الثلاثاء، 30 يونيو 2015

مبادرة لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا


تمثل هذه الخطة المكونة من 9 نقاط (اضغط هنا لقراءة النسخة الإنكليزية) مساهمة خاصة ومتواضعة لمؤسسة ثروة فيما يتعلق بالجهود الرامية إلى حل النزاع في سوريا. وكخطة داعمة لعملية سلام، لا يمكن لهذه المبادرة أن تمثل توقعات وآمال الثوار، ناهيك عن توقعاتي الخاصة أو توقعات أي من الأطراف المنخرطة في هذا النزاع. إذ ينبغي على جميع الأطراف في هذه المرحلة أن يعدوا أنفسهم لتسوية لن يتحصلوا من خلالها إلا على نزر بسيط من المكاسب التي سعوا إليها في البداية. فالنضال من أجل الديمقراطية عملية معقدة وطويلة الأمد تتطلب تعديلات مستمرة في المسار، وقد تبدأ هذه العملية مع حركة احتجاج أو ثورة شعبية لكنها لا تنتهي معها. السياسة، مهما بدت قميئة وكلبية في بعض الأحيان، تبقى ضرورة لا يمكن التحصل على أي مكسب وتحصينه بلاها.

وترجئ المبادرة النظر في تلك القضايا المتعلقة بشكل سوريا المستقبلي وطبيعة ونطاق عملية العدالة الانتقالية إلى مرحلة لاحقة، وذلك نظراً لتعقيدها وارتباطها بقضايا ومصالح وأطراف أخرى تجمع ما بين الشأن السوري وتطورات في بلدان ومناطق أخرى من العالم. وتكتفي الخطة بالسعي لتمكين أطراف النزاع، المحليبن والإقليميين والدوليين على الاتفاق على هدنة طويلة الأمد (قد تستمر لمدة 5 سنوات أو أكثر)، يتم خلالها التفاوض على تسوية نهائية. بعبارة أخرى، تسعى الخطة إلى استبدال صراع عنيف طويل الأجل بعملية سياسية طويلة الأجل، وإن بدت معقدة، وذلك من أجل تخفيف معاناة الشعب السوري.\

مقدمة

تهدف المبادرة المقترحة هنا إلى تحويل النزاع في سوريا من صراع عسكري مدمّر إلى عملية سياسية يمكن من خلالها للأطراف المختلفة الاتفاق على ترتيبات إدارية مرحلية تسمح لكل طرف بالبدء بإعادة بناء ما تهدّم في منطقته، وإعادة توطين اللاجئين وتقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين، وذلك بمساعدة القوى الداعمة له على الصعيد الإقليمي والدولي. وفي هذه الأثناء يمكن للمباحثات المتعلّقة بالوضع النهائي للبلد من الناحية الإدارية والسياسية والقانونية والدستورية أن تبدأ، وإن امتدت لسنين.

ويمكن تلخيص جوهر هذه المبادرة بالبنود التالية:

