السبت، 16 يونيو 2012

سوريا وسيناريوهات التقسيم


إن تطهير حمص عرقياً والمباشرة باستكمال تطهير الساحل لا يعني أن النظام على وشك التخلّي عن المناطق التي ما تزال واقعة تحت سيطرته في الشمال والشمال الشرقي والجنوب، لكن النظام بات على استعداد للقيام بذلك عند الاضطرار، فهذا الأمر سيبقى الأسد رئيساً وإن لقسم من سوريا وبالتالي جزءاُ أساسياً من المشهد السياسي في المنطقة إلى ما شاء الله. وسيكون هذا القسم من سوريا خاضعاُ للحماية الروسية والإيرانية، مما سيعقّد إمكانية إيجاد أي حل عسكري، حتى من خلال تدخل دولي. الخيار المطروح اليوم هو بكل بساطة: إما الأسد أو التقسيم.

في هذا الصدد، من المفيد أن تأخذ بالاعتبار أن التدخل الدولي لم يمنع تقسيم البوسنة أو كوسوفو: فالتدخّل الدولي لم يمنع تقسيم البوسنة إلى دولتين: جمهورية البوسنة والهرسك الفيدرالية وجمهورية شربسكا الصربية، وعلى الرغم من غياب أي اعتراف دولي بجمهورية شربسكا، إلا أن المجتمع الدولي يتعامل معها كواقع مستقل قائم. وفي كوسوفو هناك مدينة ما تزال مقسّمة عرقياً، هي ميتروفيتسا، وهناك حواجز عسكرية أقامها الصرب تفصل الشمال عن الجنوب، وذلك على الرغم من وجود قوات دولية في المدينة، فدور القوات الدولية هو حفظ السلام وليس فرض أي حل إلا من خلال الحوار والتوافق.

هذا هو السيناريو الذي نراه اليوم في سوريا، في أحسن الأحوال هناك تقسيم قادم، والسؤال حقيقي يتعلّق بعدد الأقسام والحدود مابينها وطبيعة العلاقات البينية.

المشكلة هنا أن حمص هي صلة الوصل ما بين الشمال والجنوب والشمال شرق والساحل، فكل الطرق الأساسية تمر بها، والسيطرة عليها من قبل ميليشيات الأسد تعني تقسيم فعلي للبلاد إلى أربعة أقسام على الأقل. لكن، ونظراً لشرذمة المعارضة في الداخل والخارج، وغياب رؤية وقيادات فاعلة على الساحة لها برامج واضحة أو قدرة حقيقية على التوافق، يبدو من الواضح أن الداخل السوري سيغدو مقسماً إلى كانتونات عدة متناحرة على أسس مناطقية وعشائرية وعرقية وطائفية ودينية وحزبية وشخصية مختلفة. وهذا ما يعوّل عليه الأسد والأطراف الداعمة له، لأن هذا السيناريو مع القوت قد يتيح لهم فرصة توسيع رقعم سيطرتهم من خلال التعامل مع الكانتونات المختلفة على حدة، توصلاً إلى فرض سيطرتهم من جديد على قسم كبير من البلاد.

طبعاً هذا هو مخطّط الأسد، الذي وضعه له الروس الذين خاضوا تجارب كثيرة مماثلة، وكوّنوا خبرة واسعة في هذا المجال. مشكلة هذا المخطط هو أنه يتمحور حول الأسد وشبيحته الذين قد يبدعون في كل ما يتعلّق بالإجرام،  لكنهم لن يعرفوا مهما فعلوا ومهما نُصحوا أن يبنوا دولة.

أما المعارضة، فلم تتمكّن من التحضير جدياً للتعامل مع سيناريوهات من هذا النوع، الخسائر على المستوى الإنساني ستكون أكبر مما نتوقّع.

