الاثنين، 17 ديسمبر 2018

الأقباط: مواطنون وغرباء



"الأقباط" هذا هو موضوع حلقتنا الأساسي لهذا اليوم. لكن البداية كالعادة مع جولة إخبارية سريعة:

أميركا تودّع جورج بوش الأب
قدّاس قبطي في السعودية
اعتراض السلطات البريطانية على محتوى موقع "جهادولوجي"
قناة سي. إن. إن. تنهي عقدها مع مارك لامونت هيل لإدلائه بتصريحات مثيرة للجدل 
الممثل عباس النوري يشكك في شخصية صلاح الدين الأيوبي
عرب قدامى في قلب الجزيرة العربية ولا يتكلمون العربية كلغتهم الأم
تعرض أول لاعبة كرة قدم تتسلم الكرة الذهبية لتعليقات جنسية
  
المدخل

يدعي الإسلاميون أن الأقباط "أسعد أقلية في العالم". لكن الواقع أنهم يتعرضون لأصناف عدة من الاضطهاد تجعلهم يشعرون أنهم مواطنون من الدرجة العاشرة، وأين؟ في وطنهم الأم ذاته؟ ولماذا؟ بسبب اضطهاد أخوتهم في الوطن لهم وتجاهلهم لشكاويهم وحقوقهم.

ما هو المطلوب من الأقباط؟ أن يقبلوا بالذل صامتين؟ أن يرحلوا ويتركوا أرض الوطن؟ أن ينتفضوا ويثوروا؟ أم هل هناك إمكانية للتوصل إلى معادلات منطقية للتعايش السلمي تحافظ على حقوق الجميع وكرامتهم؟ 

المحور 1: تعريف سريع بالأقباط

لكن، دعونا نسأل أنفسنا أولاً: من هم الأقباط؟ معظمنا في المنطقة وفي مصر نفسها لا يعرفون الكثير عنهم.

الأقباط – حقائق

  • ليسوا أصحاب دين معين فقط بل أصحاب انتماء قومي واضح له لغته الخاصة والأقدم من اللغة العربية، ولها لهجتان أساسيتان: البحيرية والسهيدية، علاوة على لهجات أخرى. لكن الكلام باللغة القبطية أصبح شبه معدوم على مستوى الحياة اليومية، ولا يستخدم إلا في الصلوات. 
  • الأقباط ليسوا عرباً. 
  • أكبر تجمع مسيحي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
  • نسبة الأقباط في مصر تتراوح ما بين 6 و15%، بسبب خلاف التقديرات ما بين الحكومة والكنيسة. نسبتهم في ليبيا والسودان (1%)
  • معظم الأقباط ينتمون إلى الطائفة الأرثودوكسية، لكن هناك أقباط إنجيليين (بروتستانت) وكاثوليك أيضاً.
  • ليس كل مسيحيي مصري قبطي. وليس كل أقباط مصر مسيحيين. فالمسلمون في مصر هم خليط من الأقباط والعرب وقوميات أخرى.
  • هناك اختلاف ثقافي بين أقباط الشمال والجنوب.
  • مصطلح "القبطي" وردنا عن طريق المصادر اليونانية والرومانية والعربية القديمة عن الأصل المصري هوت-كا-بتاح (معبد لروح الإله بتاح).
  • هناك سلسلة رسولية غير منقطعة تبدأ مع تأسيس الكنيسة القبطية في مصر على يد القديس مرقص في عام 42 ميلادية وتستمر حتى هذه اللحظة. وهذا يعطي خصوصية للكنيسة القبطية.
  • أصبح الأقباط المسيحيين الغالبية في مصر مع بدايات القرن الثالث ميلادية، وأصبحوا أٌقلية في منتصف القرن العاشر.
  • بدأت ظاهرة الأديرة والخلوات مع الأقباط ثم انتشرت في الأوساط المسيحية في أنحاء العالم.
  • بعد مجلس خلقدونيا، انقسم المسيحيون إلى فرقتين رئيستين: الملكيين والميافيزيين، وإليها انتمى الأقباط. الاعتقاد الأساسي أن الطبيعة الإلهية والبشرية للمسيح توجد معاً متحدتين دون فصل أو انقسام أو خلط.
  • عومل الأقباط كأهل ذمة إلى أن جاء "محمد علي،" فتحسنت أحوالهم وبدأ يُسمح لهم بتقلّد المناصب الرفيعة والخدمة في الجيش ودفع الضرائب العادية.
  • ما يزال الأقباط والمسيحيون يعانون من التمييز والاضطهاد في مصر: صعوبة في الحصول على تراخيص لتجديد وبناء الكنائس، حرمان عملي لهم من لعب كرة القدم على مستوى الأندية الكبيرة، وهناك أعمال ونشاطات إرهابية تستهدفهم.
المحور 2: أوجه الظلم الذي يتعرض له الأقباط

هناك ثلاث أطراف مسؤولة عن الظلم الواقع على الأقباط: الحكومة والإسلاميون والمجتمع.

