زندقة: عربة التقدم تدفعها الزندقة


في عامي 2006 و 2007، أطلقت مدونة "زندقة" لتكون المكافئ أو الرديف العربي لمدونتي الإنكليزية "أمارجي." وشملت المدونة علاوة على المداخلات المكتوبة بالعربية ترجمات لبعض مداخلاتي الإنكليزية المنشورة في "أمارجي،" ولبعض من الحوارات التي أثارتها هذه المداخلات في قسم التعليقات. فبخلاف ما كان عليه الأمر في مدونتي "ثورة الياسمين" و "أقوال وأفكار،" تمثل التعليقات الواردة أدناه مساهمات لأشخاص حقيقيين، وإن فضّل معظمهم استخدام أسماء مستعارة. استمرت مدونة "زندقة" من 3 آب، 2006 إلى 12 أيار، 2007، اضطررت بعدها آسفاً إلى التوقف عن تحديثها بسبب تكاثر الضغوط. قام بترجمة المداخلات الإنكليزية فريق "ثروة" في سوريا.


الثورة
3 آب، 2006 / مدونة زندقة

القبول بالأمر الواقع هو الخطوة الأولى نحو التمرّد والثورة، ولا يمكن للتمرّد والثورة أن يبدءا إلاّ من هنا. وإذا كانت معظم الثورات الإيديولوجية قد اندلعت وفقاً لمنطلقات نظرية وهمية، فلا شكّ في أن مردّ فشلها هو هذه الحقيقة بالذات. لذا، وإذا ما أردنا أن يكون لثورتنا من أجل الحرية والعدالة والتنمية في المنطقة فرصة حقيقية في النجاح، لابد لنا من تجاوز أخطاء الثورات الإيديولوجية وأن ننطلق بثورتنا المرجوة من الواقع وأن نعيد، بالتالي، ترتيب أولوياتنا بما يتناسب مع معطياته، مهما كانت قاسية وظالمة، ومهما بدا درب التغيير طويلاً. فالدرب يطول أكثر مع كل انطلاقة خاطئة للثورة، وما أكثر هذه الانطلاقات في تاريخنا المعاصر.

من يريد دمار الوطن؟
6 أب، 2006 / مدونة زندقة

ترى، ماذا سيحدث لسورية لو سمح النظام الأسدي بفتح جبهة الجولان الآن وقد كثر المطالبون بها الأمر؟ هل بوسع جيشها المهترئ التصدّي لعدوان إسرائيلي قد يأتي كردة فعل محتملة على هذا القرار؟ وهل بوسع سورية أن تعيد بناء نفسها بعد أن يقوم الطيران الإسرائيلي المدعوم أمريكياً بتدمير بنيتها التحتية؟ أم، هل تمثل قدرتنا الصاروخية القادرة على بلوغ تل أبيب رادعاً كافياً ضد إسرائيل، بحيث يبقى فتح الجبهة بمثابة حرب استنزاف، ويصبح السؤال هنا متعلّقاً بجاهزية سورية السياسية والبنيوية والاقتصادية والاجتماعية لخوض حرب استنزاف جديدة ضد الكيان الصهيوني؟

ولكن، ربما كان السؤال الحقيقي فيما يتعلّق بهذا الأمر هو: هل نريد أن نقامر ونغامر ونواجه احتمالات كهذه فعلاً؟ هل نحن على استعداد لدفع ثمن قرار من هذا النوع؟

إذا كان الجواب بلا، فعلينا في هذه الحال أن نفكّر في حكمة هذا التكرار المستمرّ لنداء فتح الجبهة والذي باتت تتبنّاه قوى وتيارات علمانية وإسلامية وقومية مختلفة في البلد، وعلينا أن نطالب النظام بأن يكون له موقفه الواضح من هذا الأمر الآن وقبل أن تخرج الأمور عن سيطرة الجميع ونجد أنفسنا مركزاً لصراع أشرس وأعنف من كل ما جرى من حروب في المنطقة حتى الآن.

البوم
7 آب، 2006 / مدونة زندقة

ما زالت الصيحات تتعالى كل يوم داعية لفتح جبهة الجولان، وهاهو وزير خارجيتنا المغوار يعلن من بيروت بأنه "أهلاً وسهلاً بالحرب الإقليمية." ترى، هل تجرّ الصعوبات التي تلقاها إسرائيل في لبنان اليوم قادتنا الأغرار إلى الاعتقاد بأن الحرب ضد إسرائيل هي الخيار الأفضل، بصرف النظر عن الخسائر المادية والإنسانية المحتملة؟ هل بدأ حلم النصر العسكري على إسرائيل يداعب أجفان قادتنا الأشاويس مرة أخرى؟ وهل يعتقد هؤلاء القادة بأن الصعوبات التي تلقاها أمريكا في العراق اليوم ستجعلها عاجزة عن مساعدة إسرائيل؟ هل بدأ فعلاً العد العكسي نحو أرمجدون؟

إذا أن الأمر كذلك حقاً، فهذا يثبت أن قادتنا ليسوا من فصيلة الأسود، بل هم بوم ولا يمكنهم أن ينتعشوا إلا في الخراب والمقابر.


فري مان: إن الغزاة لا يبقون على الأرض إلا من خلال الحروب والغزوات، وصدقني إن نظرتهم الحربية إلى هذه المنطقة نابعة من جوهرهم، فهم عندما أخذو السلطة من الحكم الوطني السوري أخذوه عن طريق غزوة تدعى في زمننا انقلاباً، وقاموا بنهب المدن السورية وتخريبها وتهجير أهلها، كما أنهم يتعاملون مع سكان سوريا بأسوأ أنواع المعاملة، والآن كثيرا ما انتشر في الطرق إعلانات معنونة بـ "من جهز غازياً فقد غزا". هذا ما آلت إليه سوريا مهد الحضارات، مرتع للعصابات الغزاة مخربي الثقافات.


السؤال
18 آب، 2006 / مدونة زندقة

غالباً ما تبدو شعوبنا، ولأسباب عدة نابعة من مستوى التنمية أكثر منها من الثقافة، أكثر انشغالاً بالتفكير باحتياجاتها الأساسية منها بحقوقها المهدورة، إلا في حال كان "للغرباء" أو "للخارج" علاقة بهدر الحقوق، ففي هذه الحال، قد تضع شعوبنا احتياجاتها جانباً لفترة قد تطول من الزمن تقوم خلالها بالنضال من أجل الحقوق وبتقديم الكثير من التضحيات في هذا الصدد.

لكن الرابط القوي بين هدر الحقوق على الجبهة الداخلية وهدرها على الجبهة الخارجية ما يزال أمراً خفياً على شعوبنا، وهو، في واقع الأمر، يشكّل أحد العوائق الأساسية أمام التغيير السياسي في العديد من الدول. ولم تكن المحاولات الدؤوبة لتوعية الشعوب فيما يتعلّق بهذا الأمر أبداً بالأمر السهل.

بل كان لهذه المحاولات، في بعض الأحيان، مفعولاً عكسياً، لأنها أدت إلى تشكيل قناعة شعبية إلى حد كبير بوجود مؤامرة حقيقية ما بين الأنظمة الحاكمة والقوى الخارجية تهدف لإبقاء الوضع على ما هو عليه، ولإبقاء الشعوب مستعبدة، ولسلب خيرات البلاد وخاصة النفط. وبالتالي، تشكّل عند الكثيرين قناعات قدرية الطابع تقضي بلا جدوى محاولات التغيير من الداخل، وذلك لأن الأنظمة، بغض النظر عن كل الانتقادات الخارجية الموجّهة إليها، تبقى محمية من الخارج الذي يبقى هو وحده القادر على التغيير إذا اقتضت مصالحه ذلك.

لذا، هناك غضب حقيقي وعارم وشعبي في المنطقة ضد الخارج، وضد أمريكا بالذات، بسبب علاقاتها الشائكة مع الأنظمة الحاكمة، ومع إسرائيل، وبالتالي لمساهمتها الحقيقية في هدر الحقوق ونهب الثروات في المنطقة، مما يسهّل على الكثير من الأنظمة مهمّة افتعال الأزمات مع الخارج للخروج من مآزقها الداخلية المتكرّرة.

