الأربعاء، 11 أغسطس 2010

"أنا لن أعود إلى دمشق إلا بعد سقوط النظام... فهذا خط رجعتي الوحيد"


خاص شفاف الشام / خاص ثروة / 11 آب، 2010

* تركز لقائي مع الرئيس جورج بوش على الجانب الحقوقي، وعلى ضرورة اتباع سياسة النفس الطويل فيما يتعلّق بأجندة الحريات، وعلى ضرورة الامتناع عن تقديم أية تنازلات للنظام السوري طالما بقي الوضع على ما هو داخلياً من حيث القمع والظلم والاستبداد.

* تحبّذ إسرائيل بقاء الوضع على حاله وقد تلجأ إلى دعم النظام في وجه أي تحرّك شعبي خشية بروز دولة "إخوانستان" في سوريا.

* أدليت أكثر من مرة بشهادة أمام الكونجرس الأمريكي حول الأضاع الداخلية في سورية ودور نظام الأسد في تأجيج الصراعات الإقليمية.

* أنا لن أعود إلى دمشق إلا بعد سقوط النظام، فهذا خطّ رجعتي الوحيد.

ما سبب تجميد مشروع ثروة بعد أن سجل نجاحاً ملحوظاً؟

لقد قمنا على وجه التحديد بتجميد نشاطات "ثروة" الإعلامية والنشاطات الأخرى التي تستدعي الكثير من التنقّل والسفر وذلك لارتفاع كلفتها في مرحلة لم تعد عندنا الإمكانيات المادية اللازمة لتغطية هذه التكاليف. لكن نشاطات التشبيك والتنسيب وتوسيع فرق العمل التابعة لـ "ثروة" في سورية والمنطقة ما تزال مستمرّة، ولايمكن لها أن تتوقّف في الحقيقة. لقد أصبحت "ثروة" ماركة ما مرتبطة بأفكار ومواقف و"منتجات" معينة (مقالات، تسجيلات، فيديوهات)، ما تزال تجذب الناس إليها من خلال استمرار تداولها حتى اللحظة. وعلى الرغم من قلّة ظهوري إعلامياً على الساحة هذه الأيام، إلّا أني بعد كل ظهور ما زلت أتلقّى مجموعة كبيرة من طلبات الانتساب إلى "ثروة." والواقع أن شبكة العمل المحتملة التابعة لـ "ثروة" أصبحت اليوم أكبر مما كانت عليه قبل التوقّف، وهذا يجعل موضوع العودة إلى النشاط الإعلامي أصعب لأن الإمكانيات المطلوبة لذلك تتزايد يوماً بعد يوم.

أما سبب الأزمة المالية التي تمر بها "مؤسّسة ثروة" فهي مرتبطة بتغيير الإدارات في الولايات المتحدة الأمريكية وتغيير الأولويات الذي صاحبها. فإدارة أوباما كما اتضح عبر الأشهر الماضية تحبّذ العمل مع الأنظمة الحاكمة والمؤسّسات المعترف بها رسمياً في دول المنطقة، وتنأى بنفسها عن الانخراط في المشاريع ذات الصبغة السياسية المعارضة لما هو قائم في الدول المستهدفة. ثم جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية لتؤثّر على تمويل المؤسّسات المستقلّة المانحة علاوة على المموّلين الأفراد، فتعمّقت بالنتيجة أزمتنا ووصلنا إلى مرحلة كان لابد لنا فيها من اتخاذ قرار تجميد نشاطاتنا الأكثر كلفة من الناحية المادية إلى حين إيجاد الحلول المناسبة.

ما صحة نشوب خلاف بينك وبين المسؤولين عن مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط "ميبي" في الخارجية الامريكية والتي دعمت المشروع في الأعوام السابقة، وهل هذا ما أدى إلى توقف الدعم؟ وما هو موضوع الخلاف مع ممولي المشروع؟ وما صحة أن تلفزيون "بردى" كان الوريث مالياً لـ "ثروة،" وبماذا استحق التمويل وفقدتموه أنتم؟

