا الحديث علنياً عن جزئيات
الهوية، أي من منا السني أو العلوي أو المسيحي أو الكوردي، ليست بالإيجابية التي
نعتقد، بل كانت وما تزال تعبيراً عن المشكلة الأساسية التي هيئت الأرضية لظهور
نظام الأسد ولما يحصل اليوم من تفتيت: خوفنا من بعضنا البعض وانعدام الثقة ما بيننا.
لأن الواثق والآمن لا يخشى أن يعبر بحرية عن أمور تعد جزءاً لا يتجزأ من هوية المرء
وانتمائه.
تحتوي
المناهج التعليمية في سوريا على حصص خاصة للتربية الدينية، يتم فيها الفصل ما بين الطلاب
المسلمين والمسيحيين فيتعلم كل دينه. لكن، الواقع أن منهج التربية الإسلامية يعكس
وجهة النظر السنية التقليدية فحسب، فهو يغيب بالتالي كل من الشيعي الجعفري والعلوي
والإسماعيلي والدرزي والصوفي وأي آراء وتفسيرات معاصرة وحداثية. ويدعي رجال النظام
فيما يتعلق بهذه المسألة، باستخدام الوسائل غير الرسمية بالطبع وذلك لأن نقاش هذه
المواضيع لا يتم في العلن، أن لا حيلة للنظام في مسعاه لحماية الأقليات من تقديم
هذه التنازلات لأهل السنة الذين لا فرق بينهم عنده. لكن النظام في الواقع هو المستفيد
الأكبر من هذه الحال، لأن هذا الواقع يساعده على بسط سيطرته على هؤلاء المغيبين
وعلى التلاعب بمشاعرهم ومخاوفهم. ولقد ساهمت النخبة المثقفة لهذه الفئات ولأهل السنة
في تكريس هذا الواقع من خلال تبنيها لمفهوم خاطئ للمواطنة، مفهوم يغيب جزئيات الهوية عند
كل المكونات ما عدا العرب السنة، ما خلا بعض المظاهر المسيحية.
كان
بوسع نظام الأسد أن يغير هذه المناهج في أية مرحلة، لكنه اختار ألا يفعل، لأن هذا
الواقع يخدم مخططه الهادف على اللعب على هاجس الخوف من البعبع السني عند المكونات
الأخرى.
في
الولايات المتحدة الأمريكية هناك ظاهرة اجتماعية تعرف باسم "امتيازات الرجل
الأبيض" في إشارة إلى كيفية تعامل المؤسسات المختلفة في البلاد، العمومية منها
والخاصة، مع موظفيها وزبنائها، إذ تتعامل هذه المؤسسات بشكل أفضل مع البيض منها مع
السود والأقليات العرقية الأخرى. لكن، معظم البيض لا يدركون ذلك لأنهم ألفوا هذه
الطريقة في التعامل، لكن بوسع السود والأقليات العرقية الأخرى، أن يروا هذا الاختلاف
في التعامل بذلك، فهو جزء أساسي من واقعهم
اليومي، ومن الطبيعي أن يشعورا بالاضطهاد جراء ذلك. وتؤيد الإحصائيات والدرسات
الإكاديمية المستقلة وجهة نظرهم.
في
سوريا، نجح نظام الأسد في التأسيس لعلاقات بينية للمكونات المختلفة جعلت كلاً منها
يشعر وكأنه العنصر الأقلوي المضطهد في المعادلة، وأنه يواجه تحالفاً بين المكونات
الأخرى ضده. فالعلوي مثلاً يشعر بأنه
مضطهد جراء تغييب هويته الدينية، في حين يشعر السني بأنه هو المضطهد بسبب سياسات
التوظيف التي تفضل العلويين والأقليات الأخرى على حساب السنة، بصرف النظر عن المؤهلات.
ويشكل
تغييب الحوار الصريح حول هذه الأمور تكريساً لهذا الواقع لا حلاً له. وليس
بالضرورة على الإطلاق أن يؤدي الحوار الجدي حول هذا الأمور إلى تبني نظام محاصصة
طائفي أو إثني قد يخشى الكثيرون. وإذ أدى الحوار في سوريا في هذه المرحلة من
الصراع إلى تبني محاصصة من هذا النوع، فيمكن التعلم من النموذج اللبناني كيف
نتحاشى مساوئه، مع الاتفاق على طرق لتحديث نظام المحاصصة هذا وتعديله مع الوقت
وصولاً إلى إلغائه. فالمواطنة عملية مستمرة الرغبة فيها هي نقطة الإنطلاق،
وتحقيقها هو الغاية التي نسعى إليها.
ولا
شك في أن العَلمانية هي مكون أساسي من مفهوم المواطنة. وكما هو الحال مع المواطنة،
لا يتنافي مفهوم العَلمانية مع كون المرء منتمياً إلى طائفة معينة أو مؤمناً بدين
معين.
وفي
هذه المرحلة بالذات من تطورنا الاجتماعي، تبقى العَلمانية خياراً فكرياً عقلانياً
عند معظم المؤمنين بها أكثر منها عنصراً مشكلاً للهوية، لأنها لم تتأصل في
مجتمعاتنا بعد، ولاتشكل جزءاً أساسياً من البيئة المحيطة والموروث لتؤثر بشكل فعال
في تشكيل هوية المرء وسلوكياته وعقليته ووجدانه منذ طفولته. وقد يجمعنا الفكر العَلماني
على أسس معينة في هذه المرحلة، لكن سيبقى للمؤثرات البيئية التأثير الأكبر على سلوكياتنا
وعقلياتنا لعقود قادمة. وتبدو هذه الحقيقة واضحة من خلال معاينة التناقض الظاهر في
سلوكيات الكثير من شبابنا ومثقفينا وسياسيينا ممن يدعون "التحرر" والعَلمانية
بل والليبرالية من الناحية الاجتماعية، الذين عندما يوضعون على المحك، خاصة فيما
يتعلق بتصرفاتهم حيال المرأة، نجدهم وقد ارتكسوا إلى سلوكيات تقليدية نمطية تتناقض
تماماً مع ما يدعون.
على
قوانينا الناظمة لحياتنا السياسية والاجتماعية ولمناهجنا التربوية أن تتمتع بالمرونة
الكافية للتعامل مع هذا الواقع. ولاشك في أنه سيكون للاتفاق على رؤية واضحة لما
نريد للأحوال أن تؤل إليه في المستقبل دور كبير في مساعدتنا في هذا المجال. وقد لا
تكون الشروط متوفرة إطلاق عملية سياسية من هذا النوع الآن، لكن طالما وضعنا هذا
الأمر نصب أعيينا وطالما سعينا لتمهيد الأرضية له، لابد وأن نتمكن من خلق الفرصة
المناسبة.