والسؤال، كيف يمكننا في هذه الأجواء أن نقوم بمحاولة حقيقية للتوعية تهدف لإقناع الناس بضرورة التركيز على الوضع الداخلي أولاً من أجل بناء قدرة حقيقية على مواجهة الخارج ومؤامراته، الحقيقية منها والمتوهّمة، ثانياً؟


فري مان: في البداية أحب أن أشير إلى أهمية هذا المقال والسؤال المطروح فيه، وإلى أهمية مشاركة أكبر عدد ممكن من السوريين في الداخل والخارج في تقديم المقترحات، وفيما يلي اقتراحي الذي يرتبط بالجانب الثقافي المغيب في الآونة الأخيرة:

التركيز على تعريف المواطن السوري بتاريخه العريق وإعادة القناعة لديه بأنه وريث ثقافات متنوعة قدمت الكثير للبشرية من أبجدية وسلم موسيقي وفن معماري مميز وفلسفة ودين وعادات وتقاليد وغيرها. والتعريف بهذه الثقافات وبكل ثقافة قائمة على أرض بلدنا من أجل ردم الهوة التي نشأت بين المواطنين الذين ينتمون لأقوام مختلفة، وتوليد روح المواطنة التي تحقق وحدتنا وتجعل من هويتنا السورية فوق كل انتماء؛ بالإضافة إلى التركيز على الجزء الأخير من تاريخ هذه الأرض والممتد منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، من أجل إيضاح كيفية تشكل الدولة الحالية "سوريا" ونضال أجدادنا من أجل وحدتنا، وإبراز الدور الذي قام به العديد من الرجالات الذين يعود إليهم الفضل في ذلك، من أمثال يوسف العظمة، نبيل العظمة، هاشم الأتاسي، معروف الدواليبي، شكري القوتلي، ابراهيم هنانو، السلطان باشا الأطرش، الشيخ صالح العلي، وخالد العظم - الذي أعتقد أنه سيأتي يوم ويبنى له تمثال في وسط دمشق على ما قام به من خير لهذا البلد - وغيرهم الكثير ممن لم تسعفني ذاكرتي بذكرهم.

وفي النهاية يا سيد عمار أعتقد أن كل هذا لا يمكن أن ينجز في زمننا بدون استخدام وسائل الاتصالات الحديثة وأهمها التلفزيون، لذلك أود أن أطرح عليك فكرة إنشاء قناة فضائية سورية حرة تعنى بالشؤون السورية، يقوم بتمويلها رجال أعمال سوريين في المغترب لديهم الرغبة في بناء سوريا الحديثة الديمقراطية - وطن كل السوريين.

عمار يجاوب: شكراً على مشاركتك، ولكن، وللأسف الشديد، وعلى الرغم من وجود عدد لابأس به من القراء لموقعي العربي، غير أن أغلبهم من المغتربين الذين لا يقدرون على الكتابة باللغة العربية على نحو جيد. لذا، ترى أن عدد التعليقات قليل في هذا الموقع بالمقارنة مع الموقع الإنكليزي.

على أية حال، وفيما يتعلّق بمقترحاتك، فأنا أوافقك تماماً عليها، لكنا هنا نواجه مشكلة أخرى تتمثل بصعوبة العثور على رجال أعمال سوريين راغبين في تقديم خدمة من هذا النوع. لأن غالبية هؤلاء الرجال أما أن يكونوا قد فقدوا صلتهم مع الوطن واهتمامهم به لطول الغربة، أو أنهم يفضّلون عدم التعرّض لأية مواضيع حساسة من الناحية السياسية أو الدينية حفاظاً على "خط الرجعة" لأنفسهم ولأقربائهم. هذا علاوة على التشكيك المعتاد في النوايا وقلة الثقة المتبادلة بيننا، إلى آخره من هذه الصفات التي اشتهرنا بها والتي ما زالت تمنعنا من بناء مؤسسات مدنية حقيقية سواء في البلد أو خارجها.

واللجوء إلى التمويل الأجنبي بطبيعة الحال، سيجلب معه اتهامات بالعمالة.

ومن هنا نرى مرة أخرى أن أكبر المعوقات التي تعترض طريقنا هي تلك التي تنبع منا ومن ثقافتنا ومن خصائصنا النفسية. وهي أمور ما زالت لا أعرف لها حلاً غير الاعتماد على النفس وعلى الموارد القليلة التي في حوزتي، وهي لن تكفي لا من قريب أو بعيد لبناء المحطة الفضائية المنشودة، على الأقل في الوقت الراهن، ولكن من يدري ما الذي قد يحدث في المستقبل.

عشتار: على أقل تقدير أنت تحتاج لفريق عمل يساندك في ما تقوم به في المرحلة الحالية على أمل التوسع التدريجي في العمل وتشكيل كتلة أو حركة تجذب كل مهتم بهذا البلد من خلال نيل الثقة عبر المشاركات الحرة وتبادل الآراء، الأمر الذي يمكن أن يؤدي مستقبلاً إلى جذب رؤوس أموال وذلك ما حصل في موقع الدومري السوري الذي انهالت عليه العروض من العديد من الشركات السورية في المتواجدة داخل أو خارج الوطن.

أما بالنسبة للموقع العربي فبرأيي أن تتابع النشر فيه، حتى لو لم يكن في الوقت الحالي مشاركات كثيرة للأسباب التي ذكرتَها سابقاً، حيث أعتقد بوجد عدد لا بأس به من القراء من داخل الوطن، ولكنهم يخشون نشر آرائهم وتعليقاتهم حتى لا يتعرضوا لما تعرض له شباب الدومري السوري الذين اختفوا منذ نحو ستة أشهر دون معرفة مصيرهم حتى الآن. أضف إلى أن السوريين في الدول الأوروبية قد لا يتقنون اللغة الإنكليزية في حين أنهم - كما أتمنى - لم ينسوا لغتنا.

وفي النهاية شكراً لك على جهودك وعلى المواضيع الجديدة والجريئة التي تتطرق إليها.


التنمية أولاً
20 آب، 2006 / مدونة زندقة

هاهي أسرائيل قد فشلت في تحقيق أهدافها في واحدة من أهم معاركها ضد العرب، لكن هذا الفشل لم يؤدي إلى انهيارها، بل ها هم الإسرائيليون يحاسبون المسئولين الذين فشلوا في تحقيق النصر المرجو دون أي تباطؤ، تماماً كما لم نفعل نحن مع الذين خسروا الجولان. بل، وفيما يبدو، يتم اليوم تهيئة الشارع الإسرائيلي لمواجهة جديدة ومطوّلة مع حزب الله، وربما مع سورية وإيران أيضاً.

ولا تبدو هذه المهمّة صعبة لأن الخطاب العنصري الموجّه ضد اليهود الذي نصرّ على استخدامه في إعلامنا، وخاصة عبر قناة المنار، قد ساهم إلى حد كبير على إقناع معظم الإسرائيليين على النظر إلى معركتهم مع العرب على أنها معركة وجودية الطابع من نوع "نكون أو لا نكون." وهذا يسهّل على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تبرير استخدام كل الوسائل والأسلحة وارتكاب أية جريمة من أجل تحقيق النصر وإبقاء العرب على حالة معينة من الضعف والتفتّت من خلال الحروب والهجمات الاستباقية.

لذا، وفي حال قُدّرت لنا النجاة من الحرب القادمةـ التي لم يعد بوسعنا منعها، بوطن قادر على البقاء، فربما توجّب علينا مراجعة نوعية خطابنا وسياساتنا المتعلّقة بعلاقتنا مع إسرائيل، ومع أمريكا، ومع المجتمع الدولي عامة. نحن بحاجة ماسة لتبني سياسات تنموية حقيقية وإلى نبذ خطاب "التنفيس" و "فشة الخلق" الذي طالما خدم مصالح الأنظمة الحاكمة على حساب مصالحنا الوطنية الحقيقية. لأن معركتنا الحقيقية، وهي معركة بالفعل وجودية، هي معركتنا ضد استبداد أنظمتنا وتخلف مجتماعاتنا بل وثقافتنا عن ركب الحضارة المعاصرة.