لقد انطلق "مشروع ثروة" من سورية. لكن، وبعد مجيئي إلى واشنطن، قمت بتأسيس "مؤسّسة ثروة" لمتابعة أعمال المشروع وللتواصل مع الجهات المانحة في الولايات المتحدة. ولقد استطاعت "مؤسّسة ثروة" وخلال فترة قصيرة من الزمن تحقيق تواجد مرموق على ساحة المؤسّسات العاملة على قضايا الشرق الأوسط في واشنطن. وهنا لبّ المشكلة. فواشنطن ليست كدمشق، هناك عدد كبير من المؤسّسات المختصة في مجال النشاط المدني المتعلّق بالشرق الأوسط، وهذه المؤسّسات أقدم من "ثروة" ولها علاقات أوسع من تلك التي تمكّنا من بنائها أثناء فترة نشاطنا البسيطة في واشنطن، والكثير من المشرفين عليها كانوا يحتلّون مناصب ما في الإدارات السابقة أو هناك احتمالات ليصبحوا أعضاء في إدارات قادمة، إلخ. مما يعنى أن هناك مجال لحكّ الظهر المتبادل هنا. وهذا أمر ليس بوسعي أن أكون جزءاً منه، ليس فقط لأني "لم أوجد في القصر إلا من إمبارح العصر،" كما يقولون، ولكن لأن عندي اعتراض كبير على الطرق الملتوية بشكل عام.

وفي السنة الأخيرة لإدارة بوش، كانت هناك منافسة كبيرة على ما تبقى من تمويل، وجاءت الأزمة الاقتصادية لتعمّق هذه المنافسة وتزيدها شراسة. النشاط المدني هنا نوع من البزنس في الحقيقة، والمنافسة هنا محبّذة ومطروحة مثلها مثل أي مجال آخر، وقد تكون قذرة في بعض الأحيان، لذا، وبالرغم من المصداقية التي أتمتع بها هنا شخصياً، وعلى الرغم من الإنجازات التي حقّقناها في الفترة السابقة، والتي لم يشكّك فيها أحد هنا، لم نستطع أن ننافس المؤسّسات الأقدم والأعرق على التمويل، ووجدنا مشاريع وتصوّرات كنا قد طرحناها نحن وقد تم تحريفها وتعديلها لتُنفّذ من قبل أطراف أخرى وبالتعاون مع مجموعة أخرى من المعارضين السوريين. ومع ذلك، استخدمنا ما تبقى لنا من تمويل لتنفيذ برنامج "الخطوة الأولى" الذي تمّ عرضه على قناة "بردى" ليكون بمثابة آخر نشاط إعلامي لنا حتى انفراج الأزمة المادية. لقد كنت أعرف من البداية أن هذه هي طبيعة اللعبة هنا، ولذا يتوجّب عليّ أن أتمتّع بنوع من الروح الرياضية في هذا الصدد.

أما فيما يتعلّق بتفاصيل لقاءات معينة وما جرى فيها، فلاأرى داعٍ للخوض في هذا الأمر، فهذا لن يقدّم أو يؤخّر في هذه المرحلة. ويكفي أن أقول هنا، وهذا شيء يعرفه عني كل من حقّق معي في سورية قبل الرحيل، أني لاأخاف السلطة، ولاأحب الإملاءات، ولست حصيفاً فيما يتعلّق بردودي وانتقاداتي لأشخاص أرى أنهم يسيئون استخدام السلطة الممنوحة لهم. وإذا كان هذا دأبي وأنا في سورية، أعتقد أنه بوسعكم تخيّل حجم الانزعاج الذين أسبّبه لبعض الأشخاص هنا عندما أتكلّم معهم بصراحتي المعهودة، وربما تكون هذه الصراحة قد استخدمت بالفعل لتسهيل وتبرير قرار قطع التمويل عن "ثروة،" لكن السبب الحقيقي في نظري يبقى مرتبطاً بكوننا جئنا من خارج المنظومة والتركيبة الواشنطنية المتعلّقة بمواضيع التمويل والمؤسّسات المدنية. وهذا يعني أن حلّ أزمة التمويل بالنسبة لـ "مؤسّسة ثروة" يبقى مرتبطاً بقدرتنا على تطوير منظومتنا الخاصة أو على اختراق المنظومة الكائنة بشكل أعمق مما فعلنا. وأجدني أكثر ميولاً إلى الحلّ الأول في هذه المرحلة بناءاً على تجربتنا في الفترة السابقة.