ومن الإشكاليات التي تواجهنا في هذا الصدد أيضاً، وجود فئات في مجتمعاتنا،
بل وفي معظم المجتمعات هذه الأيام، تشعر بأن الحداثة، بما جلبته من مفاهيم مثل
المواطنة والعَلمانية والديموقراطية وحقوق الإنسان، تهدد قيمها وهويتها. إذ لا
يكفي هذه الفئات الأصولية أن تحترم الدول حريتها في الاعتقاد والتعبير والتجمع، بل
تريد أن تجد طريقة ما، بما في ذلك التلاعب بالعمليات السياسية والثورية، أو
الاستيلاء على الحكم بالقوة، لتفرض قيمها الخاصة على المجتمع ككل باسم الأصالة
والتراث والحق المقدس، وغيرها من المبررات. ولن يكون التعامل مع هذه الفئات سهلاً
على الإطلاق. وفي سوريا بالتحديد، نجد أن معظم هذه الفئات تنحدر من خلفية سنية، وأنها،
في هذه المرحلة من الصراع، ونتيجة لظهور مظلومية سنية مشروعة وقوية نظراً لما تعرض
له أهل السنة، بصرف النظر عن مدى تعلقهم بالدين، وطبيعة هذا التعلق، من اضطهاد في
السنوات الخمس الأخيرة، أصبحت قادرة على التأثير على شرائح أكبر من السنة قد لا
تتفق معها في الرؤية لكنها ترى فيها الحامي الأفضل لها في هذه المرحلة، وهذا بعينه
ما يراه الكثير من الجماعات الأقلوية في نظام الأسد إلى هذه اللحظة.
وهنا
علينا أن نتعامل مع هذا الإشكال الآخر،
المتمثل في شعور الكثير من أبناء الأقليات الذين قد لا تربطهم بالماضي
عقلية أصولية دينية، لكن تربطهم ذاكرة جمعية مؤسسة على الخوف، خاصة من الأغلبية
السنية، وهو خوف وجودي الطابع ومتجذر، خوف على الهوية وعلى الذات، لا علاقة له
بالحقائق التاريخية أو الوقائع الحاضرة بالضرورة، لكنه أيضاً لم ينبع من فراغ، وهو
خوف لم تتمكن النخب السنية من التعامل معه بشكل ناجع، لأنها لم تحس به في العمق. فالمجتمع
السوري العاصر مايزال مصبوغاً بمعطيات الهوية السنية (والعربية) إلى درجة كبيرة،
والنظام الأسدي، كما ذكرنا سابقاً، أراد أن يبقي هذا الطابع حاضراً ومرأياً بوضوح
ليكرس قبضته السياسية والأمنية على الأقليات.
من
هذا المنطلق، لا يمكن أن تكون المواطنة والعَلمانية هما الحل لما نواجهه من
إشكاليات سياسية واجتماعية اليوم، ما لم نتعامل معها كصيرورتين أو عمليتين جاريتين
تتطلبان منا إدارة حذرة وعقلانية على مدى سنين وعقود من الزمن. إذ لا وجود لمنتج
جاهز هو المواطنة والعَلمانية والديموقراطية.
الجمعة، 11 مارس 2016
ملاحظات حول الشرق الأوسط والمستقبل (3): سوريا والمسألة الفدرالية
![]() |
التقاسيم الإدارية للإمبراطورية العثمانية |
| الجزء الأول
| الجزء الثاني | الجزء الثالث | الجزء الرابع | الجزء الخامس |
المعارضة
في سوريا، ومنذ ربيع دمشق وليس الربيع العربي فحسب، تبدي استعدادها لمناقشة كل القضايا
المتعلقة بوطننا ومستقبله، بما في ذلك حقوق المكونات والمناطق، ومسألة الفدرالية، بل
وكيفية سقوط نظام الأسد ذاته. لكنها تشترط لهذا الحوار أن لا يجري إلا بعد سقوط النظام.
فتأمل يا رعاك الله! على لسان الراحل توفيق البجيرمي.
لكن،
وبعيداً عن التهكم والسخرية، ماذا عن الواقع؟ واقع اليوم، والأمس؟
![]() |
التقسيمات الإدارية للمناطق السورية في مطلع الحرب العالمية الأولى |
الواقع
أن الحكم المركزي حتى في أيام حافظ الأسد لم يكن مركزياً في كل شيء. فالأسد الأب وضع
لكل محافظة معادلة خاصة بها لضمان السيطرة عليها على حدة، وأعطى، ضمن حدود معنية،
صلاحيات واسعة للمحافظين الذين عينهم عليها، وللأجهزة الأمنية فيها، صلاحيات واسعة
للتصرف ضمن الحدود المرسومة، فالأسد الأب لم يعد معنياً بالتفاصيل الصغيرة بعيد
حركته التصحيحية، وكان يفضل أن يتعامل الآخرون من حوله معها. إن اضطرار السكان في
المناطق والمدن السورية المختلفة الذهاب إلى العاصمة كلما احتاجوا إلى القيام
بمعاملة ما، واضطرار الكثير من السوريين إلى النزوح إلى العاصمة والمدن الكبرى في
سوريا لا يتنافيان مع رغبة النظام بل ونجاحه في تشجيع سكان كل محافظة ومنطقة على
التقوقع والانغلاق. الحركة في الاتجاه المعاكس، أي من العاصمة والمدن الكبرى إلى
الأرياف، ومن المناطق الغربية في سوريا إلى شرقها، كانت شبه معدومة لانعدام
الحوافز وضعف التنمية، وبقيت السياحة الداخلية محدودة بأماكن وأنماط معينة، والتجارة
الداخلية محصورة في أيد معينة.
المعنى: لم يعرف سكان
المحافظات والمناطق المختلفة في سوريا الكثير عن بعضهم البعض، إلا من خلال المسلسلات
والإشاعات. ولقد ساهمت المناهج التعليمية في عملية تجهيل هذه، خاصة فيما يتعلق
بتعاملها مع تاريخ سوريا الحديث وجغرافيتها البشرية المعاصرة. ولقد كان للنخب الفكرية
ايضاً دورها السلبي هنا من خلال طروحاتها الإيديولوجية المختلفة التي رفض معظمها
التعامل مع سوريا كواقع قائم وشرعي وضروري بذاته. بالنسبة لهم كانت سوريا دائماً
جزءاً من أحجية أكبر وأهم، في نظرهم، من سوريا، بصرفت النظر عن ادعائاتهم. الدليل
في السلوكيات والأفعال.
حتى
حركات النزوح الداخلي، الممنهج منها وغير الممنهج، لم تؤدي إلى زيادة الاختلاط
بالشكل البناء الذي يمكن أن يسمح بنوع من الاندماج السلس الناتج عن التبني الطوعي
لقيم حداثية ما. إذ سكن أغلب النازحين مناطق وأحياء معينة في المدن الكبرى، وساهموا
في تأسيس العشوائيات. وسادت حالة واضحة من التوتر والتنافر ما بين المكونات
المختلفة لتمسك كل منها بسلوكياتها وعقلياتها الأساسية.
إذاً
سوريا كانت مفككة حتى في مرحلة ما قبل الثورة. بل، وفي الواقع لقد كانت مفككة حتى
في مرحلة ما قبل الأسد، وما قبل الاستعمار الفرنسي. لأن سوريا كما نعرفها اليوم كانت
لقرون طويلة عبارة عن مجموعة من المناطق المستقلة إدارياً والخاضعة لقرارات الباب
العالي في أستانة. حتى المدن الكبيرة كانت في معظم الأحيان مقسمة إلى مجموعة من
الأحياء المتجانسة دينياً وإثنياً تحكمها نخب خاصة من التجار والحرفيين ورجال الدين
والقبضايات هم الذين يمثلون هذه الأحياء عند السلطان. إن هذه الحقائق تترك أثراً
كبيراً على العقليات والسلوكيات، ولا ينبغي تجاهل ذلك.
إن
تجربتنا مع الحكم المركزي في سوريا قصيرة من الناحية التاريخية، واقتصرت في المرحلة
الأسدية على الجانب العسكري والأمني، وبعض المسائل الإدارية، الأمر الذي ناسب
أولوياتهم الخاصة ورغبتهم في تسهيل
سيطرتهم على البلد.