نحن بحاجة ماسة إلى أن نبدأ، الآن وليس غداً، بالمساهمة وبفعاّلية في صنع الحضارة العالمية لكي نصبح جزءاً حقيقياً منها، وليس مجرّد مخلوقات علقية لا تنتعش إلاّ من خلال إنشاء علاقات طفيلية مع العالم من حولها.

وعلينا أن نذكر هنا أن الأرض، بالمعنى التاريخي للكلمة، والتاريخ كان دائماً أكثر إنباءاً من أي فلسفة مهما بدت وكانت بالفعل سامية، وبصرف النظر عن المفاهيم والمعاني الحقوقية، كانت دائماً لمن يستثمرها ويعمرها، لا لمن يولد عليها فقط. وإلا لكانت كلّ الحضارات السابقة، بما فيها الحضارة الإسلامية، حضارات لاغية وغير شرعية، لأنها كلّها قامت على احتلال أراضي الغير.

هذا لا يعني أن احتلال إسرائيل للأراضي العربية وتدخّل أمريكا المستمرّ في شؤوننا الداخلية أمر شرعي، لكنها انعكاسات طبيعية لصيرورات تاريخية طبيعية بدورها. فعبر التاريخ، وبصرف النظر عن المبادئ والمعايير الأخلاقية، قامت كلّ الدول التي بلغت مرحلة معينة من التنمية والقوة ببسط سيطرتها على الدول المجاورة وبتسييرها بما فيه خدمة لمصالحها إلى ما أمكن لها ذلك.

لذا، وفي حال أردنا أن نتحدّى هذا الواقع، وهذا أمر بديهي بالطبع، كوننا متضرّرين منه، علينا أن نقف أولاً على العوامل التي ساهمت في بنائه. نحن لسنا ضعفاء لأن إسرائيل قوية، ولسنا متخلّفين لأن العالم متقدّم، إن لضعفنا وتخلّفنا عوامل داخلية لا علاقة لها بالعالم الخارجي أصلاً، بل هي التي سهّلت للعالم الخارجي، وماتزال، مهمّة التدخّل في حياتنا وبسط السيطرة علينا والتلاعب بنا حسب مقتضيات مصالح القوى المختلفة فيه.

وليس من المستغرب طبعاً أن تساهم القوى العالمية في الزيادة من إضعافنا في هذه المرحلة للحفاظ على مصالحها في ربوعنا. ولكن، بات علينا أن ندرك، بعد كل هذه العقود من الصراع، أنه لا يتسنّى للقوى الخارجية أن تتدخّل في حياتنا إلا عن طريق استغلالها لعوامل ضعفنا أساساً ومن ثم العمل على الإكثار منها وتجذيرها في حياتنا. وهذا يعني أن الساحة الأولى للصراع هي الساحة الداخلية، وأن معالجتنا لعوامل ضعفنا الأساسية، المتمثّلة في استبداد الأنظمة الحاكمة وفسادها وفشلها المستمرّ في إدارة العملية التنموية في مجتمعاتنا، هو الضرورة الملحّة في هذه المرحلة.

التنمية أولاً، التربية أولاً، الحرية من الظلم والفساد الداخلي أولاً. كل الأشياء الأخرى يمكنها أن تنتظر، نعم، بما فيها الأرض المحتلّةن خاصة في الوقت الذي تبدو فيه الخيارات الوحيدة المطروحة على الساحة هي الخيارات العسكرية، والتي أثبتت بأنها العدو الأول والأساس لعمليات التنمية وللنضال ضد استبداد وفساد الأنظمة.


فري مان: الحرب اليوم هي حرب ثقافية اقتصادية، واسرائيل هي المنتصرة لأنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تقوم على مبدأ المواطنة وترسيخ الهوية الوطنية والثقافة الوطنية، واحترام الرأي الآخر، في حين ننشغل في بلداننا بالتكفير والتخوين، وسجن المفكرين والمثقفين وتهجير القوى المنتجة، وترسيخ ثقافة البطالة والثرثرة والشتم على جميع الثقافات المتواجدة على سطح الأرض بحجة المؤامرة على أراضينا وتاريخنا. ألم يتساءل أحد لماذا تتخذ كل دول الأرض مواقف سياسية معادية لنا، هل من الممكن أن نكون نحن على صواب وشعوب الأرض بأسرها على خطأ؟ آن الأوان لأن نستمع لغيرنا أو على أقل تقدير أن نطبق المثل الشعبي القائل: "إذا اتفق الجميع على أنك حمار فقد آن الأوان لأن تنهق".


الحرية والخوف
26 أب، 2006 / مدونة زندقة

لا يمكن أن أكون أبداً واحداً من أولئك الذين احترفوا العيش في قفص وألفوها إلى درجة العبادة والاعتناق، فكيف لي إذن أن أشاركهم إيمانهم أو أتحرّج إذا ما وصموني بالكفر؟ بل سجّل أني كافر لأني أولاً وأخيراً حرّ، وأصرّ على حريتي.

ولا يمكن أن أكون أبداً من الذين رضوا بالقليل أو بالكثير على حساب كل مبدأ وكل حافز على الإبداع، فتحوّلوا بذلك من بشر إلى علق، فكيف لي أن أحزن إذن عندما ينعتوني بالخيانة؟ بل سجّل أني خائن لأني لا أرضى إلاّ بضميري حكماً، وإن جانبني الصواب أحياناً.

نعم، سجّل بأني كافر وخائن لأني لن أعترف أبداً بقداسة التخرّص على حساب الإنسانية، وأولوية الإنتماء إلى أيّ شيء على حساب إنتمائي إلى إنسانيتي؟ الحرية بالنسبة لي هي في المقام الأول حرية من الخوف. لذا، ومهما بلغ بي التعاطف، لا يمكنني أن أشعر بالانتماء إلى وطن قائم على الخوف، وإلى شعب يسمح لنفسه بأن يصطلي بنار الخوف ويتبع الجلاّد إلى ما بعد الهاوية خوفاً من مواجهة الخوف.

هل فهمتم الآن معنى زندقتي؟


عشتار: مع الاسف اصبح الجبن و الخنوع جزء من حضارتنا , نقهر كل يوم فنسكت و نقمع كل يوم ونسكت او نكتفي بالقليل القليل او نهرب الى الغربة فنجدها تحتضننا اكثر مما تحتضننا اوطاننا وكلما اكرمت الغربة علينا كلما انكشف امامنا شح تلك الاوطان.

سوري من الشرق الأقصى: هناك شيئ ناقص في هذه القصيدة!! و إعلم أن هناك الكثيرين مثلي من الذين ينشدونها معك و لو بدون بلاغتك النحوية، فأنت شاعر.

إذا كنا نرضى أننا كفار و خونة و أننا لن ننتمي إلى ذلك الوطن القائم على الخوف، فماذا نفعل هنا إذاً، في هذه المدونة؟ لماذا مازلت تكتب، و لماذا مازلنا نقرأ؟ لماذا لا ننتمي للوطن الجديد الذي يفتح ذراعيه للكفار و الخونة و نعيش كما يعيش أهله، و تكتب أنت عن مشكلة صيد الحيتان و أقرأ أنا عن فضائح مغني البوب الياباني كما يفعلون؟ لماذا لا نستمتع بحريتنا كما يستمتعون إذاً بل نقضي أوقات فراغنا، و أوقات عملنا، لا نفكر بشيء إلا بوطن الخوف و التكفير حتى بعد مضي عقد على مفارقته؟ لماذا، إذا كنا حقيقة نعشق الحرية فوق كل شيء؟ هل لديك جواب؟

هناك شيئ ناقص في هذه القصيدة! هناك شيء ناقص في عشقنا للحرية! لعله عشق أسمى و أكبر للإنتماء؟ لعله عشق أسمى و أكبر لوطن الخوف و التكفير هذا؟ أو مجرد عشق للهم و الحزن ورثناه بدمائنا؟ لا أدري. لعلي مخطئ، هل لديك جواب؟ ماذا ينقص هذه القصيدة؟

عمار يجاوب: ينقصها بالذات ما أشرت إليه، وهو أننا، مهما فعلنا ومهما كانت رغبتنا قوية، لن نقدر على الانسحاب من أنفسنا ومن هويتنا، مهما كانت هذه الهوية إشكالية بالنسبة لنا، ومهما كانت علاقتنا بها مختلفة وجدلية.

