* بات بعضنا أحراراً إلى درجة لم يعد بوسعهم معها التأثير بشكل
مباشر في محيطهم، مهما قالوا أو فعلوا، إذ لم يعد يربطهم به شيء ما خلا بعض
الاحتياجات والرغبات العابرة. لا الموروث بات يعنيهم، ولا الأعراف، ولا التقاليد.
لقد أصبح الماضي بالنسبة لهم ماضياً بالفعل، ولم تعد أحقاده وتحزّباته تعنيهم
بشيء، ولم يعد له أية سلطة عليهم، ولم يعد انتمائهم إلى أي شيء غير إنسانيتهم
مقبولاً أو ممكناً بالنسبة لهم. لقد كسروا كل القيود، وحرّروا أنفسهم حتى من
أنفسهم، ولم يعد بوسعهم العودة إلى الوراء أو حتى إلقاء نظرة عابرة على العالم
الذي نبذوه وراء ظهورهم، فنبذهم. وكيف لا ينبذوه بعدما عرفوا حقيقته وخبِروا زيفه؟
وكيف لا ينبذهم وهم يتراؤن له كأشباح: مخلوقات من هيبة وألق خرجوا من نسيجه دون أن
يصيبهم هلع أو برد، في وقت مايزال غيرهم فيه غرقى في مستنقعات الخوف والفاقة؟ أما
هم، فحتى الحاضر بالنسبة لهم أصبح عبثاً لأن قيود الماضي فيه ما تزال ظاهرة وقوية.
ولا يأتي إصرارهم على العمل في هذه المرحلة إلا من باب البِذار والتحضير لمستقبل
قد لا يرونه بأعينهم لكنهم أصبحوا يعيشونه بتفاصيله اليوم. إنهم بيننا، لكنّهم لم
يعودوا منّا، وإن كانوا ما يزالون بشراً فهم بالتأكيد لم يعودوا بشراً مثلنا،
لأنهم أحرار بالفعل والقول والروح. إنهم في آن أبناء المستقبل وآبائه المؤسّسون.
ومابوسع أحدنا أن يختار الانضمام إليهم، فالانخراط في صفوفهم ليس خياراً، بل
صيرورة، وليس تفضيلاً وتشريفاً، بل تكليفاً مرهقاً، ومحنة، وعزلة. نحن نزرع ونجني،
والأقدار تغربل وتجتبي.
* لابد أن تبقى الأسئلة المتعلّقة بوجودنا مفتوحة لكي لا تتحوّل
إلى قضبان لسجن جديد.
*
لا أسعى من خلال كتاباتي إلى تأسيس يقين جديد بل هدم يقين قديم مازالت سطوته
تخنقنا.
*
كل كلماتي أسئلة، لا أجوبة لدي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى تجنب خطاب الكراهية والشتائم.