هذا
هو واقع الأمس من الناحية التاريخية.
![]() |
مناطق السيطرة والنفوذ الفرنسية والبريطانية في الشرق الأوسط في عام 2016 |
أما
اليوم، وبعد خمس سنين ونيف من العنف والعنف المضاد، بصرف النظر عن مدى مشروعية هذا
أم ذاك، ونظراً لتدخل قوى خارجية إقليمية ودولية، بشكل مباشر وغير مباشر، إلى جانب
هذا الطرف أم ذاك، ونظراً للتكاثر المطرد لهذه الأطراف، ولسيطرة كل منها على مناطق
معينة، فالواقع أن سوريا اليوم أصبحت مقسمة، وما الطرح الفدرالي في هذه المرحلة
إلا محاولة للاعتراف بهذا الواقع، ولتجميع بعض ما تبعثر، ولوقف النزيف والدمار،
وبتحويل الصراع من نزاع عسكري إلى علمية سياسية.
هل
ستؤدي الفدرالية في خاتم المطاف إلى تقسيم نهائي؟ إن حسابات القوى الإقليمية والدولية
المتعلقة بهذا الشأن أكثر تعقيداً من أن تسمح بذلك اليوم أو في المستقبل القريب. هذا
من ناحية. من ناحية أخرى، وبصرف النظر عن الجدل الدائر حول التقسيم، هناك مسألة أهم
تواجهنا هنا، مسألة تتمحور حول طبيعة العلاقات التي ستسود ما بين المناطق المختلفة
في ظل النظام الفدرالي وكيفية تطورها في المستقبل. إذ ما بوسع أحد من الأطراف أن
يأخذ أرضه ويرحل، مهما بلغت به كراهيته للطرف الآخر ونفوره منه. هذا البعد للمسألة،
علاوة على ثلة من الاعتبارات المتعلقة بالاقتصاد والنظام المالي، والوضع الأمني،
وتطوير البنى التحتية وإعادة الإعمار، وحركة السكان، ومسألة العدالة الانتقالية، وإعادة
توطين اللاجئين، وأية عملية محتملة لتبادل السكان بين المناطق، إلى آخره من هذه
الشؤون العملية، كلها أمور تفتح مجالاً واسعاً للعمل على إعادة بناء جسور الثقة ما بين المناطق بمكوناتها المختلفة، وبالتالي
على بناء تدريجي لدولة أقوى تماسكاً وأكثر عدالة فيما يتعلق بقدرتها على تمثيل طموحات
وتطلعات مكوناتها المختلفة، وأكثر قدرة على مراعاة مخاوفهم وهمومهم المتعلقة بسلامتهم
وأمنهم الشخصي والجماعي.
![]() |
سوريا في مطلع الانتداب الفرنسي |
وفي حال تزامنت هذه العملية مع عملية سياسية أكبر تقوم من خلالها الدول الإقليمية المعنية على الاتفاق على معادلة جديدة للتعاون الإقليمي في مجالات عدة، على غرار ما تم اقتراحه في مطلع عام 2003 في بيان ثروة مثلاً، فقد تتمكن دول المنطقة من تجنب الدخول في صراعات مأساوية وعدمية على غرار ما يجري في سوريا حالياً، وقد يتمكن السوريون أنفسهم من خلال تبنيهم لطرح من هذا النوع من التسامي فوق آلام هذه المرحلة وتحويلها إلى انتصار معنوي وأخلاقي وفكري لهم، بكل مكوناتهم، وقد يجدون في هذه الرؤية دافعاً كبيراً للعمل على مواجهة التحديات الهائلة لمرحلة إعادة الإعمار.
إن
رفض الطروح الفدرالية في هذه المرحلة يشكل، من الناحية العملية، استدامة للصراع في
سوريا. فمهما كانت إرادتنا حديدية الجوهر ما بوسع أحدنا منع وقوع شيء قد وقع: إذ
أصبح التفتيت واقعنا المعاش، ولا يمكننا إعادة البناء في لحظة، أو على أسس تتجاهل
تماماً كيف وصلنا، وأُوصِلنا، إلى ما نحن عليه اليوم. كل ما بوسعنا أن نفعله هو أن نتعامل مع نتائج ما
وقع بأكبر قدر ممكن من العقلانية، بعيداً عن الإيديولوجيات والرومانسيات. فالواقع
بشع، ما في ذلك من شك، وإعادة البناء صعبة جداً، وطويلة، ومضنية، والخسائر التي
تكبدناها، والخيبات التي واجهناها، تكاد لا توصف أو تصدق. ومع ذلك، مع كل ذلك،
ورغماً عنه، علينا أن نقبل ما هو كائن ونفهم طبيعته لنعمل على تغييره. ولعل نجاحنا
في تبني رؤية أوضح لما نريد بناءه يعطينا القوة والأمل الذين نجد أنفسنا اليوم، في
وسط هذا الخراب، بأمس الحاجة إليهما.
| الجزء الأول | الجزء الثاني | الجزء الثالث | الجزء الرابع | الجزء الخامس |
| الجزء الأول | الجزء الثاني | الجزء الثالث | الجزء الرابع | الجزء الخامس |
الاثنين، 22 يوليو 2013
الصراع في سوريا: نظرة على الموالاة وما وراء المواقف المعلنة
يتكلّم
الكثير من الموالين لنظام الأسد منذ انطلاقة الثورة السورية عن مؤامرة
"الفوضى الخلاقة" التي يرون أنها المحرّك الأساسي لظاهرة الربيع العربي،
الظاهرة التي تهدف، في رأيهم، إلى فرض تقسيمات جديدة على المنطقة كما حدث جراء
معاهدة "سايكس-بيكو" في القرن الماضي. لكن، وبعد سنتين من القمع الممنهج
وما نجم عنه من قتل وتدمير للبنى التحتية في البلاد وتهجير للسكان وتغيير للطابع
الديمغرافي لنواحي ومدن بأسرها، بات واضحاً أن الأسد ومواليه يخدمون قضية الفوضى
الخلاقة أكثر من أية قوة أخرى على الأرض، بما في ذلك القاعدة نفسها. إذ تساهم
طريقة نظام الأسد وحلفائه بالتعامل مع المؤامرة المتوهمة في مساعدتها على تحقيق
أهدافها المزعومة، فأي فوضى أكثر من تلك التي أفرزها قمعهم؟ ففي حال سلّمنا بوجود
المؤامرة، من الواضح أن مهندسيها كانوا يتوقّعون تماماً، بل يعوّلون، على طريقة
الأسد في التعامل مع الثورة والثوار، وعلى حالة المترسة الطائفية والإثنية التي
نراها في البلاد اليوم، خاصة في صفوف الموالاة. تماماً كما كانوا يعوّلون على ضعف
وتخبّط المعارضة.