لا، ليس بوسعنا أن ندير ظهرنا لتلك البقعة من الأرض، مهما رغبنا في ذلك، هناك دائماً ما يكفي من الأصدقاء والأقارب والذكريات، بل والرغبات الدفينة التي تربطنا بها وتشدنا إليها. جوهر محنتنا هو أننا محكومون بالانتماء والتغرّب في آن، ولهذا سيبقى دائماً التناقض جرحنا وملحنا.

كريم عامر: العزيز عمار ...للمرة الأولى أتصفح مدونتك على الرغم من أن إسمك يتردد كثيرا أمامى منذ فترة ليست بالقصيرة ، خاصة أننى قرأت عنك بعض جوانب حياتك الشخصية من خلال موقع " همسة HAMSAWEB " ....، أوافقك فى معظم ما ذكرته ، حريتنا أغلى من تراب أوطاننا ، وأثمن مما يعتقد البعض انه مقدس لدينا ...أتمنى لك التوفيق دائما ...وأتعشم أن نكون أصدقاء ...تقبل خالص تحياتى ..والى لقاء ..كريم عامر.

جواب: أهلاً بك في ربوع مدونتي كريم، وأرجو أن تصبح زائراً مثابراً. أنا أيضاً سمعت الكثير عنك، وكلّي ثقة بأنا سنلتقي قريباً.


الليبراليون والخلاص
2 أيلول، 2006 / مدونة زندقة

إذا كان المثقفين اليساريين يحبّون أن يصوّروا أنفسهم هذه الأيام على أنهم شهداء القضية العربية الأحياء وآخر حاملي رايات قيم العدالة الإجتماعية والأصالة الثقافية الحقيقية، بصرف النظر عن تعريفهم للحقيقة والأصالة هنا، وإذا تسنّى لموقفهم هذا أن يحظى يوماً بتعاطف شعبي، وإن بقي هذا الأمر مستبعداً، فإن المثقفين الليبراليين الحقيقيين، أي المثقفين الذين هم أكثر علمانية حتى مما يمكن للأذواق الاشتراكية أو الشيوعية أن تتقبله (إذ يؤمن الليبراليون بفصل العقيدة مهما كانت عن الدولة)، وأكثر اهتماماً بحقوق الفرد مما يمكن للأديان التقليدية أن تعطيه، وذلك مهما تمّ تحديثها وتعديلها، فإن هؤلاء الليبراليين يمثلون فزاعات وغيلان العالم المعاصر الذين سيبقون رهن الاحتقار في المنطقة ولفترة طويلة قادمة وذلك حتى، بل خاصة، في حال، أثبت الزمن أنهم كانوا على حقّ.

فقد أصبح المثقفون الليبراليون منقطعين تماماً عن جذورهم الثقافية المزعومة بحيث صار من الصعب فهمهم واستيعابهم من قبل أغلبية الناس، وفي الحقيقة يبدو أن الناس تجد صعوبة في تصديق وتقبّل تعلّق الليبراليين المستمر بالعروبة، نظراً لعدم تبنّيهم لذلك المزيج الغريب المؤلّف من منطق الغرور الحضاري ومنطق وعقلية الضحية الذي أصبح منذ زمن أحد العلامات المميّزة للهوية العربية المعاصرة. لقد أصبحت العروبة بالنسبة لمعظم الناس، مثقفين وعوام، بمثابة دين جديد محدّد، له قيمه الثابتة وأخلاقياته بل وتعاليمه السرّانية الخاصة والتي لايمكن تعليمها إلا للمنخرطين في الطريقة، وذلك وفق آلية قديمة مستحدثة من الخطاب التوجيهي الذي لا يترك مجالاً حقيقياً للمناقشة الحرّة والتأمل ونقد الذات. وحده الوهم الذي يصوّر لصاحبه أن خياراته جاءت نتيجة تحليل موضوعي وعقلاني هو الذي يبقى.

لكن ما يجعل الليبرالي ليبرالياً هو توصّله في مرحلة ما من عمره إلى قناعات جديدة غير قابلة للتعايش مع وهم من هذا النوع. لذا، يبدو الليبراليون غير قادرين البتة على الانسجام مع الرؤى والمخطّطات الوطنية لكل من حولهم من يساريين، وإسلاميين، وعروبين، وأنظمة حاكمة، وقوى فاعلة في العالم، وتلك التي لا يمكن لها أن تصبح فاعلة مهما رغبت وحاولت.

في حين يبدو واضحاً أن رؤيتهم الخاصة للمنطقة، وهي، خلافاً للانطباع السائد عنها لا تدعو إلى مجرّد نسخ وتقليد الحضارة الغربية في ربوعنا، هي أكثر غرائبية من أن تتحقّق في حياتهم. وفي الواقع، يبدو أن استيراد أو تصدير الحداثة بشكلها الغربي المجيد أمر قد تم بالفعل، وما يبقى اليوم هو مجرّد عملية هضم لها. ونظراً لنوعية المنتج الذي يتم هضمه، ولحالة الجهاز الهضمي عندنا في هذه المرحلة يبدو من الواضح أن هذه العملية ستكون طويلة ومؤلمة.

لذا، ربما كان أفضل إنجاز ممكن لليبراليين في هذه المرحلة هو أن يصرّوا على أن يكونوا مصدر النشاز الوحيد في جوقة الأوهام السائدة، فقد يتمخّض إصرارهم هذا مع الأيام عن ولادة جديدة لعالم جديد نحن بأمس الحاجة إليه، وبالتالي قد يتحقّق خلاص المنطقة على أيديهم هم، مهما بدا هذا الأمر بعيد المنال اليوم. إن كل ليبرالية الدنيا لا يمكن لها أن تخلّصنا من حاجتنا إلى الخلاص ومن عقدته المتوغّلة في نفوسنا، وربما كان هذا هو مصدر اصرار الليبرالين على الارتباط بالمنطقة وبالعروبة في وجه كل التغرّب الذي يشعرون به وكل الرفض الذي يواجهونه.


سوري في الشرق الأقصى: على إعتبار أنك تتطرق إلى موضوع الليبراليين و قدرتهم – أو عدمها – على التغيير في الأربع مقالات الأخيرة في مدونتك الإنكليزية فهذه مجرد دردشة من قبلي لما أعتقد به بخصوص هذا الموضوع.

مشكلة الليبراليين الأكبر هي أنهم أقل واقعية من غيرهم من الناشطين كالمتطرفين و المحافظين و اليساريين. وعندما أقول أقل واقعية فلا أعني أفكارهم و إنما طريقة عرض هذه الأفكار و طريقة إيصالها إلى جموع الناس.

في معرض حديثك عن إحتمال أن يكون الليبراليون السوريون هم المسيح المنتظر لخلاص سوريا، قد نتناسى أن هناك في تاريخ البشرية العديد من أمثال "عيسى" و "محمد" و "لينين" و "غاندي" و غيرهم من مسيح مبشر بنظم و أفكار جديدة. ولكن الذين نعلمهم هم هؤلاء الذين "نجحوا" في مسعاهم هذا و غاب الكثيرون الذين لم يحققوا نجاحاً في ظلام التجاهل أو النسيان.

فـ"المسيح الجيد"، و أعني بـ"جيد" هو مقدار نجاحه في إكتساب الأتباع، لا تحدده أفكاره الأساسية بقدر ما تحدده إمكانيته على توصيل هذه الأفكار عن طريق عكسها على مجموعة موازية من الأفكار و الممارسات و التي هي أكثر عملية و أكثر قابلية للتمسك بها كإيمانٍ لدى الآخرين. فعلى إعتبار أن هؤلاء "الآخرين" لديهم الكثير من الهموم و المشاكل و الإهتمامات، بالإضافة إلى الفارق الثقافي و الآفاقي بينهم و بين "الشخوص المسيح"، فإنهم في النهاية لن تجذبهم صلب أفكار المسيح بقدر إنجذابهم إلى غاية هذه الأفكار و ما قد ينتج عنها، في حدود إدراكهم، من مؤثرات على حياتهم اليومية.