تظاهرة أمام السفارة السورية في واشنطن، صيف 2007


ماذا عن لقائك لمرتين مع الرئيس بوش؟ وماذا كان موضوع اللقاء؟

اللقاء الأول كان بناءاً على دعوة رسمية من البيت الأبيض، وجاء في مطلع كانون الثاني 2007 بالتزامن مع أعمال الاعتقالات ضد قادة إعلان دمشق، وشارك فيه كل من الأستاذ مأمون الحمصي والأستاذ جينكيز خان حسو. وجرى اللقاء في البيت الأبيض في مكتب الرئيس بوش، وحضره عن الجانب الأمريكي، رئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي ونائبه، ونائب وزيرة الخارجة الأمريكية، والممثل الأمريكي في الأمم المتحدة، إلى جانب ثلّة أخرى من المسؤولين الأمريكيين. وركّز اللقاء على الجانب الحقوقي، وعلى ضرورة اتباع سياسة النفس الطويل فيما يتعلّق بأجندة الحريات، وعلى ضرورة الامتناع عن تقديم أية تنازلات للنظام السوري طالما بقي الوضع على ما هو داخلياً من حيث القمع والظلم والاستبداد، ولقد كان احتقار بوش للأسد واضحاً عندما أبلغنا أن الانفتاح على سورية أمر مستحيل خلال حكمه، وهذا ما كان.

اللقاء الثاني جاء كجزء من الحفل الذي أقامته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في 24 تموز 2008 لتكريم ثمانية ناشطين في مجال الديموقراطية كنت أنا من بينهم، وجاء الآخرون من بيلاروسيا وبورما وكوبا وإيران والسودان وكوريا الشمالية وزيمبابوي، ولقد حضر الحفل أكثر من 1,000 شخص وألقى فيه الرئيس بوش خطابه الأخير عن أجندة الحريات. ولقد التقيت مع زملائي المكرّمين الرئيس بوش قبل خطابه، وأحد الأشياء التي قالها لي بصراحته المعهودة هو أنه يشعر بالأسى لأنه لم يستطع أن يقدم ما فيه الكفاية لدعم قضية التغيير الديموقراطي في سورية. وكان جوابي له أن مسؤولية التغيير هو مسؤولية الشعب السوري، وأن الناشطين السوريين يدركون تماماً بأن القضية تتطلّب الكثير من الصبر والتضحيات، وأننا بغض النظر عن المتغيّرات الدولية لن نتوقف عن الدفع باتجاه التغيير الديموقراطي في وطننا، وشكرته على ماقدم من دعم.

في الشأن الإسرائيلي:

أ) إن كنتَ رفضت إملاءات الممول الامريكي على مشروعك الوطني، كيف تفسر قبولك زيارة إسرائيل ومحاورة الإسرائيليين الذين يحتلون هضبة الجولان السورية؟

ب) النظام لديه ما يقدمه للإسرائيليين كما يعرف الجميع، كيف تقيّم علاقتك مع الإسرائيليين في ميزان العلاقات والحسابات السياسية وهل هناك من ثمن ينتظرونه منك؟
ج) نشرت صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية في 2007 لقاء مع "المعارض" عمار عبد الحميد، يعتبر أول لقاء من نوعه لمواطن من الداخل السوري مع صحيفة اسرائيلية، هل لك أن توضح لنا وللشارع السوري ماهية هذا اللقاء؟

د) مؤتمر "هرتزليا" كنت مدعواً إليه واعتذرت حسبما نقلت وسائل الاعلام، هل لك أن تحدثنا عن مدى قناعتك، وماذا قد تجنيه المعارضة السورية لو استجابت لدعوات مماثلة مستقبلاً وأنت على وجه التحديد؟

موضوع التواصل مع إسرائيل وربما زيارتها في الوقت المناسب ليس موضوع إملاءات، بل موضوع ضرورة سياسية ذات أبعاد عدة، أولها التخوّف الإسرائيلي من أن التغيير في سورية يمكن أن يؤدي إلى تقلّد عناصر إسلامية متشدّدة لزمام الحكم في البلد. ولقد زادت هذه المخاوف الإسرائيلية في الآونة الأخيرة نتيجة فشل المحاولات الدولية المتكرّرة للفصل مابين سورية وإيران من ناحية، ونتيجة التغيير "المفاجئ" في المواقف التركية من إسرائيل من ناحية أخرى. إن مخاوف إسرائيل لها وزنها في المجتمع الدولي، بمعنى أن المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، ستأخذ مخاوف إسرائيل بعين الاعتبار دائماً عند صياغة قراراتها وسياساتها تجاه المنطقة. حتى وإن حدثت خلافات بين الحين والآخر بين القيادات الإسرائيلية والغربية، فلن تؤدي هذه الخلافات إلى تحييد تام للنفوذ الإسرائيلي على القرار الغربي حيال الشرق الأوسط، وهذا بشهادة التاريخ. إذ مرّت العلاقات الإسرائيلية - الغربية بعدة امتحانات على مرّ العقود ووجد الطرفان دائماً مخرجاً مناسباً لهما. هذا لايعود إلى قوة اللوبي الصهيوني وحسب، بل إلى التلاقي الطبيعي للمصالح الإسرائيلية والغربية على المدى المتوسط والبعيد.