لكن
الحديث عن مؤامرات هنا إنما يشير إلى استمرار حالة انعدام الرؤية الموجود على
الساحة السياسية والفكرية للمعارضة السورية، لأن ما يجري في سوريا والمنطقة اليوم
جاء في الحقيقة نتيجة عوامل موضوعية داخلية واضحة، منها الانفجار السكاني،
اللاعدالة في توزيع الموارد على المناطق والفئات المختلفة، البطالة، ضعف التنمية،
عدم أهلية المؤسّسات الحاكمة على التعامل مع هذه التحديات بسبب اعتمادها سياسة
الولاءات لا الكفاءات في التعيين، استخدام الأنظمة الحاكمة لسياسات تفتيتية لتكريس
سيطرتها على شعوبها، تزايد حدة الصراع الإقليمي بين الدول الفاعلة في المنطقة،
خاصة السعودية وإيران، إلى آخره من عوامل. لم يكن من الصعب على مجموعة من
المحلّلين الموضوعيين أن يخلصوا بناءاً على ذلك كله إلى أن عصر الثورات والفوضى في
المنطقة قادم لا محالة، وليس من المستغرب في هذه الحال أن يقوم المحلّلون الغربيون
منهم على وجه التحديد بطرح فكرة "الفوضى الخلاقة" كوسيلة للتعامل مع هذه
الثورات ومع الأزمات الناجمة عنها لتحقيق مصالح دولهم المعتادة والمتعلّقة بتأمين
منابع الطاقة ومكافحة الإرهاب. لكن الدلائل المتراكمة على الأرض اليوم تشير إلى أن
طريقة الحكومات الغربية الحالية في التعامل مع التطورات لا تنسجم، على المدى
المتوسط والطويل على الأقل، مع تحقيق هذه المصالح، خاصة فيما يتعلّق بمكافحة
الإرهاب، فوضع السيناريوهات شيء وتنفيذها شي آخر تماماً، خاصة في ظل التغير
المستمر للقيادات السياسية وللظروف الاجتماعية والاقتصادية في الدول الغربية.
القصة
ليست قصة مؤامرات إذاً. ففي الواقع، يدرك الكثير من مثقفي الموالاة تماماً حماقة
الإدعاءات المتعلّقة بالمؤامرة الكونية التي ما انفكّت وسائل إعلام النظام
تتحدّث عنها، ومع ذلك لن يتوقف هؤلاء المثقفين عن ترديدها الببغائي لأن المشكلة
معهم تتلخّص في أن رؤيتهم الإيديولوجية للأمور، هذه الرؤية التي كانت لخلفياتهم
الطائفية والمناطقية والعشائرية والاجتماعية دور كبير إن لم نقل الدور الأكبر في
صياغتها، علاوة على مصالح بعضهم المادية، جعلتهم غير مستعدين على الإطلاق لقبول
فكرة التغيير السياسي في البلاد، إن في هذه المرحلة أو في المستقبل المنظور، لذا
نراهم وقد اختاروا أن يكونوا مشاركين طوعيين في الترويج للنظام وأكاذيبه.
فبالنسبة
لهؤلاء المثقفين المسألة مسألة وجود أولاً، وما يزال هذا الوجود في رأيهم مرتبط
ببقاء نظام الأسد كما هو. وإذا كان لابد من التغيير، فهم يرون أن التغيير الممكن
الوحيد الذي بوسعه ضمان سلامتهم ومصالحهم لايمكن أن يأتي إلا من القمة، وهم من
خلال دفاعهم عن النظام ربما يأملون في المساهمة في إدارة هذا التغيير في المستقبل.
لكن، وفي هذه المرحلة بالذات، لايهمهم على الإطلاق حجم الجرائم التي يرتكبها الأسد
وزلمه، ولا فرق عندهم إذا ما كانوا يتلاعبون بهم أم لا، ولم تعد السيادة الوطنية
بالضرورة تعنيهم، لأن أزمة الثقة التي تفصلهم عن الشرائح الشعبية الأوسع، بما فيها
ممثلي هذه الشرائح في المعارضة، هي الأزمة الحقيقية بالنسبة لهم وهي لبّ المشكلة،
وهي مشكلة طائفية في الصميم بالنسبة لأغلبيتهم. إن التغيير الديمقراطي المنشود
لابد وأن يؤدي بسبب الطبيعة الديمغرافية للبلد إلى سيطرة سنية قوية على الساحة
السياسية والاقتصادية وبالتالي إلى تهميش بل اضطهاد الأقليات. والسنيّ، من المنظور
الطائفي لهؤلاء المثقفين، وبصرف النظر عن معتقداته السياسية، إن كان علمانياً أو
إسلامياً، سيبقى محكوماً بانتمائه الطائفي وبالآراء والمفاهيم السائدة في محيطه
الاجتماعي فيما يتعلّق بالأقليات، وبتاريخ الصراع ما بين المكونات السورية على
الأقل منذ مجيء نظام البعث والأسد، إن لم نقل منذ الاستقلال أو منذ عصر الفتنة
الكبرى وولادة النزعات الطائفية والمذهبية في الإسلام، وبالتالي لن يكون بوسع
النخب السياسية السنية التي ستفرزها العملية الانتخابية الديمقراطية في سوريا في
حال سقط النظام أن تصون حقوق المكونات الأخرى في الدولة والمجتمع، على الأقل في
منظور مثقفي الموالاة هؤلاء.
ولايغير
وجود شرائح واسعة من السنّة في صفوف الموالاة في هذا التحليل من شيء، لأن علاقة
هذه الشرائح مع أبناء طائفتهم كانت دائماً إشكالية، وهو الأمر الذي دفعهم إلى صفوف
الموالاة أساساً، فهم إما من التجار الذين باتت تربطهم مع النظام مصالح اقتصادية
قوية، وبالتالي لا مصلحة لهم في التغيير، أو من عشائر كانت مغمورة قبل مجيء نظام
الأسد وما سطع نجمها إلا من خلال بيع ولائها له مقابل مكاسب مختلفة، أو من الطبقات
الفقيرة التي ارتبطت مصالحها الحياتية بالعمل مع المؤسسات الأمنية أو العسكرية، أو
من النخب الفكرية والتكنوقراطية التي تقف مع النظام مدفوعة بعقائدها الإيديولوجية
الخاصة علاوة على مصالحها الشخصية.
وفي
الحقيقة، يمثل بقاء النظام بأجهزته الأمنية وتغلغلها في مفاصل الدولة ومؤسّساتها المختلفة
الضامن الحقيقي بالنسبة للموالاة بكل شرائحها. في حين يمثل فكّ ارتباط وتغلغل
الأجهزة الأمنية والعسكرية في بنية الدولة مطلباً أساسياً للثوار. والمشكلة هنا
أنه لا الثوار أو المعارضة بوسعهم تقديم أية ضمانات مقنعة للموالاة بأن عملية
إسقاط النظام وفكّ إرتباط الأجهزة الأمنية بمؤسسات الدولة الأخرى لن تؤدي إلى
تهميش واضطهاد الفئات الموالية، في وقت تنتشر فيه التيارات المتشددة في صفوفهم،
ولا الموالاة بوسعها تقديم أية ضمانات بأن عملية الدمقرطة من القمة ممكنة وبأنهم
على استعداد للتقيّد بها، في وقت نرى فيه أن صانعي القرار في النظام وجميع القوى
المساندة لهم في الداخل والخارج ترفض التغيير أساساً.
ولا
توجد في الواقع أرضية مشتركة لتحقيق ما يريده الطرفان، لذا، بات تفكيك وتقسيم
الدولة هو الحل المنطقي الوحيد، وهذا بالفعل ما يحدث اليوم، في ظل تدخل لقوى
إقليمية ودولية مختلفة باتت ترى احتمالات أكثر إيجابية في هذا السيناريو بالمقارنة
مع السيناريوهات الأخرى التي يمكن أن تحرمها من الاحتفاظ بموطئ قدم هام لها في
المنطقة من خلال سيطرة عناصر متطرّفة على الدولة أو انهيارها بشكل كارثي قد
لاتتعافي بعده لعقود. إن بقاء مناطق في سوريا تحت سيطرة فئات مختلفة واضحة
الولاءات وقادرة على تحقيق حد أدنى من الاستقرار والأمان ضمن حدودها يبقى أفضل في
حسابات البعض من التغيير الشامل للنظام ومن انهيار الدولة.