1.     يتوجّب على أطراف النزاع الاتفاق على خطوط واضحة لوقف إطلاق النار تفصل ما بين المناطق الخاضعة للأطراف المختلفة، واعتماد كل منطقة مرحلياً كوحدة تابعة للطرف المعني يديرها بحسب توافقات داخلية محددة.
2.     يتوجّب على أطراف النزاع الاتفاق على بنود واضحة للتعاون ما بين المناطق المختلفة في عدد من المجالات الحيوية، خاصة فيما يتعلّق بالقضايا الأمنية والاقتصادية، وآليات التنقّل ما بين المناطق، وإدارة العلاقات القائمة ما بين المكونات والشرائح الاجتماعية المختلفة في كل منطقة.
3.     يتوجّب على أطراف النزاع الاتفاق على تحييد دور دمشق في الصراع عن طريق تأسيس حكومة مرحلية حيادية يشارك فيها ممثلين عن الأطراف المختلفة تدير شؤون المدينة ونواحيها تحت إشراف لجنة دولية أممية معينة من قبل مجلس الأمن. ويفضل إعطاء المسؤول الأممي المشرف على الشأن السوري صلاحية تشكيل هذه الحكومة بالتشاور مع كافة الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية المعنية.
4.     يتوجّب على أطراف النزاع الاتفاق على تجريد بشار الأسد من صفة رئيس الجمهورية، وتنصيب رئيس مرحلي في دمشق بالتوافق ما بين الأطراف تكون مهمّته الإشراف على عمل الحكومة المرحلية وعلى المباحثات ما بين أطراف الصراع، وتنسيق المساعي الإقليمية والدولية في هذا الصدد، في حين يبقى الأسد مسؤولاً عن إدارة المناطق الخاضعة لسيطرته وتمثيل الشرائح الموالية له.
5.     عند الضرورة، يمكن لأطراف النزاع الاتفاق على التبادل السلمي لبعض المناطق والسكان ما بين الأطراف المختلفة حفاظاً على أمن جميع الشرائح والمكونات الاجتماعية والثقافية.
6.     يتوجّب على أطراف النزاع الاتفاق على دعوة قوات حفظ سلام مشكّلة من دول محايدة لمراقبة خطوط التماس المرحلية، والنقاط الحدودية، والمطارات والمرافئ الدولية، لمنع وقوع أية خروق لاتفاق وقف إطلاق النار، ولتسهيل التنقّل ما بين المناطق المختلفة، ولمنع تدفق المقاتلين والأسلحة من وإلى سوريا، إلا بحسب الاتفاقات الموقّعة من قبل أطراف النزاع.
7.     يمكن لكل طرف من أطراف النزاع في المرحلة الانتقالية أن يحتفظ بمجموعاته المقاتلة شرط تفريغها من العناصر الأجنبية وفقاً لجدول زمني محدّد، ولا يجوز التحايل على ذلك عن طريق التجنيس و/أو منح الإقامات.
8.     ينبغي على الحكومة المرحلية احترام كافة العقود والاتفاقات التي عقدها النظام حتى تاريخ إعلان هذه المبادرة.
9.     يتوجّب على أطراف النزاع حظر خطاب التحريض والكراهية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، واحترام قداسة كل المعابد والمؤسسات الدينية، والصروح ذات الأهمية التاريخية، وعليهم توفير الحماية لكافة الحجاج والزوار القادمين من داخل أو خارج البلاد.

الشرح

1.
بات الوضع في سوريا اليوم، من منظور القانون الدولي، يشكّل حرباً أهلية، وبالتالي لا جدوى هنا من الحديث عن طرف شرعي وآخر غير شرعي. فلكلّ طرف في الصراع، بصرف النظر عن سلوكياته، نسبة ما من التأييد الشعبي الداخلي، وبما أن معظم الأطراف تعتمد على دعم لوجستي وتمويل خارجي ما علاوة على مقاتلين أجانب، فلا جدوى هنا أيضاً من تبادل الاتهامات.

2.
من الناحية العملية لم تعد سوريا اليوم تمثّل دولة موحّدة، بل أصبحت مؤلّفة من مجموعة من المناطق المتناحرة، وعلى تصوراتنا المتعلّقة بإنهاء الصراع التعامل مع هذا الواقع.

3.
هناك في سوريا اليوم مناطق واقعة تحت سيطرة نظام الأسد وجيشه، وحزب الله، وجيش الدفاع المدني، واللجان الشعبية، علاوة على المليشيات الشيعية المشكّلة من مقاتلين أجانب من إيران والعراق وأفغانستان، وغيرها من الدول.

وهناك مناطق واقعة تحت سيطرة جبهة النصرة، والكتائب الإسلامية الأخرى مثل جيش الإسلام وجيش الفتح، وكتائب تابعة للجيش الحر، بالتعاون مع مقاتلين أجانب موزّعين على كل هذه الأطراف.

وهناك مناطق خاضعة لسيطرة الدولة الإسلامية أو داعش الذي يعتمد في أغلب الأحيان على عناصر جهادية أجنبية، وإن كان قد نجح في الفترة الأخيرة في زيادة عدد السوريين المنخرطين في صفوفه، نظراً لاعتماده على القاصرين، وتمكّنه من شراء ولاء بعض المجموعات المسلحة وبعض العشائر التي دفعتها حاجتها المادية وغضبها من القمع الذي تعرضت له من قبل النظام، علاوة على خوفها من داعش، إلى الالتحاق به وإن كانت رؤيتها فيما يتعلق بمستقبل البلد لا تتفق بالضرورة مع رؤيته.

وأخيراً هناك مناطق خاضعة لسيطرة وحدات الحماية الكوردية بالتعاون مع حلفائها من الجيش الحر والقبائل العربية والمجموعات المسلحة الآشورية. وماتزال هذه الوحدات، في هذه المرحلة على الأقل، تحافظ على علاقة ما مع المؤسّسات الممثّلة للنظام في مناطقها، وإن كانت قادرة عملياً على قطع هذه العلاقة في أي وقت شاءت.

