ما
يحدث في مصر اليوم ليس مؤامرة ضد الإسلاميين بل نتيجة حتمية لفشلهم في التعامل مع
الحكم كمسؤولية وليس كمغنم. لا يمكن لمن يحكم مصر، أو أي بلد في الحقيقة، أن يحكم
باسم جماعة واحدة فقط، مهما كان حجمها الديمغرافي، ويسعى إلى تحقيق تطلّعاتها فقط.
على الحكومات الديمقراطية أن تمثل كل الشرائح الاجتماعية وتطلّعاتها ولا تقتصر في
عملها على دعم وتأييد شريحة واحدة دون غيرها، خاصة في المراحل الانتقالية. مرسي لم
يكن نائباً في البرلمان بل رئيساً لمصر، والسلطة التنفيذية لا تملك رفاهية
الانتقاء ما بين المكوّنات، بل ينبغي عليها أن تمثّل الجميع لتحافظ على شرعيتها.
أما
عن دور الجيش المصري، فلقد تدخّل فيما سبق ضد مبارك أيضاً، ولولا ذلك لما جاء مرسي
منتخباًً، فموقفه المعلن اليوم لا يأتي من باب معاداة الإسلاميين أو الديمقراطية
أو مرسي، بل من باب الحفاظ على استقرار الدولة، وعلى مصالحه الخاصة، الجيش المصري
بقياداته إذاً متوازن مع نفسه، وعلى القوى السياسية المصرية أن تجد توازاناتها
الخاصة أيضاً لأنها الطريقة الوحيدة لتحييد دور الجيش وتجنّب العودة نحو حكم
العسكر. لقد أعطى الإخوان للجيش في الدستور الجديد صلاحيات أوسع من تلك التي كانت
عنده أبان حكم مبارك رغبة منهم في كسب تأييده ضد خصومهم ولصالح مشروعهم الإسلامي،
لكن، هاهو الجيش اليوم يعمل مع خصومهم وينقلب عليهم، وهكذا سيستمر الجيش في
التلاعب بالقوى السياسية المتصارعة مع بعضها ما لم تتصالح وتتفق على رؤية مشتركة
للحكم ولمستقبل البلاد لا غلبة فيه لفئة على أخرى باسم الدين والإيديولوجية.
أما
بالنسبة لسوريا، فأعتقد أن الدرس الأنسب الذي ينبغي على نخبنا السياسية استخلاصه
هو ضرورة وأهمية إيجاد توافقات مناسبة ما بين المكونات والمناطق السورية المختلفة
وإلا فأن الصراع الحالي سيستمر لسنين وعقود قادمة.
وبشكل
عام، في مرحلة ما، يا ليتها تكون قريبة، ينبغي على الإسلاميين أن يتقبّلوا وجود
مسلمين في ظهرانيهم لا يريدون العودة إلى الاحتكام إلى الشريعة أو إلى أية مرجعية
إسلامية ولا يرغبون في قيام دولة إسلامية، فهم لا يرون في الإسلام حلاً ولا في
القرآن دستوراً، بصرف النظر عن كيفية تفسير الإسلاميين لطبيعة هذا الموقف، سواء
رؤوا فيه كفراً أو إيماناً، فالمسألة مسألة تعايش أو لاتعايش وليست مسألة اتفاق
على تفسير معين للدين فهذا من باب المستحيلات.
من
كان يبحث عن حلولاً وسطى ما بين الإسلاميين والعلمانيين فهي كثيرة ومنطقية، أما من
كان يبحث عن الغلبة، فالنتيجة هي الصراع بكل وسائله. ولايغرنّ أحداً كثرة مؤيديه
أو كثرة السلاح في أيديهم فالغلبة ليست بالضرورة للأكثر، خاصة في وجود أطراف
داخلية وخارجية كثيرة لها مصالحها وحساباتها الخاصة هي على أهبة للتدخل في هذا
الصراع متى ارتأت ذلك. من مصلحتنا جميعاً كقوى مدنية وسياسية أن نتوّصل إلى
اتفاقات مناسبة عن طريق الحوار اليوم ونجنّب أنفسنا الدخول في متاهات ومِحَن
لاجدوى منها. فليكن بناء دولة العدالة هو الهدف المشترك لنا لكي نتمكّن من الخروج
من أزمتنا الحالية في مصر، وسوريا، والمنطقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى تجنب خطاب الكراهية والشتائم.