و الناشطون الآخرون، وعلى تعقيد أفكارهم و مبادئهم (ولتكن دينية أو محافظة أو يسارية، إلخ)، فهم يطرحون هذه الأفكار بشكل مبسط في قاعدة السلسلة الهرمية حيث تأخذ دوماً شكلاً أكثر "مادية" من أفكار الليبراليين.

عندما طرحتُ مجموعة الأسئلة على موقع سيرياكومنت بخصوص تفاصيل وقع عملية تغيير السلطة على طائفة معينة في الجسم السوري، فأنا لم أكن أبحث عن ضمانات أو مجرد إستثارة إقتراحات لحلول يستطيع أياً كان التوصل لها بمفرده/ها. كان الهدف الأساسي هو تنبيه من يقرأ أن الإمعان في العموميات و الأفكار الكليّة (كالحديث عن مبدأ "المواطنة") لن يخرج عن إطار المفكرين أو المثقفين الذين يفهمون هذه المبادئ و لن تستطيع هذه الأفكار أن تصبح معتقداً لدى عامة الناس بشكل يجعل حاملي لواء هذه الأفكار "مسيحاً مخلِصاً". و كنت أريد أن استشرف مقدار وعي القراء، الذين غالباً ما يتوجهون إلى طرح أفكار عامة، بأهمية موضوع تحويل "الأفكار العالية" إلى مجموعة من الإجراءات التي يمكن من خلالها إقناع عامة الشعب بها. و هذا لا يقف عند الموضوع الذي أثرته بل يتعداه إلى أغلب المبادئ الهامة التي تثار من قبل المفكرين السوريين. فأجوبة هذه الأسئلة التفصيلية هي بالضبط ما يفهمه سائق تكسي بشهادة إبتدائية عن موضوع المواطنة و غيره.

فعلى سبيل المثال، هناك من الناس ممن إيمانهم بالله ينبع من فهم و محاكمة عقلانية و قرار (وهو الأهم) بتبني هذا الإيمان، سواء كان هذا القرار يقوم على محاكمة منطقية لمبدأ الخلق أو موازنة عقلانية لظروف الحياة و الحاجة إلى الإنتماء إلخ. ولكن يجب أن نعترف أنه بخلاف الأشخاص المعدودين الذين يتبعون المحاكمة أعلاه، فإنه بالنسبة للأغلبية الساحقة فهذا الإيمان هو بالنهاية مجموعة من الإجراءات أسهل فهماً و أقل تعقيداً و أكثر ملائمة للحياة اليومية. أن تؤمن (بفكرة، أية فكرة: دين أو إيديولوجيا) هو في النهاية أن تذهب إلى الكنيسة، أو تصوم رمضان، أو أن تتبنى موقفاً معارضاً لرب العمل على الدوام و أن تقوم بهذا و ذاك.

وأظن أن هذا ما ينقص الحركة الليبرالية ليكون "الخلاص" على يديها: أن تتحول من مبادئ إلى إجراءات مبسطة يمكن "تبشيرها" بين الناس. أي بمعنى آخر أن تكسر واحدة من أهم قواعدها: اللا هرمية. فمفخرة الليبرالية أنه لا هرمية فيها و كل ليبرالي هو "مفكر"، لا بل لا أبالغ إذا ما قلت، و قد أشرت إلى هذا أنت أيضاً في مقالك، أن الليبرالية في العديد من بلدان العالم (الولايات المتحدة كمثال) تتحول إلى حركة نخبوية و سوف أسمِّها هنا "كليكية" (بالاستعارة من الكلمة الإنكليزية). و حتى عندما تكون الليبرالية متبناة من قبل شعب بأكمله (فلنقل السويد مثلاً)، يمارس هذا الشعب الكليكية بنظرته إلى باقي الشعوب بدون شك.

المشكلة أننا في سوريا نحتاج زمناً طويلاً جداً حتى يصبح عدد الليبراليين في هذا "الكليك" كافٍ لملء مختلف الوظائف الإدارية و القيادية كما هو حال كندا أو اليابان مثلاً، بغض النظر عن مقدار عدم إنتشار الليبرالية بين أبناء الشعب عامة.

وبالتالي فهناك حاجة، و نحن نتحدث عن سوريا، لخلق هرمية في هذه الليبرالية، حيث تُحوَّل الأفكار في كل طبقة من هذا الهرم إلى الشكل و الممارسات الأنسب لمن هو في هذه الطبقة.

فقبول التحدي بإقناع الناس بفكرة المواطنة كما تفهمه أنت مثلاً قد يؤدي أنه سوف تجد نفسك قد أقنعت بضع عشرات من الناس فقط، بينما في أثناء الوقت المصروف على هذا العمل، كان عشرات الآلاف من الناس قد تبنّوا أفكاراً أسهل إنتشاراً لتقاربها من مفاهيم حياتهم اليومية كما ذكرتُ أعلاه.

و خاصة أن أغلب من يتكلمون عن مبدأ المواطنة مثلاً، من ضمنهم أنت أيضاً، يتكلمون عن حالة إفتراضية بوجود حكم جيد يقوم بترسيخ مبادئ المواطنة عن طريق إجراءات دستورية و إدارية يستطيع فرضها بقوة الدولة و أجهزتها القضائية على عموم الناس. أي أنهم يفترضون أن الحكم سيتغير أولاً، و من ثمّ سيقوم الحكم الجديد المفترض بترسيخ مبادئ المواطنة.

و لكن التحدي الحقيقي هو أن نسأل كيف يمكننا أن نخلق هذا الحس المواطني بمعزل عن وضع النظام. و هذا التحدي هو الأكثر واقعية و عمليةً حيث أن إفتراض نهاية قريبة للحكم الحالي قد يكون مصيره مماثلاً لآمال الكوبيين الذين لم يفعل ليبراليوهم شيئاً سوى التنظير عن كيف سيكون الحال فيما بعد الحكم الكاستروي بينما يمتد هذا الحكم إلى الأبد. وهو أيضاً أكثر واقعية –أو فلنقل أكثر مسؤولية- من إفتراض أن الكارثة قادمة لا محالة كما تنبأ أنت على الدوام.

لعلنا علينا أن نسأل أنفسنا لماذا يستطيع المتدينون، حتى عندما يأتون بأفكار تجديدية لا تتماشى مع المسار الديني التقليدي (مثلاً حالة القبيسيات)، تحقيق إختراقات على مستوى الأتباع يحلم أي ليبرالي سوري أن يحققها. قد تجادل أنت أن هذا يتم بسبب دعم الحكم لهذه الظواهر، ولكنني أجادل أن السبب الأساسي هو أن هؤلاء الناشطين هم أكثر مرونة و عملية من الليبراليين كما ذكرتُ في بداية حديثي. إن لديهم المرونة لتعديل الأطروحة بما يناسب الوضع العام و بما يناسب الجمهور المتلقي و إختلاف بيئته الإجتماعية و حالته التعليمية. إن لديهم الهرمية الفكرية التي تجعل ما يبشرون به يختلف باختلاف المتلقي، طبعاً بحيث يخدم المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الفكرة المروَجة، وبالتالي توسيع دائرة الأتباع. إنهم وجدوا صيغاً من الممارسات الشكلية و التعليمات العملية التي تجد تقبلاً من عامة المتبعين لسهولتها و سلاستها.

يتساءل الكثيرون عن سبب قبول الزن البوذية، على عكس كل الطوائف البوذية الأخرى، لطلاب و زوار يودون المشاركة بجلوس الزن (زا - زن) بدون أن يطلب منهم أية قراءة أو أي فهم لمبادئ الماهايانا البوذية التي يقوم على أساسها الزن (و لهذا السبب فهي الأشد إنتشاراً عالمياً من أي من الطوائف الأخرى). ولكن أحد النساك أجاب عن هذا التساؤل بما يعتبر أساس مبدأ الزن: ""لا يهم أن تفهم مسبقاً، إذا جلست مدة كافية فسوف تصبح فيلسوفاً"". طبعاً هذه "المدة الكافية" للوصول إلى الساتوري (الإكتشاف المذهل أو الوحدة مع الإله) قد تصل إلى عدة سنين أو عدة عقود، ولكن العبرة هي أنه يمكنك تصميم ممارسة معينة أو أفكار مبسَّطة لكي يؤدي تكرارها أو الإيمان بها نفس غاية و يقود لنفس نتائج الإيمان بأفكار أشد تعقيداً و علواً.

