جانب من الهجوم الإرهابي في مومباي، الهند |
18 كانون الأول،
2008 / مداخلة على موقع (العرب اليوم)
أي
عمل عنفي يستهدف المدنيين أو يبدي استهتاراً أو لامبالاة تجاه احتمال تعرّض
المدنيين للخطر يعد في اعتباري عملاً إرهابياً. والأمر عندي ينطبق على الدول،
صغيرها وكبيرها، كما ينطبق على حركات التحرير الوطنية المختلفة والمتكاثرة من
حولنا.
لكن
المشكلة هنا تكمن في أن طريقة إدارة المعارك هذه الأيام أدت إلى خلط الأوراق
المدنية بالعسكرية، ذلك لأن استهداف المدنيين بات موضة في أيام باتت أغلب معارك
التحرير فيها تجري بين قوى غير متكافئة عسكرياً، مما شجّع الأطراف الأضعف على تبني
أساليب عدمية الطابع، تهدف إلى التعويض عن ضعفها من خلال إيجاد "ميزان
رعب" قوامه سياسة تشجع على استهداف المدنيين بل والاحتماء بهم في آن. ومع
الوقت، لم يعد يفرّق الطرف الأضعف كثيراً ما بين مدنييه ومدنيي الطرف الأقوى. بل
بات استدراج الطرف الأقوى إلى ضرب أهداف مدنية للطرف الأضعف استراتيجية أساسية
للطرف الأضعف تسمح له بتحقيق مكاسب في الجانب الإعلامي للمعركة.
لذا
نجد أنه حتى تلك الأطراف التي مازلنا نرغب في أن نراها تتبع سياسات فيها توازن
أكثر ما بين تبشيرها بالمبادئ الإنسانية والتزامها الحقيقي والعملي بها، خاصة فيما
يخصّ تعاملها مع الآخر، ما تزال تجد نفسها متورّطة بين الحين والآخر في انتهاك
حرمة المدنيين، وبالتالي منخرطة هي الأخرى، كخصومها الأضعف، في أعمال ونشاطات لا
يسعنا إلا وأن نعتبرها إرهابية الطابع، هذا إذا ما أردنا أن نلتزم بتعريفنا أعلاه.
لكن
يبقى علينا أن نفرق هنا ما بين التورّط اللحظي الناتج عن ردات الأفعال والسياسات
غير الحكيمة والقرارات غير المدروسة بعمق، والعمليات الناتجة عن منهج مدروس وعقيدة
باتت راسخة. والفرق الآخر الهام هنا هو وجود أطراف تتبنّى نظاماً ديموقراطياً
للمحاسبة الداخلية، تسمح بتصحيح الأخطاء، وأطراف يغيب فيها هذا البعد كلّية عن
الساحة، مما يجعل عملية تصحيح المسار أمراً في غاية الصعوبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى تجنب خطاب الكراهية والشتائم.