الأحد، 30 ديسمبر 2012

لا للطائفية


نقول "لا للطائفية" ونتكلّم عن ضرورة تقديم ضمانات بل صفقة للأقليات، ليس من باب الجهل بطائفية ميليشيات الأسد أو بجرائمهم المستمرة بحقّنا، وليس من باب الضعف والتخاذل، وليس من باب المثاليات الساذجة أو التراجع عن أهداف الثورة، كما يروّج البعض، بل رغبة في البقاء مخلصين للمبادئ والمُثُل التي طالما ادعينا الإيمان بها، من تسامح ومحبة واحترام للآخر، وللشعارات الوطنية التي رفعناها منذ بداية الثورة، من إصرارعلى الوحدة الوطنية واحترام لحقوق جميع مكونات المجتمع والسعي لبناء دولة القانون. لقد أٌجبرنا إجباراً على تبنّي النضال المسلّح وأدواته، لم يكن هذا خيارنا الأول كما نعرف جميعاً، لكن هذا لا يعني أن نرتكب المجازر أو ندعو إليها في لحظة غضب ويأس وألم. إن ضبط النفس في هذه اللحظات بالذات هو ما يميّز الأشخاص الذين ثاروا لبناء وطن على أُسس العدالة الحقيقية من أولئك الذين وجدوا في الثورة فرصة للتسلّق إلى السلطة لفرض رؤيتهم الخاصة على الآخرين، كما فعل الأسد وأتباعه. المطالبة بمعاقبة المجرمين شيء، والتحريض على القتل الطائفي المضاد شيء آخر.


إن خير انتقام لنا من ميليشيات الأسد يكمن في رفضنا المستمر لتبنّي أخلاقهم ووسائلهم في وجه كل عنفهم، فنبقى مخلصين للمبادئ والأفكار التي دفعتنا للثورة ضد ظلمهم، ونعاملهم وفقاً لتلك القوانين والأصول التي طالما نادينا بها، هذا يعني أن نصرّ على معاقبة المجرمين، لكن وفقاً لقوانين عادلة تحترم إنسانيتنا نحن أولاً، قبل إنسانية المتهمين. قد يجد البعض أن التذكير بهذه الأمور في هذه اللحظة بالذات والتي شهدت مجزرة جديدة مروعة لميليشيات الأسد أمر غير لائق أو حصيف، لكن الواقع أن إصرارنا على التذكير بهذه المبادئ في أوقات كهذه بالذات هو الأمر الذي جنّبنا حتى الساعة الانجرار وراء الرغبات الانتقامية. فلا تلومونا على تذكيرنا لأنفسنا بأخلاقيات ومبادئ مانزال كلنا ندّعي الإيمان بها، وبأهداف ما نزال نسعى لتحقيقها، فهذا واجب لن يغفر لنا أولادنا و أحفادنا إذا ما قصّرنا بأدائه، ولربما كنا مقصّرون بالفعل.

السبت، 22 ديسمبر 2012

المايا على حق


مع مشارفة سنة 2012 على الانتهاء، ارتأت سوريا أن تصنع لنفسها تاريخاً كروياً كإنجاز أخير لها قبل أن تخرج من التاريخ كدولة. لقد كان المايا على حق فيما يبدو، على الأقل فيما يتعلّق بسوريا كدولة معاصرة. لكن نهاية سوريا الدولة لن تكون نهاية سوريا الشعب، إذ مرّت على الشعب السوري في تاريخه الطويل دول وأنظمة كثيرة. وبصرف النظر عن مسار الثورة وعما قد يحدث في المستقبل القريب، لقد أصبحنا بكسرنا لحاجز الخوف قادرين على التعلّم من تجاربنا من جديد، وبالتالي قادرين على النمو والنضج والاستيعاب والبناء الحضاري من جديد، لنصبح بشراً أفضل، وتكون قسمتنا في الدنيا أفضل. هذا هو الانجاز الحقيقي للثورة، هذا هو نصرنا الحقيقي، ولايمكن لأية آلة قتل ودمار أن تحرمنا منه.

الأحد، 16 ديسمبر 2012

ملاحظات عامة حول المحاصصة الفئوية والسياسية والطروحات اللامركزية في سوريا


* كلّما ذكر مصطح أقلية أو أغلبية أمامنا اتجه تفكيرنا نحو الطوائف والقوميات لا الأحزاب، هذا ما يجعل موضوع حكم الأغلبية مخيف من منطلق وجودي بالنسبة للأقليات، وهذا ما يجعل تقديم رؤى فيما يتعلق بشكل الحكم مستقبلياً وفيما يتعلّق بتوفير آليات لضمان حقوق الأقليات وعدم تهميشها أمراً حيوياً وضرورياً لانتصار الثورة وإنقاذ الوطن من التمزّق والانهيار.

* نعم التعامل مع موضع الأقليات في وقت يتم فيه اضطهاد الأغلبية باسم حماية الأقليات أمر صعب من الناحية العاطفية، لكن مستقبل الوطن يتطلّب منا تغليب العقل على العاطفة وعدم إهمال هذا الأمر أو التعامل معه بشكل سطحي لأن في ذلك تكريس للصراع وعملية التفتيت المجتمعي القائم.

* إن فشل المعارضة حتى اللحظة في التعامل مع القضية الكوردية بشكل مناسب، وتهرّب جماعاتها المستمر من الالتزام بأية تنازل أو رؤية في هذا الصدد يرسل إشارات خاطئة إلى الأقليات الأخرى، ويكرس نزعة المترسة الطائفية والأقلوية.

* نعم، الحلول الانفصالية في سوريا غير عملية من كل النواحي، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لكنها تبقى أفضل من الغموض والضبابية بالنسبة للأقليات. إن غياب الرؤى المستقبلية الواضحة يجعل كل ما هو غير عملي وغير منطقي وغير عقلاني مقبولاً بل ضرورياً.

* ما لم نخرج بالعمل السياسي المعارض من إطار التجمّعات العربية السنية الذكورية التي تبحث عمن يناسبها من شخصيات من المكوّنات الأخرى لتستخدمها كغطاء تتستر من خلاله على نزعاتها السلطوية، سنفشل وباستمرار في إطلاق حوار وطني حقيقي حول مستقبل سوريا. على المعارضة بأن تدرك بأن قدرتها على قيادة المرحلة الانتقالية ستكون مرتهنة بقدرتها على تمثّل طموحات وتطلّعات كل المكوّنات الاجتماعية في سوريا، بصرف النظر عن موقفها السياسي الحالي، وليس طموحات وتطلّعات الثوار فقط، وإلا ستكون عاجزة عن إفراز رؤية وطنية جامعة قادرة على توحيد كل الفئات المكوّنة للمجتمع السوري، وبالتالي عاجزة عن الحفاظ على وحدة الدولة السورية.

* إن الرهان على الحل العسكري لإسقاط النظام شيء، فالنظام لم يترك لنا الخيار هنا، والرهان عليه لإخضاع كل المناطق في سوريا لسلطة مركزية واحدة من جديد شيء آخر تماماً. فهذا الرهان هو بالذات ما سيحوّل الثورة إلى حرب أهلية حقيقية فاتحاً الباب على مصراعيه أمام المزيد من المجازر والتصفيات العرقية من قبل كل الأطراف وليس فقط من قبل الموالين للنظام كما هو الحال في هذه المرحلة. من هنا، ورغبة في قطع الطريق أمام تحوّل من هذا النوع، تنبع طروحات المحاصصة الرسمية واللامركزية.

مقدمة

كل حوار جرى حتى هذه اللحظة بين أطراف المعارضة كان عبارة عن عملية محاصصة غير معلنة بين الأطياف المختلفة جرت على أساس طائفي وقومي وعشائري ومناطقي. وكل محاصصة حتى اللحظة فشلت بسب غياب تمثيل واضح للأقليات والمناطق وغياب آليات أخرى لضمان حقوق الأطياف المختلفة ما خلا المحاصصة ذاتها. لكن السبب الأهم لفشل هذه المحاصصات هو غياب نظام رسمي ومعلن لها مما ترك المجال مفتوحاً للتلاعب من وراء الكواليس وهذا ما جرى ويجري باستمرار.