من هذا المبدأ، قد يجد الليبراليون السوريون مثلاً في وقت من الأوقات أنه ما من بد من تبني بعض الأفكار التي قد لا توافق مبادئهم الأساسية و لكن لا مفرً منها لإيصال "نتائج" هذه المبادئ إلى عموم الناس حتى يكونوا يوماً ما "المسيح المخلص" لسوريا.

فعلى سبيل المثال، فلتأخذ مبدأ المواطنة كمثال.

منذ عدد من السنين و أنا مشتبك بجدل طويل مع زوجتي (ليبرالية من بلد ليبرالي جداً) عن أهمية مفهوم الوطنية السورية الصرفة (الناشيوناليزم) لبلد مثل سوريا. فكما ذكرت أنت في معرض حديثك عن مفهوم الإنتماء العربي، مبادئ الإنتماء الوطني مرفوضة من الليبراليين عندما لا تعرّف بالشكل "الإنساني" الذي يؤمنون به و عندما تكون محدودة بجملة من الممارسات و الأفكار المقولبة مسبقاً. أي أن الليبرالية تحاول دوماً أن تبتعد عن ما يمكن أن يَصمها بأنها إيديولوجية (حتى ولو جادل الآخرون أن الليبرالية كمفهوم هي إيديولوجية بحد ذاتها). فالقولبة هي أهم أعداء الليبرالي/ية، و لهذا فالنماذج الوطنية الإيديولوجية "المقولبة" مرفوضة و تعتبر خطرة من وجهة نظر الليبرالي/ية. و أظن أن هذه هي وجهة نظركَ أنتَ أيضاً كما فهمتها من مقالك أعلاه بالنسبة لموضوع الإنتماء العربي.

و هنا أنا أجادل أنه على الليبراليين السوريين تبنّي مفهوماً "مقولباً" لوطنية سورية صرفة (أذكر كلمة وطنية صرفة هنا لأميزها عن مفهوم القومية السورية "الشاملة" للحزب السوري القومي الإجتماعي) و أن تكون هذه الدعوة مطيّةً لإيصال مفاهيم المواطنية و المساواة و المشاركة في الحكم إلى آخر المبادئ التجريدية للمواطنة الحديثة.

و القول "مقولبة" يعني أنها قد يُنظر إليها أنها ليست بالشيء الجديد المختلف عن مفهوم القومية أو الوطنية كما يعرفها الأوروبيون أو الكوريون أو غيرهم من الذين ركزوا على قومية غير شمولية بل محدودة بحدود البلد السياسية. و القول "مطيّة" يعني أنه في النهاية يمكن إيصال المبادئ التجريدية لمفهوم المواطنة كما يعرفها الليبراليون عن طريق مفاهيم أكثر إستثارة للمشاعر و أقرب لفهم الناس العاديين من المبادئ السابقة الذكر.

فالمفاهيم الليبرالية عقلانية، وما تحاول تحديه هو مشاعري! و تثبت الأحداث يوماً بعد يوم في كل العالم (المتحضر منه قبل المتخلف) أن العقلانية لا تغلب المشاعرية. و أرى أن التحدي هو تضمين مفاهيم الدولة المواطنية الحديثة التي نرغبها بمجموعة من الأفكار الوطنية المشاعرية و خلق "إيمان" جديد لتحدي "الإيمانات" الموجودة على الأرض حالياً كقومية عربية و إسلامية و طائفية و مناطقية إلخ. أي أن نفعل ما فعله عفلق و الأرسوذي مثلاً عندما أرادا تحدي الإيمانات السائدة في عصرهما و عندما وجدا أن فكرة القومية العربية سوف تكون رداً على فكرة الخلافة على النمط العثملّي أو الهاشمي أو التقسيم على نمط دويلات الإنتداب الفرنسي و سوف توصِلُهما إلى حالة مواطنية سليمة تشمل المسييحيين و الطوائف الأخرى (على إعتبار أن الإثنين كانا من الأقليات). لاحظ أنهما استطاعا النجاح و الوصول إلى عدد ضخم من الناس حتى قبل أن يتمكن أي حزب يتبنى افكارهما من قلب الأنظمة الموجودة حينها. طبعاً ديكتاتورية أفكارهما من حيث عدم ترك مجال لتقبل أفكار مختلفة و عدم تقبّل القوميات الأخرى في المنطقة، و خلط مفاهيم القومية العربية مع الإنتماء الإسلامي منذ تبني أكبر دولة إسلامية حينها، مصر، لواء القومية العربية، و إنتهاءً بإستخدام حزب البعث لفكرة القومية العربية لضمان استمرارية أنظمة قطرية، أدى أن لا تتمكن أفكارهما من تأدية الغرض الليبرالي الذي أوجداها من أجل تحقيقه. أقول "أوجداها" لأنني أجادل، و أعلم أن العديد سوف يفور غضبه من هذه المقولة، أن فكرة الإنتماء القومي العربي كما نعيشها حالياً هي من "إختراع" هذين الشخصين. تماماً كما أن بلايين الناس حالياً تنام و تستيقظ على مبادئ و مسلمات و أيديولوجيات و ديانات هي حرفياً من "إختراع" شخص أو عدد محدود من الأشخاص (أو أنها أُوحيت إلى شخص واحد، إذا أحببت).

وأظن أننا تعلمنا بما فيه الكفاية لنتمكن من إختراع نموذج، هو الوطنية السورية الصرفة، أكثر ليبرالية و مواطنية و أقل تعرضاً لسوء الإستخدام من القومية العربية. و على الأخص فهو سوف يكون أكثر ملائمة للوضع السوري بالتحديد و المختلف برأيي إثنياً و تاريخياً و من ناحية التركيبة المجتمعية عن وضع أية دولة عربية أخرى. و هذه الوطنية هي ليست بمعنى مجرد "المواطنة السليمة" المتداول بين المثقفين بقدر ما هي فكرة جديدة تماماً، وهي جوابي لتساؤل طرحته أنت على موقع آخر (ثروالايزيشون) عن حاجتنا لشيء جديد يكسر الـ"إيزم"ات المتعددة التي نعيش بينها (نسبة إلى نهاية الكلمات الإنكليزية التي تصف المفاهيم الإيديولوجية). فكرة تُنزِل الأفكار الليبرالية من "كليكيتها" إلى مستوى أكثر شعبية يتضمن ممارسات محددة يمكن أن تجد أتباعاً بين صفوف الناشئة في سوريا. أقول الناشئة لأنني لا أظن أن هناك أي أمل من تغيير معتقدات أي شخص سوري ممن تجاوز الأربعين من العمر قيد إنملة، و لأنني قد عاينت بنفسي توق العديد من الناشئة في سوريا لشيء جديد مختلف عن ما هو مطروح الآن. وبالتالي يمكن أن يقود هذا إلى التغيير المنشود الذي يكسر إحتكار الثلاثية: الأنظمة-القوى الخارجية-القوى المتطرفة للتغيير و يجعل الليبرالية، بلبوسها الجديد، مسيح سوريا المنتظر.

الحديث لا بد له من بقية للدردشة عن تفاصيل هذا "الإنزال".

سيد عمار عبد الحميد، عذراً لإستغلال مدونتك للقيام بهذه الدردشة البدون إذن و التي قد تجدها عديمة المضمون.

عمار يجاوب: عزيزي، مداخلاتك القيمة وآراؤك الثمينة تعطيك حق استغلال كل مدوناتي متى شئت، بل في الواقع كنت قد بدأت بالتساؤل عن غيابك. الدخول في التفاصيل، كما نوّهت، هو الجسر الأساسي للخروج من العموميات وللتواصل مع الشرائح الأوسع. وأنا أتفق معك في كلّ ما قلت، حتى، بل خاصة، في انتقاداتك، والملاحظات التالية هي بمثابة توضيحات أكثر منها ردود.