إن التدخل العسكري في سوريا في الظروف الحالية قد يؤدي إلى تسريع عملية التفتيت الجارية هناك، خاصة في غياب رؤية واضحة لكيفية إدارة البلد مستقبلاً، وغياب كوادر قيادية في المعارضة قادرة على التواصل بشكل فعّال مع الشرائح الاجتماعية المختلفة. إن أي تحالف دولي محتمل لقيادة عملية التدخل لن يسمح بفرض سيادة الدولة بالقوة على المناطق ذات الأغلبية العلوية، أو تلك الواقعة تحت سيطرتها، أو أية مناطق أخرى قد ترفض الالتزام بمبدأ الدولة المركزية، سواء على أساس قومي أو مناطقي، أو من منطلق غياب الثقة بالحكومة الانتقالية. التدخّل العسكري إذاً، كما رأينا في حالة البوسنة والهرسك وحال كوسوفو، سيهدف أساساً إلى وقف العنف وربما ملاحقة بعض الشخصيات والعصابات المسؤولة عن الممارسة القمعية والإجرامية، وذلك حتى يتحقق استقرار مبدئي يخلق الظروف المناسبة للعملية السياسية التي ينبغي من خلالها الاتفاق على طبيعة الدولة وتركيبتها الإدارية الجديدة.

من ناحية عملية، ونظراً إلى الواقع الديموغرافي والأمني على الأرض، واستناداً إلى السوابق التاريخية، من الصعب تخيّل أية عملية سياسية ناجحة في سوريا المستقبل لا تتبنّى مفهوم الدولة اللامركزية كنقطة إنطلاق لأي حوار جدي حول الترتيبات الإدارية الجديدة، لأن الواقع على الأرض لا يمكنه أن يؤدي إلى قيام دولة مركزية من جديد. ما لم تتمكن المعارضة السورية من إنتاج رؤية واضحة لدولة تقوم على أساس اللامركزية فالتدخل العسكري لن يحدث لأن المجتمع الدولي لايريد أن يتحمل اللوم فيما يتعلّق بعملية التقسيم القائمة.

لكن، علينا أن ندرك هنا أن الكلام عن الدولة اللامركزية في هذه المرحلة لاينطبق على المناطق الموالية للأسد التي، طالما بقيت خاضعة لسلطة الأسد والمخاوف الوجودية التي لعب ويلعب عليها الأسد، سترفض المشاركة في أية عملية لا تخضع لسيطرتها وتكرس هذه السيطرة.

لكن، هل الدولة اللامركزية بالضرورة دولة فاشلة؟ وهل نهايتها الحتمية هي بالضرورة التقسيم؟ في الواقع، تتّبع الغالبية الساحقة للدول الديموقراطية في العالم النظام اللامركزي في الحكم، وهذ يشمل دول صغيرة كالدنمارك ودول عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية. وفي الولايات المتحدة كل ولاية هي في الواقع دولة State لها علمها الخاص ودستورها الخاص وبرلمانها الخاص بل وجيشها الخاص (الحرس الوطني)، وتتّبع كل دولة/ولاية أمريكية النظام اللامركزي كذلك. ومع ذلك نشأت الولايات المتحدة كدولة قوية وأصبحت أكثر قوة مع الزمن كما نعرف، وموضوع انهيارها غير مطروح حالياً أو في المستقبل المنظور.

لذلك ربما كان علينا أن نتعامل مع مفهوم الدولة اللامركزية على نحو أقل تشنّجاً مما نرى حالياً في أوساط المعارضة، لأن نجاح أو فشل الدولة اللامركزية يرتبط بطبيعة الاتفاقات المختلفة بين المناطق المكوّنة للدولة، وكيفية إدارة الدولة وصياغة القرارات المحلّية والمركزية، وطبيعة التوازنات المختلفة بين مؤسّسات الدولة. على الحوار المتعلّق بهذه الأمور أن يبدأ الآن، بل كان عليه أن يبدأ قبل الثورة، وعلى هذا الحوار أن يجري في العلن، وفي حال نجحنا في التوصل إلى صيغة متفقة حول قضايا من هذا النوع، قد يصبح عندها بوسع الأطراف المعنية في المجتمع الدولي أن تتجرأ على اتخاذ قرار حاسم فيما يتعلّق بموضوع التدخّل العسكري.

