جانب من مظاهرة في لندن معارضة للتدخل البريطاني ضد الأسد جرت في 31 آب/أغسطس 2013 |
يخطئ من يقول ويعتقد أن المحادثات اليوم تشرعن
ما يجري من إجرام بحق السوريين، فالعالم سيبقى منقسماً حول هذا الأمر، وسيبقى حلفاء
النظام يشرعنون له ما يفعل، وسيبقى خصومه يلعنونه، وأن لم تتجاوز أفعالهم اللعن في
معظم الأحوال. الشرعنة لم تعد هي المشكلة اليوم، ولم تكن. بل تكمن المشكلة في
الانهيار المستمر للبلد، وللتدهور المستمر في الأحوال المعيشية للسوريين في الداخل،
بل وللكثير من اللاجئين أيضاً، وهي أمور تتطلب الانخراط في أنواع مختلفة من الحوارات واللقاءات والمشاورات
والمفاوضات، ومع كل الأطراف المسؤولة عن هذا الوضع الذي توصلنا إليه.
فأي فائدة ترجى من ساسة يجدون حرجاً في الكلام والتفاوض،
بل يفتقرون إلى أساليبه الأساسية، ويتنصلون من مسؤوليتهم حياله. الكلام سلاح
الساسة، وعليهم أن يحسنوا استخدامه، وما الأمر بمستحيل، فالممارسة مفتاح الإتقان
لمن فتح عقله.
فاوضوا وإن من باب رفع العتب، فاوضوا وإن لمجرد إحراج
الطرف الآخر، فاوضوا لكي لا تتركوا الساحة فارغة فيحتلها المنافقون والوصوليون،
فاوضوا لكي تُعرفوا ويألفكم العدو قبل الصديق، فهذه الألفة قد تفتح أبواباً وتخلق
احتمالات ما كان يمكن لها أن تخطر على بال أحد، فاوضوا لتفضحوا ما يجري من جرائم أمام
شعوب العالم، فتحرجوا ممثليها على الساحة الدولية، فاوضوا لكي تطلعوا الناس على
حقيقية ما يجري كل لحظة في سوريا، ولتفضحوا الأكاذيب التي يروج لها الآخرون، فالناس،
خلاف ما تعتقدون، لا يدرون شيئاً، وغالباً ما ينسون، أو ينساقون وراء تصريحات ساستهم
التي تهدف لتجنب التدخل من أساسه. فلا
رغبة عند الشعوب الغربية عموماً في التدخل في شؤون الآخرين، وما لم يبرر لها
حكامها هذا التدخل، سواء عن طريق سرد الحقائق كما هي أو عن طريق تشويهها بل تزويرها
في بعض الأحيان، لن تدعم هذه الشعوب التدخل، بل سترى فيه اعتداءاً سافراً على
الآخرين، وستدينه كما يدينه من عانوا منه.
إن الشعوب الغربية اليوم والشعب الأمريكي بالذات، وعلى
اختلاف مشاربهم السياسية، تعارض وبشدة التدخل في سوريا، ولا ننسى هنا أن
البريطانيين صوتوا ضد هذا التدخل في عام 2013 على الرغم من استخدام الأسد للسلاح
الكيماوي، ولقد كان لهذا الموقف أثره الكبير على قرار أوباما في هذا الصدد أيضاً. ونعم، يمكننا أن ننحي بالكثير من اللوم هنا على
أداء المعارضة السياسية الهزيل منذ بداية الثورة حتى اللحظة.
إن تغييب شخصيات بعينها بسبب ميولها الأقرب إلى
الليبرالية والبراجماتية، أو محاولة استقطابها من باب رفع العتب ومع الاصرار على تقليم
أجنحتها واستخدامها كمجرد ديكور، كما حدث مع البعض، كان أكبر خطأ ارتكبته المعارضة،
لأن هذه الشخصيات بحكم علاقاتها الدبلوماسية الواسعة، وفهمها الأعمق لطبيعة وكيفية
عمل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية الغربية والدولية، ومعرفة بعضها بخبايا
النظام وآلية عمله، بسبب ارتباطها به سابقاً، وإتقانها لعدد من اللغات الأجنبية، يجعلها
أكثر قدرة من غيرها على إدارة هذه المرحلة. لكن الاعتبارات الإيديولوجية للمعارضة،
التي يطغى عليها المكونين الإسلامي واليساري، علاوة على الحساسيات الشخصية والنرجسية،
كانت وماتزال أقوى من أي اعتبار وطني.