أي عملية تغيير مجتمعي شاملة وعميقة لا يمكنها أن تبدأ من قمة الهرم، لكنا اصراري مع غيري في التركيز على قمة الهرم في سورية ينبع من نوعية الأزمة التي وضعنا فيها النظام الحالي، ولولا هذا لبقي تركيزي منصباً على بناء "تنظيم ليبرالي"، إن صحّ التعبير، على غرار الحركات الإسلامية التي أشرت إليها كحركة القبيسيات.

الهدف من موقع مجتمع ثروة بالذات هو السماح لأصوات متعدّدة شابة ليبرالية الطابع والتوجه بالظهور على الساحة، وعلى الرغم من مرور عدة أشهر على إصدار هذا الموقع، إلا أننا ما نزال في الطور الجنيني والتجريبي له، هنا إعدادات كثيرة تجري في الخلفية قبل أن نعلن إن إطلاق هذا الموقع على نطاق أوسع. وهناك مواقع ومشاريع أخرى، سنعلن عنها في وقتها، تهدف بالذات إلى التعامل مع مسألة التفاصيل على نحو مبسّط وقادر على التغلغل في الأوساط الشبابية على الأقل، إن لم نقل الشعبية.

وهذا هو ما يشغلني كثيراً هذه الأيام. الانتقال من التنظير إلى العمل بات ضرورة ملحّة جداً جداً، وعلى كل منا أن يفعل ما بوسعه، وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار أننا هذه ستشكّل الخطوات الأولى فقط على طريق الألف ميل، لذا، قد لا تبدو هذه الخطوات مثيرة أو مقنعة جداً في هذه المرحلة الحرجة، لأن الوقت مازال مبكّراً لها لترتقي إلى مستوى التحديات الحالية، ومن هنا تشاؤمي فيما يتعلّق بالتطورات الراهنة، وتركيزي على ضرورة الانتقال النخبوي في سورية على الأقل، لكسب الوقت وتدارك أية تطورات أو احتمالات كارثية، إذ لم يعد من الممكن الحفاظ على الوضع الراهن، والنخب الثقافية والسياسية المعارضة ليس جاهزة بعد للتعامل الفعّال مع تحرّك شعبي حقيقي.

welovesyria: يا أخي أولا أنا شاهدتك على قناة الحرة و كان لقاؤك سينال مشاهدة العديد من السوريين لكن في يومها بدأت الحرب على لبنان على ما أظن... المهم انتم السورييون في أميركا للأسف يظن الكثير في سوريا بأن كل سوري أمريكي يتكلم بالسياسة فهو عميييييل وماشابه فقط يحب أن تعملوعلى محو هذه الفكرة مع أن المهمة صعبة. مهما كان الى الامام اللله يوفقكم.

جواب عمار: شكراً على دعمك أخي العزيز، وبالفعل جاء اللقاء على قناة الحرة في وقت غير مناسب، ومع ذلك وصلتني ردود كثيرة مشجعة بعدها، ولكن، معك حق، الانطباع العام عن المعارضين السوريين في أمريكا يبقى سيئاً إلى حد ما، ويلزمنا بالفعل أن نجد طرق للتواصل مع الناس في الداخل بحيث تكون رسالتنا ومواقفنا بالنسبة لهم أكثر إقناعاً. أعتقد أننا قادرين على تحقيق بعض النجاح في هذا المضمار مع الوقت، المهم، أن لا يتداركنا الوقت وتداركنا الأحداث التي تسير بسرعة كبيرة فعلاً.

سوري في الشرق الأقصى: السيد عمار عبد الحميد، شكراً لردودك و الوقت الذي تنفقه عليها. وشكراً لكلماتك المهذبة. ما أرجوه منك حقيقة أن لا تشعر بأنك ملزم بالرد على هذه التعليقات و الدردشات، فوقتك المصروف على مشروع ثروة هو أثمن، وأنا لست متفرغاً و لدي عملي الطويل وإذا كنت أجد وقتاً في بعض الأيام للكتابة، فلا أجد في أياماً أخرى وقتاً حتى للتصفح، وبالتالي لا أمانع أن لا أرى رداً سريعاً أو أي رد على الإطلاق. يسعدني فقط أنك مضياف في مدوناتك جميعها و مستعد دائماً أن تترك هذه الأفكار التي أطرحها هنا و هناك فيها كما هي بدون أن تعتبرها مزعجة تستحق الحذف.

في ردك (الردين أعلاه) و في معظم مقالاتك أنت قلق جداً من تدارك الوقت و متشائم كما تقول فيما يتعلّق بالتطورات الراهنة. هذه طبعاً ليست تجربتك الأولى مع الغربة، ولكنها، على الأقل كما فهمت من سيرتك الذاتية في مدونتك، هي المرة الأولى كغربة مترافقة مع إهتمام شديد بالوطن الأم سوريا، أو بالأحرى فأنت متفرغ بشكل كامل لهذا الإهتمام. و من خبرتي المتواضعة أرى أن المغتربين، على الرغم من أنهم يعيشون في عوالم عقلانية و عملية، يميلون بشكل شديد للعاطفية و الحساسية العالية فيما يتعلق بأمور الوطن الأم. و لقد لمست هذا عند معظم سوريي المغترب الذين عرفتهم، و من تجربتي الشخصية وإختلاف درجة قلقي و حساسيتي تجاه المواضيع السورية بين الفترة الأولى من مغادرتي حينما كانت زياراتي متباعدة جداً، و الفترة الأخيرة حين تزايد تواتر هذه الزيارات.

نحن ننسى أن الزمن هناك له مفهوم مختلف تماماً عما هو عليه خارج هناك. أقاد اقسم أحياناً أن عدد الدقائق في الساعة و عدد الساعات في اليوم هناك يفوق أضعافاً ما هو عليه حيث أعيش الآن. وبالتالي فأنا حقيقة لا أرى أي تغيير كبير، كالذي تتنبأ به أنت دائماً، قادماً في أي وقت قريب. وكما ذكرت أنا سابقاً في مدونتك الإنكليزية، قد يفيد بين الحين و الآخر أن ننظر إلى النماذج الكوبية أو الكورية الشمالية، لنتذكر أن التغيير و الزمن يمكن حقاً أن يتيه تماماً عن بعض الأماكن على هذه الكرة الأرضية.

و من هنا ما ذكرته أعلاه بأن محاولة التأثير على الصعيد الشبابي و الشعبي، قد تكون أكثر عملية، على الرغم أنها لا تبدو كذلك في الوهلة الأولى، من الإنتقال النخبوي.

بالنسبة لي قلقي مختلف قليلاً عن أسباب قلقك، أنا لاأرى حروب أهلية أو عصابات تجوب الشوارع أو غزواً خارجياً. و لك كل الحق والأهلية أن تجادل بعكس ذلك، و ما من أحد قادر على حسم هذا الجدل إلا الزمن.

ولكن نظام الحكم في سوريا هو أشد تعقيداً مما قد يبدو للوهلة الأولى. و بغض النظر عما يقال و يـُردد بأنه حكم فردي معزول عن مجتمعه، فإن ترابط و تشابك مصالح الطبقة الحاكمة مع العديد من الطبقات و الفئات، و التعقيدات الهائلة في فرز هذه الترابطات و حجمها أو قوتها، يجعل الحديث عن نظام فردي بحت أمراً خاطئاً.

منذ فترة قصيرة، قرأت مقالاً صغيراً لسوري معارض إسمه السيد خلف خلف، على ما أظن، من دير الزور في نشرة السيد أيمن عبد النور أول فور سيريا. و على الرغم من أنه مقالاً قد لا يسترعي الإهتمام للوهلة الأولى، على إعتبار أن نظرة خاطفة تنبأ أنه فورة غضب من ديري غاضب على مدينة حلب و أهلها، فإنه يلقي الضوء على حقائق عديدة مهمة في تركيبة المجتمع السوري و علاقات الحكم المتشابكة. لعل إثنتين من النقاط الذكية في المقال هي:

- مقاربة السيد خلف لطبقة الأرستقراط التقليدية في حلب التي نمت و برزت بسبب علاقاتها و ترابط مصالحها مع الحكم العثماني و استمرت حتى الحكم البعثي السابق للحالي، مع طبقة النوفوريش التي تنمو الآن بسبب علاقاتها مع النظام الحاكم الحالي و تشابك مصالحها التجارية و المالية معه و مع من يدور في فلكه.