الحكومة: 
  • كان الحصول على ترخيص لبناء الكنائس أو حتى تجديدها أمراً في غاية الصعوبة، وما يزال، على الرغم من صدور قانون جديد لذلك قبل عامين، لكن القانون بحد ذاته شيء والتطبيق شيء آخر.
  • عدد الأقباط الذين يتم تعيينهم لشغل المناصب الحكومية المختلفة لا يتناسب على الإطلاق مع حجمهم الديموغرافي أو مستواهم التعليمي، سواء تكلمنا عن الوزرات أو المحافظات أو أي من مؤسسات الدولة المختلفة، بما في ذلك المؤسسات الأمنية.
  • هناك تغييب للماضي القبطي سواء في المناهج التعليمية أو الإعلام الرسمي، في محاولة تبدو ممنهجة ومقصودة لمحو الهوية القبطية. هذا في وقت تشير فيه الدراسات التاريخية إلى أن المسلمين لم يصبحوا أغلبية في مصر إلا بحلول عام 1000 م.
  • تقصير واضح في حماية الأقباط من أعمال العنف الموجهة ضدهم، بما في ذلك الأنشطة الإرهابية. 
 الإسلاميون: 
  • استهداف الأقباط من قبل جماعات إرهابية.
  • التحريض ضد الأقباط من قبل الإسلاميين عامة ولومهم على الكثير من المشاكل التي تواجه الدولة والتعامل معهم وكأنهم طابور خامس وعملاء للصهاينة والغرب وأعداء الإسلام.
 المجتمع:

بسبب الجهل، واستغلاله من الإسلاميين والوصوليين، يواجه الأقباط اضطهاداً اجتماعياً كبيراً. إذ غالباً ما تؤدي الإشاعات حول الأقباط إلى أعمال عنف ضدهم خاصة في المناطق الريفية.

وتنقسم الإشاعات عادة إلى ثلاث أصناف: 
  • رغبة الأقباط ببناء كنيسة، حتى في حالة عدم رغبتهم بذلك،
  • اتهام قبطي بأنه على علاقة بمسلمة،
  • واتهام قبطي بأنه أساء على الله أو رسوله

عادة ما تؤدي هذه الإشاعات إلى أعمال عنف ضد الأقباط، في حين يرفض رجال الشرطة التدخل لحماية المساكن والمتاجر القبطية على الرغم من معرفتهم مسبقاً في الكثير من الأحوال أن أحداث شغب على وشك الوقوع.

التعامل مع النتائج من خلال تأسيس مجالس عرفية يحضرها أعداد متساوية من الطرفين، "تتصافي فيها القلوب" ولا يتم معاقبة أحد، بل قد يتم طرد القبطي أو العائلة القبطية التي اتهمت بالإساءة. لا يعاقب المسلمون في معظم الأحيان على أي جريمة اقترفوها بحق الأقباط، بما في ذلك القتل والسرقة.

هذا الواقع باختصار، فهل ثمة حل؟

المحور 3: حلول مقترحة لمعالجة وضع الأقباط

في حال توفرت الإرادة السياسية للتعامل مع هذه القضية الحساسة والمتشعبة الأبعاد بلا شك، فنعم، هناك أكثر من طريقة يمكن من خلالها تحسين وضع الأقباط في مصر بالتدريج وصولاً إلى تحقيق المساواة في فترة منطقية، لا تسرّع فيها ولا تسويف.

  • تعديل المناهج التعليمية بحيث تشمل اعترافاً واضحاً بالتاريخ القبطي ودورهم في بناء الحضارات المتعاقبة على مصر، بل بتاريخ التنوع في المنطقة ككل.
  • ولا يقتصر إصلاح المناهج التعليمية على التاريخ فقط، لابد من الكلام الصريح أيضاً عن الحقوق المدنية، والمساواة، مع التركيز على الدراسات الاجتماعية والانفتاح على الحضارات الأخرى، وأولويات التفكير النقدي.
  • تعيين المزيد من الأقباط في المناصب الرسمية على مختلف الأصعدة استناداً إلى قدراتهم. لا أحد يطالب بتعيين الجهلة. لكن من الواضح أن نسبة التعليم عند الأقباط عالية على الرغم من كل شيء، وهذا يعني أن هناك وفرة في الشخصيات القبطية القادرة على تبوء مختلف المناصب وأعلاها.
  • تشجيع التنمية المحلية المشتركة، نشاطات التعاون بين القرى القبطية والمسلمة في أماكن الاختلاط، وتشجيع تأسيس منظمات مدنية تراقب نشاطات المتطرفين، وتسعى إلى مكافحة الجهل المتبادل، والشائعات.
  • تدريب رجال الشرطة في مناطق الاختلاط للتعامل بشكل أكثر فعالية مع أعمال الشغب، مع إصرار على معاقبة المشاغبين والمحرضين.
  • مع مراعاة حرية التعبير، لابد من وضع ضوابط صارمة لخطاب الكراهية والخطاب التحريضي. 

لا يوجد في أي من هذه الإجراءات ما يمكن اعتباره معاملة تفضيلية للأقباط، فلا أحد يطالب بحجز حصة معينة في التعيينات، فقط في أن يكون هناك تناسب منطقي ما بين حجم الأقباط الديموغرافي وحجم التعيينات في المناصب المختلفة والوظائف. ولا يوجد مطالبة بحماية خاصة للأقباط، الحماية المطلوبة هي للأمن والاستقرار خاصة في المناطق المختلطة والتي شهدت أو يمكن أن تشهد نشاطات تحريضية وتخريبية. هذه الإجراءات ضرورية حتى في المجتمعات الديمقراطية في الغرب: تدريب رجال الأمن على التعامل مع قضايا التنوع أو مع المناطق الحساسة حدث طبيعي هناك.

