الاثنين، 20 نوفمبر 2017

محمد بن سلمان ومستقبل المملكة السعودية



الحرة / من زاوية أخرى – يريد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن يعطي انطباعاً لكل من يتابع أخباره وأخبار المملكة بأنه صاحب رؤية عصرية وجريئة للمستقبل، وأنه رجل حزم لا يتوانى عن اتخاذ القرارات الحاسمة لإدراكه التام أهمية تسريع وتيرة الإصلاحات في المملكة. ومع ذلك، فإن الانطباع العام الذي خلفته قرارات بن سلمان عبر السنين القليلة الماضية عند معظم المراقبين في المنطقة والعالم، حتى أولئك الذين يتمنون له النجاح، يصوره كرجل متسرع ومتهور وربما غير قادر على تحمل أعباء الدور القيادي الذي أسند إليه بصرف النظر عن نواياه وأحلامه. ولا ينبغي لبن سلمان أن يتجاهل هذا الواقع إذا ما أراد أن يتغلب عليه ويحصل على مبتغاه، فللانطباعات قدرتها الكبيرة على التأثير على السياسات المتخذة حيال المملكة في عدد من الدول المحورية الإقليمية والعالمية.

من ناحية أخرى، وفي هذه المرحلة الحافلة بالتحزبات والاستقطابات والصراعات، لا يمكن فصل الانطباعات المتراكمة بشأن تصرفات وسياسات بن سلمان عن خلفيات أصحابها وتعصباتهم الخاصة، بما في ذلك انتماءاتهم القومية والطائفية والسياسية. ويضفي هذا الأمر بعداً آخر على المعضلة التي تواجه الأمير الشاب. ومن هذا المنطلق، كثفت المملكة منذ بروزه على الساحة من اعتمادها على شركات العلاقات العامة الغربية، لكن هناك حدود لما يمكن لهذه الشركات أن تقوم به، خاصة في جو نشاطات مضادة تقوم بها شركات أخرى لصالح إيران وقطر وحلفائهما في الأوساط السياسية الغربية. هذا علاوة على أن المشكلة الأساسية تبقى مرتبطة بنهج بن سلمان ذاته الذي بات مطالباً في هذه المرحلة بأن يقوم بمراجعة معمقة لما اتخذ من خطوات وتدابير حتى اللحظة قبل أن يقدم على المزيد.

فإذا كان الهدف من وراء تدخله في الأزمة اليمينة هو احتواء خطر التوغل الإيراني عن طريق الثوار الحوثيين من ناحية، وخطر تمدد القاعدة (ربما بدعم إيراني أيضاً) من ناحية أخرى، فمن الواضح أن التدخل السعودي لم يحقق مبتغاه بعد على الرغم من تكلفته المادية المرتفعة بالنسبة للسعودية واليمن معاً، وعلى الرغم من الأزمة الإنسانية الضخمة التي نجمت عنه والتي باتت السعودية تتحمل وحدها المسؤولية عنها على الصعيد الدولي، على الرغم من أنها ليست الطرف الوحيد المعني بما آلت إليه الأوضاع، بل إن مسؤولية إيران هنا قد تكون أكبر كونها هي التي مهدت الطريق إلى هذه المواجهة وهي التي ما تزال تمد الحوثيين بالأسلحة المتقدمة. لكن سرية التدخل الإيراني علاوة على طابعه التدريجي وغير المباشر تعطي إيران وحلفائها القدرة على الإنكار والمناورة الإعلامية، فيما جاء التدخل السعودي على نحو سافر راهن من خلاله بن سلمان على قدرته إحراز نتائج سريعة، ثم فشل. لذا، بات لزاماً عليه اليوم أن يجد طريقة لتبرير هذا الفشل وتغطيته، بل والتكفير عن نتائجه.

وتنطبق الملاحظة نفسها على كيفية تعامل بن سلمان مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري والأزمة التي أثارتها استقالته الممسرحة. فمرة أخرى أدى أسلوب بن سلمان في إدارة الأمور إلى توجيه أصابع الاتهام إلى السعودية فيما يتعلق بمحاولة زعزعة الاستقرار في لبنان، فيما تناسى الجميع الدور الإيراني الأخطر والأقدم والأكثر دموية ذلك لأنه يتم بالوكالة عن طريق حزب الله.

ما لم يتمكن بن سلمان من إيجاد طرق أكثر مرونة وحنكة في التعامل مع المتغيرات في المنطقة عند دفاعه عن المصالح الجيوسياسية السعودية، ستؤدي سياساته مع الوقت إلى إضعاف الموقف الاستراتيجي للمملكة وإلى فرض نوع من العزلة الدبلوماسية عليها، وهو أمر سيكون له انعكاساته الخطيرة على مستقبل بن سلمان السياسي وعلى الوضع الداخلي ككل.

فعلى الرغم من ضرورة تحجيم الدور العائلي لآل سعود في صنع القرارات وضرورة تحديد عدد الشخصيات المؤهلة للمشاركة في العملية القيادية فيها وإيجاد آلية مناسبة لذلك، وعلى الرغم من استحالة القيام بهذه العملية من دون استخدام أساليب قمعية في دولة أمنية الطابع كالمملكة العربية السعودية، لا يمكن التعويل على القبضة الحديدية وحدها في إدارة العملية الانتقالية في هذا الصدد، بل ينبغي على بن سلمان أن يقدم رؤية ما جذابة ومقنعة لما ستؤول إليه الأوضاع من الناحيتين السياسية والإدارية في المملكة في المستقبل القريب. فبدون القيام بخطوة من هذا النوع، أي من دون تقديم رؤية سياسية لمستقبل البلد، سيكون من الصعب، إن لم نقل من المستحيل، لولي العهد أن يحصل على مصداقية دولية كافية تسمح للشركات العالمية بالمساهمة بشكل فعال في إدارة العملية الانتقالية والاستثمار فيها بما يتماشى مع احتياجات بن سلمان وطموحاته. ومع الوقت سيكتشف بن سلمان أن الإغراءات المادية وحدها لن تكون كافية للحفاظ على تأييد الكوادر التكنوقراطية التي ستتولى إدارة الإصلاحات، وأن الأحوال لن تنضبط من دون تقديم تنازلات سياسية مناسبة.

إن الدعم النسبي الذي يتلقاه بن سلمان حالياً من الرئيس الأميركي لا يعد مؤشراً كافياً على ما يمكن لهذه الإدارة أن تقدمه بالفعل عند الامتحان، بسبب الإشكاليات الخاصة التي تعاني منها، أو على الكيفية التي ستتعامل فيها دول أخرى مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا مع المملكة عموماً ومع رؤية وسياسات بن سلمان على وجه الخصوص. إن السعي لإعادة تأسيس المملكة على قواعد جديدة وعصرية يتطلب حنكة أكبر في التعامل مع الظروف والمتغيرات وليس جرأة فقط. فالجرأة من دون حنكة تهور، ولن يراهن المجتمع الدولي، وخاصة الغرب، على متهور.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يرجى تجنب خطاب الكراهية والشتائم.