السبت، 30 أبريل 2016

لم نعد أمويين، ولا عباسيين، ولم تعد الدنيا بستاناً لهشامنا

طريق الحرير للفنان الصيني جيانج هونجيانج - 2008

لم نعد أمويين، ولا عباسيين، ولم تعد الدنيا بستاناً لهشامنا، ولم يعد ريع أمطارها حكراً على مليكنا المظفر. لقد دارت علينا الدوائر، وقضي الأمر. ولن نعود كما كنا مهما فعلنا. بل لا ينبغي للعودة أن تكون هدفاً لنا. لا العودة إلى الماضي ممكنة، ولا استرجاع أمجاده ممكن، خاصة إذا بقيت الغَلَبَة في منظورنا الثقافي المعيار الأساسي للمجد. إذ لم تعد القدرة على قهر الآخرين معياراً مناسباً للأمجاد اليوم، ولا يمكن، بل، لا ينبغي لها أن تكون. فالعدالة لا تكمن في تداول القهر. وإن بدا الأمر "طبيعياً" في السابق، لم يعد هذا تعريفاً مقبولاً للنصر. وإن تلاءمت أفعال سلاطيننا مع مبادئهم فيما مضى، أصبح التناقض بينها القاعدة اليوم. وفيما يصر البعض منا على التمسك بطرق الماضي وأفكاره، بدأ شيء ما في وعينا يتمرد على هذا الأمر. المجد اليوم تنمية ومعرفة وحرية أكثر منه سلطة وغلبة وقهر، ولا تسعى الدول القوية اليوم إلى قلب الموازين العالمية القائمة، بل إلى تعديلها فحسب. نحن من يصر على ربط المجد بالغلبة، ولأننا عاجزون عن مقارعة الأقوياء بغير أفواهنا، نكاد لا نفتر عن مقارعة أنفسنا، مستعينن غالباً بالأقوياءـ لكن، لا نصر لمن يصارع نفسه ما خلا الموت. وفي سعينا المستمر إليه، حبذا لو سألنا أنفسنا للحظة تأمل خاطفة: من نحن؟ إذ علينا أن نعيد تعريف أنفسنا اليوم لننهض من جديد، وأن نقول "لا  للغلبة، لا للقهر،" وأن نطالب بدرجة أكبر من الانسجام ما بين المعايير التي أصبحت مطروحة اليوم لتقييم الأفعال، وبين الأفعال ذاتها. لأننا، وإن لم نعد أمويين أو عباسيين، ما نزال بشراً، وما يزال بوسعنا المشاركة في صنع القدر، عوضاً عن أن نكون عبئاً عليه. وإن كان ذلك لا يتسنى لنا عن طريق الإقتداء بمن رحل، فبوسعنا أن نقتدي بمن حضر، بشعوب تلك الدول التي لم تعد تتمسك بالماضي وقيمه، وأصبحت علاقتها معه، كعلاقتها بالحاضر والمستقبل، علاقة جدلية الطابع أكثر منها تبعية. مع التنويه إلى كون الاقتداء شيء، والتبعية شيء آخر، وإلى أن الإبداع هو المبتغى هنا، وهو الفعل الذي نبحث عنه، وهو مفتاح عودتنا إلى المستقبل: الموطن الحقيقي للمجد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى تجنب خطاب الكراهية والشتائم.