رفع الشعارات المتعلقة بالمواطنة لا يكفي. وتوقّع أن المساواة والحقوق يمكن أن تتحقق عن طريق سنّ القوانين والتشريعات دون تبني إجراءات تمهيدية وانتقالية ومراعاة للأوضاع المحلية يمثل طريقة ساذجة في التعامل مع الأمور. يمكن للتغيير أن يبدأ اليوم، بل ينبغي له أن يبدأ اليوم. فالوقت لم يعد حليفنا.  لكن المساواة الحقيقية لن تتحقق اليوم أو غداً، بل تتطلب متابعة وصبر ومثابرة.

حتى يتحقق التغيير، سيبقى الأقباط يشعرون بالتغرب في وطنهم، فطوبى للغرباء.

موقف عمار

الأقباط جزء أساسي من النسيج المصري. ولا يمكن لمصر أن تنهض وتساهم في مسيرة التقدم الإنساني من جديد من غيرهم، ولا يهم من هذا المنطلق إن كانوا أقلية أم أكثرية، إذ لا يمكن تغييب حقوق الأقلية من غير اضطهاد الأغلبية، وبالتالي لا يمكن للمصريين أن ينهضوا إلا متحدين. هذا أو الهاوية.

الجمعة، 7 ديسمبر 2018

ملاحظات حول أصل داعش

سمير غانم: "لا المتين بينفع ولا المتينة، علأصل دوّر!"
ابن الوردي: "لا تقل أصلي وفصلي أبداً، إن أصل الفتى ما قد حصل"


السيرة الذاتية لأحد أهم قياديي داعش الراحلين تلقي أضواء جديدة على أصول تنظيم الدولة الإسلامية – هذا هو محور حلقتنا الأساسي لهذا الأسبوع.

الجولة الإخبارية

في تونس، التونسيون يحتجون بالآلاف على زيارة بن سلمان لبلدهم
في فرنسا، استمرار احتجاجات ذوي السترة الصفراء
في واشنطن، الرئيس ترامب ينتقد قرار جنرال موتورز تخفيض موظفيها بنسبة 15%
في لقاء إعلامي، كلينتون تشجع الدول الأوروبية على تقييد الهجرة
في مصر، شيخ الأزهر يختلف مع طروحات الرئيس السيسي فيما يتعلق بدور السنة النبوية
فاز ورب الكعبة! القائد الشيشاني رمضان قاديروف يزور قبر الرسول في مكة
في الهند، مقتل مبشر أمريكي خلال محاولته التبشير في جزيرة نائية

الملاحظات التحضيرية لهذه الحلقة:

داعش – هذه المنظمة الإرهابية العالمية التي ما تركت جريمة إلا وارتكبتها عبر السنين الماضية سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا أو مصر أو غيرها من الدول، غالباً ما يربط الباحثون نشأتها بالغزو الأمريكي، وبفشل الإدارتين الأمريكيتين السابقتين على التعامل معها بشكل فعّال. لكن، وبعيداً عن التسييس، تبدو قصة نشأة داعش أكثر ارتباطاً بطبيعة المجتمعات في المنطقة منها برد فعل على السياسات الأمريكية.

دراسة مهمة جداً للباحث والصحفي المتميز حسن حسن نشرت مؤخراً على موقع ذي أتلانتيك يتحدى كل ما كتب من قبل حول نشأة تنظيم الدولة الإسلامية أو داعش والذي ربط ظهور هذه المنظمة بالغزو الأمريكي مباشرة.

الدراسة استندت إلى كتاب تم تداوله مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي المدارة من قبل الإسلاميين. مؤلف الكتاب هو ابن أحد أهم قياديي داعش: عبد الرحمن القادولي، وهو عراقي من محافظة نينوى والمعروف باسمه الحركي أبو علي الأنباري، ويتعامل الكتاب المؤلف من 93 صفحة مع حياة أبو علي الأنباري ونشاطاته خلال فترة التسعينات إلى أن قتل في 2016. استند مؤلف الكتاب على يوميات تركها أبو علي الأنباري نفسه وعلى لقاءات عدة مع الجهاديين الذين عملوا معه. واستند حسن حسن في دراسته على هذا الكتاب وعلى لقاءاته الخاص مع الخبراء بل وبعض المتمردين السوريين الذين احتكوا بأبو علي وداعش خلال الحرب في سوريا.

قبل الدراسة، كانت هناك قراءة مجتزأة لقضية ظهور داعش، قراءة أهملت ما حصل في المجتمع العراقي قبل الغزو، خاصة في الفترة الواقعة ما بين تحرير الكويت والغزو نفسه. لجوء نظام صدام حسين للدين في تلك الفترة كان واضحاً، خاصة في إضافة شعار الله الأكبر إلى العلم الوطني. بل تم عقد مؤتمرات سنوية للتنظيمات الإسلامية المتشددة في بغداد، كامتداد لحملة تشجيع التدين التي تم أطلاقها في ذلك الحين.