إن غياب نظام رسمي للمحاصصة في أوساط المعارضة يصبّ في مصلحة الإخوان المسلمين بالدرجة الأولى بصفتهم الحركة الأكثر تنظيماً على الساحة السياسية الخارجية، لذا تراهم أكثر الناس عداءاً لموضوع المحاصصة المعلنة والرسمية، لأنهم يدركون أكثر من غيرهم أن نظاماً كهذا سيحدّ من قدرتهم على التلاعب بالعملية السياسية.

طبعاً الإخوان ليسوا وحدهم من يعادي تبنّي نظام محاصصة طائفي معلن ورسمي، معظم قوى المعارضة تعارض تبنّي المحاصصة بهذا الشكل "الفجّ،" كما يرونه، وهذا على الرغم من ارتكاسهم الدائم إليه خلال نقاشاتهم.

النظام أيضاً يعادي موضوع المحاصصة المعلنة والرسمية مع أن كل حكومة نصّبت من قبله منذ مجيئه إلى السلطة جاءت نتيجة محاصصة ما، فغياب نظام رسمي للمحاصصة يترك المجال مفتوحاً أمام عائلة الأسد لتتلاعب بالعملية كما يحلو لها.

وعادة ما توصف عملية المحاصصة باللبننة والعرقنة السياسية، لكن، ونظراً لهذا الاصرار على المحاصصة من الناحية العملية ونظراً لأن كل انقلاب جرى في تاريخ سوريا بل حتى عمليات الصراع التي تمّت في أوساط حزب البعث كان لها بعد مناطقي وطائفي، ربما كان تجاوز الاعتراضات النظرية والمثالية على المحاصصة وشرعنتها من خلال الاتفاق على آلية واضحة ورسمية لها هي الخيار الأفضل للجميع في هذه المرحلة الحاسمة، لأن مايجري على الأرض في سوريا اليوم هو بالفعل لبننة وعرقنة عسكرية وإدارية، وقد تتحوّل إلى صوملة وطلبنة  ما لم نتدارك الأمور ربما من خلال نظام محاصصة مناطقي وفئوي رسمي علني وواضح المعالم.

المعارضة لموضوع اللامركزية، وهي شكل من أشكال المحاصصة المناطقية في الواقع، لاتقلّ حدةّ في أوساطنا السياسية. فعلى الرغم من تبنّي المصطلح بحد ذاته في بيانات المعارضة، إلا أن كل محاولة لتوضيحه من خلال طرح أحد أشكاله المعروفة كالحكم الذاتي والفيدرالية، واجهت اعتراضات واسعة. المصطلح مقبول إذاً طالما بقي ضبابياً، وطالما بقيت محاولات توضيحه مؤجّلة.

معنى التحاصص



المحاصصة المناطقية أمر طبيعي ومتعارف عليه في كل دول العالم، فأن يكون لكل بقعة جغرافية مكونة للدولة عدد معين من الممثلين في البرلمان يتناسب مع حجمها الديموغرافي، هو أحد أحجار الأساس في الأنظمة الديموقراطية. لكن الأمور تصبح أكثر تعقيداً عند الكلام عن المحاصصة الفئوية (أي الطائفية والقومية)، فالتمثيل المناطقي لاينسجم بالضرورة مع التكوين الفئوي أو المصلحة الاقتصادية لبعض الفئات: فبعض الفئات قد تشكّل أغلبية في مناطق معينة، لكنها أقلية في مناطق أخرى، وليس من المنطقي أو الإنساني أو العملي مطالبتها بالتجمع في مناطق معينة وحسب. من ناحية أخرى، الحقوق المناطقية لاتكفي عند التعامل مع أقليات دينية أو عرقية لا يتجاوز حجمها الديموغرافي أكثر من 10% أو 15%، لأن صغر حجمها الديموغرافي يسهّل تهميشها سياسياً، وهو أمر له أبعاده وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية السلبية. من هنا تصبح قضية المحاصصة قضية مصيرية بالنسبة لهذه الأقليات. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار طبيعة العلاقة القائمة اليوم ما بين الأقليات الدينية والنظام القائم في سوريا حالياً، تصبح القضية أعقد، فالارتباط بالسلطة يعوّض إلى حدّ كبير عن محدودية الحجم الديموغرافي وله منافع جمّة اجتماعية واقتصادية (على الأقل فيما يتعلّق بالنخب الفاعلة والممثلة لهذه الأقليات وبصرف النظر عن لاعدالة عملية التوزيع المتعلّقة بهذه المنافع في أوساطها). وبالتالي يشكّل فكّ ارتباط هذه الأقليات بالسلطة تهديداً كبيراً لها من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، علاوة على التهديد الوجودي النابع من انتشار مفاهيم وعقائد وتعصّبات معينة في أوساط الأغلبية.

وفي واقع الأمر، آل المطاف في معظم الدول التي شهدت صراعاً فئوياً دموياً إلى تبنّي نظاماً ما للمحاصصة الفئوية كجزء من عملية السلام التي أعادت الاستقرار إليها. وإن كان تبنّي نظاماً للمحاصصة لايشكّل الحلّ الأمثل، لكنه يبقى أفضل من الحرب وأكثر شفافية من عمليات اللعب والتلاعب من وراء الكواليس التي تفرض نفسها كجزء من عمليات المحاصصة غير الرسمية.

النقاش حول هذه الأمور كان سيكون أسهل بالطبع لولا المجازر التي جرت ومازالت تجري اليوم على أيدي ميليشيات الأسد. لكن وقوع المجازر لاينبغي أن  يستخدم لمنع النقاش حول هذه الأمور، فغياب النقاش يعني استمرار الحرب، وبالتالي استمرار المجازر التي، كلّما أوغلنا في الصراع،  لن تبقى من طرف واحد، مما سيفقد الثورة تفوّقها الأخلاقي.

ومن الواضح أن الصراع في سوريا لن يحسم عسكرياً لصالح أية فئة، فللنظام مؤيّدوه على الصعيد الإقليمي والدولي، وقضية الأقليات ستجد متعاطفين لها دائماً على الصعيد العالمي. فحتى بعد سقوط النظام وإجبار الأسد وكبار رجالات النظام على مغادرة دمشق أو حتى سوريا نهائياً، ستبقى هناك مناطق وميليشيات موالية غير خاضعة لأي سلطة مركزية ومتمركزة في مناطق معينة، وليس فقط في الساحل، هذا علاوة على وجود مناطق أخرى سيكون لها وضعها الخاص، خاصة المناطق ذات الغالبية الكوردية ومحافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، ومناطق وادي النصارى، ومدن مثل محردة والسلمية، إلخ. لايمكن إخضاع هذه المناطق أو المليشيات الموالية عن طريق العمل العسكري، ولاينبغي اللجوء إلى العمل العسكري في هذه الحال لأن هذا بالضبط هو ما سيحوّل الصراع الحالي إلى نزاع أهلي طويل الأمد. ولاننسى هنا عامل التعقيد الآخر المتمثّل في وجود أسلحة كيميائية، واحتمالات التمترس في بعض المناطق، ربما بقيادة الأسد نفسه، وهو عامل التعقيد الأكبر الذي يواجهنا في هذه المرحلة.