وعود على بدء، إسرائيل مقتنعة في هذه المرحلة أن أي تغيير في نظام الحكم في سورية سيؤدي في أحسن الأحوال إلى بروز دولة "إخوانستان" على حدودها أو إلى بروز دولة فاشلة غارقة في حالة من التخبّط الداخلي إن لم نقل حرب أهلية، الأمر الذي قد يؤدي مع الوقت إلى تسخين جبهة الجولان وإلى جرّ إسرائيل للتدخّل عسكرياً لتهدئة الأوضاع في سورية، على غرار ما حدث في لبنان في القرن الماضي، وهو سيناريو كارثي بالنسبة لإسرائيل بالرغم من كل مايُشاع عن طموحاتها التوسعية المزعومة. لذلك، تحبّذ إسرائيل بقاء الوضع على ما هو عليه في سورية، بل قد تلجأ إلى دعم النظام في وجه أي تحرّك شعبي إذا ما نجح النظام في تصوير هذا التحرّك على أنه جهادي الطابع. وها هو بشار الأسد نفسه يعمل ومن الآن على خلق انطباع من هذا النوع عند العالم وذلك من خلال تصريحاته الأخيرة للصحفي الأمريكي تشارلي روز بأن التحدي الداخلي الأكبر الذي يواجهه في سورية هومحاربة التطرّف الديني وتنامي العناصر الجهادية.

وفي الواقع، لم يتوقّف سفراء سورية في الدول الغربية عن الإدلإء بتصريحات من هذا النوع منذ نهاية الحرب الباردة وبداية الفورة الجهادية العالمية. لأن الجميع يدرك أن أحد دعائم الدعم الأساسية التي يحظى بها النظام السوري دولياً تقوم على إدعائهم العلمانية والوقوف في وجه انتشار التيارات المتشدّدة. وبالرغم من تزايد الأدلة على نفاق النظام السافر في هذا الصدد وعلى قيامه بتحالفات عدة مع تحركات وخلايا إرهابية، ماتزال فكرة أن النظام السوري الحالي، على الرغم من كل مساوئه، يبقى أفضل من أي تغيير قد لاتحمد عواقبه مسيطرة على أذهان الكثيرين من صانعي القرار في إسرائيل والغرب. هذا يعني أنه لا إسرائيل ولا المجتمع الدولي سيقفون موقف الحياد عند وجود أي تحرّك شعبي في الداخل، لأن النظام صوّر لهم أن التيارات الإسلامية وحدها هي القادرة على قيادة تحرّكات من هذا القبيل. ولعلّ الصمت الدولي المطبق في مواجهة أحداث سجن صيدنايا في تموز 2008 مرتبطة تماماً بهذا الانطباع، لأن النظام قد أشاع عندها وبقوة، وتلقّف الكثير من الصحفيين والمسؤولين الأجانب هذا الكلام، أن السجناء المتمرّدين هم عناصر جهادية، ولقد عكست التقارير القليلة التي قدمها هؤلاء الصحفيين والمسؤولين تصديقهم لهذه الأكاذيب.

ولاننسى في هذا الصدد أيضاً قيام إسرائيل في عهد رئيس الوزراء السابق، إيهود أولمرت، بمساعدة النظام على الخروج من عزلته عبر محادثات سلام كان الطرفان يعرفان تماماً أنها لن تفضي إلى أية نتيجة عملية بالضرورة فيما يخصّ الجولان، لكن، جاء التحرّك بناءاً على حسابات فرنسية - إسرائيلية مشتركة متعلّقة بعزل سورية عن إيران، وعلى إشارات كان النظام السوري الراغب في كسر عزلته آنذاك قد أرسلها حول إحراز تقدّم في هذا الصدد. وبالنتيجة، حصل النظام السوري على مايريد، في حين أخفقت الحسابات الإسرائيلية والفرنسية. وهذه نقطة تُحسب ضد النظام في علاقاته بإسرائيل والمجتمع الدولي، ولكنها أيضاً تبدي وبوضوح استعداد إسرائيل لدعم النظام في حال توافقت مصالحها وحساباتها معه، نظرياً أو مرحلياً.