إن الرهان على أن التدهور المستمر للأوضاع الإنسانية في سوريا هو الذي سيدفع المجتمع الدولي أخيراً إلى حسم قراره فيما يتعلّق بالتدخل العسكري هو رهان فاشل، ولقد أصبح هذا الأمر واضحاً خاصة بعد مجزرة الحولة. والسبب الذي دفع بعض أطراف المعارضة إلى الرهان على هذا الأمر هو رغبتها في تجنّب الدخول في الحوار الذي أشرت إليه سابقاً، والذي يشمل تقديم الكثير من التنازلات من قبل هذه الأطراف، وتغيير طريقة تفكيرها فيما يتعلّق بطبيعة الدولة وكيفية إدارتها في المستقبل. على هذه الأطراف مراجعة حساباتها الآن وقبل فوات الأوان، لأن العالم لن يتدخّل لينقذنا من مواجهة استحقاقات لاناقة له فيها ولاجمل، خاصة وإن سوريا ليست دولة نفطية، وأن الدول الوحيدة التي لها مصالح اقتصادية وسياسية واضحة وحقيقية في سوريا، وبالتحديد إيران وروسيا، تتحقق مصالحها أكثر في حال بقي النظام (بقيادة الأسد أو غيره) أو زالت الدولة، أي قُسّمت. فدولة علوية مستقرة على الساحل، وهي لن تصبح مستقرة إلا بعد عمليات واسعة من التطهير العرقي، ستبقى عضوياً وديموغرافياً مرتبطة بالمصالح الإيرانية والروسية. بالنسبة لإيران، دولة من هذا النوع ستصبح حليفاً أفضل لها من لبنان تحت سيطرة حزب الله، لأن سيطرة حزب الله ستبقى دائماً مهزوزة وعرضة للخطر لأسباب ديموغرافية بحتة، أما دولة ذات أغلبية علوية ساحقة فلن تكون عرضة لخطر من هذا النوع.

هكذا على الأقل ينظر الكثير من صناع القرار في إيران وروسيا إلى الأمور، ولهذا تصرّ روسيا على عرقلة أي قرار دولي بالتدخّل في سوريا ما لم تكن هناك صفقة تعطيها أكثر مما في حوزتها اليوم. وهذا لن يكون. لذا، نحن نتجه وبسرعة نحو التقسيم، وقد يشمل هذا السيناريو دول أخرى في المنطقة أيضاً، ومالم تتحرّك المعارضة لانقاذ ما يمكن إنقاذه، وتجميع مابقي من سوريا تحت قيادة واحدة قوية حكيمة براجماتية وديموقراطية قادرة على التأقلم مع الظروف، سنخسر كل شيء. أما إذا استطعنا أن ننجح في تجميع صفوفنا في الداخل والخارج، فقد نتمكّن من إعادة تجميع القطع من جديد في ظل تركيبة جديدة، وهذا يشمل حتى المناطق الساحلية بعد أن ينقلب أبنائها مع الوقت على الأسد وأزلامه الذين يبقون، بسبب فسادهم وجهلهم، نقطة الضعف الأساسية في مخطط التقسيم.


الجمعة، 8 يونيو 2012

الديموقراطية


الديموقراطية لا تتحقّق من خلال حكم الأغلبية فقط، الديموقراطة تستوجب احترام الحقوق الأساسية لكل المواطنين ولكل المكوّنات الاجتماعية والقومية والدينية والسياسية. الحقوق الأساسية للمواطنين والمكوّنات لاينبغي أن تكون خاضعة لأهواء وإيديولوجيات الأغلبية ولتقلّبات العملية الأساسية: أي لا ينبغي أن يتغيّر تعريف الحقوق الأساسية حسب تغيير تركيبة الأغلبية الحاكمة، فتصبح حقوقنا أقل أو أكثر مع تغير الأغلبية من علمانية إلى إسلامية أو العكس، أو من قومية عربية إلى قومية سورية، إلخ. لاينبغي على الدولة، إن أردنا لها أن تكون بالفعل عادلة، أن تنحاز إلى حزب بعينه أو عقيدة بعينها أو فئة شعبية دون أخرى، بصرف النظر عن الحجم الديموغرافي، بل عليها أن تقف على نفس المسافة من كل المواطنين والأحزاب والمكوّنات فيها، وإلا تحوّلت لأداة قمع موجّهة ضد فئات معينة لصالح أخرى. 