وهذا ما يقودنا إلى النقطة التالية: 

في رأيي أن جذور قضية التشدد الإسلامي في العراق أقدم حتى من هذا. علينا أن نأخذ بعين الاعتبار حالة الضعضعة التي شهدها المجتمع العراقي نتيجة الحرب مع إيران. على السطح بقي المجتمع علمانياً، والتزم صدام حسين بتشدقه بالعروبة، لكن الواقع أن حروب لعبت فيها الطائفية دوراً كبيراً في التجييش الشعبي، وفي مجتمع كان للتركيبة الطائفية فيه أهميتها الوجودية حتى قبل ذلك من حيث اعتماد صدام ومن معه على تأييد طائفة معينة وعشائر معينة، لا يمكن للتشدد الديني ألا يلعب دوره في الموضوع. صحيح أن الانتماءات الطائفية لا تكون دائماً دينية الطابع، وغالباً ما تأخذ طابعاً عشائرياً وقبلياً، لكن، في العمق، الدين هو الأساس، والاختلافات الطائفية والتمايز الطائفي هي في جوهرها تعبير على اختلافات عقائدية. ومن الطبيعي أن يصبح هذا التعبير أكثر فجاجة وتقليدية وتشدد وطهرانية في أوقات الأزمات. بمعنى، أن المجتمع العراقي الذي ظهر بعد الحرب كان كتلة من الاحتقانات، إذ تقوقع كل مكون، سواء عرّف نفسه على أسس دينية أو طائفية أو عشائرية على نفسه، زادت نسبة التعصب والعزلة والتشكك عند كل مكون، وأصبح الوضع مهيأ لانفجار داخلي، وأعتقد أن سياسات صدام الصدامية مع دول جوار مثل الكويت بعد الحرب مع إيران كانت تعبيراً عن ذلك، ومحاولة لإيجاد طرق لتفريغ الشحنات.

الحرب مع إيران هي التي مهدت لانهيار المجتمع العراقي وظهور التشدد العرقي والمذهبي، ومن ثم جاءت حرب الكويت وفترة الحصار لتمهد بالتدريج لتأسيس للعمل المنظم على هذا الأساس، وبالتالي لظهور القاعدة، بل جسد أكثر تطرفاً منها: كيان يضع الصراع مع الشيعة والأنظمة العلمانية في صلب اهتماماته ويعمل عليها بالتزامن مع حربه مع الغرب والولايات المتحدة والعالم.

بالعودة إلى أبو علي الأنباري، خريج كلية الشريعة في جامعة بغداد في عام 1982، والذي قاتل في الحرب ضد إيران، فمن الواضح الآن أنه بدأ نشاطاته في منتصف التسعينات، كإمام يخطب ضد الشيعة والمتصوفة في تلعفر في شمال العراق، ومن ثم كمقاتل مع التنظيمات الجهادية الكوردية. وبعد هجمات 11 أيلول الإرهابية، وبحسب سيرة أبو علي الأنباري نفسه، تم تأسيس "نواة للإمارة" الداعشية في تلعفر.

"وجهات نظر الأنباري المتطرفة، التي انعكست في وقت لاحق على "تنظيم الدولة"، تشكلت قبل الغزو الأمريكي للعراق، وقبل أن يلتقي بالزرقاوي."...  "الاستعدادات للجهاد كانت تنضج، من حيث التمويل والرجال والأسلحة... كل هذا كان يحدث في ظل حكم البعث". (الرابط)

دعنا نتوقف هنا قليلاً لنقارن الوضعين في العراق وسوريا: العراق في التسعينات تحت الحصار، أصبح مثل سوريا في الثمانيات تحت الحصار. نعم كان هناك قمع للإخوان وللإسلاميين المعادين للسلطة، لكن، كان هناك تشجيع للفكر الجهادي الموجه ضد الغرب، وكانت تجري مؤتمرات سنوية للإسلاميين المتشددين برعاية وزارة الأوقاف، واستمرت هذه النزعة عند نظام الأسد حتى في فترة التسعينات وما بعد، المؤسسات الإسلامية الرسمية وشبه الرسمية، استخدمت للتواصل مع الحركات الجهادية العالمية. طبعاً، هذا الوضع أعطى الأجهزة الاستخباراتية السورية تصور دقيق عن عمل هذه المنظمات والقدرة على اختراقها، وهذا ما جعل الكثير من الأجهزة الاستخباراتية العالمية تنسق وتتعاون معها على الرغم من التضارب في السياسات. وبعد غزو العراق، استغل النظام السوري هذه الخبرة في بناء شبكات وخلايا إسلامية لمقاومة الوجود الأمريكي هناك. ولما بدا واضحاً للنظام أنه لا يوجد نية عند إدارة بوش لغزو سوريا، بل على العكس، أن دعمه للجهاديين هو الذي يمكنه أن يدفع الأمريكيين لتوجيه ضربات عسكرية لسوريا قد تزعزع استقرار النظام، بدأ حملة من الاعتقالات بحق الجهاديين، وهم الجهاديون الذين أطلق سراحهم في بداية الثورة، أصبحوا قادة للحركات الجهادية في سوريا، بما فيها النصرة أو فتح الشام وداعش.

وهكذا نرى كيف ساهم النظامين العلمانيين الطائفيين في كل من سوريا والعراق بتسهيل ظهور وانتشار الحركات الجهادية المتطرفة في كلا البلدين.

