ما لم نتمكّن كأطراف متناحرة من الاتفاق، بادئ ذي
بدء، على تعريف قانوني وأخلاقي واضح للجريمة في سياق الثورة السورية والصراع
الداخلي الذي فجّره الحلّ الأمني الذي تبنّاه النظام الحاكم للتعامل معها، لن
نتمكّن من الاتفاق على مصلحة مشتركة واحدة ما بين مكوّنات المجتمع السوري،
إلا، اللهم، في الإطار الخطابي الضيق، كمثل أن نقول "الكل يريد الاستقرار
والسلام،" وغيرها من هذه الشعارات والأقاويل.
لكن، ومن الناحية العملية، ستبقى ترجمة هذا الشعار،
أو أي شعار مشابه، مرتبطة بالتوصّل إلى تعريف واضح لمعنى الإخلال بالسلام،
وجدوى الاحتفاء بمفهوم الاستقرار كفضيلة عليا في إطار مجتمع متخم بالفساد
ومنغمس في حالة تغييب مستمر لمتطلّبات الحرية والعدالة والكرامة، وهذا يعني
أن نعود إلى نقطة البدء ونتفق على تسمية الأشياء بمسمّياتها، خاصة الاتفاق
على تعريف واضح وصريح للجريمة.
نعم، نحن نعيش في دائرة مغلقة، أو بالأحرى دوّامة
مستعرة، وسنبقى مأسورين فيها، محكومين بنهش لحوم بعضنا بعضاً حتى نقرر مواجهة
الحقائق كما هي، لا كما نتوهّمها أو نرغب لها أن تكون لكي نبرّر كراهيتنا
لأنفسنا أولاً قبل الآخرين، وعبوديتنا لأحقاد وتقاليد وتراث لا يمكن له أن
يحمل في طياته أية بارقة لأمل أو خلاص. لأن الأمل لم ينبع يوماً من الماضي،
مهما كان عريقاً ومجيداً، أو صُوِّر لنا على أنه كذلك، ولا جاء خلاص من
غياهبه وسراديبه. أملنا كان وسيبقى في هاهنانا والآن (الـ "هاهنا"
والآن) وفي ما تحمله أنفسنا من نوايا حسنة ومن قدرات نفسية على تجاوز الآلام
والأوهام والمخاوف والأحقاد لنتمكّن من المشاركة الفعلي في صناعة الصيرورات
المشكّلة لحياتنا
والمنتجة للمستقبل.
والمنتجة للمستقبل.
لا مهرب لنا من هذا الأمر إذا ما أردنا لمحنتنا
السورية أن تنتهي، وأن يكون لكل ما تكبدّناه من خسائر وتضحيات، إن لم نقل
أُضحيات، جدوى ما ومبرّر في مستقبل الأيام من خلال تحقيق بعضٍ من الأهداف
التي سعينا إليها منذ مطلع 2011، عام ثورتنا الكبرى، المستحقّة، والناجمة عن
تآمرنا على أنفسنا أولاً من خلال إهمالنا المطوّل لقضايا واستحقاقات مصيرية
لم نحسن حتى تحليلها. وهذه كانت أولى الجرائم التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه.