لا
مفرّ من الاعتراف أن الدولة قد تشهد ظروفاً و تطورات، داخلية أو خارجية، تفرض
عليها أحياناً إعلان حالة الطوارئ. و هناك فقرات في دساتير معظم الدول تتعامل مع
هذا الأمر وتنظّمه. وإن اختلفت هذه الدساتير فيما بينها فيما يتعلّق بتحديد مدة
استمرار هذه الحالة، فإنها تتفق في جعله متناسباً مع حجم الظروف المؤدية إليه، وبالتالي
تقدر أغلب الدساتير هذه المدة بالأشهر لا بالسنوات. وربما كان الدستور السوري هو
الوحيد الذي لا يحدّد المدة و يتركها مفتوحة ومتموضعة كلية في يد السلطة
التنفيذية، أو بالأحرى في يد رئيس هذه السلطة، دون أي احتمال للمراجعة من قبل
السلطات الأخرى. يقول الدستور: "يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ و يلغيها
على الوجه المبيّن في القانون" (المادة 101). و القانون للأسف الشديد لا
يحدّد المدة.
على
أية حال، يبقى الكلام هنا عن دستور الـ73، ولكن حالة الطوارئ في سورية أُعلنت
بناءً على دستور الـ47 الذي يقصّر هو أيضاً فيما يتعلّق بتحديد المدة. وجاء
الإعلان عقب الانقلاب الذي قام به حزب البعث وأمسك من خلاله بزمام الحكم في البلد.
فالهدف من الإعلان إذن كان متعلّقاً بإعطاء حزب البعث ورجالاته الزمن الكافي
ليوطّدوا دعائم حكمهم. و السؤال الآن: ألم تكف حزب البعث نيف وسبع وثلاثون سنة
لتوطيد حكمه وإحكام قبضته على البلد؟ إن كان الجواب "نعم" انتفت الأسباب
الموجبة لإعلان حالة الطوارئ وآن أوان إنهائها. وإن كان الجواب "لا،"
فالمسألة إذن خطيرة جداً وهي في جوهرها تنمّ عن أزمة ثقة ما بين الحكومة والشعب،
خاصة من وجهة نظر الحكومة. إذ لا تفسير آخر لاستمرار هذه الحالة بصراحة.
إن
الحكومة التي تثق بشعبها لا تحتاج إلى إعلان حالات طوارئ و تعطيل كل القوانين من
أجل ضمان سيطرتها. إن الحكومة التي تثق بشعبها وتحترمه تسعى إلى فرض احترامها هي
أيضاً، لا سيطرتها، على الشعب عن طريق أداء مقنع فيما يتعلّق بإدارة شؤون الدولة.
أما السعي لفرض السيطرة فأمر يتنافى مع مفهومي السيادة والشرعية. إن للحكومة دور
يحدّده الدستور ولا ينبغي للحكومة أن تسعى لتوسيع دورها عن طريق استغلال قوانين
الطوارئ، فلهذه القوانين أغراض معينة يؤدي تجاوزها إلى تجاوز حد الشرعية.
هذا
هو بالضبط الوضع الذي نريد أن نتعدّاه في سورية عندما ندعو إلى إلغاء حالة الطوارئ
وإطلاق الحريات العامة و المعتقلين السياسيين. نحن نريد أن نصل ببلدنا إلى برّ
الشرعية والمدنية، وهذا لن يكون إلا إذا أبدت الحكومة ثقة كبيرة بالشعب ومثقفيه واستجابت إلى مطالبهم العادلة. إن بيان الـ99 الذي وقعه خيرة مثقفي البلد يستحق ردّ
فعل رسمي من الحكومة، فالتجاهل هو مؤشّر استمرار للعقلية القديمة التي لا تستمد
شرعيتها إلا من القمع ولا تعرف فيما يبدو غيره.
إن
مثقفي سورية يريدون الدخول في حوار مباشر مع الحكومة فيما يتعلّق بأوضاع البلد ومستقبله، وهم مؤهّلون للدخول في هذا الحوار، وبحكم كونهم النخبة الفكرية لهذا
البلد، عندهم الشرعية اللازمة لذلك. فإن لم يكن بوسع "عنواننا
العريض" الدخول في هذا الحوار الآن لكثرة مشاغله، فماذا عن "التفاصيل
الصغيرة" التي لم تترفّع عن التعليق على بيانات و تصريحات صدرت في دولة أخرى؟
*
لست واثقاً من التاريخ الدقيق لهذا المقال.