طبعاً، حياد الدولة في علاقتها بالمواطنين والمكوّنات هو الحالة المثالية التي نسعى إليها، التطبيق لم يراعِ هذا الأمر في السابق ولن نتوصّل إلى التحييد الكامل في خطوة انتقالية واحدة، لأن هناك الكثير من القوى الشعبية والنخبوية التي لن تفهم أو تتقبّل حالة الحياد هذه. لكنه من حقنا بل هو واجب علينا أن ندفع قدر المستطاع في هذا الاتجاه ليكون الدستور الجديد في سوريا أقرب ما يكون إلى الوضع المثالي المرجو، فتكون مواصفات الدولة أقرب ما يكون إلى الحياد فيما يتعلّق بالتعامل مع المواطنين والمكوّنات، كما نوّهنا، وذلك ليكون للدستور صدقيته واعتباره، فلا نضطر إلى تغييره كلما ذهبت حكومة وجاءت أخرى. الدساتير ليست كتباً مقدّسة، لكن ينبغي أن يكون لها حرمتها وأن نصون هذه الحرمة من خلال تجنّب تغييرها وتعديلها قدر المستطاع. ولاننسى هنا أننا سنكتب دستورنا الجديد في وقت نعاين فيه تجارب الأمم الأخرى في هذا الصدد مما سيصعّب علينا قبول أنصاف الحلول.

الأربعاء، 6 يونيو 2012

عن التدخّل العسكري في سوريا


أولاً: كلينتون تقول أن خيار التدخل العسكري غير مطروح لأن الكثافة السكانية في سوريا كبيرة وسيكون ثمن التدخل العسكري باهظاً من الناحية الإنسانية. لكن، وكما نعرف، التدخل العسكري سيجلب معه نهاية النظام عاجلاً أو آجلاً، أما الأوضاع الراهنة، فلن تؤدي إلا إلى المزيد من التفتيت في بنية الدولة والمجتمع. السؤال إذاً: هل نحن على استعداد لدفع الثمن الإنساني للتدخّل العسكري؟

ثانياً: التدخل العسكري في سوريا في الظروف الحالية قد يؤدي إلى تسريع عملية التفتيت الجارية هناك، خاصة في غياب رؤية واضحة لكيفية إدارة البلد مستقبلاً، وغياب كوادر قيادية في المعارضة قادرة على التواصل بشكل فعّال مع الشرائح الاجتماعية المختلفة. إن أي تحالف دولي محتمل لقيادة عملية التدخل لن يسمح بفرض سيادة الدولة بالقوة على المناطق ذات الأغلبية العلوية، أو تلك الواقعة تحت سيطرتهم، أو أية مناطق أخرى قد ترفض الالتزام بمبدأ الدولة المركزية، سواء على أساس قومي أو مناطقي، أو من منطلق غياب الثقة بالحكومة الانتقالية. التدخّل العسكري إذاً سيهدف أساساً إلى وقف العنف وربما ملاحقة بعض الشخصيات والعصابات المسؤولة عن الممارسة القمعية والإجرامية، وذلك حتى يتحقق استقرار مبدئي يخلق الظروف المناسبة للعملية السياسية التي ينبغي من خلالها الاتفاق على طبيعة الدولة وتركيبتها الإدارية الجديدة. ومن ناحية عملية، ونظراً إلى الواقع الديموغرافي والأمني على الأرض، واستناداً إلى السوابق التاريخية، من الصعب تخيّل أية عملية سياسية ناجحة في سوريا المستقبل لا تتبنّى مفهوم الدولة اللامركزية كنقطة إنطلاق لأي حوار جدي حول الترتيبات الإدارية الجديدة. في حين أن الفشل سيعني عملياً التقسيم، بصرف النظر عن الموقف الدولي، وهنا لبّ تردّد المجتمع الدولي في التدخّل. فبعد فترة من مراقبة التفاعلات الداخلية من جهة وتحركات المعارضة من جهة أخرى، تكوّنت قناعة قوية عند أطراف فاعلة في المجتمع الدولي أن أية عملية سياسية ستؤدي حتماً إلى التقسيم، بسبب حالة التفتت العملي الذي تحقّق على أرض الواقع وفشل كوادر المعارضة في وضع برامج عملية لإدارة الدولة مستقبلاً أو التعامل بجدية مع مجمل القضايا الحساسة. وفي حال حدوث التقسيم، فإن الأطراف الدولية التي ستكون قد أدارت عملية التدخل في سوريا هي التي ستُلام، ومن هذا المنطلق تردّد هذه الأطراف الملحوظ فيما يتعلّق بقبول موضوع التدخّل العسكري وتعلّقهم بخطة عنان على الرغم من فشلها الواضح. التدخل العسكري إذاً سيبقى خارج إطار الحسابات الدولية بصرف النظر عن تدهور الأوضاع الإنسانية في سوريا، ما لم تتمكّن المعارضة السورية من تبني رؤية واضحة وعملية فيما يتعلّق بطبيعة وبنية الدولة السورية المستقبلية. الكلام في العموميات لايكفي.

