الاثنين، 17 ديسمبر 2018

الأقباط: مواطنون وغرباء



"الأقباط" هذا هو موضوع حلقتنا الأساسي لهذا اليوم. لكن البداية كالعادة مع جولة إخبارية سريعة:

أميركا تودّع جورج بوش الأب
قدّاس قبطي في السعودية
اعتراض السلطات البريطانية على محتوى موقع "جهادولوجي"
قناة سي. إن. إن. تنهي عقدها مع مارك لامونت هيل لإدلائه بتصريحات مثيرة للجدل 
الممثل عباس النوري يشكك في شخصية صلاح الدين الأيوبي
عرب قدامى في قلب الجزيرة العربية ولا يتكلمون العربية كلغتهم الأم
تعرض أول لاعبة كرة قدم تتسلم الكرة الذهبية لتعليقات جنسية
  
المدخل

يدعي الإسلاميون أن الأقباط "أسعد أقلية في العالم". لكن الواقع أنهم يتعرضون لأصناف عدة من الاضطهاد تجعلهم يشعرون أنهم مواطنون من الدرجة العاشرة، وأين؟ في وطنهم الأم ذاته؟ ولماذا؟ بسبب اضطهاد أخوتهم في الوطن لهم وتجاهلهم لشكاويهم وحقوقهم.

ما هو المطلوب من الأقباط؟ أن يقبلوا بالذل صامتين؟ أن يرحلوا ويتركوا أرض الوطن؟ أن ينتفضوا ويثوروا؟ أم هل هناك إمكانية للتوصل إلى معادلات منطقية للتعايش السلمي تحافظ على حقوق الجميع وكرامتهم؟ 

المحور 1: تعريف سريع بالأقباط

لكن، دعونا نسأل أنفسنا أولاً: من هم الأقباط؟ معظمنا في المنطقة وفي مصر نفسها لا يعرفون الكثير عنهم.

الأقباط – حقائق

  • ليسوا أصحاب دين معين فقط بل أصحاب انتماء قومي واضح له لغته الخاصة والأقدم من اللغة العربية، ولها لهجتان أساسيتان: البحيرية والسهيدية، علاوة على لهجات أخرى. لكن الكلام باللغة القبطية أصبح شبه معدوم على مستوى الحياة اليومية، ولا يستخدم إلا في الصلوات. 
  • الأقباط ليسوا عرباً. 
  • أكبر تجمع مسيحي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
  • نسبة الأقباط في مصر تتراوح ما بين 6 و15%، بسبب خلاف التقديرات ما بين الحكومة والكنيسة. نسبتهم في ليبيا والسودان (1%)
  • معظم الأقباط ينتمون إلى الطائفة الأرثودوكسية، لكن هناك أقباط إنجيليين (بروتستانت) وكاثوليك أيضاً.
  • ليس كل مسيحيي مصري قبطي. وليس كل أقباط مصر مسيحيين. فالمسلمون في مصر هم خليط من الأقباط والعرب وقوميات أخرى.
  • هناك اختلاف ثقافي بين أقباط الشمال والجنوب.
  • مصطلح "القبطي" وردنا عن طريق المصادر اليونانية والرومانية والعربية القديمة عن الأصل المصري هوت-كا-بتاح (معبد لروح الإله بتاح).
  • هناك سلسلة رسولية غير منقطعة تبدأ مع تأسيس الكنيسة القبطية في مصر على يد القديس مرقص في عام 42 ميلادية وتستمر حتى هذه اللحظة. وهذا يعطي خصوصية للكنيسة القبطية.
  • أصبح الأقباط المسيحيين الغالبية في مصر مع بدايات القرن الثالث ميلادية، وأصبحوا أٌقلية في منتصف القرن العاشر.
  • بدأت ظاهرة الأديرة والخلوات مع الأقباط ثم انتشرت في الأوساط المسيحية في أنحاء العالم.
  • بعد مجلس خلقدونيا، انقسم المسيحيون إلى فرقتين رئيستين: الملكيين والميافيزيين، وإليها انتمى الأقباط. الاعتقاد الأساسي أن الطبيعة الإلهية والبشرية للمسيح توجد معاً متحدتين دون فصل أو انقسام أو خلط.
  • عومل الأقباط كأهل ذمة إلى أن جاء "محمد علي،" فتحسنت أحوالهم وبدأ يُسمح لهم بتقلّد المناصب الرفيعة والخدمة في الجيش ودفع الضرائب العادية.
  • ما يزال الأقباط والمسيحيون يعانون من التمييز والاضطهاد في مصر: صعوبة في الحصول على تراخيص لتجديد وبناء الكنائس، حرمان عملي لهم من لعب كرة القدم على مستوى الأندية الكبيرة، وهناك أعمال ونشاطات إرهابية تستهدفهم.
المحور 2: أوجه الظلم الذي يتعرض له الأقباط