موقف عمار

البنية التحتية السياسية والفكرية والمجتمعية اللازمة لانتشار الفكر المتشدد وظهور منظمات إرهابية كالنصرة وداعش كانت موجودة قبل عقود من الغزو الأمريكي للعراق، ونشأت عن السياسات التي انتهجتها الأنظمة الحاكمة وفشل النخب المعارضة لها، سياسياً وفكرياً، في فرز بدائل واضحة ومقنعة. داعش، النصرة، حزب الله، نظام الأسد، نظام صدام، كلها سلع محلية المنشأ، إن لم تعجبنا، فلنسعى إذن لتغيير ما بأنفسنا.

السبت، 1 ديسمبر 2018

هل سَلِمَ العرب من شر العنصرية؟

تعاملت حلقة "بين سام وعمار" هذا اليوم مع قضية العنصرية خاصة في إطار مجتمعاتنا الشرقأوسطية.



لكن، وكالعادة، بدأت الحلقة بجولة إخبارية سريعة، وفيما المواضيع التي تطرقنا إليها هذه المرة:

المرشح الروسي يفشل في انتخابات الانتربول
الكويت قد تمنح الجنسية لغير المسلمين
تجدد الانتقادات الدولية للمناهج التعليمية في السعودية لبثها روح الكراهية
في السعودية النساء يرتدين العباءة بالمقلوب رفضاً لها
مايكل بلومبرغ يتبرع بـ 1.8 مليار دولار لجامعة جونز هوبكنز
قاض أميركي يعلن أن القانون الفدرالي الذي يُحرّم ختان البنات "غير دستوري"
عائلة الفتاة الباكستانية المسيحية آسيا بيبي تتعرض للتهديد
عيد الشكر – عيد أمريكي بامتياز

فيما يلي الملاحظات التي اعتمدت عليها في إطار تحضيري لهذه الحلقة.

العنصرية – هذا المرض الذي نخر وما يزال الجسد البشري مستغلاً اختلاف هيئاتنا وثقافتنا، وهو المرض الذي غالباً ما يدّعي العرب والمسلمون اليوم بأنهم كانوا وما يزالوا ضحايا للممارسات الناجمة عنه والتي تبنّاها بحقهم الآخرون، وبالذات الشعوب الغربية. لكن، ألا تدل الكثير من الممارسات والمعتقدات المنتشرة في صفوف المسلمين، وطريقة تعاملهم مع بعضهم البعض، ونظرتهم للشعوب الغربية ذاتها، على أنهم بدورهم مصابون بالمرض ذاته؟ 

المحور الأول: تعريف بالمصطلح وبأصول الظاهرة وأسبابها وآثارها

العنصرية – الاعتقاد بأفضلية متأصّلة لعرق على آخر بسبب الفروق البيولوجية بينهما من لون البشرة إلى بعض المواصفات الخلقية مثل شكل وحجم الجمجمة وملامح الوجه. وفي العصر الحديث، أصبح المصطلح يُطلق أيضاً على الممارسات التّمييزيّة المستندة إلى اختلاف الثقافات والأديان، وعلى الاعتقاد بالأفضلية المتأصلة لدين أو ثقافة ما بالمقارنة مع الأديان والثقافات الأخرى. إذ ينجم عن هذا الوضع مجموعة من السياسات التمييزية على الصعيد الاجتماعي والسياسي، كانت العبودية هي أسوأ تجليّاتها، وذلك إضافة إلى ظاهرة الفصل العنصري أو "الأبارتايد"، وظاهرتي "الذميّة" و"المِلّية" في المجتمعات الإسلامية.

قد يقول البعض أن كل الأديان والإيديولوجيات قائمة على الإيمان بصحة معتقدات معينة وأفضليتها على غيرها من المعتقدات، فهل يعني هذا أن كل المتدينين والإيديولوجيين عنصريين؟

من الناحية النظرية نعم، كل فكر مغلق وكل جماعة بشرية مغلقة على نفسها عنصرية بطبيعتها، لكن على الصعيد العملي القضية تتعلق بالخيارات العملية والتصرفات التي يتبناها الناس في إطار تعاملهم مع الآخرين. قد يكون المرء مقتنعاً بصحة معتقده الديني أو الفلسفي أو السياسي الخاص، لكن طالما أصر في تصرفاته على احترام حقوق الآخرين الأساسية، بما في ذلك حرية الرأي والتعبير والتجمع، وغيرها، فلا يمكن وصفه بالعنصرية.

بشكل عام، علينا أن نفرق ما بين نوعين من العنصرية: 

1.     هناك عنصرية عقائدية يؤمن أصحابها بالطروحات العنصرية بشكل واضح وصريح ويُبرَرُونها على أُسس دينية أو ثقافية أو حتى "علمية". في أحيان كثيرة عبر التاريخ، كان فكر هذه الجماعات هو السائد على الصعيد الاجتماعي والسياسي.
2.     العنصرية غير المباشرة، وهي العنصرية التي لا يُدرك أصحابها بأنهم عنصريّون أساساً، وأنهم جزء من المشكلة، بل يعترضون على وصفهم بالعنصرية. لكن، ليس من الضروري أن يغير هؤلاء الأشخاص ممارساتهم وتصرفاتهم العنصرية عند تنبيههم إليها، بل قد يسعون لتبريرها بوسائل مختلفة أو محاولة الدفاع عن أنفسهم من خلال اتهام من نبههم إلى إشكالية تصرفاتهم بالعنصرية. هذا النوع من العنصرية هو الأكثر انتشاراً اليوم، وقد يكون التعامل مع هذا النوع من العنصرية هو الأصعب والأكثر تعقيداً.