لذلك نحن مطالبون بالتحرّك على كل الأصعدة لتصحيح الانطباعات الخاطئة المنتشرة حالياً في الأوساط الدولية لتحييد الدور الإسرائيلي فيما يتعلّق بالتطورات الداخلية السورية، ولكسب تأييد المجتمع الدولي لعملية التغيير الديموقراطي في سورية، وعندنا حجج دامغة في هذا الصدد، لكننا بحاجة إلى فتح أقنية للتواصل مع كل الأطراف الفاعلة من خلال عقد اللقاءات بل وتبادل الزيارات في وقت ما في المستقبل. إن غيابنا عن الساحة في هذا الصدد يضعفنا، ولايمكننا الاعتماد على ذكاء المحلّلين الإسرائيليين والدوليين ليفهموا الحقائق بأنفسهم، لأنهم في الحقيقة ليسوا دائماً بالذكاء الذي نتصوّره، ولأن رؤاهم الإيديولوجية للأمور ومصالح أحزابهم السياسية علاوة على مصالحهم الخاصة تعميهم في الكثير من الأحيان عن رؤية بعض الحقائق الهامة. النظام يدرك هذا جيداً من خلال اتصالاته وعلاقاته، ولذلك لايتوقف رجالاته لحظة هذه الأيام عن التواصل مع نظرائهم في إسرائيل من خلال اللقاءات السرية و/أو الرسائل المتبادلة عن طريق المبعوثين الأجانب في زياراتهم المكوكية ما بين دمشق وتل أبيب. تركيا ليست الوحيدة التي تتواسط ما بين سورية وإسرائيل، التوسّط الدولي في هذا الصدد مستمرّ منذ سنين ولم يتوقّف كما يدّعي المسؤولون السوريون.

أما بالنسبة للقاءاتي مع الصحف الإسرائيلية ودعوتي إلى مؤتمر هرتزليا التي لم ألبّيها في هذا العام ولكن قد ألبّيها العام المقبل، فكل هذه النشاطات تأتي في إطار محاولاتي المستمرّة لتصحيح الانطباعات المتعلّقة بالمعارضة السورية، والأهم من ذلك، بالشارع السوري، وأيضاً، إلى تحييد الدور الإسرائيلي فيما يتعلّق بالنظام، وكسر ماقد أصبح تحالفاً غير معلن ما بين النظام وإسرائيل.

ولكي لايعتقد أحد بأن في هذا الكلام تجنّي أو مبالغة، دعوني أستشهد بأسطر لكارولين جليك، أحد أشهر المحللات في صحيفة "ذي جروزاليم بوست" الإسرائيلية، نستشفّ منها الروح الذرائعية التي تسيطر على فكر الكثير من الإسرائيليين:

just because a regime is anti-Israel one day doesn’t mean that Israel cannot develop ties with it that are based on shared interests 
"فقط لأن نظاماً ما يعتبر معادياً لإسرائيل في مرحلة ما لايعني أنه ليس بوسع إسرائيل أن تطوّر علاقات معه استناداً إلى مصالح مشتركة."

ويمكن قراءة المزيد عن موقفي فيما يتعلّق بالعلاقة مع المجتمع الدولي وإسرائيل في ورقتي الأخيرة "ليبرالي أنا، إخشوني" والتي نشرت على موقع "إيلاف" وعلى موقع "الناخب السوري" التابع لـ "مؤسسة ثروة":

هل تشعر أنك ورقة تمّ اللعب بها واحترقت كما حدث مع السيد فريد الغادري؟

إن كنت ورقة فأنا ورقة في مهبّ القدر وليس في يد أحد، ومايدفعني إلى العمل هو أفكاري وأحلامي الخاصة، وإحساسي بالمسؤولية تجاه وطن وشعب ما زلت أؤمن بهما. من ناحية أخرى، ما كل نشاط أقوم به يندرج تحت إطار المعارضة، فقبل كل شيء، أنا ناشط ليبرالي في مجال بث الفكر الديموقراطي وحقوق الإنسان، وأنا معنيّ بمستقبل المنطقة التي جئت منها بكل ما فيها من شعوب وأفكار ودول وتناقضات. وإذا احترقت من أجل مشروعي هذا فلابأس، إذ ربما يسلّط احتراقي هذا المزيد من الأضواء على المشروع بذاته.