ولم تتضح بعد معالم الحدود بين هذه المناطق بسبب استمرار المعارك، فهي تبقى بالتالي خاضعة للتغير بين يوم وآخر. وإن كانت قوات المعارضة فد أحرزت بعض التقدم في الآونة الأخيرة، فإن قيام إيران بإرسال آلاف المقاتلين الشيعة من أفغان وإيرانيين وعراقيين كردٍّ على هذا التطور قد يقلب الموازين مرة أخرى فارضاً واقعاً أو توازناً جديداً على الأرض.

4.
بحسب تصريح معظم الأطراف، يمثّل داعش عدواً مشتركاَ لها. لكن الأوضاع الحالية على الأرض واستمرار المعارك بين هذه الأطراف، علاوة على الحسابات الخاصة لبعضها التي تجعلها ترفض تنسيق جهودها المناوئة لداعش، بل ربما تجنّبت ما أمكن الصدام معه، هذا إن لم تقم بالتنسيق معه في معاركه ضد الأطراف الأخرى، ونشير هنا بالتحديد إلى تلك التقارير والتحليلات الاستخباراتية والإعلامية التي تشير إلى التعاون الظاهر ما بين النظام وداعش،... هذه الأوضاع سمحت لداعش عبر السنين الماضية بتقوية مواقعه على حساب جميع مناوئيه، بمن فيهم النظام.

ولايبدو أن الهدن المؤقتة قادرة على قلب المعادلة هنا، وذلك لتجنّبها الدخول في مجموعة من القضايا الحساسة المتعلّقة بعلاقة الأطرف ببعضها البعض وطريقة إدارة المناطق الواقعة تحت سيطرتها.


5.
ونظراً لتعنّت القوى الإقليمية الداعمة للأطراف المتنازعة في الداخل السوري، واستمرارها في تسعير وتصعيد المواجهات، لايبدو أن حسم هذا الصراع ممكن عسكرياً، أو بلا وساطة دولية.

لذا، يبدو أن الخطوة الوحيدة التي يمكن لها أن تخرجنا من الأزمة الراهنة تتطلّب من القوى الدولية أن تضغط على الأطراف الإقليمية والداخلية للتوصّل إلى اتفاق على ترتيبات إدارية مرحلية قد تستمر ما بين سنة وخمس سنوات، تشمل تحديد خطوط واضحة لوقف إطلاق النار تفصل ما بين المناطق المختلفة، وبنود واضحة للتعاون ما بينها في مجالات حيوية عدة، خاصة فيما يتعلّق بالقضايا الأمنية والاقتصادية وإدارة العلاقات القائمة ما بين الشرائح الاجتماعية المختلفة في كل منطقة.

وقد تتطلّب الأوضاع أيضاً الاتفاق على التبادل السلمي لبعض المناطق، وربما السكان أيضاً، ما بين الأطراف المختلفة. ويمكن لقوات حفظ سلام مشكّلة من دول محايدة ومكرّسة لمراقبة نقاط التماس المرحلية أن توفّر قسطاً ما من الاطمئنان يسمح للأطراف المتوافقة بتغير بعض حساباتها الحالية متفرّغة للمعركة ضد العدو المشترك: داعش.

ويمكن للرئيس المرحلي أن يقوم بتشكيل حكومة مرحلية تشمل ممثلين للنظام والمعارضة بتنوعاتها، وليس فقط الإئتلاف. وينبغي على هذه الحكومة احترام كافة العقود والاتفاقات التي عقدها النظام حتى تاريخ إعلان (وليس توقيع) هذه المبادرة.

ويمكن لكل طرف من أطراف النزاع في المرحلة الانتقالية أن يحتفظ بمجموعاته المقاتلة شرط تفريغها من العناصر الأجنبية بالتدريج ووفقاً لجدول زمني متفق عليه، ولا يجوز التحايل على ذلك عن طريق التجنيس و/أو منح الإقامات.

6.
وفيما تدور المعارك مع داعش، يمكن لممثّلي الأطراف المختلفة البدء بمحادثات جدّية حول شكل الدولة الجديد، وعلاقة المناطق المختلفة ببعضها، والترتيبات الإدارية والدستورية المتعلقة بالصعيد الوطني، والقضايا المتعلقة بالعدالة الانتقالية، أي محادثات حول الوضع النهائي للبلد من الناحية السياسية والإدارية والقانونية والدستورية.