من هذا المنطلق، فأن تأجيل البت في القضايا المتعلّقة بالمحاصصة وحقوق المناطق والأقليات إلى حين انتخاب برلمان حر، كما ينادي الموقف الرسمي للمجلس الوطني السوري ومن بعده الإئتلاف الوطني، أمر له انعكاساته السلبية من الناحية العملية. فإذا كان الحل العسكري غير قادر على حسم الصراع إلا في بعض المناطق، فالحل السياسي هو الأمر الذي سيسرّع من حسم الصراع في المناطق الأخرى وعلى الصعيد الوطني. إن التوافق على رؤية معينة فيما يتعلّق بقضايا المحاصصة وحقوق المناطق والأقليات هي الخطوة التي ستعجّل من قدوم تلك اللحظة التي سيتمكّن فيها الشعب السوري بكافة مكوناته من المشاركة في عملية انتخاب حرة ونزيهة لبرلمان حر.

والسؤال: متى سنبدأ بالعمل على وضع رؤية مهما كانت أولية في هذا الصدد؟ أكاد أسمع أحزاب المعارضة وهي تقول: بعد التحرير. والواقع أني بدأت بطرح هذا السؤال في العلن منذ شباط 2011، أي قبل الثورة، لكن، وحتى اللحظة، لم تقدم فرق المعارضة السياسية إلا هذا الجواب الذي يمثّل في الحقيقة تهرّباً من المسؤولية ورهاناً تاماً على الحل العسكري فقط، ليس فقط لإسقاط النظام بل لإخضاع كل منطقة من مناطق سوريا لسلطة جديدة واحدة. لهذا الرهان أصحابه الصريحين على الساحة مثل جبهة النصرة وغيرها ممن تندمج الرؤى السياسية والعسكري في أفهامهم، ومما لاشكّ فيه أنهم سيكون المستفيد الأول من استمرار الرهان على الحل العسكري وحسب. لكن الواقع أن معظم أطراف المعارضة ما تزال تراهن على حلّ من هذا النوع أيضاً متجاهلين بذلك كل الاحتمالات السيئة التي سيفرزها هذا الرهان، وإلا لما كل هذا التسويف والمماطلة والرفض تجاه قضية الضمانات والرؤى المستقبلية؟

هل يمكن تجاوز نظام المحاصصة بعد تكريسه دستورياً وقانونياً؟

في الواقع، لكل نظام سياسي فئات عدة من المستفيدين، ولن يكون تجاوز أي نظام بالأمر السهل، وذلك بصرف النظر عن طبيعة القوانين الموجودة في الكتب، كما بوسعنا أن نتعلّم مما يحصل اليوم في سوريا. لا، لن يكون من السهل تجاوز نظام المحاصصة سواء كرّس قانونياً أو لم يكرّس، لكن، وعكساً لما هو رائج في صفوف مفكرينا السياسيين على اختلاف مشاربهم، ربما يكون تجاوز نظام المحاصصة ممكناً أكثر عندما يصبح رسمياً ومعلناً. وفي الواقع، إن الحفاظ على نظام المحاصصة بشكله غير الرسمي القائم اليوم تكريس أكبر له، لأنه يسمح بالتهرّب من أي نقاش علني للموضوع بحجة تجنّب إثارة النعرات الطائفية أو القومية، ويفتح الباب على مصراعيه أمام قمع ولجم كل من يحاول طرح الفكرة، تماماً كما حدث ويحدث في ظل حكم الأسد. إن التعامل مع الأمور بشفافية من خلال نظام محاصصة معلن ورسمي يبقى أفضل ويمثل خطوة أولى وحقيقية نحو التوصّل إلى حلول فعّالة وناجعة.

ماذا يعني نظام المحاصصة في السياق السوري؟

المحاصصة قبل كل شيء وجدت كجزء من النظام البرلماني: وهي تدعو بشكل عام إلى حجز عدد معين من المقاعد في البرلمان لمنطقة معينة أو لفئة معينة. لكن المعضلة تتجلّى في التوصل إلى معادلة "عادلة" وعملية تضمن التوازن مابين الاعتبارات المناطقية والفئوية والحزبية، لأنه ما بوسعنا أن نلغي دور الأحزاب السياسية بعقائدها المختلفة.
الطريقة الأنجع للتعامل مع هذه التعقيدات هي اعتماد برلمان مؤلف من مجلسين: مجلس نواب ومجلس شيوخ. التمثيل في مجلس النواب يكون للمناطق والأحزاب السياسية، فيكون لكل منطقة عدد معيّن من المقاعد يتناسب مع حجمها الديموغرافي، تتنافس على الفوز بها الأحزاب السياسية المختلفة بفروعها الناشطة في كل منطقة، ويكون الحزب الحاصل على أغلبية المقاعد هو الحزب الحاكم إذا تحصّل على نسبة تتجاوز 50%، أما إذا كانت النسب أقل من ذلك، يكلّف الحزب المتحصّل على أغلبية المقاعد بتأليف تحالف مع أحزاب أخرى لتأسيس تحالف حاكم.

وعادة ما يلعب رئيس الجمهورية دوراً هاماً فيما يتعلّق بتشكيل التحالفات في الأنظمة البرلمانية من خلال قيامه بدور الوسيط ما بين الأحزاب المختلفة إذا ما دعت الحاجة. لكن الحاكم الفعلي للبلاد في الأنظمة البرلمانية هو رئيس الحزب أو التحالف الحاكم الذي يحوز أيضاً على منصب رئيس الوزراء.

أما في مجلس الشيوخ فيتم التمثيل بناءاً على الخلفية المناطقية والفئوية: فيتم حجز عدد معين لكل منطقة، ومن ثم تخصيص عدد معين من هذه المقاعد لكل فئة في المنطقة. ويتم التنافس على هذه المقاعد وفقاً لانتخابات حرة. لكن، وهنا مربط الخيل، ليس من الضرورة أن يعتمد عدد المقاعد التي يتم حجزها لكل منطقة وفئة على حجمها الديموغرافي.

والسؤال هنا: ماهي النسبة المناسبة لكل منطقة وفئة في سوريا اليوم في سياق ما مررنا ونمر به من تجارب منذ بروز سوريا كدولة في مطلع القرن العشرين؟ هذه هي إحدى المسائل الرئيسية التي ينبغي أن نتفاوض عليها قريباً.

يتمتع مجلس الشيوخ بحق مراجعة القوانين الصادرة عن مجلس النواب والقيام باقتراح تعديلات ومن ثم إعادتها من جديد إلى مجلس النواب للتصويت من جديد وهكذا إلى أن يتم التوافق على صيغة نهائية ما بين المجلسين.

ولن نكون مضطرين في حال اعتمادنا لهذا النظام البرلماني إلى لبننة الوضع فيما يتعلّق بتوزيع المناصب الحكومية لأن القرارت الحكومية الأساسية لن يتم اعتمادها دون موافقة البرلمان، مما يفسح مجالاً كافياً للحفاظ على التوازنات الاجتماعية. لكن ربما نضطر إلى إصدار قوانين تتعلّق بنسبة تمثيل الأقليات في الوظائف الحكومية. وهذه قضية تفاوضية أخرى.

هناك من سيقول معترضاً بالطبع بأن ترتيبات من هذا النوع تعد مخالفة للديموقراطية لأن الديموقراطية هي حكم الأغلبية، لكن هذا الكلام غير دقيق. الديمقراطية التي نراها في المجتمعات الغربية عموماً هي نظام حكم الأغلبية السياسية مع الحفاظ على حقوق الأقلية السياسية، أي هي ديمقراطية أحزاب بالدرجة الأولى وليست ديموقراطية طوائف وقوميات. لكن، وفي مجتمعات يسود فيها فهم طائفي أو فئوي لمصطلحي الأغلبية والأقلية، ربما كان النظام الديموقراطي الأكثر مناسبة هو ما يعرف باسم الديموقراطية التوافقية consociational democracy، إذ يسمح هذ النظام الديموقراطي لحكم الأغلبية السياسية (في مجلس النواب) لكنه يستدعي وجود آلية ضبط معينة من خلال مجلس الشيوخ للحفاظ على مصالح الأقليات غيرالسياسية (دينية، طائفية، عرقية، عشائرية، إلخ).