مشروع ثروة لاقى قبولاً منقطع النظير في أوساط الشباب السوري، هل تشعر بخذلانهم بسبب توقف المشروع؟ وكيف يمكن إعادة إحياء المشروع ومتى؟ وخاصة في سياق اختلاف الظروف وتزعزع الثقة، هل تعتقد أن موسمه قد أفل وتحاولون ولادة قيصرية له؟

أشعر بإحباط ناشطينا الشباب طبعاً، لكن طبيعة عملنا ليست سهلة، وسنمرّ بالكثير من المراحل الصعبة وسنمتحن كثيراً قبل أن نبلغ مبتغانا. عزائي في فترة الانقطاع عن بعض نشاطاتنا في هذه المرحلة هو استمرار التواصل مع الجميع، واستمرار نشاطات التشبيك. هناك إحباط نعم، وتعب، ولحظات يأس، لكن لايوجد استسلام لليأس، والكل يعدّ العدّة للعودة إلى النشاط والعمل من جديد. ونحن في صدد إعداد استراتيجية جديدة نستطيع من خلالها استثمار إنجازاتنا الماضية للعودة إلى ساحة العمل الميداني والإعلامي قريباً، وأعتقد أن الشهور القادمة ستشهد بعض التطوّرات الإيجابية في هذا الصدد.

هل أصبحت عضواً في جبهة الخلاص عن قناعة، أم هي موضة كانت آنذاك وانسحبت منها بعد قرب وفاتها لتستظلّ تحت مظلّة إعلان دمشق؟ ما هي محطتك الحزبية التالية؟ هل تنوي تأسيس حزب سياسي جديد؟

أولاً لابد من توضيح أن تأييدي لإعلان دمشق جاء قبل بدء تعاوني مع الجبهة، لكني، وللأمانة، لم أكن أحد المساهمين في صياغة إعلان دمشق أو في تشكيل التحالف الداخلي التي قام على أساسه. ولقد وجدت فيه وقتها خطوة إيجابية على طريق توحيد المعارضة السورية، وإن كنت أدرك من البداية حاجة الإعلان إلى بعض التعديل ليصبح أكثر قبولاً للأحزاب الكوردية وللناشطين والتجمعات العلمانية، وكان هذا أحد المجالات التي أردت أن أعمل عليها.

ولقد شاركت في شباط 2007 في مؤتمر للمعارضة عُقد من قبل تجمع للمعارضين السوريين في الولايات المتحدة حضرته شخصيات من إعلان دمشق من الداخل وشاركت بإحدى جلساته أيضاً مجموعة من قادة ومؤيدي إعلان دمشق من دمشق هاتفياً. وهدف المؤتمر إلى تشكيل لجان تعمل على كسب تأييد عالمي واسع للإعلان، وانتهى بعقد مؤتمر صحفي سُئلنا فيه عن موضوع الجبهة وصرّحنا وقتها بأننا نفضّل أن نقف على الحياد ونتابع نشاطاتنا بالتنسيق مع قادة إعلان دمشق في الداخل. لكني فوجئت بعد أسابيع قليلة فقط بتوجّه معظم المشاركين من المعارضين السوريين الأمريكيين إلى أوروبة للانضمام إلى الجبهة، وجائتني اتصالات منهم حثّتني على الانضمام لهم من منطلق ضرورة توحيد الصفوف، وشرحوا كيف أن توسيع الجبهة سيجعلها أكثر قدرة على تنسيق نشاطات المعارضة في الخارج وعلى كسب تأييد دولي خاصة وأن الجبهة كانت قد قامت بإصدار بيان تأييدي لإعلان دمشق، انضمّت على أثره مجموعة كبيرة من الشخصيات المؤيدة لإعلان دمشق إلى الجبهة. ولقد جائتني مطالبات من الداخل أيضاً تحثّني على الانضمام إلى الجبهة. ومن ناحيتها، ندما سمعت الإدارة الأمريكية عن هذه التطورات، رأى بعض أعضائها أني قد أكون قناة جيدة للتواصل مابينهم وبين الجبهة التي سيكون من الصعب عليهم أن يتواصلوا معها بشكل مباشر لاحتوائها على عناصر بعثية وإسلامية.