7.
ولعلّه من الضروري التنويه هنا إلى أن خطوة تحديد خطوط واضحة لوقف إطلاق النار ما بين المناطق المختلفة لا تهدف إلى تقسيم البلاد، بل إلى فصل مرحلي للأطراف المتناحرة، مع تأمينها، والشرائح الاجتماعية الداعمة لها، في مناطقها.

8.
على الرغم من عقيدتها السياسية التي لا تختلف كثيراً عن عقيدة داعش، فإن اعتماد جبهة النصرة الأكبر في تركيبتها الداخلية على دعم كبير من المقاتلين السوريين يجعل العلاقة معها أكثر تعقيداً، وإن لم يكن بوسعنا التحاور مع القادة الأساسيين للجبهة، مثل أميرها أبو محمد الجولاني، الذي لم تترك تصريحاته الأخيرة للجزيرة مجالاً لذلك، ربما كان من الممكن لنا التواصل مع بعض القادة المحليين وقادة الصف الثاني وذلك عن طريق بعض الشركاء الإسلاميين الأكثر مرونة من الناحية السياسية. ولقد أدت مبادرات من هذا النوع في جنوب سوريا مؤخراً إلى هجرة أعداد كبيرة من مقاتلي جبهة النصرة للانضمام إلى تجمعات أكثر اعتدالاً.

9.
أما فيما يتعلّق بالإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، فعلى الرغم من أن لايملك الكثير من النفوذ على الأرض في هذه المرحلة، فإن الاعتراف الدولي الكبير الذي تحصّل عليه في السنتين الأخيرتين يجعل من تهميشه أو استبعاده أمراً صعباً وغير مستحبّ، ما لم يستبعد هو نفسه بشكل أو آخر، مثلاً من خلال مقاطعة العمليات السياسية الجارية والمتعلقة بسوريا مثل رفضه اللقاء مع مبعوث الأمم المتحدة المختصّ بالملف السوري السيد استيفان دي مستورا. من ناحية أخرى، ينبغي على الإئتلاف، إذا أراد تحسين موقفه التفاوضي، أن يسعى للتواصل مع قوات المعارضة في الداخل ويبنى علاقة أفضل معها، ليتحوّل في الوقت المناسب إلى قوة سياسية قادرة على إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها. لكن، لايبد أن هذا الأمر ممكناً من دون وساطة القوى الإقليمية الداعمة لقوات المعارضة في الداخل.


10.
نظراً لخضوع المناطق ذات الغالبية الكوردية في سوريا في هذه المرحلة لسيطرة حزب الاتحاد الديموقراطي، التابع تنظيمياً لحزب العمال الكوردستاني، ونظراّ لإشراف هذا الحزب المباشر على العمليات العسكرية لوحدات الحماية الشعبية الكوردية وحلفائها، وعلى الرغم من اعتراض الأحزاب الكوردية الأخرى على بعض ممارساته، لا مناص في الواقع من إشراك حزب الاتحاد الكوردستاني كطرف مستقلّ في أية مباحثات جدّية حول مصير المناطق ذات الغالبية الكوردية في سوريا وطبيعة علاقاتها ببقية المناطق.

11.
أما فيما يتعلق بقيادات النظام، بمن فيهم بشار الأسد، فلأنهم أصبحوا من الناحية العملية مجرّد زعماء لطرف من أطراف النزاع لا غير، فمن الأفضل ربط مصيرهم النهائي بالنقاشات التي ستدور حول موضوع العدالة الانتقالية، أي تأجيل البتّ فيها حتى انطلاق تلك المباحثات، إذ لا يتطلّب الاتفاق حول الترتيبات الإدارية المرحلية للمناطق السورية البتّ في هذه القضايا الخلافية الآن، بل ربما كان الأمر على عكس ذلك، أي قد يتطلّب إنجاح هذا الاتفاق تجنّب هذه القضايا بالذات وتأجيلها لمرحلة قادمة.