ولا أتكلم هنا عن نفسي بالضرورة، فأنا أدرك تماماً أني
شخصية إشكالية، لكني لا أجد سبباً مقنعاً لتحييد دور شخصيات مثل جهاد
المقدسي، أو سمير التقي، أو عبد الله الدردري، أو بسمة قضماني، أو شادي الخش، أو
سمير سعيفان، أو أيمن عبد النور، أو سامي الخيمي، أو ريم علاف، أو ريم التركماني، أو
رضوان زيادة، أو نجيب غضبان، أو مصطفى إسماعيل، إلخ. قد أكون قد انتقدت أداء بعض هذه
الشخصيات في السابق، لكن النقد ليس رفضاً أو دعوة إلى التهميش والإقصاء.
هذه هي الشخصيات التي كان يجب أن تتصدر العمل المعارض في
السابق والتي ينبغي أن تتصدره الآن، وفي حال حدوث ذلك، سيكون بوسع هذه الشخصيات
استقطاب الكثير من الشخصيات التكنوقراطية الأخرى المتاجدة في الوطن وفي المهجر/المنفى.
علاوة على ذلك، هناك دور استشاري هام أيضاً لبعض
الشخصيات الفكرية، مثل صادق جلال العظم، وياسين الحاج صالح، وسلام كواكبي،
وأدونيس، وبرهان غليون، وشخصيات دينية مثل الشيخ معاذ الخطيب، و الشيخ مراد
الخزنوي، والشيخ سارية الرفاعي، والأب فيكتور حنا، وغيرهم.
نعم، هناك الكثير من الأسماء الغائبة هنا، شخصيات لها
تاريخها الكبير في العمل المعارض، لكن المناصب السياسية لا تمثل تكريماً أو
اعترافاً بأفضلية معنوية أو أخلاقية ما، فالتكريم يأتي لاحقاً، بعد تحقيق
الاستقرار، وسيأتي من خلال خطوات رمزية معينة مثل إسباغ الأوسمة الوطنية أو إعادة
تسمية بعض الصروح والمنشآت الوطنية، لكنه لن يأتي، ولا ينبغي له أن يأتي، من خلال
العمل السياسي بشكل عام، والعمل السياسي في المرحلة التفاوضية بشكل خاص. فنحن، في
هذه المرحلة، بأمس الحاجة إلى اختيار شخصيات تكنوقراطية قادرة على التفاوض وعلى
التفاعل الفعال مع المجتمع الدولي بمؤسساته المختلفة، ومع وسائل الإعلام العربية
والأجنبية.
من الناحية الأخرى، ليس من الضروري أن تمثل الحكومة
الانتقالية المزمع تشكيلها كافة مكونات الشعبي السوري بشكل عادل، لأن التمثيل الفئوي
في هذه المرحلة ليس هو الأساس، وصلاحيات الحكومة الانتقالية تبقى محدودة في إطار
الإشراف على إدارة العملية الانتقالية بالتعاون مع المجتمع الدولي ووفق خطة تم
الاتفاق عليها من بين الأطراف المتنازعة، خطة تهدف إلى تمهيد الطريق لانتخابات
تشريعية رئاسية هي التي يفترض أن يتم من خلالها حل القضايا المتعلقة بالتمثيل الفئوي
والمناطقي للبلد.
إذاً، وخلاصة القول، لكل مرحلة نمر بها تحدياتها الخاصة،
والشخصيات التي نوهت إليها هي أعلاه، في رأيي، هي الشخصيات الأنسب لقيادة هذه
المرحلة الحرجة، وكل ما يحول بينها وبين ذلك هي نرجسيات البعض وعقدهم
الإيديولوجية، لأني أعتقد أن الحسابات الخاصة للدول الداعمة للمعارضة لا تتعارض مع
اختيار هذه الشخصيات، خاصة في هذه المرحلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى تجنب خطاب الكراهية والشتائم.