العنصرية إذن هي الاعتقاد بوجود صفات خلقية موروثة خارجة عن إطار التصرفات والخيارات تميز الجماعات البشرية عن بعضها فتجعل بعضها أفضل من بعض. أي هي الاعتقاد بوجود أفضلية متأصلة غير مكتسبة نتيجة العمل والخيار، بل هي أفضلية نابعة من الولادة والوراثة.

من حيث الممارسة، يمكن للعنصرية أن تتجلى بعدة طريق:

·      سياسات تمييزية واضحة ضد مكون ما (مثل سياسات التعريب التي مورست ضد الأكراد، أو منع المسيحيين من تبوأ مناصب معينة)
·       سياسات تمييزية غير مباشرة (وضع شروط خاصة للتوظيف أو التصويت أو التأجير)
·       علاوة على ممارسات يومية (التعامل الفوقي مع الأشخاص المختلفين، وعدم الاختلاط بهم، استخدام بعض الألفاظ لوصفهم)

يترتب على العنصرية أضرار كبيرة تصيب الأفراد والمجتمعات، فهي نوع من الاضطهاد وتأثر على صحة الضحايا النفسية والمادية، هذا علاوة على خلقها لشروخ اجتماعية قد تضر باستقرار الدولة على المدى المتوسط والبعيد.

لكن، هل يعني انتشار وقِدَم هذا الاعتقاد أن العنصرية حالة طبيعية؟ من أين جاءت هذه النزعة، وماهي مدلولاتها النفسية؟ 

هناك نظريات كثيرة في هذا الصدد: بعض المختصين في علم النفس التطوري Evolutionary Psychology يرون أن العنصرية انتشرت عبر التاريخ لأنها أثبتت "نفعها" للمجتمعات بالذات لأنها بررت استعباد واستغلال الآخرين وتسخيرهم لخدمة المشاريع الخاصة بهذه الجماعات. وأعطتهم أفضلية في تنافسهم مع المجتمعات الأخرى. كما يرى هؤلاء الباحثون أن المجتمعات التي آمنت بتميّزها وتفوّقها على الآخرين كانت أكثر تماسكاً وتعاضداً. بالنسبة لهم إذن، العنصرية كانت الحالة الطبيعية في المجتمعات البشرية لأنها أعطت أفضلية في البقاء والتقدم للمجتمعات البشرية. أي أن العنصرية كانت آلية من آليات البقاء والتطور.

هناك اعتراضات كثيرة على هذه النظرية، فالدراسات الأنثروبولوجية للمجتمعات البدائية التي ما تزال منتشرة في بعض أرجاء المعمورة تدل على وجود نسبة كبيرة من التفاعل الإيجابي من تعاون وتشارك وتجاور سلمي وتزاوج ما بين هذه المجتمعات. مما يعني أن العنصرية لم تكن بالضرورة "الحالة الطبيعية" للمجتمعات البشرية البدائية، وأن هذه المجتمعات كانت تدرك أن التفاعل الإيجابي يعطي أفضلية بدوره لهذه المجتمعات فيما يتعلق بمواجهة تحديات البقاء والتقدم.

التفسير الأفضل لظاهرة العنصرية يبدو أكثر ارتباطاً بالخوف والقلق وعدم الإحساس بالأمان منه بأي أفضلية تطورية متخيلة. هذا على الأقل ما يقوله أصحاب "نظرية إدارة الذعر Terror Management Theory"، بالنسبة لهم، البحث عن الانتماء الجمعي والتميز الاجتماعي والطمع والعدوانية والتعصب كلها نزعات تعبر عن رغبة المرء في تعزيز إحساسه بقيمته في مواجهة الموت والمجهول والآخر.
 
عدم إحساسك بالانتماء والأمان يدفعك إلى الانخراط في جماعة ما، أو التماهي معها، لكن، جماعة قائمة على هذا الأساس غالباً ما تصبح عدوانية تجاه من هم خارجها، ومع الوقت، حتى التعاطف مع الآخرين يصبح مرفوضاً، بل يتم تجريدهم من إنسانيتهم عن طريق النظر إليهم كوحدة متجانسة ودونية، وأخيراً، تسقط الجماعة العنصرية كل نواقصها وعيوبها على الآخرين وتلومهم فيما يتعلق بكل مشاكلها. في صميمها إذن، العنصرية هي عارض لمرض نفسي أو مجموعة من الأمراض النفسية.

المحور الثاني: جذور المشكلة في مجتمعاتنا

سنركز في نقاشنا على موضوع العنصرية في تاريخنا ومجتمعاتنا لأننا غالباً ما نصف أنفسنا كضحايا للعنصرية على الرغم من وجود مؤشرات وأدلة كثيرة على أننا ممارسين للعنصرية بدورنا.

 النظرة العرقية عند عرب شبه الجزيرة قبل الإسلام: بني أصفر (الفرس وغيرهم) وبني أحمر (الروم)، الأفارقة.
 بعد انتشار الإسلام: ظهرت هناك عدة نزعات عنصرية...