12.
لكن، وكحلّ وسط ما بين رغبة الموالاة في بقاء الأسد ومطالبة المعارضة برحيله، يفضّل في هذه المرحلة أن يتم تجريد الأسد من صفة رئيس الجمهورية، وتنصيب رئيس مرحلي بالتوافق ما بين الأطراف تكون مهمّته الإشراف على المباحثات ما بينها وتنسيق المساعي الإقليمية والدولية في هذا الصدد، في حين يبقى الأسد مسؤولاً عن إدارة المناطق الخاضعة لسيطرته والشرائح الموالية له، ويبقى مصيره النهائي مرتبطاً بالتطورات الخاصة بعملية العدالة الانتقالية وتوافق الأطراف الداخلية والقوى الإقليمية والدولية الداعمة لها على الترتيبات الخاصة بشأنها.

ولاننسى في هذا الصدد أن تحصّل عدد من الجهات الرسمية والقانونية الدولية على ملفات ووثائق مختلفة تتعلّق بما تعرّض له السوريين من قمع في الفترة الأخيرة، علاوة على الحق القانوني للضحايا وعائلاتهم فيما يتعلّق بملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات التي ارتكبت بحقهم في عدد من المحافل الدولية، قد خلق لعملية العدالة الانتقالية مساراً مستقلاً عن إرادة النظام والمعارضة معاً، وأصبح الأمر، أي المصير النهائي للأسد وكل من يقف متهماً بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خاضعاً لحسابات دولية مختلفة.

وربما تشكّل هذه المبادرة فرصة أخيرة للأسد بالذات لإيجاد مخرج مناسب لنفسه. إذ ما لم يبدِ الأسد أية مرونة في هذه المرحلة من خلال قبوله بالعملية السياسية المقترحة هنا، فقد لا توجد أية إمكانية لإعطائه حصانة قانونية من المسائلة، وسيبقى ملاحقاً قانونياً أينما كان أو حلّ. وفي الواقع، ومن الناحية العملية، لم تعد قضية مصير الأسد بالأهمية التي كانت عليها في المرحلة السابقة. وإن كانت بعض أطراف المعارضة غير قادرة بعد على استيعاب هذا الأمر، فإن الأسابيع المقبلة قد تشهد تغيراً في هذا الصدد.

وفي الواقع تأتي هذه المبادرة أيضاً لتعطي القوة الإقليمية الوحيدة الداعمة للأسد بشكل علني، أي إيران، مخرجاً مناسباً يسمح لها بتقديم التنازلات دون أن تبدو ضعيفة أو متذبذبة في مواقفها أمام حلفائها الآخرين في المنطقة، أو تخسر كل نفوذها في سوريا، وهو أمر لا يبدو أنها على استعداد لتقبله أساساً وإلا لما وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.

وقد لا يلقى هذا الحل ترحيباً من قبل الأوساط الشعبية التي عانت من قمع الأسد خلال السنين الماضية، لكنه يبقى يمثل الخطوة الأكثر قدرة على التخفيف من معاناتها على المديين القصير والطويل.

13.
قد يشكّل وضع بعض المناطق أو المدن السورية، مثل وادي النصارى في وسط سوريا، ومدينة السويداء، والعاصمة دمشق، تحت إدارة دولية حلاً مرحلياً مناسباً إلى حين اتفاق أطراف النزاع على الوضع النهائي لها. لكن الإرادة الدولية لدعم تحرّك من هذا النوع قد لا تكون متوفّرة، ما لم تقتنع القوى الكبرى بجدية الأطراف فيما يتعلّق بالالتزام بنصوص هذه المبادرة.

14.
إذا لم يشكّل التقدّم الملحوظ الذي تحرزه قوات المعارضة بمختلف فصائلها في إدلب ودرعا والقلمون والغوطة الشرقية دافعاً للنظام ليدخل في العملية التفاوضية المقترحة هنا، فقد يؤدي التسويف إلى إضعاف قوته التفاوضية. ولايغرنّنا في هذا الصدد تصريحات بعض القادة العالميين حول استحالة فرض حلّ عسكري للأزمة السورية، لأن القوى الفاعلة في الصراع هي قوى إقليمية بات معظمها يتصرّف، وفي الآونة الأخيرة على وجه الخصوص، وفقاً لمصالحها وأهوائها ورؤاها الخاصة وبشكل مستقلّ عن المؤثرات الدولية. هذا علاوة على الضعضعة والخلخلة الواضحة في الأوضاع الاقتصادية والبنى المؤسساتية للدولة مما يجعلها مرشحة لانهيار كارثي في أية لحظة، الأمر الذي سيجلب معه ويلات كثيرة على جميع السوريين، وخاصة أولئك المتواجدين في المناطق التي ما تزال تخضع لسيطرة النظام، سواء كانوا من الموالاة أو المعارضة أو ممن التزم بالحياد.