كان
يمكن من الناحية النظرية لطرح مبكر لفكرة الفدرالية من بين أفكار أخرى متعلّقة
بحقوق الأقليات والمناطق، وإن كطرح انتقالي يسمح بإدارة حوار شعبي حول شكل الدولة
ريثما يتم التوافق على صيغة مناسبة، كان يمكن لطرح مبكر من هذا النوع أن ينجح في
منع حدوث حمام الدماء الذي نراه اليوم ووقوع كل هذا الدمار، لكن احتمالات نجاح هذا
الطرح من الناحية العملية كانت دائماً ضئيلة، فعلاوة على أن المعارضة كانت أهزل
وأقل وعياً من تبنّيه أساساً، كانت مخاوف الموالاة تجاه مسألة التغيير أعمق وأكبر
من أن تسمح بأية محاكمة عقلية للأمور.
لقد
أصبح واقع التقسيم وعقليته قائمين اليوم والحدود باتت ترسم بالدم وهذا لا يبشّر
بالخير فيما يتعلّق بقدرة الكانتونات المختلفة على التعايش مع بعضها بسلام لفترة
طويلة. لكن المشكلة الأكبر هنا والتي يبدو أن الكثير من المراقبين لعملية التقسيم
والمشاركين بها لا يدركونها تماماً، هو أن عملية تفكيك الدولة قد لا تتوقف عند
الحدود التي تريدها الموالاة، بل قد تطال دويلتهم المنشودة أيضاً، والتي ستكون
مؤلّفة من ذات الخليط غير المتجانس إياه: سنة وشيعة وعلويين ومسيحيين وعرب وأكراد
وتركمان وأرمن، أضف إليهم خليط جديد مؤلّف من اللبنانيين والعراقييين والإيرانيين،
فئات لا يجمعها اليوم إلا عدائها للثورة والثوار، ومجموعة من المصالح الاقتصادية
ستشهد تغييراً جذرياً في السنين القادمة. ماذا سيجمعهم غداً إذاً؟ هل سيقدر الأسد
والقوى الداعمة له في الداخل والخارج على إفراز رؤية جامعة تضمن حقوق ومصالح
الجميع وسلامتهم وتكفل عدم تسلّط فئة على أخرى، مع ظل انتعاش عقلية التشبيح
والفساد إياها؟
في
الواقع، وفي مرحلة ما، قد تسبق مرحلة التسوية السياسية مع المعارضة، سيطال الدمار
دويلة الموالاة أيضاً، سواء نتيجة اقتتال مع "فلول" الثوار بأطيافهم
المختلفة، أو ما بين الميليشيات الموالية المختلفة.
في
هذه الأثناء، تبقى إدارة المناطق المحرّرة واستقرارها التحدي الحقيقي الذي يواجه
الثوار ومؤيديهم. ويبقى من الأفضل إبقاء مساحة المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام
في حدودها الدنيا، وذلك منعاً للمزيد من التهجير والعنف. إن مساعي الأسد ومؤيديه
في الداخل والخارج الهادفة إلى توسيع رقعة الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم ستنعكس
سلباً مع الوقت على مخطّطاتهم التقسيمية ذاتها وعلى إمكانية إعادة الاستقرار إلى
المنطقة، وستزيد في أمد الصراع وستسمح بانتشاره خارج بقعة الأراضي السورية. لكن
توسّع رقعة الصراع واستمراريته ليس في مصلحة الموالاة، كما يخال لبعضهم، فهناك
وقائع ديمغرافية في المنطقة لن يتمكّنوا من تغييرها مهما فعلوا، وكلّما توسّعت
رقعة الصراع كلّما أصبحت الكلمة الفصل لهذه الوقائع.
الجمعة، 6 يوليو 2012
اللامركزية والكورد والثورة
الواقع
على الأرض ينبئنا بأن الأكراد قد تحصّلوا على نوع من الحكم الذاتي في المناطق التي
يشكّلون فيها الأغلبية في هذه المرحلة، ونظراً لتاريخ الاضطهاد الذي تعرّضوا عليه،
من الصعب تخيّل سيناريو يتم من خلاله التنازل عن هذا الأمر. اللامركزية في هذه
الحالة هي طريقة للحفاظ على كيان الدولة مع السماح للأكراد بالمحافظة على ما يعتبروه
مكاسب وحقوق. مع الوقت، وإن لم نتمكّن من إعادة بناء جسور الثقة المهترئة ما بين
المكوّنين العربي والكوردي على المستويين المحلي والوطني الانفصال قد يفرض نفسه
على الساحة في نهاية المطاف، استناداً إلى حق المادة 14 من ميثاق الأمم المتحدة:
حق تقرير المصير.
من
ناحية أخرى، وفيما لو نجحنا في إعادة بناء جسور الثقة ما بين شعبينا، فهناك ما
يكفي من الاعتبارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والديموغرافية والنفسية
لتساهم في أن يختار الأكراد البقاء في سوريا. الانفصال ليس الخيار الطبيعي والسهل
للأكراد كما يتصوّر البعض، بل هو الخيار الأصعب والأخير في المعادلة، هو الخيار
الذي يمهّد له فشلنا في التعامل مع الخيارات الأخرى بالجدية والعناية المناسبة.
هناك اختلاف جذري ما بين تجربة الأكراد في سوريا وتجربتهم في العراق. لقد تكونت
عبر الزمن لدى كورد سوريا، وعلى الرغم من تجربة الاضطهاد والتهميش التي تعرّضوا
لها، هوية سورية حقيقية تجعلهم يشعرون بانتماء حقيقي لهذا الوطن ككل، وليس فقط إلى
جزء منه. وانفصال أكراد سوريا له تعقيدات كثيرة قد تؤثر سلباً على مشروع إنشاء
دولة كوردية في العراق، والذي دخل في مراحله الأخيرة، وما قد أصبح مبرّراً في
العراق من منظور عالمي بل وإقليمي نتيجة لتجربة تاريخية مريرة، لايوجد له مبرّراته
في سوريا حتى الآن، والأكراد يدركون ذلك قبل غيرهم.
قد
يقول البعض أن كورد سوريا يريدون أن يكونوا هنا وهناك في الوقت ذاته: أي في العراق
وسوريا وتركيا. لكن، ماذا في ذلك؟ اللامركزية وعلاقات ودية مع العراق وتركيا ستعطي
الأكراد في سوريا فرصة كبيرة لينتموا إلى كوردستان وسوريا في آن، تماماً كما يمكن
للعرب أن ينتموا إلى سوريا والوطن العربي في آن، وبالتالي ستسمح لهم بالحفاظ على
عنصريين أساسيين في تركيبة هويتهم. لكن الانفصال سيؤدي إلى شرخ في الهوية عند
الكثير من أكراد سوريا، وهم يدركون ذلك أيضاً. لذا، علينا أن نتعامل مع طروحات
اللامركزية على نحو أقل تشنجاً، لأن التشنّج وليس الطرح هو الأمر الذي قد يمهّد
الطريق نحو الانفصال كخيار أخير. علينا أن ننسى الإيديولوجية ونعيد زيارة المفاهيم
بناءاً على ما نراه على أرض الواقع.