هناك الكثير من التفاصيل المتعلّقة بهذا القضية، لكن لامجال للدخول فيها الآن، المهم هنا أن نكسر تابو الكلام في قضية المحاصصة، لأن رفضنا الدخول في هذه الحيثيات سيطيل أمد الصراع.

العلمانيون والمحاصصة

طرح المحاصصة حتى اللحظة لم يتناول إلا موضوع الأقليات المتعارف عليها في المفهوم العام، لكن، هناك فرقة أخرى في سوريا، لاندري في الواقع إن كانت أقلية أو أكثرية، لم يتم التعامل بشكل واضح مع حقوقها الأساسية بعد، وهي فرقة مهدّدة وجودياً أيضاً من خلال عملية التغيير القائمة، أي الثورة وتوابعها، مع أنها مشاركة وبقوة في العملية، سواء من خلال دعم والمشاركة في الثورة، أو من خلال تأييد النظام، أو من خلال الحياد. الكلام هنا عن علمانيي الطائفة السنية.

على الرغم من التناقض المفترض في مصطلح علماني سني (أو علماني مسيحي أو علوي)، لكن الواقع (في سوريا، ولبنان والعراق، وغيرها من دول المنطقة) ينبؤنا بأن هذا الكائن الغريب موجود، وهو مهدّد بالفعل خاصة في جو تعاظم الوجود الإسلامي والجهادي على الساحة.

وربما كان الحل هنا هو أن يطرح العلمانيون أنفسهم كطائفة مستقلة يكون لها حصتها الخاصة من المقاعد في مجلس الشيوخ، وهذا يعني اعتماد خانة جديدة في سجلات (قيد النفوس) للعلمانيين، علاوة على اعتماد قوانين خاصة مدنية فيما يتعلّق بالأحوال الشخصية يجري تطبقها في حالة العلمانيين فقط، وآلية قانونية التي يمكن من خلالها أن يسجّل المرء نفسه على أنه علماني.

عماد هذه الطائفة الجديدة سيكون من العرب السنة في الأغلب، إذ من المرجح أن يستمر علمانيي الطوائف والقوميات الأخرى في التعريف على أنفسهم في العملية السياسية من منطلق طائفي وقومي رغبة في الحفاظ على وجودهم التاريخي وعدم تذويب هويتهم.

وقد يستدعي الأمر القيام بإحصاء خاص للتأكد من نسبة العلمانيين الراغبين في الانتماء إلى هذه الطائفة الجديدة.

وسيفتح اعتراف من هذا النوع الباب أمام العلمانيين لإقامة مدارسهم العلمانية، ونواديهم الاجتماعية الخاصة، مما سيخفّف من مخاوفهم إزاء النفوذ المتعاظم للحركات الإسلامية. هذا الأمر لايلغي ضرورة التوصّل إلى اتفاق واضح المعالم وتفصيلي فيما يتعلّق بالحريات الشخصية بين الفئات المختلفة، لكنه يمكن أن يعتمد لمرحلة انتقالية لحين يتم الاتفاق على الأساسيات في هذا الصدد، وهي عملية مرشّحة للاستمرار لسنن عدة.

كل هذه المقترحات ستلقى بلا أدنى شك معارضة شديدة في أوساطنا السياسية، لكن الأهم من الاعتراض هو تقديم بدائل واضحة للتعامل مع القضايا المذكورة، وعدم الاستمرار في تسويف النقاش في هذه التفاصيل بحجة أن هذا ليس هو الوقت المناسب للنقاش، أو أن الخارج ليس هو المكان المناسب للنقاش. فأولاً، التوصّل إلى رؤى واتفاقيات واضحة في هذا الصدد قد يسرّع عملية حسم الصراع لصالح قوى التغيير، وثانياً، كل النقاشات ستجري في العلن ويمكن للداخل المشاركة بها بأكثر من وسيلة: من خلال مواقع التواصل على الإنترنيت، ومن خلال إرسال ممثلين إلى الخارج، وهذا مايحدث باستمرار، وثالثاً، الاتفاقيات النهائية ستعرض على الناس من خلال استفتاء عام، فلن يتمكّن أحد من مصادرة القرار الشعبي.

ثم، علينا أن لا ننسى السياق الداخلي والدولي الذي نتعامل معه هنا: أن وجود طروحات من هذا النوع على طاولة المباحثات قد تسرّع من عملية التجميع السياسية وتقصّر من أمد الصراع، خاصة في المرحلة التالية لسقوط الأسد أو رحيله من دمشق، والتي ستجلب معها تحديات كثيرة وقد لا تمهّد بالضرورة إلى نهاية الصراع خاصة في غياب رؤى سياسية مرنة وبراغماتية.

الثروات الطبيعية

أحد القضايا التي قد ينبغي التعامل معها أيضاً فيما يتعلّق بالمحاصصة، هي المحاصصة المتعلّقة بميزانية الدولة: فمسألة إعادة الإعمار تتطلّب تكريس ميزانية أكبر للمناطق المتضرّرة بغض النظر عن الكثافة السكانية. مسألة الإهمال والتهميش الذي تعرّضت له مناطق بعينها خلال حكم البعث قد تقتضي ذلك أيضاً.

لكن القضية الأهم هي قضية الثروات الطبيعية المركّزة في مناطق أكثر من أخرى. إذ قد يقتضي الأمر هنا ولمرحلة معينة استثمار القسم الأكبر من ميزانية الدولة في مناطق غير دمشق وحلب، مثل الجزيرة وحوران. لكن، وبناءاً على ما سبق من تاريخ طويل في الإهمال والتهميش لهذه المناطق بالذات، قد يتطلّب الأمر الاتفاق على ضمانات دستورية وقانونية واضحة، بمعنى أن يتضمن الدستور الجديد مادة أو مواد تكفل استثمار نسبة معينة (تمثل الحد الأدنى) من الثروات الطبيعية في المناطق التي يتم استخراجها منها. أما كيفية توزيع ما تبقى على بقية المناطق فهذه قضايا يتم الجوار حولها في البرلمان المنتخب.

المحاصصة واللامركزية



الطرح اللامركزي هو أيضاً جزء من عملية المحاصصة، وبالذات المحاصصة المناطقية. لأن اللامركزية تفسح المجال أمام مشاركة أوسع من قبل سكان المناطق المختلفة في صنع القرارات المصيرية وذات الأثر المباشر على حياتهم. ولعل الطريقة الأنجع لضمان مشاركة محلية أوسع في صنع القرارات الوطنية في سوريا المستقبل يكمن في الاتفاق على تقسيمات إدارية جديدة تكون فيه المكونات المناطقية المشاركة في الانتخابات البرلمانية أصغر حجماً من المحافظات القائمة حالياً. إذ قد يفسح الاتفاق على تقسيم إداري جديد لسوريا تمثيلاّ أفضل لمكوناتها  المختلفة للمشاركة في صنع القرارات الوطنية. من ناحية أخرى فإن اعتماد نظام انتخابي فيما يتعلّق باختيار حكام هذه المناطق عوضاً عن نظام التعيين القائم حالياً سيكون له أثره الإيجابي أيضاً من حيث مساهمته في فرز قيادات محلية أكثر تفهّماً للاحتياجات المحلية وقدرة على التعامل معها.

