ممثلو الكتلة الوطنية يوقعون على اتفاقية الاستقلال عن فرنسا في باريس، 1936 |
آب
25، 2000 / النهار
ما
معنى أن تموت "الاشتراكية" و "الديموقراطية الشعبية،" على
الأقل فيما يتعلّق بمفهومهما السوفييتي والصيني؟ وما معنى أن تطالب تجمّعات من
مثقفي سورية في الداخل و الخارج بتعدّدية حزبية حقيقية، أي تعدّدية تسمح نظرياً
لأي حزب كان أن يصل إلى سدّة الحكم عن طريق انتخابات حرّة؟
إنه
لمن الواضح في الحقيقة، و لكل من هو على اطلاع على محتوى الدستور السوري و على علم
بالأسس الفكرية التي تقوم عليها الأنظمة السياسية، أن التطلّعات الليبرالية في وضع
كهذا الذي تشهده سورية المعاصرة، لا يمكن لها أن تتحقّق من خلال تعديلات أو
إصلاحات دستورية محدّدة مهما كانت هذه التعديلات أو الإصلاحات عميقة و شاملة. ذلك
لأن التطلّعات الليبرالية بطبيعتها تتناقض مع جوهر الدستور السوري الحالي الذي
يتبنّى الاشتراكية كعقيدة أساسية تتمحور كل الأفكار الأخرى حولها، علاوة على
الديموقراطية الشعبية كوسيلة من وسائله المعتمدة لتعبئة الشعب. أن الرؤية
الليبرالية للأمور لا تنسجم أبداً مع دستور عقائدي الطابع هدفه الأساسي دعم النظام
القائم على حساب الشعب وتطلّعاته. إن الدولة العقائدية لا يمكن أبداً أن تكون
ليبرالية، ومن وجهة نظر ليبرالية لا فرق أبداً بين دولة عقيدتها الاشتراكية ويحكمها حزب البعث و دولة عقيدتها الإسلام السني وتحكمها جماعة الإخوان المسلمين.
إذ طالما كانت الحريات مقيّدة بعقيدة و نزوات الفرقة الحاكمة وطالما كانت الحكومة
تَعِدّ نفسها وصية على الشعب لا مسؤولة أمامه، أي فرق يمكن أي يجده المرء بين
الدولتين لا يمكنه أن يكون فرقاً جوهرياً.
المطلوب
إذن هو تغيير الدستور برمّته. وهذا يعني، كما يعرف من هم على اطلاع على علوم
السياسة، إعادة تأسيس الدولة ذاتها. إن هذا الأمر في الواقع ليس بالجديد في تاريخ
سورية المعاصرة على قصره، ذلك لأن الانقلاب التصحيحي الذي قاده الرئيس الراحل كان
بمثابة إعادة لتأسيس الدولة السورية و خاصة بعد إفرازه لدستور جديد تمّ تبنّيه
رسمياً في عام 1973. دستور جديد يعني دولة جديدة، وبما أن هذا الدستور تبنّى
النظام الجمهوري تعدّ جمهورية البعث التصحيحية الجمهورية الثانية في تاريخ سورية
المعاصرة. و بالتالي تكون المطالبة بتأسيس جمهورية ليبرالية بديلة هي مطالبة
بتأسيس الجمهورية الثالثة.
ولكن، ما أهمية هذه التسمية؟ وما الفائدة المرجوة من تبنّيها؟ الجواب وبكلّ صراحة
واختصار: وضوح الرؤية، أي أن يكون عندنا هدف مستقبلي واضح المعالم نسعى إليه. وأنا لا أدّعي هنا أن مجرّد استخدام هذه التسمية يجعل كلّ شيء واضحاً، لا. إنه
مجرّد خطوة صغيرة على طريق الإيضاح، خطوة نعلن من خلالها رفضنا، في وجه كل
التهديدات الكائنة، كلامية كانت أم فعلية، لأن يكون التغيير الجاري في سورية
حالياً تغييراً من خلال المؤسّسات القائمة يهدف للحفاظ
عليها، كما يدعو البعض. إننا نعلن عن رفضنا لهذه المؤسّسات جملة و تفصيلاً
لأنها أثبتت تاريخياً إفلاسها سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً، إن لم نقل إنسانياً.
أفلم توصل هذه المؤسّسات سورية الغنية بثرواتها الطبيعية والإنسانية إلى حافّة
الفقر و قائمة الدول الأكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان (ناهيك عن خسارة الجولان)؟
لمصلحة من إذن نحافظ على هذه المؤسّسات؟ طبعاً ليس لمصلحة الشعب. لقد آن الأوان
لنا لأن نقول وبكلّ صراحة بأننا نريد بديلاً لما هو قائم نستطيع من خلاله أن
نقدّم ما هو أفضل للوطن. نحن بحاجة لإجراء انتخابات دستورية، أي انتخابات برلمانية
الطابع يقوم الفائزون بها بوضع دستور جديد للبلد، دستور علماني وديموقراطي وليبرالي. علماني كيما ينأ بالدولة عن الصراعات العقائدية، ديموقراطي ليحقق آمال
الشعب بالمشاركة في بناء وتسيير أمور الدولة، ليبرالي من حيث احترامه للحريات
الأساسية للمواطنين.
هذه
هي فحوى الدعوة إلى الجمهورية الثالثة. إنها دعوة لإنشاء نظام تكون فيه مصلحة
الوطن أهم من مصلحة أي حزب أو نخبة أو طائفة فيه. إنها دعوة لبناء مجتمع يتمتّع
أبنائه بحدّ أدنى من الخجل لا يسمح لهم بالاستمرار بالخطيئة وبالاستمرار في
إنكارهم بأنهم مخطئون وأنباء فضيحتهم قد ملئت الدنيا وشغلت الناس. إنها لعمري
دعوة تستحق التلبية. فهل من ملبّي؟