كما
ينبغي علينا في هذا الصدد أن ننوّه إلى أن اللامركزية ليست مهمّة فيما يتعلّق
بالأكراد فقط، هي مهمّة أيضاً لسكان الدير والرقة ودرعا وإدلب وحمص وحماة والساحل
إلخ. كل منطقة من مناطق سورية لها خصوصية معينة، والحكم المركزي لم يحترم خصوصية
هذه المناطق ولم يحسن إدارة عملية التنمية فيها. والوقائع على الأرض تنبؤنا أيضاً
أن اللامركزية أصبحت واقعاً معاشاً لمعظم المناطق السورية أيضاً، وأن الأمر
لاينطبق فقط على المناطق ذات الأغلبية الكوردية. ومن هذا المنطلق أيضاً، أي من
خلال قراءة الوقائع كما أصبحت على الأرض اليوم، ربما كان من الأفضل والواجب أن
نتسائل: من قال أن على اللامركزية المنشودة أن تستند بالضرورة على تركيبة
المحافظات القائمة حالياً؟ إذ ربما كان من الأفضل اعتماد المناطق كمرجع أساسي في
التركيبة اللامركزية. في سوريا 14 محافظة مؤلّفة من 63 منطقة، والمجالس الثورية التي
نشأت في ظل الثورة تعكس هذه التركيبة المناطقية أكثر من تركيبة المحافظة. وربما
كان في الأمر دلالات عملية علينا الاستفاد منها.
بمعنى،
أننا إذا أردنا أن نسلّم بأن اللامركزية ستمهّد إلى انفصال الأكراد، على الأقل في
الحسكة، هل ستؤدي اللامركزية أيضاً إلى انفصال دير الزور ودرعا والسويداء وحلب
أيضا؟ ألن تخدم اللامركزية تطلّعات سكان هذه المناطق دون أن تؤدي إلى حلول
انفصالية؟ هناك في سوريا 20 مليون عربي، فلماذا نصرّ دائماً على معالجة مسألة
اللامركزية فقط من منظور الأكراد وما قد يفعلوه. لماذا لانسأل أنفسنا إذا ما كان
يمكن للنظام اللامركزي أن يخدم تطلّعات الشرائح العربية أيضاً؟
إن
الانتخابات الحرة والنزيهة التي شهدتها سوريا في 1947 و1949 و1954 عكست الانتماءات
المناطقية بشكل واضح، وأنا واثق، بعد متابعة التطورات على الأرض عبر الشهور
الماضية، أن هذه الانتماءات قد عادت إلى الساحة وبقوة، وأنها ستفرض نفسها على
العملية السياسية مرة أخرى. وفي الحقيقة يمكن إسباغ الكثير من الخلافات التي تحدث
بين حركات المعارضة والمعارضين في المهجر إلى التباين في خلفياتهم المناطقية
أيضاً. إن إصرارنا على التركيبة المركزية سيضع المكوّنات المختلفة لمجتمعنا في
حالة صراع على الدولة تماماً كما حدث في السابق، لكن اعتماد التركيبة اللامركزية
المناسبة سيفسح المجال أمام الجميع لتأسيس فضائهم الخاص والانطلاق من خلاله إلى
الساحة الأكبر. في رأيي هذا هو الحل الأفضل لبنية الدولة في المستقبل من التركيبة
المركزية خاصة نظراً للتجربة التي مررنا بها عبر العقود الماضية.
السبت، 16 يونيو 2012
سوريا وسيناريوهات التقسيم
إن
تطهير حمص عرقياً والمباشرة باستكمال تطهير الساحل لا يعني أن النظام على وشك
التخلّي عن المناطق التي ما تزال واقعة تحت سيطرته في الشمال والشمال الشرقي
والجنوب، لكن النظام بات على استعداد للقيام بذلك عند الاضطرار، فهذا الأمر سيبقى
الأسد رئيساً وإن لقسم من سوريا وبالتالي جزءاُ أساسياً من المشهد السياسي في
المنطقة إلى ما شاء الله. وسيكون هذا القسم من سوريا خاضعاُ للحماية الروسية
والإيرانية، مما سيعقّد إمكانية إيجاد أي حل عسكري، حتى من خلال تدخل دولي. الخيار
المطروح اليوم هو بكل بساطة: إما الأسد أو التقسيم.
في
هذا الصدد، من المفيد أن تأخذ بالاعتبار أن التدخل الدولي لم يمنع تقسيم البوسنة
أو كوسوفو: فالتدخّل الدولي لم يمنع تقسيم البوسنة إلى دولتين: جمهورية البوسنة
والهرسك الفيدرالية وجمهورية شربسكا الصربية، وعلى الرغم من غياب أي اعتراف دولي
بجمهورية شربسكا، إلا أن المجتمع الدولي يتعامل معها كواقع مستقل قائم. وفي كوسوفو
هناك مدينة ما تزال مقسّمة عرقياً، هي ميتروفيتسا، وهناك حواجز عسكرية أقامها
الصرب تفصل الشمال عن الجنوب، وذلك على الرغم من وجود قوات دولية في المدينة، فدور
القوات الدولية هو حفظ السلام وليس فرض أي حل إلا من خلال الحوار والتوافق.
هذا
هو السيناريو الذي نراه اليوم في سوريا، في أحسن الأحوال هناك تقسيم قادم، والسؤال
حقيقي يتعلّق بعدد الأقسام والحدود مابينها وطبيعة العلاقات البينية.
المشكلة
هنا أن حمص هي صلة الوصل ما بين الشمال والجنوب والشمال شرق والساحل، فكل الطرق
الأساسية تمر بها، والسيطرة عليها من قبل ميليشيات الأسد تعني تقسيم فعلي للبلاد
إلى أربعة أقسام على الأقل. لكن، ونظراً لشرذمة المعارضة في الداخل والخارج، وغياب
رؤية وقيادات فاعلة على الساحة لها برامج واضحة أو قدرة حقيقية على التوافق، يبدو
من الواضح أن الداخل السوري سيغدو مقسماً إلى كانتونات عدة متناحرة على أسس
مناطقية وعشائرية وعرقية وطائفية ودينية وحزبية وشخصية مختلفة. وهذا ما يعوّل عليه
الأسد والأطراف الداعمة له، لأن هذا السيناريو مع القوت قد يتيح لهم فرصة توسيع
رقعم سيطرتهم من خلال التعامل مع الكانتونات المختلفة على حدة، توصلاً إلى فرض
سيطرتهم من جديد على قسم كبير من البلاد.
طبعاً
هذا هو مخطّط الأسد، الذي وضعه له الروس الذين خاضوا تجارب كثيرة مماثلة، وكوّنوا
خبرة واسعة في هذا المجال. مشكلة هذا المخطط هو أنه يتمحور حول الأسد وشبيحته
الذين قد يبدعون في كل ما يتعلّق بالإجرام، لكنهم لن يعرفوا مهما فعلوا
ومهما نُصحوا أن يبنوا دولة.
أما
المعارضة، فلم تتمكّن من التحضير جدياً للتعامل مع سيناريوهات من هذا النوع،
الخسائر على المستوى الإنساني ستكون أكبر مما نتوقّع.
إن
التدخل العسكري في سوريا في الظروف الحالية قد يؤدي إلى تسريع عملية التفتيت
الجارية هناك، خاصة في غياب رؤية واضحة لكيفية إدارة البلد مستقبلاً، وغياب كوادر
قيادية في المعارضة قادرة على التواصل بشكل فعّال مع الشرائح الاجتماعية المختلفة.