بعد أن أخذت كل هذه الأمور بعين الاعتبار، قررت أن أتعاون مع الجبهة لفترة معينة، أساعد خلالها على تنظيم نشاطات الجبهة في واشنطن من خلال فتح مكتب لها وبناء جسور للتواصل مع مراكز الأبحاث والكونجرس ومؤسّسات صنع القرار المحلية، وبعد أن أنجزت هذه المهمات، قررت أن أنسحب، لأني في ذات الوقت كنت أشرف على نشاطات "ثروة،" وهذا كان يستغرق جلّ وقتي. من ناحية أخرى، ولأني إنسان عملي، ولأني وجدت أن الجبهة، بالرغم من المحاولات المتكرّرة لتفادي ذلك، بدأت تتجه إلى إتباع السياسات التقليدية إياها من حيث إصدار البيانات الشاجبة والنادبة دون تبنّي خطوات عملية حقيقية قادرة على تفعيل العمل المعارض، بدا قرار الانسحاب كخطوة مناسبة ومبرّرة في ذلك الوقت. فكان أن انسحبت وبهدوء متمنيّاً للجميع التوفيق. ولقد سائني أن أرى قناة "زنوبيا" التي أسّستها الجبهة لاحقاً تواجه مشاكل وصعاب أدت إلى إغلاقها وذلك قبيل إغلاق قناة "بردى" بقليل، ولقد كنت على أتم استعداد لعرض برنامج "الخطوة الأولى" على قناة "زنوبيا" أيضاَ فيما لو وافق المسؤولون عنها على ذلك.

وبعد انسحابي من الجبهة، تابعت نشاطاتي السياسية المعتادة المؤيدة لإعلان دمشق، وكان أن نظمنا مؤتمراً لمؤيدي الإعلان في الخارج في الكونجرس الأمريكي في آذار 2008. هذا، ولقد أدليت أكثر من مرة بشهادة أمام الكونجرس الأمريكي حول الأضاع الداخلية في سورية ودور نظام الأسد في تأجيج الصراعات الإقليمية.

إلى أين اليوم سياسياً؟ إلى حيث أجد رفاق درب يحسنون صنعة العمل السياسي، ولاتعميهم أية عقيدة أو إيديولوجيا عن ضرورات ومتطلّبات وأولويات العمل السياسي الوطني في هذه المرحلة الحرجة، رفاق يعرفون كيف يضعون المصلحة الوطنية فوق الاعتبارات الانفعالية، ويعرفون أن النوايا الصحيحة لاتعوض عن غياب الأفعال الصحيحة، وأن الحقوق المسلوبة لاتُأخذ دفعة واحدة، والكرامة المهدورة لاتُسترجع في لحظة واحدة، وأن العمل المنهجي ضرورة، وأن الزلّات ليست نهاية الطريق ولاتؤدّي إلى احتراق الأوراق، رفاق يعرفون معنى الإخلاص للقضية ولبعضهم البعض. حيث يوجد هؤلاء هناك حزبي. محطتي الجديدة إذاً هي ذاتها محطتي القديمة والحالية، فأنا أبحث عن رفاق درب لاعن مسمّيات ومناصب.

يعتبر نشاط نيوف"خازوقاً" في نعش إعلان دمشق، فما حقيقة الخلاف معه ولماذا يحاربك منذ البداية في مشروعك؟

