الخميس، 5 يونيو 2014

هنيئاً لك هذا النصر!


كان بوسعك أن تصبح بطلاً منذ سنين، وبالفعل لا القول، من خلال إصدار جملة من الإصلاحات الحقيقية، إصلاحات تتوّج باستقالتك، لتصبح بعدها أول رئيس في سوريا، منذ عقود، يختار، طوعاً، العودة إلى صفوف الشعب.
نعم، كان هذا بوسعك.

كان بوسعك أن تصبح بعدها مديراً لمركز أبحاث علمية من أهم المراكز في الشرق الأوسط، إن شئت، و/أو أن يكون عندك سلسلة من العيادات الطبية المنتشرة في أنحاء الوطن، تقدّم أفضل رعاية صحية لفقراء الناس، الذين كانوا،أحببت ذلك أم تمنّعت، سيبجّلونك ويسبّحون بحمدك وكأنك قديس أو ربّ. 

نعم، كان هذا بوسعك. 

وكان بوسعك أيضاً أن تبرز على الساحة الدولية كشخصية عالمية، يحتفي الناس بها أينما حلّت في ربوع الأرض، ويشيرون إليها بالبنان، ويتمنّون الاقتداء بها، لأنك، باستقالتك الحكيمة، ستكون قد تمثّلت الجوهر الحقيقي للقيادة الرشيدة، فرأيت أبعادها الأخلاقية والمعنوية، ولم تبق أسير تجلّياتها السياسية والسلطوية فحسب. 

نعم، نعم، نعم. كل هذا كان في متناول يدك، لو أردت. 

لكنّك، ومنذ بداية ظهورك على ساحة وعينا، اخترت، وعن سابق اصرار، نهج القمع. فكان أن "صمدت،" و "قاومت،" و "مانعت،" حتى كان لك ما حقاً أردت، وإليه تطلّعت بكل توق، وصبوت، وصبأت، وشبقت: أن تثبت للجميع أنك بالفعل ابن أبيك، فتحتفظ، وبجدارة، بمنصب الرئاسة والقيادة الذي ورثته عنه، وتكسب ذات الألقاب التي كنا، سابقاً، ولاحقاً، قد أسبغناها عليه: كمثل المجرم والسافل والوغد. 

وإن كان الوطن قد تحوّل بفضل فِعالك إلى مقبرة وخرابة تكاثرت فيها آلام وأحقاد ستبقى تشتعل في العقول والنفوس والأجساد، سنة بعد سنة، وعقداً بعد عقد، إلى ما شاء الدهر، فلا شيء في ذلك عندك يستحق التوقّف عنده، أو التحسّر، أو حتى الندب. لأنك بالفعل ابن أبيك، وكمثله، ليس لك من انتماء إلا إلى رغبتك الدفينة تلك في التحصّل على احترام نابع عن صميم تقبّل ومحبة، لا عن خوف. لكن هيهات لكم هذا، أنت، وهو، وكل من جاء وسيأتي من نسلكم الفكري النفسي السقيم، من المهد إلى اللحد، إذ ستبقى أحقادكم وأطماعكم تعمي أبصاركم عن الدرب. 

فلا يغرنّك رقص مؤيديك في الشوارع لك اليوم، فبالأمس القريب فقط كانت أعدادهم أضعافاً مضاعفة، ثم جاءت لحظة الثورة والصحو، وجاء الوعد، وها أنت قد اضطررت لاستيراد المؤيدين من كل صوب وحدب... تُرى هل سيبقى عندك ما يكفي منهم في الغد؟ وهل يمكن لعددهم أن يكفي يوماً في سدّ ذلك الفراغ في جوف جوفك، في قدس أقداس وجدانك، في صميم إحساسك المستمرّ بالنقص، والعوز، والعجز؟ 

هاقد أصبحت بين الناس كديك على مزبلة، أو طاووس منتوف الريش، أجرب ككلب شريد، أو جرذ في حقل، لايبالي أحد بأناقتك المُكلفة المتكلّفة، وتواضعك الزائف، وزوجتك المستوردة، وحضوركما الباهت والصلف. وأصبحت دمية في أيد، ظاهرة وخفية، من الشرق والغرب، تساوم بك وعليك، ولا ضمانة لبقائك أو رحيلك عندها إلا حسابات لا يمكن لعقلك أن يدركها، ولا يمكن لك التأثير فيها، مهما فعلت... 

فأنت، من تكون أنت بالنسبة لهم بعد انقلابك على شعبك وناسك وطعنك لهم في الظهر؟ من ذا منهم سيحترم أو يكترث بصعلوك وضع نفسه بكل طيبة خاطر في اليد؟ وقبل على نفسه، راغباً، خانعاً، طائعاً، أن يكون لهم عبداً... "إن هم أرادوا هذا العبد؟" هكذا تزلّفت وتذلّلت عندهم، هذا ما قاله لسان حالك لهم، إن تفكّرت. 

لكن، أسالك ثانية، أنت من أنت لتتوقّع منهم، أو أيّ كان، معاملة وأخلاقاً أفضل من تلك التي قدّمت؟ هم يخطّطون لألف عام قادمة لمصلحة شعوبهم، وأنت في يوم قصير دمّرت ما قد يتطلّب إعادة بنائه ألف عام بعد رحيلك، فأيّ شيء تتوقّع؟ أن لا يكون هناك أيّ ثمن لما... "أنجزت؟" 

منذ سنين فقط كان العالم كله بين يديك أنت، وكان بوسعك أن تمشي بين الناس مطمئناً، آمناً، لأنهم اختاروا منحك ثقتهم، لعلّه يكون عندك حسّ ما أو رغبة بالعدل، لكن، هاهي الأيام قد أظهرت لهم، وبالدليل القاطع، كم أنت ضعيف، وتافه، ونذل، فبتّ اليوم حبيس القصر. هنيئاً لك هذا النصر. 

وهنيئاً لكل من راهن عليك ظانّاً، بل طامعاً، في أن ينوبه شيء من هذا الفعل، لأن قادم الأيام لن يبخل عليه في هذا الصدد، فالمعركة الحقيقية لم تبدأ بعد، ولن يكون لأحد في قريب الغد مأمن أو ملجئ من تبعات ما زُرع اليوم، فهنيئاً لكم جميعاً، من قلب قدّم ما قدّم، وحذّر، ونبّه، وذكّر، حتى بات اليوم مفعماً بلامبالاة حيالكم لايمكن لها أن تنضب أبد الدهر، هنيئاً لكم موسم الحصد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى تجنب خطاب الكراهية والشتائم.