إن مفاهيم مثل الحكم الذاتي والفيدرالية هي مصطلحات توصيفية لأنماط معينة من اللامركزية، غالباً ما يتم طرحها في سوريا من قبل الأحزاب الكوردية في حين تلقى رفضاً واضحاً من قبل الأحزاب القومية العربية والإسلامية. وفي الواقع ،غالباً ما تتعامل الأحزاب العقائدية المنبثقة عن الأغلبية العددية مع الطرح اللامركزي من منطلق التشكيك والرفض، لأنها ترى في هذا الطرح إضعافاً وانتهاكاً لسلطتها بل لرؤيتها العقائدية الخاصة. فالأحزاب العقائدية (بصرف النظر عما إذا كانت هذه الأحزاب حالياً في السلطة أم ما تزال منخرطة في صفوف المعارضة) تريد للدولة أن تتمحور حول عقيدتها، لذلك هي ترى في أي طرح يضعف دور الدولة المركزي في صنع القرارات لصالح الأطراف إضعافاً من دورها القيادي (الحقيقي أو المنشود) وبالتالي من عقيدتها الحزبية الخاصة. ولأن معظم أحزاب المعارضة التقليدية في سوريا قومية أو إشتراكية أو إسلامية، أي عقائدية الطابع، فمن الطبيعي أن القبول بالطرح اللامركزي يبقى حتى اللحظة في إطار العموميات مع رفض أية محاولة للخوض في التفاصيل من خلال مناقشة الطرح الفيدرالي أو موضوع الحكم الذاتي، لأن هذا الطرح يخرجنا من إطار العموميات والغموض إلى إطار الاتفاقيات المحددة التي ستشمل تنازلات معينة حقيقية على أرض الواقع. لكن أحزابنا تعوّدت على وضع العربة قبل الحصان: وهي تحلم بممارسة السلطة أولاً قبل السياسة، وهنا لبّ المشكلة.


الخميس، 13 ديسمبر 2012

من نحن؟


- ما بين القرارات الأمريكية المتعجّلة، وتخبّط المعارضة المستمرّ فيما يتعلّق بالعمل السياسي، جبهة النصرة أخذت أكثر من حظها وحجمها إعلامياً، وتمّ اختزال الثورة بها، ونسينا أن هناك عشرات الألوف من المقاتلين والثوار الذين لاينتمون لا إلى الجبهة ولا إلى عقيدتها، يناضلون ويضحّون ويخاطرون بحياتهم في كل لحظة من أجل قيام دولة تمثّلنا جميعاً. ليس من العدل أو الحكمة أن نختزل واقعاً معقّد بقضية جزئية.

- إذا كان عدد الجماعات المسلّحة المطالبة بتأسيس دولة إسلامية قد بدأ بالتزايد مؤخراً، فهذا لايعني أن القضية أصبحت محسومة، فالقوى المطالبة بتأسيس دولة ديموقراطية مدنية ماتزال هي الأكثر تواجداً على الساحة والأكثر انسجاماً مع تطلّعات الثوار، ولقد بدأت تصبح أكثر تنظيماً عما مضى سواء من الناحية السياسية، من خلال الإئتلاف، أو العسكرية من خلال المجلس العسكري الذي تم تأسيسه مؤخّراً في أنطاليا. الثورة ما زالت مستمرة من خلال تضحيات آلاف السوريين من مختلف المشارب، وهكذا ستستمر حتى تحقّق أهدافها.

- من يحاول احتكار العمل الثوري اليوم، وإن عن طريق الإدعاءات، سيحاول احتكار العمل السياسي غداً، وهو في هذا يعادي الثورة كما يعاديها النظام. أتركوا ساحة العمل مفتوحة للجميع، ولنتفاضل برؤانا وأخلاقياتنا في العمل. لن يكون الغد لطرف واحد فقط، ولا لحزب واحد، ولا تيار واحد، ولا طائفة واحدة، إن لم يكن للجميع، فلن يكون لأحد.

- من نحن؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي علينا طرحه، لكنا لن نعيش بسلام  وأمان حتى تدرك أغلبيتنا الساحقة أن لا وجود لجواب واحد ونهائي لهذا السؤال، وأن إحدى وظائف الدولة الأساسية هو توفير المناخ المناسب لاستمرارالحوار، لا لإنهائه.



الأربعاء، 12 ديسمبر 2012

الثورة وجبهة النصرة


للتذكير، لم يتهجم أحد على جبهة النصرة حتى قامت الجبهة بالإعلان عن عزمها تأسيس دولة إسلامية في سوريا، وخوّنت مؤسّسي الإئتلاف الوطني واتهمتهم بالتآمر. فمن الذي أعلن المعركة على من؟ ولاننسى هنا أن معظم الشخصيات الفاعلة في الإئتلاف هي ذاتها التي كانت فاعلة في المجلس الوطني وهي بالمناسبة شخصيات إسلامية)، فإذا كان الإئتلاف مؤامرة في نظر الجبهة من الواضح أن المجلس لا يقل تآمراً هو الآخر.

ولاننسى أيضاً أن طرح الدولة المدنية كان هو الطرح الوحيد الذي اتفقت عليه كافة أطياف المعارضة بعلمانييها وإسلامييها في الداخل والخارج، حتى ظهور إعلان الجبهة؟ فمن الذي شقّ الصف إذاً؟ ومن الذي رفض الالتزام بالشيء الوحيد الذي اتفقت غالبيتنا الساحقة  عليه منذ ما قبل الثورة، وهو طرح يعطي الإسلاميين حقوقهم كاملة من خلال السماح بتطبيق الشريعة على كل من آمن بها؟

أخيراً، في عدة لقاءات مع صحفيين دوليين أعلنت شخصيات قيادية في الجبهة أن 80% من الشعب السوري معهم وأنهم لايريدون دولة قائمة على الدساتير المدنية لأنها لاتجلب السعادة! نعم هي وجهة نظر، ولأصحابها حق مضمون في التعبير عنها، لكننا ومن باب التذكير نقول أنها وجهة نظر تخالف الأهداف المعلنة التي قامت عليها الثورة، وجاء بها أشخاص مسلحون تربطهم علاقة تبعية بتنظيم دولي (القاعدة) له أجندة خاصة لم تجلب معها لا السعادة ولا الاستقرار ولا الرخاء و لا السلام في أي مكان حلّت فيه. وفي الواقع الجبهة سبقت أمريكا في تصنيف نفسها كمنظمة إرهابية من خلال ربط نفسها بالقاعدة المصنفة دولياً ومنذ تسعينات القرن الماضي كمنظمة إرهابية. يعني، على نفسها (وعلينا) جنت براقش.

الثورة قامت ضد استبداد وفساد نظام ومن أجل الكرامة لا من أجل تبني عقيدة مقاومة جديدة يتابع أصحابها حرق الأخضر واليابس، وهوالحريق الذي بدأه أصحاب عقيدة المقاومة القديمة. المقاومة الحقيقية تبدأ من التنمية البشرية والاقتصادية، وهذه أمور لايمكن التركيز عليها في ساحات الوغى، لذلك نحن نريد أن ننهي هذه المعركة بأسرع وقت ممكن، لكن أصحاب عقيدة الجهاد العالمي لهم مآرب أخرى. أنا واثق من أن معظم المشاركين في جبهة النصرة من الشباب السوريين لم يدركوا بعد وبشكل عميق المضامين الحقيقية لانتمائهم للجبهة ورفع شعارات ورموز القاعدة، أرجو أن يتمكنوا من ذلك قريباً وقبل فوات الأوان، لأن من يرفض شعار الدولة المدنية ويتهم من خالفه الرأي بالتآمر لايبيّت لنا خيراً.

ومع ذلك، خولة وأنا وغيرنا من "العلمانيين الملحدين الكفرة" اعترضنا وبشدة على وضع الجبهة على لائحة الإرهاب في هذه المرحلة، البعض فعل ذلك من منطلق تكتيكي، لكني وخولة فعلنا ذلك لنترك باب الحوار، مهما بدا مستحيلاً وصعباً في هذه المرحلة، مفتوحاً أمام الجميع لأن أغلب أعضاء الجبهة هم من السوريين ولهم حقوق علينا لم ننساها كما أن لنا حقوقاً عليهم أرجو أن لايكونوا قد نسوها.