15.
مع استمرار الدعم الخارجي لأطراف الصراع المختلفة، وبصرف النظر عن سيناريو الانهيار الكارثي، وإن باتت احتمالات وقوعه أكبر مما مضى، قد تدوم الحرب السورية لسنين أخرى قادمة. لكن مسار المعارك اليوم يدلّ على أن معظمها سيجري في الأراضي الخاضعة لسيطرة النظام الآن، والتي نجت حتى اللحظة من الدمار الذي حاق بالمناطق الأخرى، وبالتالي فهي ستطال بالذات تلك الشرائح الاجتماعية التي ما يزال النظام يعوّل على استمرار تأييدها له. ومع استمرار تقلّص المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ستتقلّص أيضاً نسبة تأييده، مما سيعرقل عملية التسوية السياسية فاتحاً المجال أمام السيناريوهات الأسوأ.

ولاننسى هنا أن معظم المهجّرين السوريين لم يغادروا البلاد، بل توجّهوا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وخاصة دمشق والساحل، وسيكون هؤلاء المهجّرين من أوائل المتضرّرين جرّاء انتقال العمليات العسكرية إلى هذه المناطق.

وإن كان فتح الأبواب على مصارعها أمام هذه لسيناريوهات أمر لايناسب القوى الوطنية في سوريا بالفعل، بصرف النظر عن انتماءاتها السياسية، يفرض هذا الأمر إذاً على كل الأطراف وجوب التخلّي عن تصوراتها المبدئية حول كيفية إدارة الصراع والأهداف المرجوّة منه، على المدى القصير على الأقل، والانخراط في عملية سياسية جدّية ستتطلب في مرحلة قريبة وبلا أدنى شكّ تقديم تنازلات كبيرة من كل طرف.

خاتمة

قد لاتكون أطراف الصراع في سوريا، أو بعض القوى الإقليمية والدولية الداعمة لها، مستعدة لقبول مبادرة من هذا النوع في هذه المرحلة، ذلك على الرغم من كل ما مرّ على البلد، والمنطقة ككل، من خراب وويلات خلال السنوات الأربع المنصرمة، بل قد يسيء الكثيرون فهمها ويرون فيها خطة للتقسيم وإنقاذ الأسد، أو للالتفاف على ما يعتبرونه إنجازات الثورة. لكن انتقال العمليات العسكرية إلى دمشق والساحل، وهو تطوّر بات على الأبواب، وما ستجلبه هذه العمليات معها من وبال على الجميع، قد يغير بعض هذه الآراء في الأشهر القادمة.

أما في حال تمّ الاتفاق على النقاط المذكورة أعلاه، فستتطلّب الخطوة التالية عقد اجتماع موسّع، بحضور القوى الداعمة لكل طرف من أطراف النزاع على الصعيدين الإقليمي والدولي، وذلك للدخول في تفاصيل تحديد خطوط وقف إطلاق النار ما بين المناطق التابعة للأطراف المتنازعة، والاتفاق على طريقة مناسبة لإدارتها تحترم حقوق وآراء الجميع، وتحديد طبيعة العلاقات المرحلية ما بينها، علاوة على تحديد نوعية وحجم قوة حفظ السلام المنشودة. على أن يتم في المرحلة التالية لعقد هذا الاتفاق التركيز على العمليات العسكرية ضد داعش، وإطلاق المحادثات النهائية المتعلّقة بالوضع النهائي للبلد، وعملية العدالة الانتقالية.

عمار عبد الحميد
مدير مجلس إدارة مؤسسة ثروة

وضعت المسودة الأولية للمبادرة في 19 أيار، 2015، وتمت مناقشتها على هامش مؤتمر المعارضة السورية في أستانا ما بين 24-27 أيار، وصيغت في شكلها النهائي في 5 حزيران، 2-15. بعد ذلك، تم تقديمها إلى الحكومة الروسية عن طريق السفارة الروسية في واشنطن، وإلى مكتب المبعوث الأممي السيد إستيفان دي مستورا. وماتزال المساعي المتعلقة بنشرها على نطاق أوسع مستمرة. وتتوجه مؤسسة ثروة بشكر خاص إلى السيدة خولة يوسف، والسيد بسام بيطار، علاوة على عدد من الناشطين والمعارضين في الداخل السوري وذلك لتقديمهم النصح والإرشاد خلال إعداد هذه المبادرة.