إن أي تحالف دولي محتمل لقيادة عملية التدخل لن يسمح بفرض سيادة الدولة بالقوة على
المناطق ذات الأغلبية العلوية، أو تلك الواقعة تحت سيطرتها، أو أية مناطق أخرى قد
ترفض الالتزام بمبدأ الدولة المركزية، سواء على أساس قومي أو مناطقي، أو من منطلق
غياب الثقة بالحكومة الانتقالية. التدخّل العسكري إذاً، كما رأينا في حالة البوسنة
والهرسك وحال كوسوفو، سيهدف أساساً إلى وقف العنف وربما ملاحقة بعض الشخصيات
والعصابات المسؤولة عن الممارسة القمعية والإجرامية، وذلك حتى يتحقق استقرار مبدئي
يخلق الظروف المناسبة للعملية السياسية التي ينبغي من خلالها الاتفاق على طبيعة
الدولة وتركيبتها الإدارية الجديدة.
من
ناحية عملية، ونظراً إلى الواقع الديموغرافي والأمني على الأرض، واستناداً إلى
السوابق التاريخية، من الصعب تخيّل أية عملية سياسية ناجحة في سوريا المستقبل لا
تتبنّى مفهوم الدولة اللامركزية كنقطة إنطلاق لأي حوار جدي حول الترتيبات الإدارية
الجديدة، لأن الواقع على الأرض لا يمكنه أن يؤدي إلى قيام دولة مركزية من جديد. ما
لم تتمكن المعارضة السورية من إنتاج رؤية واضحة لدولة تقوم على أساس اللامركزية
فالتدخل العسكري لن يحدث لأن المجتمع الدولي لايريد أن يتحمل اللوم فيما يتعلّق
بعملية التقسيم القائمة.
لكن،
علينا أن ندرك هنا أن الكلام عن الدولة اللامركزية في هذه المرحلة لاينطبق على
المناطق الموالية للأسد التي، طالما بقيت خاضعة لسلطة الأسد والمخاوف الوجودية
التي لعب ويلعب عليها الأسد، سترفض المشاركة في أية عملية لا تخضع لسيطرتها وتكرس
هذه السيطرة.
لكن،
هل الدولة اللامركزية بالضرورة دولة فاشلة؟ وهل نهايتها الحتمية هي بالضرورة
التقسيم؟ في الواقع، تتّبع الغالبية الساحقة للدول الديموقراطية في العالم النظام
اللامركزي في الحكم، وهذ يشمل دول صغيرة كالدنمارك ودول عظمى كالولايات المتحدة
الأمريكية. وفي الولايات المتحدة كل ولاية هي في الواقع دولة State لها
علمها الخاص ودستورها الخاص وبرلمانها الخاص بل وجيشها الخاص (الحرس الوطني)،
وتتّبع كل دولة/ولاية أمريكية النظام اللامركزي كذلك. ومع ذلك نشأت الولايات
المتحدة كدولة قوية وأصبحت أكثر قوة مع الزمن كما نعرف، وموضوع انهيارها غير مطروح
حالياً أو في المستقبل المنظور.
لذلك
ربما كان علينا أن نتعامل مع مفهوم الدولة اللامركزية على نحو أقل تشنّجاً مما نرى
حالياً في أوساط المعارضة، لأن نجاح أو فشل الدولة اللامركزية يرتبط بطبيعة
الاتفاقات المختلفة بين المناطق المكوّنة للدولة، وكيفية إدارة الدولة وصياغة
القرارات المحلّية والمركزية، وطبيعة التوازنات المختلفة بين مؤسّسات الدولة. على
الحوار المتعلّق بهذه الأمور أن يبدأ الآن، بل كان عليه أن يبدأ قبل الثورة، وعلى
هذا الحوار أن يجري في العلن، وفي حال نجحنا في التوصل إلى صيغة متفقة حول قضايا
من هذا النوع، قد يصبح عندها بوسع الأطراف المعنية في المجتمع الدولي أن تتجرأ على
اتخاذ قرار حاسم فيما يتعلّق بموضوع التدخّل العسكري.
إن
الرهان على أن التدهور المستمر للأوضاع الإنسانية في سوريا هو الذي سيدفع المجتمع
الدولي أخيراً إلى حسم قراره فيما يتعلّق بالتدخل العسكري هو رهان فاشل، ولقد أصبح
هذا الأمر واضحاً خاصة بعد مجزرة الحولة. والسبب الذي دفع بعض أطراف المعارضة إلى
الرهان على هذا الأمر هو رغبتها في تجنّب الدخول في الحوار الذي أشرت إليه سابقاً،
والذي يشمل تقديم الكثير من التنازلات من قبل هذه الأطراف، وتغيير طريقة تفكيرها
فيما يتعلّق بطبيعة الدولة وكيفية إدارتها في المستقبل. على هذه الأطراف مراجعة
حساباتها الآن وقبل فوات الأوان، لأن العالم لن يتدخّل لينقذنا من مواجهة
استحقاقات لاناقة له فيها ولاجمل، خاصة وإن سوريا ليست دولة نفطية، وأن الدول
الوحيدة التي لها مصالح اقتصادية وسياسية واضحة وحقيقية في سوريا، وبالتحديد إيران
وروسيا، تتحقق مصالحها أكثر في حال بقي النظام (بقيادة الأسد أو غيره) أو زالت
الدولة، أي قُسّمت. فدولة علوية مستقرة على الساحل، وهي لن تصبح مستقرة إلا بعد
عمليات واسعة من التطهير العرقي، ستبقى عضوياً وديموغرافياً مرتبطة بالمصالح
الإيرانية والروسية. بالنسبة لإيران، دولة من هذا النوع ستصبح حليفاً أفضل لها من
لبنان تحت سيطرة حزب الله، لأن سيطرة حزب الله ستبقى دائماً مهزوزة وعرضة للخطر
لأسباب ديموغرافية بحتة، أما دولة ذات أغلبية علوية ساحقة فلن تكون عرضة لخطر من
هذا النوع.
هكذا
على الأقل ينظر الكثير من صناع القرار في إيران وروسيا إلى الأمور، ولهذا تصرّ
روسيا على عرقلة أي قرار دولي بالتدخّل في سوريا ما لم تكن هناك صفقة تعطيها أكثر
مما في حوزتها اليوم. وهذا لن يكون. لذا، نحن نتجه وبسرعة نحو التقسيم، وقد يشمل
هذا السيناريو دول أخرى في المنطقة أيضاً، ومالم تتحرّك المعارضة لانقاذ ما يمكن
إنقاذه، وتجميع مابقي من سوريا تحت قيادة واحدة قوية حكيمة براجماتية وديموقراطية
قادرة على التأقلم مع الظروف، سنخسر كل شيء. أما إذا استطعنا أن ننجح في تجميع
صفوفنا في الداخل والخارج، فقد نتمكّن من إعادة تجميع القطع من جديد في ظل تركيبة
جديدة، وهذا يشمل حتى المناطق الساحلية بعد أن ينقلب أبنائها مع الوقت على الأسد
وأزلامه الذين يبقون، بسبب فسادهم وجهلهم، نقطة الضعف الأساسية في مخطط التقسيم.