من منطلق شخصي، وللتذكير أيضاً، زوجتي خولة من عائلة مناضلة لم تداهن أو تهادن الأسد وعائلته يوماً، أما أنا فبدأ "نضالي" منذ أواخر التسعينات في سوريا، واستمر حتى بعد نفيي مع خولة وأولادنا إلى أمريكا. ولن أتكلّم الآن عما فعلنا ونفعل، لأن هذا ليس هو الوقت المناسب لذلك، لكننا كنا دائماً ندافع، وسنستمر، عن حقوق جميع السوريين على اختلاف مشاربهم السياسية والاجتماعية والمذهبية والقومية، فنحن ليبراليون جداً، مأمركون جداً، علمانيون جداً، سوريون جداً، وفخورون بكل ذلك، وأمثالنا كثيرون في سوريا، ولن نختفي عن وجه الأرض لأن هناك من لا تعجبه آرائنا وطريقتنا في الحياة.

رد على تعليق لأحد القرّاء:

أنا لم أصف رجال الجبهة بالزبالة، هذا كلامك، أنا دعوت إلى حوار معهم، وهذا كان واضح. وبعدين مو هنن الوحيدين هللي عم يخاطرو بحياتون: ما في ثائر على الأرض ما عم يخاطر بحياتو. كمان شبيحة النظام عم يخاطرو بحياتون، فهل صار موقفون صح؟ استعدادك أنو تخاطر بحياتك لا يعني أنو موقفك صح. الجبهة حسب تصريحات قياداتها بدها دولة إسلامية وفرض حكم الشريعة على الكل بغض النظر نحنا شو بدنا. إذا ما اعترضنا هلأ ودخلنا بحوار هلأ، مهما كان صعب، بكره بعد ما يسقط النظام الحوار رح يكون للرشاشات والمدافع، وحنكون رحنا من الدلف لتحت المزراب.


الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

تعامل الإدارة الأميركية مع الأزمة السورية



مستقبل توازن المصالح بين الشعب السوري والغرب

عبد الرحيم فقرا: عمار عبد الحميد، أنت بطبيعة الحال من المعارضة السورية، تابعت ما قاله روبرت فورد عندما تحدث عن مسألة كيف يمكن تحقيق توازن بين مصالح الشعب السوري ومصالح القوة الخارجية التي تلعب دور الآن فيما يدور في سوريا في مستقبل سوريا، كيف تنظر أنت شخصيا للمسألة؟

عمار عبد الحميد: المصالح الأميركية مصالح براغماتية يعني الأميركيون بإمكانهم أن يتأقلموا مع الأوضاع المتغيرة دائما وباستمرار لأنهم عندهم مرونة كبيرة في مؤسساتهم وفي إفراز شخصيات مناسبة لقيادة العمليات الدبلوماسية المختلفة، المشكلة هي في طبيعة العملية السياسية التي ستفرزها المرحلة الانتقالية في سوريا، هل ستكون هناك استمرار في حالة الشرذمة الموجودة ما بين أطراف المعارضة وما بين الكتائب المسلحة، هل ستتمكن المعارضة من النجاح وبسرعة من السيطرة على الأوضاع وإفراز رؤية سياسية جامعة لكل الأطياف بما فيها الطيف الذي ما زال حتى اللحظة يناصر الأسد.

عبد الرحيم فقرا: طيب، نحن الآن أمام البيت الأبيض، البيت الأبيض طبعا له رؤية شاملة للمنطقة بشكل عام بما فيها سوريا، في أحسن الحالات بالنسبة للمعارضة السورية ما هو الحد الأقصى من تحقيق المصالح، مصالح الشعب السوري التي يمكن لهذه المعارضة أن تحققها في المستقبل بالنظر إلى هذه المصالح الشاملة للولايات المتحدة وقوى أخرى في المنطقة؟

عمار عبد الحميد: أميركا تريد عودة الاستقرار بسرعة ممكنة، بأسرع وقت ممكن إلى المنطقة ولكن بوسعها أيضا أن تتأقلم إلى حالة من الفوضى ليست فقط في سوريا ولكن أيضا في المناطق والدول المجاورة، لذلك العبء في الحقيقة علينا ونحن علينا أن نطرح ما هي رؤيتنا لمصالحنا؟ وعلينا أن نطرح قيادات براغماتية مناسبة من أجل قيادة المراحل الانتقالية، لكي نستطيع أن نتفاوض مع الجانب الأميركي والمجتمع الدولي بشكل عام فيما يتعلق بالتوازنات الإستراتيجية والإقليمية المطلوب منا تحقيقها، لأن هذه التوازنات موجودة في كل أنحاء العالم.

عبد الرحيم فقرا: في المدى البعيد هل تشعر بأي خوف بأن هذه التضحيات التي يقدمها السوريون داخل سوريا منذ حوالي عامين سيحصد نتائجها في النهاية ليس السوريون أنفسهم بل أطراف خارجية كالولايات المتحدة، روسيا، إيران، وغيرها من الأطراف.

عمار عبد الحميد: في الحقيقة لا يوجد سيناريوهات خسارة بالنسبة للأطراف الخارجية، يعني بغض النظر عما يحدث في سوريا هناك دائما قدرة، يعني الموضوع ليس خسارة، الموضوع هو كمية الربح، إن كانت ستربح أميركا وما هي حصة روسيا إلى آخره فالموضوع موضوع تحاصص بالنسبة لهم دائما يعني، سيناريوهات الربح والخسارة الحقيقية هي للشعب السوري، وهنا يأتي دور القيادة الداخلية وقدرة الحراك الثوري على إفراز قيادات قادرة على تحقيق المصلحة السورية العامة، أعتقد أنه علينا أن نفكر حاليا بالنسبة للداخل السوري بإعادة الاستقرار إلى كل منطقة بعينها بأسرع وقت ممكن قبل أن نفكر بعملية إعادة تجميع كل القطع في رؤية موحدة للداخل السوري، وعندها نستطيع أن نتفاوض مع المجتمع الدولي على مختلف الملفات الساخنة الموجودة على الطاولة.

خيارات أوباما بشأن الأزمة السورية

عبد الرحيم فقرا: طيب بالنسبة للمستقبل في سوريا، ما هي أوجه الشبه والاختلاف التي تراها أنت في موقف إدارة الرئيس باراك أوباما حاليا في الملف السوري وموقف إدارة جورج بوش في الملف العراقي من حيث التحضير ليوم ما بعد كما يوصف.

عمار عبد الحميد: كانت يعني إدارة بوش كانت إدارة استثنائية في رغبتها أن تكون موجودة وتقود عمليات التحضير وتكون مشاركة بكل صغيرة وكبيرة لشعورها بأنها الصمغ الذي سيجمع الأطراف المختلفة ويجعلها قادرة على التفاهم والوصول إلى اتفاقيات حول قضايا صعبة، إدارة أوباما لا تريد أن تتدخل، رأت أن معظم قوى المعارضة في المنطقة انتقدت التدخل الأميركي العسكري والسياسي في العراق، وهي تعلمت حسنا لا نريد أن نتدخل في هذه الأمور في المنطقة على الإطلاق يعني، أو على الأقل في حدود دنيا فقط، لذلك الاختلاف هنا هو أن إدارة أوباما تأتي بشكل متردد إلى الملف السوري، القوى المعارضة التي تطلب منها التدخل في الملف السوري هي نفسها القوى التي انتقدتها لأنها تدخلت في العراق وأفغانستان وغيرها من المناطق، لذلك يوجد هناك أيضا حالة عدم ثقة بين الطرفين، أنا أعتقد بأن إدارة أوباما فعلا ستبقي تدخلها في حدوده الدنيا ما لم يتم استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل الأسد وهذا السيناريو الذي لا يريده أحد يعني.

عبد الرحيم فقرا: المعارض السوري عمار عبد الحميد وقبله السفير الأميركي روبرت فورد، فورد بالمناسبة ذكر بأن القتال في سوريا قد أزهق أرواح أكثر من 40 ألف سوري من بينهم نسب مرتفعة من الأطفال والنساء والمسنين، وأدى إلى نزوح  أكثر من مليون سوري داخل سوريا، وإلى تشريد حوالي 500 ألف آخرين أصبحوا لاجئين في الدول المجاورة، بل حتى في دول غير مجاورة كليبيا، كل هذا الحديث في الوقت الذي وجه فيه الرئيس أوباما تحذيرا واضح اللهجة إلى الرئيس السوري في ظل ما قيل عن أنه يفكر في استخدام أسلحة كيماوية ضد معارضيه.