هناك ثلاث أطراف مسؤولة عن الظلم الواقع على الأقباط: الحكومة والإسلاميون والمجتمع.

الحكومة: 
  • كان الحصول على ترخيص لبناء الكنائس أو حتى تجديدها أمراً في غاية الصعوبة، وما يزال، على الرغم من صدور قانون جديد لذلك قبل عامين، لكن القانون بحد ذاته شيء والتطبيق شيء آخر.
  • عدد الأقباط الذين يتم تعيينهم لشغل المناصب الحكومية المختلفة لا يتناسب على الإطلاق مع حجمهم الديموغرافي أو مستواهم التعليمي، سواء تكلمنا عن الوزرات أو المحافظات أو أي من مؤسسات الدولة المختلفة، بما في ذلك المؤسسات الأمنية.
  • هناك تغييب للماضي القبطي سواء في المناهج التعليمية أو الإعلام الرسمي، في محاولة تبدو ممنهجة ومقصودة لمحو الهوية القبطية. هذا في وقت تشير فيه الدراسات التاريخية إلى أن المسلمين لم يصبحوا أغلبية في مصر إلا بحلول عام 1000 م.
  • تقصير واضح في حماية الأقباط من أعمال العنف الموجهة ضدهم، بما في ذلك الأنشطة الإرهابية. 
 الإسلاميون: 
  • استهداف الأقباط من قبل جماعات إرهابية.
  • التحريض ضد الأقباط من قبل الإسلاميين عامة ولومهم على الكثير من المشاكل التي تواجه الدولة والتعامل معهم وكأنهم طابور خامس وعملاء للصهاينة والغرب وأعداء الإسلام.
 المجتمع:

بسبب الجهل، واستغلاله من الإسلاميين والوصوليين، يواجه الأقباط اضطهاداً اجتماعياً كبيراً. إذ غالباً ما تؤدي الإشاعات حول الأقباط إلى أعمال عنف ضدهم خاصة في المناطق الريفية.

وتنقسم الإشاعات عادة إلى ثلاث أصناف: 
  • رغبة الأقباط ببناء كنيسة، حتى في حالة عدم رغبتهم بذلك،
  • اتهام قبطي بأنه على علاقة بمسلمة،
  • واتهام قبطي بأنه أساء على الله أو رسوله

عادة ما تؤدي هذه الإشاعات إلى أعمال عنف ضد الأقباط، في حين يرفض رجال الشرطة التدخل لحماية المساكن والمتاجر القبطية على الرغم من معرفتهم مسبقاً في الكثير من الأحوال أن أحداث شغب على وشك الوقوع.

التعامل مع النتائج من خلال تأسيس مجالس عرفية يحضرها أعداد متساوية من الطرفين، "تتصافي فيها القلوب" ولا يتم معاقبة أحد، بل قد يتم طرد القبطي أو العائلة القبطية التي اتهمت بالإساءة. لا يعاقب المسلمون في معظم الأحيان على أي جريمة اقترفوها بحق الأقباط، بما في ذلك القتل والسرقة.