الشعوبية

خلال المرحلة الأموية تعامل العرب مع الحكم على أن الله كرمهم بالإسلام وجعلهم أسياداً على الشعوب الأخرى (العجم)، أسلم أصحابها أم لم يسلموا.

إذا كان الفيلسوف الفرنسي، غوستاف لوبون (Gustave Le Bon) قد قال يوماً في معرض انتقاده لسياسيات بلاده الاستغلالية في المستعمرات: "لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب". الواقع يقول: لم يعرف التاريخ فاتحاً رحيماً أبداً.

ولم يتغير الوضع كثيراً في العصر العباسي، على الرغم من استغلال الخلفاء العباسيين للغضب عند الشعوب الأخرى، خاصة الفرس، للتوصل إلى الحكم والمحافظة عليه. أدى هذا الوضع مع الوقت إلى انتشار النزعة الشعوبية.

 أول من جاء بالشعوبية كان الخوارج، الذين استندوا إلى الآية القرآنية "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم" للرد على ادعاءات قريش المتعلقة بحقها في الخلافة.

 وانتشر المفهوم فيما بعد بمعزل عن الطروحات الخارجية الأخرى، في صفوف الشعوب المغلوبة، الفرس خاصة، ومحاولتها الدفاع عن خصوصيتها وتأكيد هويتها في مواجهة التسلط والعنجهية العربية: (نحن مسلمون لكننا لسنا عرباً، بل، وكنوع من العنصرية المضادة أو إحياء لعنصرية سابقة، ربما كنا أفضل من العرب).

وبعد قرنين، شهد الأندلس حراك شعوبي مشابه في صفوف البربر والأوروبيين الذين اعتنقوا الإسلام، كاحتجاج على ادعاءات العرب. ومن هنا رسالة الكاتب الأندلسي أبو عامر بن غرسية (من أعلام الشعبوية) التي حالت التقليل من شأن العرب أسوة بالأدب الشعوبي الفارسي.

في بعض الأحيان، كان هناك رفض للإسلام ككل أيضاً. تعامل المؤرخون المسلمون مع الثورات التي جرت في بعض المناطق التي خضعت للخلافة الأموية والعباسية وكأنها مجرد تمرد على السلطة، وخروج عن الدين (البابكية) وتجاهلوا البعد التحرري لها وأنها تمثل محاولة طبيعية من قبل الشعوب المغلوبة للدفاع عن خصوصيتها الثقافية والدينية التي وجدت مما قبل الإسلام.

وفي هذا الجو أيضاً انتشرت الأحاديث التي تكلمت عن آخر الساعة وتحدثت عن الاقتتال المحتوم ما بين العرب وما بين بني الأصفر وبني الأحمر، في ربط وخلط ما بين العروبة والإسلام، وتجاهل لانتشار الإسلام في صفوف "بني الأصفر" و"بني الأحمر."

الذمية:

نعم، يمكن التعامل مع الذمية على أنها تعبير عن العنصرية لأنها نزعة مؤسساتية تصر على إسباغ وضع دوني على أتباع الديانات الأخرى في الدولة، خاصة أهل الكتاب. نعم، نحن في هذا نسقط مبادئ العصر الحديث على الماضي، لكن، في ظل إصرار البعض على تنزيه الحضارة الإسلامية بكل ما فيها عن النقد، وطروحات الإسلام السياسي، هذا إسقاط لابد منه.

الذمية تجلت فيما يسمى العهدة العمرية، وهو نظرياً العهد الذي قدمه عمر لبطرق القدس بعد دخول المسلمين إليها. لكن، بحسب دارسات الحديثة، يبدو أنه تم تعديل نص العهدة مع الزمن، خاصة خلال فترة حكم الخليفة الأموي عمر الثاني، وبعده، وإدخال شروط مهينة هدفها تقييد حركة المسيحيين واليهود وطريقة لبسهم ومعيشتهم، كما تم منعهم من بناء معابد جديدة.

في الشرق الأوسط، تطور النظام الذمي إلى النظام المِلّي (The Millet System) في العهد العثماني. لكن تم الاستغناء عن النظام الملي في عهد السلطان عبد المجيد الأول في عام 1856 كجزء من الإصلاحات المعروفة باسم التنظيمات لصالح مبدئ المواطنة. طبعاً كان للضغوط الأوروبية دورها الكبير هنا.

المحور الثالث: الوضع في المنطقة اليوم

"الشعوبية الجديدة" في مواجهة الحراك القومي العربي: نمو النزعات القومية المتشددة عند شعوب المنطقة أسوة بما جرى في أوروبا، وتبني سياسات التتريك من قبل قادة الدولة العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين سرّع من وتيرة انهيار الامبراطورية العثمانية من ناحية، وأطلق العنان لصراعات عنصرية جديدة بين شعوب المنطقة من ناحية أخرى.

الحلم القومي العربي وسياسات التعريب التي اتبعت بخصوص الأقليات القومية من ناحية، وطريقة العرب العنصرية في التعامل مع العمال القادمين من الدول الأفريقية والآسيوية، بصرف النظر عن الانتماءات الدينية، تم مواجهتها بما أسماه بعض الباحثين بنزعة "شعوبية جديدة" – نزعة عنصرية جديدة حيال العرب من قبل القوميات الأخرى.