الخميس، 1 نوفمبر 2012

ملاحظات متفرّقة حول المعارضة ومسألة الدعم الأمريكي


* معظمنا يريد الدعم الأمريكي مع احتفاظه بحق الاستمرار في كراهية أمريكا والتنكّر لدعمها.

* معظمنا يلوم أميركا لتعاملها معنا من منطلق مصلحي، لكن هل تختلف منطلقاتنا في التعامل معها؟ وألا تمثل المنطلقات المصلحية في معظم الأحيان الركن الأساسي للسياسات الدولية، بل والمحلية أيضاً؟ نعم، نحاول أن نطرح على الدوام موضوع المبادئ الإنسانية كبديل أو رديف للمنطلقات المصلحية في التعامل، لكننا نفشل في معظم الأحيان: فللشعوب والدول أولويات مختلفة، والهوة التنموية والثقافية ماتزال تفصل شعوب العالم وتجعلهم غير قادرين على فهم مسؤوليتهم الإنسانية المتبادلة على النطاق العملي وبعيداً عن التنظير. وفي الواقع، إن طريقة التعامل مع الشأن السوري تمثّل الحالة الطبيعية وليس الاستثنائية للأمور: طريقة التعامل في تونس ومصر وليبيا، وإلى حد ما اليمن، كلها كانت استثناءات، لكن التسويف والمماطلة وتبادل الاتهامات والمهاترات في المحافل الدولية، فهذه هي القاعدة التي كان ينبغي علينا أن نحضّر أنفسنا للتعامل معها. ليس خطئاً أن نحاول أن نكون استثناءاً، لكن علينا أن نحسن التعامل مع القواعد الأساسية أيضاً.

* إذا جاءت أميركا بشروط للتعامل سمّيناها "إملاءات" ورفضنا "الانصياع." لكن، ألا يحقّ للدولة المطالَبة على الدوام بالتدخّل وتقديم العون والدعم أن تضع شروطها لذلك، خاصة وأن قادتها يدركون تماماً أنهم يتعاملون مع تيارات سياسية لها إيديولوجيات قائمة على كراهية أمريكا ومناصبتها العداء (والكلام هنا طبعاً عن الإسلاميين واليساريين)؟ ثم، هل كانت الشروط الأمريكية تعجيزية؟ هل طالبونا بالتخلّي عن الجولان مثلاّ؟ لا. طالبوا بتمثيل أفضل للمكونات الاجتماعية والسياسية، وللقوى الثورية في الداخل، وطالبوا بطرح رؤى واضحة للمستقبل؟ وطالبوا بالاستعانة بكوادر أكثر كفاءة وقدرة على التفاعل مع المجتمع الدولي وإدارة تحديات المرحلة الانتقالية. أين العيب والتآمر هنا؟ ولماذا نحن مقصّرون في هذا الصدد أساساً؟

* أمريكا تريد أن يكون تدخّلها في سوريا بحدوده الدنيا، ولهذا فهي بحاجة إلى معارضة قوية ناضجة قادرة على ضبط الأمور على الأرض، وقادرة على التعامل مع مؤسّسات صنع القرار الدولية، ولايكفي التحجّج بقمع النظام عبر العقود الماضية لتبرير تقصير وعجز المعارضة في هذا الصدد، فالكثير من الشخصيات الموجودة حالياً على ساحة العمل السياسي أقامت في الخارج لسنين طويلة، لكن أدائها في الفترة السابقة يدل على أنها لم تتعلّم الشيء الكثير عن آليات العمل السياسي وأن انتماءاتها الإيديولوجية كانت أقوى من أن تسمح لها بالانفتاح على المجتمع الدولي. في حين أثبتت المعارضة الداخلية انقطاعها عن نبض الشارع، وتعاملت معه بتخوّف بل وعدم احترام في كثير من الأحيان، وهذا ما لاحظه جميع المراقبين. كل هذا جعل موضوع التدخّل قضية شائكة. بل أصبحت أمريكا مطالبة بإعادة تأهيل المعارضة، وفي كل لقاء لمسؤولين أمريكيين مع المعارضة كان مطلب مساعدة المعارضة على الارتقاء بأدائها وبناء قدراتها أحد المطالب الأساسية، لكن المشكلة في هذا الصدد، وكما يقول المثل الأمريكي، أنه "ما بوسعك أن تعلّم الكلب العجوز حيلاً جديدة." الجيل القديم للمعارضة يريد أن يتبوّأ الصدارة ويحتكر صنع القرارات ويتعامل مع الأمور من منطلق الاستحقاق،  وكأن القيادة هي مكافأة على ما قدم من تضحيات. وأدى هذا الإصرار إلى تهميش دور الشباب وبالتالي التكنوقراط في قيادة العمل السياسي. من ناحية أخرى، ما تزال الإيديولوجية تلعب دورها بين الصفوف بغض النظر عن الأجيال والأعمار، فالكثير من المعارضين والناشطين الأكثر شباباً يتعاملون مع المجتمع الدولي وأمريكا على وجه الخصوص من منطلق "عيني في وتفو عليه،" تماماً كما يفعل الجيل القديم، تجمعهم في ذلك الإيديولوجية أو تدفعهم إلى ذلك خلافاتهم الشخصية والرغبة في تسقّط الهفوات وتسجيل النقاط ضد بعضهم البعض بطريقة فيها الكثير من الإسفاف والغوغائية.

* نعم، هناك تقصير أمريكي، لكن المعارضة بتعارضها ومشاكلها الداخلية ساهمت في تبريره وتكريسه. لقد تواصل الكثير من الخبراء الدوليين والأمريكيين مع المعارضة، سواء المجلس الوطني أو هيئة التنسيق أو الشخصيات المستقلة، وشرحوا لنا مراراً وتكراراً كيف يمكن لنا ممارسة الضغوط على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي للتحصّل على ما نريد، قالوا لنا أن الأمر لن يكون سهلاً لكنه يبقى ممكناً في حال تبنّينا نهجاً واضحاً ومناسباً في هذا الصدد. ومن خلال احتكاكي الشخصي مع عدة محاولات من هذا النوع على مر الشهور الماضية، بوسعي أن أقول أن التقصير الأساسي منا في الحقيقة. لقد شكّكنا في كل نصيحة قدّمت لنا، وتعاملنا بفوقية غريبة مع كل محاولات الدعم، وغلّبنا المنطلقات الشخصية والإيديولوجية على المصلحة العامة، والنتيجة هي ما نرى.

* كل من يتابع مدونتي الإنكليزية يعرف تماماً بأني لم أقصر في انتقاد الأداء الأمريكي وفي الضغط على إدارة أوباما، وسأستمر في ذلك، ولايهمني في ذلك اعتبارات اليمين أو اليسار، أو الاتهامات التي ما انفكّت توجّه إليّ منذ دخولي في مجال العمل العام لرفضي الاندراج في أحد المجموعات المتعارف عليها في مجتمعنا. لكني وفي خطابي الموجّه إلى السوريين، أرفض الانضمام إلى جوقة منتقدي الإداء الأمريكي ومتهمي أمريكا بالتآمر، لأن هذا النقد في أغلب الأحيان إيديولوجي الطابع، يكنّ العداء لأمريكا  كأمريكا مستنداً إلى قراءة مجتزأة للتاريخ ومعرفة قاصرة بالتجربة الأمريكية (لاتكفي قراءة تشومسكي ليتعرّف المرء على التجربة الأمريكية). من ناحية أخرى، نقد أمريكا في هذه المرحلة بالذات واتهامها بالتآمر ضد الثورة من خلال استخدام الصراع في سوريا لاستنزاف إيران، إلى آخره من نظريات، كل ذلك يستخدم كشمّاعة نعلّق عليها إخفاقنا، متجنّبين بذلك ضرورة تقييم ونقد أدائنا وإيديولوجياتنا كمعارضة، بعيداً عن تبادل الاتهامات والشتائم.