هذا الواقع باختصار، فهل ثمة حل؟

المحور 3: حلول مقترحة لمعالجة وضع الأقباط

في حال توفرت الإرادة السياسية للتعامل مع هذه القضية الحساسة والمتشعبة الأبعاد بلا شك، فنعم، هناك أكثر من طريقة يمكن من خلالها تحسين وضع الأقباط في مصر بالتدريج وصولاً إلى تحقيق المساواة في فترة منطقية، لا تسرّع فيها ولا تسويف.

  • تعديل المناهج التعليمية بحيث تشمل اعترافاً واضحاً بالتاريخ القبطي ودورهم في بناء الحضارات المتعاقبة على مصر، بل بتاريخ التنوع في المنطقة ككل.
  • ولا يقتصر إصلاح المناهج التعليمية على التاريخ فقط، لابد من الكلام الصريح أيضاً عن الحقوق المدنية، والمساواة، مع التركيز على الدراسات الاجتماعية والانفتاح على الحضارات الأخرى، وأولويات التفكير النقدي.
  • تعيين المزيد من الأقباط في المناصب الرسمية على مختلف الأصعدة استناداً إلى قدراتهم. لا أحد يطالب بتعيين الجهلة. لكن من الواضح أن نسبة التعليم عند الأقباط عالية على الرغم من كل شيء، وهذا يعني أن هناك وفرة في الشخصيات القبطية القادرة على تبوء مختلف المناصب وأعلاها.
  • تشجيع التنمية المحلية المشتركة، نشاطات التعاون بين القرى القبطية والمسلمة في أماكن الاختلاط، وتشجيع تأسيس منظمات مدنية تراقب نشاطات المتطرفين، وتسعى إلى مكافحة الجهل المتبادل، والشائعات.
  • تدريب رجال الشرطة في مناطق الاختلاط للتعامل بشكل أكثر فعالية مع أعمال الشغب، مع إصرار على معاقبة المشاغبين والمحرضين.
  • مع مراعاة حرية التعبير، لابد من وضع ضوابط صارمة لخطاب الكراهية والخطاب التحريضي. 

لا يوجد في أي من هذه الإجراءات ما يمكن اعتباره معاملة تفضيلية للأقباط، فلا أحد يطالب بحجز حصة معينة في التعيينات، فقط في أن يكون هناك تناسب منطقي ما بين حجم الأقباط الديموغرافي وحجم التعيينات في المناصب المختلفة والوظائف. ولا يوجد مطالبة بحماية خاصة للأقباط، الحماية المطلوبة هي للأمن والاستقرار خاصة في المناطق المختلطة والتي شهدت أو يمكن أن تشهد نشاطات تحريضية وتخريبية. هذه الإجراءات ضرورية حتى في المجتمعات الديمقراطية في الغرب: تدريب رجال الأمن على التعامل مع قضايا التنوع أو مع المناطق الحساسة حدث طبيعي هناك.

رفع الشعارات المتعلقة بالمواطنة لا يكفي. وتوقّع أن المساواة والحقوق يمكن أن تتحقق عن طريق سنّ القوانين والتشريعات دون تبني إجراءات تمهيدية وانتقالية ومراعاة للأوضاع المحلية يمثل طريقة ساذجة في التعامل مع الأمور. يمكن للتغيير أن يبدأ اليوم، بل ينبغي له أن يبدأ اليوم. فالوقت لم يعد حليفنا.  لكن المساواة الحقيقية لن تتحقق اليوم أو غداً، بل تتطلب متابعة وصبر ومثابرة.

حتى يتحقق التغيير، سيبقى الأقباط يشعرون بالتغرب في وطنهم، فطوبى للغرباء.

موقف عمار

الأقباط جزء أساسي من النسيج المصري. ولا يمكن لمصر أن تنهض وتساهم في مسيرة التقدم الإنساني من جديد من غيرهم، ولا يهم من هذا المنطلق إن كانوا أقلية أم أكثرية، إذ لا يمكن تغييب حقوق الأقلية من غير اضطهاد الأغلبية، وبالتالي لا يمكن للمصريين أن ينهضوا إلا متحدين. هذا أو الهاوية.