مشكلتنا
مع معظم الإسلاميين أنهم لايكتفون بأن يعيشوا كما يريدون بل يريدون للآخرين أيضاً،
بصرف النظر عن عقائدهم أو آرائهم الخاصة، أن يعيشوا على شروطهم، متذرّعين في ذلك
بإدعائهم أنهم على هدى، والآخرين على ضلالة، وأحياناً بأنهم هم الأغلبية وكأنّ
للأغلبية الحق المطلق في تشكيل المجتمع على شاكلتها بصرف النظر عن الاعتبارات
الأخرى. مشكلتنا مع الإسلاميين إذاً، أنهم لم يدركوا بعد معنى "الحق" في
مفهوم حقوق الإنسان الأساسية. لكن الديموقراطية الحقيقية لا تنبنى إلا على أساس
فهم عميق لهذا المفهوم وتقبّل له.
وإلى
أن يتوصّل الإسلاميون إلى فهم أعمق للحق، سيبقوا يتصيّدون هفوات وأخطاء ومشاكل
المجتمعات الغربية لينتقصوا من مفهوم الحقوق والديموقراطية والحداثة، وكأنه من
المفترض أن تؤسّس هذه المفاهيم ليوتوبيا، أو أن تتصرّف المجتمعات الغربية وكأنّ
هذه المفاهيم قد جرّدتها من إنسانيتها فأصبحت خالية من التعصّب والأهواء والمصالح،
وتحوّل الناس فيها إلى ملائكة. إنّ عدم قدرتنا على التصرّف بمثالية في كل زمان
ومكان، وفي كل الأحوال، وعدم قدرتنا على الوصول إلى مرتبة الكمال، لا تبرّر
تمسّكنا بمفاهيم بالية باسم القداسة، وعدم قدرتنا على تقبّل حق الآخر في أن يكون
كما يريد لنفسه أن يكون، طالما خلت تصرفاته من التعدّي على حقوقنا. أما مشاعرنا
فشأن آخر، فالقوانين تحمي الحقوق لا المشاعر.
وهنا
نواجه مشكلة أخرى عند الإسلاميين، فغالباً ما يتم الاعتراض من قبلهم على بعض
الانتقادات ومظاهر التعبير المتعلقة بمعتقداتهم من منطلق الحماية المعنوية
"للمقدسات" ولمشاعر الناس، لكن الناس ليسوا أطفالاً وعليهم أن يتأقلموا
مع العيش في عالم عليه أن يحترم حقوقهم لكن ما بوسعه احترام مشاعرهم لما في ذلك من
تقييد فعلي لحقوق الآخرين. والواقع أن المؤمنين أنفسهم هم عادة أقل الناس احتراماً
لمشاعر الآخرين لأنهم بإسباغهم للقداسية على مصطلحاتهم وكلامهم لا يبالون بأن
الكثير من هذه المصطلحات (مثلاً، أهل الذمة، الكفار، المشركين، الضالين إلخ.) فيها
الكثير من التحقير والاستخفاف بالآخر المختلف. لكن حرية التعبير تكفل حقهم
باستخدام هذه المصطلحات بصرف النظر عن مشاعر الآخرين، وعلى المؤمنين أن يتقبلوا أن
حرية التعبير تكفل للآخرين أيضاً حق استخدام مصطلحاتهم الخاصة للتعبير عن
معتقداتهم وإن آذت هذه المصطلحات مشاعر المؤمنين.
وفي
الواقع ينبغي على الإسلاميين في ظل الدولة الحديثة استبدال هوسهم بتأسيس دولة
إسلامية بالمسعى الأكثر ملائمة للطبيعة المتنوّعة للمجتمعات الحديثة ألا وهو السعي
لتأسيس شبكات وتجمّعات إسلامية متكاملة يمكن لها أن توجد في أية دولة، مؤسّسات
تسمح للمسلمين باتباع شريعتهم وتطبيقها على كل من شاء، وباختيار زعامات دينية
وسياسية لهذه المؤسسات يمكن لها تمثيل مصالحهم على الساحة السياسية الأوسع للدول.
بهذه الطريقة يمكن للإسلاميين التوفيق بين مطامحهم المشروعة من ناحية، وقوانين
الدولة الديموقراطة المدنية ومتطلبات حقوق الإنسان من ناحية أخرى.
ولاشكّ
أن هذه التسوية ستتطلب تعطيل بعض الحدود مثل الجلد والصلب والرجم، لأنها ستبقى
دائماً مرفوضة في عالمنا المعاصر هذا بصرف النظر عن المبرّرات، لكن، من المفترض أن
تكون هذه الأمور ثانوية بالنسبة للقضية الإسلامية العامة، خاصة وأنها لا تحظى
باهتمام كبير إن في القرآن أو في السنة. وما لم يستطع الإسلاميون القيام بتضحيات
من هذا النوع فالنجاح الوحيد الذي سيحقّقونه في هذا العصر الحديث هو تأسيس تجمّعات
وحركات إرهابية الطابع مثل القاعدة والنصرة وداعش وغيرها. الخيارات المطروحة إذاً
واضحة، ولن يؤدي التسويف هنا إلا إلى إسقاط المصداقية والمشروعية عن الطروحات
الإسلامية المعاصرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى تجنب خطاب الكراهية والشتائم.