* سوريا التي عرفناها ماتت، ولن ينبعث خلق جديد من رفاتها مالم تتوفّر الشروط المناسبة لذلك. أول تلك الشروط: القدرة على التسامي على النزعات الفردية والإيديولوجية. شخصياً لاأعتقد أن المعارضة قادرة على ذلك في هذه المرحلة، وهذا يعني أن أمامنا سنين عديدة من العمل، وقد لاننجح. أما عن الدور الأمريكي في هذا، فلا، أمريكا ليست مسؤولة عن فشل المعارضة وانهيار سوريا: ما بين معارضة ونظام، المسؤولية بالدرجة الأولى مسؤوليتنا.


الأربعاء، 10 أكتوبر 2012

مسألة وعي وضمير


للدول العظمى في العالم والمنطقة مصالحها الخاصة والمتشابكة طبعاً، لكن هذا لايعني أن قادتها يسعون لتحقيق هذه المصالح بشكل عقلاني: التفكير المصلحي شيء والتفكير العقلاني شيء آخر، وهنا لبّ الأزمة: هناك الكثير من الصلف والفوقية واللاعقلانية في دوائر صنع القرار في الدول الكبرى، وهذا هو أحد أهم المعوقات التي تواجه الجهود الساعية لتجنّب الأزمات وفضّ النزعات. ولايقتصر وجود هذه المشكلة على الدول والأنظمة الاستبدادية، فالديموقراطية لاتفضي بالضرورة إلى العقلانية، بل أنها قد تفسح مجالاً أكبر لبروز النزعات اللاعقلانية. العقلانية مسألة وعي وضمير بالدرجة الأولى.

الأحد، 7 أكتوبر 2012

موقف إسلامي إخواني بحت


إيران وتركيا وإسرائيل والسعودية وقطر وأميركا وروسيا والصين، إلخ، وتوابعهم (حزب الله، القاعدة والجهاديون) كلهم يتصارعون في الساحة السورية اليوم. لكن الاصرار على النظر إلى الأمور من منطلق تحالف سني في مواجهة قوة شيعية هو موقف إسلامي إخواني بحت. النظر إلى الأمور من هذا المنطلق الطائفي يجعلنا نخسر الشعب الإيراني، هناك احتمالات كثيرة لقيام تحالف إقليمي في المنطقة، لكن ما لم يسعى هذا المشروع إلى جمع شعوبها على اختلاف مشاربهم المذهبية والقومية، فلن ينجح.

السبت، 6 أكتوبر 2012

إلى أهلنا في القرداحة والساحل

اللاذقية - الرمل الجنوبي

إلى أهلنا في القرداحة والساحل، لايهم تأخركم في الانضمام إلى الحِراك الثوري فكلنا يعرف كيف تلاعب النظام بعواطفكم وجيّش المشاعر، المهم الآن أن تثابروا وأنتم واعون للحقائق التالية لكي تستمروا على أرضية صلبة وواقعية:

أولاً) لن يرحب بكم الثوار بالسرعة التي ترجونها، لأن مثاليات الأمس التي أطلقت الثورة قد غيّبها القمع والتقادم عند البعض وأصبحت اليوم دفينة تحت مشاعر طائفية مضادة علينا أن نعمل سوية لنجعلها عابرة ولتعود الأمور إلى مجاريها، بل وأفضل. لكن هذا لن يحدث بين ليلة وضحاها بالطبع. هذه المرحلة الثانية من نضالنا الثوري للتخلص من ثقافة القمع والشمولية، وهي جزء لايتجزّأ من مرحلة إعادة الإعمار القادمة قريباً. 

ثانياً) نضالكم في المرحلة الأولى سيبقى محصوراً بكم، لكن هذا ليس غريباً، فكل منطقة ومحافظة في سوريا ما تزال تقاوم حتى اللحظة بمعزل عن الأخرى إلى درجة كبيرة، وذلك بسبب نجاح النظام في تقطيع أواصر البلد. عليكم أن تنظموا حِراككم على المستوى المحلّي إذاً من خلال التنسيقيات ووحدات المقاومة الشعبية.

ثالثاً) حاولوا أن تتعلّموا ممن سبقكم من الثوار، من نجاحاتهم وأخطائهم معاً، ولعل أهم درس ينبغي أن تعوه هنا هو ضرورة السعي إلى بناء آلية واضحة لصنع القرار في أوساطكم لتجنب الانقسامات والتشرذم.

رابعاً) لاتتسرّعوا في القيام بعمليات أكبر من طاقاتكم، الأهم في هذه المرحلة هو تنظيم الصفوف وبناء الشبكات.

خامساً) حتى اللحظة لم تتمكن المعارضة التقليدية من إفراز رؤية واضحة فيما يتعلّق بحماية مصالحكم وحقوقكم في سوريا المستقبل، وهذه في الحقيقة مسؤوليتكم: عليكم وفي أسرع وقت صياغة ملامح رؤية سياسية خاصة بكم تشمل آليات واضحة لحماية مصالحكم وحقوقكم في المستقبل، وستكون هذه الرؤية هي الأرضية التي يمكن على أساسها التفاوض مع باقي أطراف المعارضة في المستقبل.


الثلاثاء، 2 أكتوبر 2012

ملاحظات متفرقة


- معظمنا هذه الأيام يقرأ مقولة "كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته،" فلا يستوعب منها إلا كلمتا "راع" و "رعية،" ولهذا لم نرتقِ بعد إلى مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقنا. 

- البعض لا يرى الصلاح إلا في الدين، بل في دينه بالذات، لكن، لو كان الأمر كذلك لما قامت للإنسانية  قائمة. الصلاح ليس حكراً على دين أو طائفة، لأنه من اختصاص الضمير. 

- نعم لقد بات علويو سوريا اليوم في خطر، لقد وضعهم الأسد في وجه المدفع وغرّر بأعداد غفيرة من أولادهم فحوّلهم إلى مجرمين. ولهذا أصبح لزاماً عليهم أن يثوروا ضده وضد شبيحته ليحموا أنفسهم من تطرّفه وتطّرف الفئات التي زجّت نفسها في الثورة وباتت تدعو إلى الثأر.


الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012

تعدد الهويات والانتماءات


نحن لسنا سوريون فقط، بل سوريون عرب، وسوريون أكراد، وسوريون مسلمون، وسوريون مسيحيون، وسوريون سنة، وسوريون شيعة، وسوريون علويون، إلخ، ولايوجد ما يعيب في ذلك، تعدد الهويات والانتماءات هو جزء أساسي من تكويننا الإنساني. المشكلة تكمن في أننا لسنا سوريون أولاً فيما يبدو، بل عند الأزمات ها نحن قد اكتشفنا أننا سوريون أخيراً. لانستطيع أن نتكلم باسم هوية جامعة ما تزال حتى اللحظة مشروعاً أكثر منها واقعاً. لكن الاعتراف بهوياتنا "الجزئية،" التي هي أقرب فيما يبدو إلى عقولنا وقلوبنا وضمائرنا في هذه المرحلة، لايعني أننا قد تخلينا عن المشروع الجامع. علينا أن نبدأ من حيث نجد أنفسنا اليوم لا من حيث نريد أن نكون لنحقّق ما نصبو إليه. نحن اليوم في حالة ضياع وشرذمة وبأمس الحاجة لصياغة عقد جديد يجمعنا، يتحصّل من خلاله كل مكوّن على حقوقه الكاملة والضمانات المناسبة. علينا أن نسعى إلى التكامل وليس إلى التذويب، وتكامل المكوّنات لايتمّ إلا من خلال احترام خصوصية كل منها.