علاوة على هذا كله، هناك عنصرية بين-عربية أيضاً تتجلى في تعامل الخليجيين مع باقي العرب وتفريقهم ما بين العرب العاربة والمستعربة، وفي نظرة باقي العرب إلى الخليجيين كقبائل بدوية همجية، وهو النقد الذي توجهه القوميات غير العربية إلى العرب عموماً.

من ناحية أخرى، العرب المسيحيون يتهمون العرب المسلمين بأنهم متخلفين وبدو. في المقابل، الإسلاميون يتمسكون بطرح أهل الذمة، وهناك تجليات لهذا الفكر على المستوى الرسمي (هناك حسابات كثيرة تتعلق بوضع المسيحيين في مناصب رسمية، تراخيص بناء الكنائس)، وعلى المستوى الشعبي من خلال التعامل اليومي.

هناك نزعة عنصرية عند العرب أيضاً تجاه ذوي البشرة السوداء، حتى العرب منهم، بل حتى المواطنين. كما هو الحال مع الفلسطينيين السود (غزة) والتونسيين السود أيضاً (القصبة).

النظرة الشعبية تجاه الشعوب الإفريقية عنصرية بشكل عام: ففي الثقافة الشعبية العربية، ارتبط مصطلح العبد بذوي البشرة السوداء (فيروز: "علبوابة في عبدين: الليل وعنتر بن شداد").  وتجلت النزعة أيضاً في الفن: مسلسل سمير غانم الأخير، وغيرها من الأعمال من مسلسلات وأفلام ومسرحيات عبر تاريخ الفن المعاصر في مصر والخليج.

لكن، ليس في الكوميديا فقط، هناك مسلسل "طبول الحرية" (إنتاج ليبي، تمت دبلجته إلى الإنكليزية، ممثلين عرب بيض صبغوا بشرتهم باللون الأسود). بل تم عرض المسلسل في عدد من الدول الإفريقية وقتها واعتبر إيجابياً لأنه دعم النضال الإفريقي، وذلك على الرغم من الاعتراض على قضية صبغ الوجوه:



وهناك أيضاً مسلسل "طرائف أبي دلامة" الذي قام ببطولته الممثل السوري الزيناتي قدسية بعد طلي وجهه لأن أبا دلامة كان من أصول إفريقية. المسلسل كوميدي لكن مرة أخرى الهدف لم يكن السخرية من السود لأن أبا دلامة كان رجلاً شاعراً ذكياً.



ما الهدف إذن من اختيار ممثلين بيض في هذين المسلسلين؟ الهدف ترويجي بحت: لا يوجد ممثلون سود البشرة يتكلمون العربية معرفون في العالم العربي، وأنت تريد للدول العربية أن تشتري المسلسل وأن يتابعه الناس. كان يمكن البحث عن ممثلين سود البشرة، لكن الأمر كان يتطلب أن يكون عند المرء وعي بالبعد العنصري للموضوع، وأن تكون ثقافة الترويج مختلفة، في وقت يمكن فيه للمنتجين في منطقتنا أن يشيروا إلى هوليوود مثلاً ويقولوا: ها هي هوليوود نفسها تختار ممثلاً من أصول صينية ليلعب دور شخصية يابانية في أحد أفلامها لأنه معروف، دون أن يهتموا برأي المشاهد الآسيوي القادر على التمييز بين الياباني والصيني.

والمشكلة الأكبر أن المشاهد الآسيوي قديماً ولأنه اعتاد على هذا الخلط العنصري كان يجد سهولة أكبر بتقبل التأقلم مع الموضوع منه بتحدي الموضوع. اختلف الوضع اليوم، في هوليوود وإلى حد ما في المنطقة أيضاً. لهذا لم يمر إحياء سمير غانم لموضوع صبغ الوجوه في مسلسله الأخير دون انتقادات شديدة، على الأقل على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن، غياب النقاش على الساحة العامة ودفاع المؤلف عن الموضوع، يدل على استمرار عدم الجهل والتعصب في المجتمع ككل.

بل هناك عنصرية في السودان مثلاً في التعامل ما بين الشعوب الناطقة بالعربية والتي تزاوجت مع العرب وأصبح لون بشرتها أقل سواداً (الجنجويد)، والشعوب غير الناطقة بالعربية (الفور والمساليط والزغاوة والنوبيين، إلخ...)، هذا علاوة على الاختلافات في الدين.

وأخيراً، تتجلى النزعة العنصرية عند العرب في تعاملهم مع العمالة الوافدة، ليس فقط في دول الخليج بل في لبنان وسوريا وغيرها من الدول، خاصة مع العمال الآسيويين والأفارقة.

من ناحية أخرى، التعامل مع المهاجرين الأفارقة في ليبيا وكأنهم عبيد رسميين من بيع وشراء، أمر له دلالته.

موقفي من قضية العنصرية في المجتمعات الشرقأوسطية، وخاصة في المجتمعات الناطقة باللغة العربية:

العنصرية داء أصابنا جميعاً، لكن تجاهل شعوب المنطقة لتفشي هذا المرض في صفوفها يكرس حالة الانقسامات والصراعات ويعرقل محاولاتنا إيجاد طرق إيجابية للتعامل مع قضية التنوع. الاعتراف بتفشي مرض العنصرية في صفوفنا هو الخطوة الأولى والأساسية على طريق التغيير والتحضّر.