ثالثاً: هل الدولة اللامركزية بالضرورة دولة فاشلة؟ وهل نهايتها الحتمية هي بالضرورة التقسيم؟ في الواقع، تتّبع الغالبية الساحقة للدول الديموقراطية في العالم النظام اللامركزي في الحكم، وهذ يشمل دول صغيرة كالدنمارك ودول عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية. وفي الولايات المتحدة كل ولاية هي في الواقع دولة State لها علمها الخاص ودستورها الخاص وبرلمانها الخاص بل وجيشها الخاص (الحرس الوطني)، وتتّبع كل دولة/ولاية أمريكية النظام اللامركزي كذلك. ومع ذلك نشأت الولايات المتحدة كدولة قوية وأصبحت أكثر قوة مع الزمن كما نعرف، وموضوع انهيارها غير مطروح حالياً أو في المستقبل المنظور. لذلك ربما علينا أن نتعامل مع مفهوم الدولة اللامركزية على نحو أقل تشنّجاً مما نرى حالياً في أوساط المعارضة، لأن نجاح أو فشل الدولة اللامركزية يرتبط بطبيعة الاتفاقات المختلفة بين المناطق المكوّنة للدولة، وكيفية إدارة الدولة وصياغة القرارات المحلّية والمركزية، وطبيعة التوازنات المختلفة بين مؤسّسات الدولة. على الحوار المتعلّق بهذه الأمور أن يبدأ الآن، بل كان عليه أن يبدأ قبل الثورة، وعلى هذا الحوار أن يجري في العلن، وفي حال نجحنا في التوصل إلى صيغة متفقة حول قضايا من هذا النوع، قد يصبح عندها بوسع الأطراف المعنية في المجتمع الدولي أن تتجرأ على اتخاذ قرار حاسم فيما يتعلّق بموضوع التدخّل العسكري.

رابعاً: إن الرهان على أن التدهور المستمر للأوضاع الإنسانية في سوريا هو الذي سيدفع المجتمع الدولي أخيراً إلى حسم قراره فيما يتعلّق بالتدخل العسكري هو رهان فاشل، ولقد أصبح هذا الأمر واضحاً خاصة بعد مجزرة الحولة. والسبب الذي دفع بعض أطراف المعارضة إلى الرهان على هذا الأمر هو رغبتها في تجنّب الدخول في الحوار الذي أشرت إليه سابقاً، والذي يشمل تقديم الكثير من التنازلات من قبل هذه الأطراف، وتغيير طريقة تفكيرها فيما يتعلّق بطبيعة الدولة وكيفية إدارتها في المستقبل. على هذه الأطراف مراجعة حساباتها الآن وقبل فوات الأوان، لأن العالم لن يتدخّل لينقذنا من مواجهة استحقاقات لاناقة له فيها ولاجمل، خاصة وإن سوريا ليست دولة نفطية، وأن الدول الوحيدة التي لها مصالح اقتصادية وسياسية واضحة وحقيقية في سوريا، وبالتحديد إيران وروسيا، تتحقق مصالحها أكثر في حال بقي النظام (بقيادة الأسد أو غيره) أو زالت الدولة، أي قُسّمت. فدولة علوية مستقرة على الساحل، وهي لن تصبح مستقرة إلا بعد عمليات واسعة من التطهير العرقي، ستبقى عضوياً وديموغرافياً مرتبطة بالمصالح الإيرانية والروسية. بالنسبة لإيران، دولة من هذا النوع ستصبح حليفاً أفضل لها من لبنان تحت سيطرة حزب الله، لأن السيطرة ستبقى دائماً مهزوزة وعرضة للخطر، أما دولة ذات أغلبية علوية ساحقة فلن تكون عرضة لخطر من هذا النوع. هكذا على الأقل ينظر الكثير من صناع القرار في إيران وروسيا إلى الأمور، ولهذا تصرّ روسيا على عرقلة أي قرار دولي بالتدخّل في سوريا ما لم تكن هناك صفقة تعطيها أكثر مما في حوزتها اليوم.