الأربعاء، 6 يونيو 2012
عن التدخّل العسكري في سوريا
أولاً:
كلينتون تقول أن خيار التدخل العسكري غير مطروح لأن الكثافة السكانية في سوريا
كبيرة وسيكون ثمن التدخل العسكري باهظاً من الناحية الإنسانية. لكن، وكما نعرف،
التدخل العسكري سيجلب معه نهاية النظام عاجلاً أو آجلاً، أما الأوضاع الراهنة، فلن
تؤدي إلا إلى المزيد من التفتيت في بنية الدولة والمجتمع. السؤال إذاً: هل نحن على
استعداد لدفع الثمن الإنساني للتدخّل العسكري؟
ثانياً:
التدخل العسكري في سوريا في الظروف الحالية قد يؤدي إلى تسريع عملية التفتيت
الجارية هناك، خاصة في غياب رؤية واضحة لكيفية إدارة البلد مستقبلاً، وغياب كوادر
قيادية في المعارضة قادرة على التواصل بشكل فعّال مع الشرائح الاجتماعية المختلفة.
إن أي تحالف دولي محتمل لقيادة عملية التدخل لن يسمح بفرض سيادة الدولة بالقوة على
المناطق ذات الأغلبية العلوية، أو تلك الواقعة تحت سيطرتهم، أو أية مناطق أخرى قد
ترفض الالتزام بمبدأ الدولة المركزية، سواء على أساس قومي أو مناطقي، أو من منطلق
غياب الثقة بالحكومة الانتقالية. التدخّل العسكري إذاً سيهدف أساساً إلى وقف العنف
وربما ملاحقة بعض الشخصيات والعصابات المسؤولة عن الممارسة القمعية والإجرامية،
وذلك حتى يتحقق استقرار مبدئي يخلق الظروف المناسبة للعملية السياسية التي ينبغي
من خلالها الاتفاق على طبيعة الدولة وتركيبتها الإدارية الجديدة. ومن ناحية عملية،
ونظراً إلى الواقع الديموغرافي والأمني على الأرض، واستناداً إلى السوابق
التاريخية، من الصعب تخيّل أية عملية سياسية ناجحة في سوريا المستقبل لا تتبنّى
مفهوم الدولة اللامركزية كنقطة إنطلاق لأي حوار جدي حول الترتيبات الإدارية
الجديدة. في حين أن الفشل سيعني عملياً التقسيم، بصرف النظر عن الموقف الدولي،
وهنا لبّ تردّد المجتمع الدولي في التدخّل. فبعد فترة من مراقبة التفاعلات
الداخلية من جهة وتحركات المعارضة من جهة أخرى، تكوّنت قناعة قوية عند أطراف فاعلة
في المجتمع الدولي أن أية عملية سياسية ستؤدي حتماً إلى التقسيم، بسبب حالة التفتت
العملي الذي تحقّق على أرض الواقع وفشل كوادر المعارضة في وضع برامج عملية لإدارة
الدولة مستقبلاً أو التعامل بجدية مع مجمل القضايا الحساسة. وفي حال حدوث التقسيم،
فإن الأطراف الدولية التي ستكون قد أدارت عملية التدخل في سوريا هي التي ستُلام،
ومن هذا المنطلق تردّد هذه الأطراف الملحوظ فيما يتعلّق بقبول موضوع التدخّل
العسكري وتعلّقهم بخطة عنان على الرغم من فشلها الواضح. التدخل العسكري إذاً سيبقى
خارج إطار الحسابات الدولية بصرف النظر عن تدهور الأوضاع الإنسانية في سوريا، ما
لم تتمكّن المعارضة السورية من تبني رؤية واضحة وعملية فيما يتعلّق بطبيعة وبنية
الدولة السورية المستقبلية. الكلام في العموميات لايكفي.
ثالثاً:
هل الدولة اللامركزية بالضرورة دولة فاشلة؟ وهل نهايتها الحتمية هي بالضرورة
التقسيم؟ في الواقع، تتّبع الغالبية الساحقة للدول الديموقراطية في العالم النظام
اللامركزي في الحكم، وهذ يشمل دول صغيرة كالدنمارك ودول عظمى كالولايات المتحدة
الأمريكية. وفي الولايات المتحدة كل ولاية هي في الواقع دولة State لها
علمها الخاص ودستورها الخاص وبرلمانها الخاص بل وجيشها الخاص (الحرس الوطني)،
وتتّبع كل دولة/ولاية أمريكية النظام اللامركزي كذلك. ومع ذلك نشأت الولايات
المتحدة كدولة قوية وأصبحت أكثر قوة مع الزمن كما نعرف، وموضوع انهيارها غير مطروح
حالياً أو في المستقبل المنظور. لذلك ربما علينا أن نتعامل مع مفهوم الدولة
اللامركزية على نحو أقل تشنّجاً مما نرى حالياً في أوساط المعارضة، لأن نجاح أو
فشل الدولة اللامركزية يرتبط بطبيعة الاتفاقات المختلفة بين المناطق المكوّنة
للدولة، وكيفية إدارة الدولة وصياغة القرارات المحلّية والمركزية، وطبيعة
التوازنات المختلفة بين مؤسّسات الدولة. على الحوار المتعلّق بهذه الأمور أن يبدأ
الآن، بل كان عليه أن يبدأ قبل الثورة، وعلى هذا الحوار أن يجري في العلن، وفي حال
نجحنا في التوصل إلى صيغة متفقة حول قضايا من هذا النوع، قد يصبح عندها بوسع
الأطراف المعنية في المجتمع الدولي أن تتجرأ على اتخاذ قرار حاسم فيما يتعلّق
بموضوع التدخّل العسكري.
رابعاً:
إن الرهان على أن التدهور المستمر للأوضاع الإنسانية في سوريا هو الذي سيدفع
المجتمع الدولي أخيراً إلى حسم قراره فيما يتعلّق بالتدخل العسكري هو رهان فاشل،
ولقد أصبح هذا الأمر واضحاً خاصة بعد مجزرة الحولة. والسبب الذي دفع بعض أطراف
المعارضة إلى الرهان على هذا الأمر هو رغبتها في تجنّب الدخول في الحوار الذي أشرت
إليه سابقاً، والذي يشمل تقديم الكثير من التنازلات من قبل هذه الأطراف، وتغيير
طريقة تفكيرها فيما يتعلّق بطبيعة الدولة وكيفية إدارتها في المستقبل. على هذه
الأطراف مراجعة حساباتها الآن وقبل فوات الأوان، لأن العالم لن يتدخّل لينقذنا من
مواجهة استحقاقات لاناقة له فيها ولاجمل، خاصة وإن سوريا ليست دولة نفطية، وأن
الدول الوحيدة التي لها مصالح اقتصادية وسياسية واضحة وحقيقية في سوريا، وبالتحديد
إيران وروسيا، تتحقق مصالحها أكثر في حال بقي النظام (بقيادة الأسد أو غيره) أو
زالت الدولة، أي قُسّمت. فدولة علوية مستقرة على الساحل، وهي لن تصبح مستقرة إلا
بعد عمليات واسعة من التطهير العرقي، ستبقى عضوياً وديموغرافياً مرتبطة بالمصالح
الإيرانية والروسية. بالنسبة لإيران، دولة من هذا النوع ستصبح حليفاً أفضل لها من
لبنان تحت سيطرة حزب الله، لأن السيطرة ستبقى دائماً مهزوزة وعرضة للخطر، أما دولة
ذات أغلبية علوية ساحقة فلن تكون عرضة لخطر من هذا النوع. هكذا على الأقل ينظر
الكثير من صناع القرار في إيران وروسيا إلى الأمور، ولهذا تصرّ روسيا على عرقلة أي
قرار دولي بالتدخّل في سوريا ما لم تكن هناك صفقة تعطيها أكثر مما في حوزتها
اليوم.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)