لا أعرف ما هي دوافع نزار نيوف في حملاته الموجّهة ضدي، أو ضد أي كان، ولم يسبق لي أن تقابلت أو تراسلت معه، ما خلا "إيميلاً" واحداّ في أواخر عام 2006، أرسلته له بعد أن اتهمني من حيث لاأدري بأني أعمل مع النظام السوري وأني سرّبت أسماء العاملين معي في مشروع "ثروة" لأجهزة النظام وأني أتراسل مع القصر الرئاسي في سورية عن طريق أمي، الفنانة منى واصف، وطلبت منه وبكل تهذيب عندها أن يستوثق أكثر من معلوماته قبل نشر مثل هذه الأخبار، وأني أحترم تجربته وأقدر المعاناة التي مرّ بها. لم أتلقّ جواباً عندها ولكن من الواضح أن الرسالة لم يكن لها أي مفعول، وتواصلت الاتهامات. ومنذ ذلك الوقت، فقدت اهتمامي بالتواصل مع الأستاذ نيوف، أو بمحاولة فهم دوافعه. ولكن من الواضح أنه في كل مرة هاجمني فيها زاد عدد الزوار إلى مواقع "ثروة" المختلفة وعدد الإيميلات التي أتلقّاها من الناس. لذا، سأتعامل مع كل هجوم مستقبلي له أو لغيره على أنه فرصة لي للتواصل مع الناس ولإلقاء المزيد من الأضواء على مشروع "ثروة" وعلى نشاطاتي الخاصة. فأرجو ممن خالفني الرأي تكثيف حملاتهم التهجمية، لأني أتألّق تحت الأضواء، وأحب النور.

في بلد لا يقيم وزناً للكفاءات أمام الولاءات، ماذا عن تكريم بشار الأسد للسيدة منى واصف، هل فيه جزء يخصك أو رسالة مبطنة ما؟

لم تكن الرسالة مبطّنة بشكل جيد على ما يبدو، فالكل قرأها بشكل واضح. ولعلّ في تزامن الحدث، والذي جاء مصحوباً بالكثير من الطبل والزمر والاحتفالات الرسمية المتعدّدة في تطور فريد من نوعه في سورية، إذ سبق لبشار الأسد أن كرّم فنانين آخرين دون احتفاليات من هذا النوع، أقول لعلّ في تزامن هذا الحدث مع عرض برنامج "الخطوة الأولى" الذي قدمته وأدرت حواراته على قناة "بردى" (التي أرجو لها عودة قريبة إلى الساحة) والذي تابعه البعض في سورية، دلالة ما على توقيت التكريم. لكن، كل هذا لايهم، إذ لايختلف إثنان أن أمي تستحقّ التكريم بل هذا النوع من التكريم الحافل بالضجة والبهجة بالذات، وهذا هو المهمّ بالنسبة لي.

لقاء في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض مع الرئيس الأمريكي جورج بوش وبعضاً من المسؤولين الأمريكيين الكبار، 3 كانون الأول، 2007


كيف تفسر إعتقال مجمل قادة إعلان دمشق، بينما نائب الرئيس حميد درويش ينقل الرسائل بين زعماء دمشق وأكراد العراق ويتم استقباله على السجاد الاحمر ولايسأل عن نشاطاته؟

بصراحة معلوماتي عن الأستاذ حميد درويش قليلة وليس بوسعي أن أتكهّن عن دوافعه. أعتقد أن المعارضين الأكراد أقدر على تقييم هذه التطوّرات والحقائق مني، وأن أنتظر سماع آرائهم في هذا الصدد.

أشاعت دمشق أخباراً عن توبة المعارضين أفواجاً أفواجاً، وأثارت حماساً متعاظماً لعودة أغلب المعارضين وفقاً لتلفزيون المنار والعالم، لكننا لم نسمع سوى عن عودة السيد بشار سبيعي، فهل ننتظر عودة موفقة لعمار عبد الحميد وآخرين صاغرين عبر البوابة الأمنية؟ أي، هل تركت خط للرجعة على إثر خطى السيد بشار سبيعي وهو الذي تسلم مناصب قيادية في جبهة الخلاص وكان يتحدث بنبرة قوية ضد النظام؟

ليس بوسعي أن أتكلّم إلّا عن نفسي في هذا الصدد، وأنا لن أعود إلا بعد سقوط النظام، الأمر الذي أرجو أن يكون لي دور هام في تحقيقه، وهذا أعمل من أجله، فهذا خطّ رجعتي الوحيد.

يرى بعضهم أنك تنتحر سياسياً حين تقترف ما أوجب جفاء الغادري وتحويله لجثة سياسية، هل يجبرك أحد على حرق كل مراكبك؟

سأتابع شرح أفكاري ودوافعي لكل من يرغب في السماع، لكني وفي خاتم المطاف لن أتحرّك إلّا وفق حساباتي، ولن أسعى لإرضاء إلّا ضميري. لايوجد عندي طموحات سياسية خاصة، ولافرق عندي إن احترقت سياسياً أو لم أحترق طالما بقيت راضياً عما أفعل ومقتنعاً به.