 - يوجه السيد خلف سخطه الشديد على كل من النظام الحاكم و المستفيدين الجدد في آن، و على طبقة الأرستقراط التقليدية في حلب في آن واحد. و يذكـّر هذه الطبقة الأخيرة كيف كانت معاملتهم لا إنسانية و إهمالية لريف الشمال السوري و مواطنيه، الذي هو منهم طبعاً. و يذكرهم أيضاً أن سخطهم على هذه الطبقة الجديدة من المستنفعين و النوفوريش لن يقودهم إلى إي نتيجة لأن هؤلاء سوف يحتلون مكانهم شاءوا أم أبوا و سوف يدافعون عن هذا المكان بأسنانهم قبل أيديهم في مواجهة أي محاولة لتهديده، تماماً كما دافعوا هم عن مكانهم ضد أي محاولة لإتاحة الفرصة للآخرين مشاركتهم ثروتهم و نفوذهم، في إشارة إلى عهد الإقطاع الحلبي على مناطق ريف حلب و دير الزور و الذي إستمر حتى عهد الوحدة و من بعدها ثورة البعث.

النقطة الأولى تذكرنا بما نعلمه عن حق و يتنامى يوماً بعد يوم: إن النظام الحالي يتبع سياسة مختلفة تماماً عن سياسة النظام السابق في تفريق مراكز الثقل إلى مجموعات عديدة متماثلة بالحد الأدنى من القوة والثروة و ضمان توازنها في ميزان عدد كفاته بعددها و الإنتباه الشديد و الدائم لهذا التوازن. بينما يتبع النظام الحالي سياسة تشابه النظام العثماني في تركيز مراكز الثقل كلها في بوتقة واحدة و محاولة زيادة عديد و فئات هذه البوتقة بما يضمن بقائه تبعاً لقوة هذه المجموعة. و هذه السياسة، على سلبياتها العديدة التي أثبتتها تجارب أنظمة كثيرة إتبعتها، ليس آخرها العثماني، تريح النظام من ثقل حماية نفسه و تجعل هذه المجموعة من المستفيدين هم أول من يسعى لحماية الوضع القائم والحفاظ على الحكم. وهم سوف يصبحون قريباً عماد هذا الحكم، عوضاً عن الجيش أو القوى الأمنية، على إعتبار أن هذه المجموعة، و كما كانت سلفها الإقطاعية العثمانية، هي التي تتحكم بأرزاق الشعب عن طريق مشاريعها و إستثماراتها و إحتكاراتها بالتعاون مع السلطة. أي أن هذه التركيبة سوف تجعل أي محاولة للمواجهة، سواء فكرية أو غيره، تصدم بجبهة أولى من الدفاع هي ليست النظام نفسه. و هذا تماماً بعكس سياسة النظام السابق التي كانت تضع أي معارضة في مواجهة رأس النظام مباشرة.

النقطة الثانية تشير إلى ما قد ذكرته أنت أيضاً في معرض تعليقك على الموضوع الذي طرحته في مدونة الدكتور جوشوا، أن العلاقات الإقطاعية تتجاوز في سوريا مسألة طائفة معينة. و أنت محق، و لكن هذا يطرح المزيد من التعقيدات. فالكثير من الفئات الغير مستفيدة إطلاقاً من النظام سوى بقوانين الإصلاح الزراعي (وهو موضوع ليس لنظام السيد الرئيس الأسد السابق أي فضل به أصلاً لأته تم سابقاً لعلو نجمه، بل إنه بدء منذ عهد الوحدة) ما زالت تنظر بعين الشك لعودة حكم المدن الوسطى (حلب – حماة – حمص – دمشق) و لما يمكن أن يقدمه هذا الحكم لها. طبعاً بإستثناء الناس التي تضررت شخصياً من النظام البعثي من خلال حملات أمنية أو إعتقالات. فالأمور، بالنسبة للعديد من المناطق خارج محور المدن الوسطى، لم تكن وردية في ظل الحكم السابق للبعثي بالشكل الذي نحب أن نتذكرها به.

إن النقطتين السابقتين، على أهميتهما، ما هما إلا موضوعين إثنين فقط في جملة من المواضيع التي تجعل موضوع إنتهاء حكم النظام الحالي أعقد جداً مما قد يتخيله البعض. بل إن النقطة الأولى تشير أن المجموعة المستفيدة سوف تقوم بعرقلة أي محاولة للتغيير حتى ولو أتت من نفس النظام من الأعلى، و لو أن موضوع التغيير من أعلى النظام هو أمر مستبعد.

وبالتالي قلقي مختلف قليلاً عن أسباب قلقك، فأنا لست قلق أن الجيل الجديد سوف يحيا في ظل حروب أهلية و إضطرابات أمنية. أنا فقط قلق أن الشباب و الجيل الجديد سوف يكبر قبل أن تتاح لنا الفرصة أن نحاول التأثير عليه و لو من خلال طروحات جديدة أو ممارسات معينة كما نوهت في الدردشة الأولى أعلاه.

لقد ذكرت انت مرة منذ زمن بعيد في مدونتك هذه في نسختها القديمة على مزود آخر، أن السبب الذي جعلك تفارق درب رفاقك و أصدقائك الذين إختاروا أن يبقوا و بل يكونوا جزءاً من الحكومة الحاكمة بأمل دفعها على التغيير و التطوير، هو أنك لا تؤمن أن الوضع الحالي للنظام و الحكم قابل للتعديل بأي شكل كان.

قد تكون على حق، و لكن العديد من الشباب الذين إختاروا البقاء و الذين حافظوا على إستقامتهم و مبادئهم، ومنهم رفاقك الذين أعلم بعضاً منهم، يقومون بهذا التغيير فعلاً. ليس عن طريق التطوير و التحديث و إلى آخره من المسميات البروباغندية التي تخترعها الحكومة و النظام، بل عن طريق إعطاء مثلاً لجيل جديد عن الإستقامة و العمل الصحيح.

حفنة من أصدقائي المهندسين إختاروا أيضاً البقاء في وظائفهم في سوريا على الرغم من أن الفرص أتيحت أمامهم للهجرة و العمل بالخارج. هؤلاء يعلمون أن البقاء و العمل بإستقامة سوف يتبعه قلة الموارد المالية و قلة الحظوة، و لكنهم ارتضوا بالبيت الذي تركه لهم و الديهم و قلصوا طموحاتهم و آمالهم للكفاية حتى نهاية الشهر. و لكنهم بعملهم هذا، يضربون مثلاً إختفى تماماً للأسف من أمام الشباب الطالعة، وبدونهم و بدون هذا التأثير الذي يحدثونه، على محدوديته العددية و بطئه الشديد، لن يكون هناك تغيير حقيقي في سوريا.

فالتأثير الحقيقي يقاس بكم عدد الشباب الذين نستطيع أن نأثر بهم ونجعلهم ينظرون إلى مستقبل مشرق و مشرف لوطننا. ومن هنا كان تركيزي على موضوع الوطنية الحقيقية ومحاولة إحيائها كجهد في نفس السبيل. و خاصة أن هذا الشعور بالذات، الإنتماء للوطن بما يضمن العمل الجاد لخيره و خير من يعيش فيه هو مهدد بسبب ظروف المنطقة المحيطة و بعض ممارسات النظام اللا مسؤولة. ولهذا الحديث دردشته الخاصة فيما بعد إذ أنه تبين لي من ردك علي في مدونتك الإنكليزية أنك أسأت فهمي و ظننت أنني أتحدث عن وطنية قومية، التي شبهتها أنت بالقبلية و هي تموت في أرجاء العالم أجمع. بينما كنت أتحدث عن الوطنية الصرفة المرتبطة بمفهوم المواطنة كما هي الآن حية و حيوية في أنحاء العالم من كندا إلى سويسرا مثلاً. وكما ذكرت فللحديث دردشته الخاصة إن شاء الله.

وموضوع التأثير على الجيل الجديد هو ما يجعلني سعيد جداً بمشروع ثروة. فكلمة أو إمثولة عملية تضعها أمام شاب يطلع على هذا الموقع هي في النهاية، برأيي الخاص، أكبر وأهم من أي جهود ضغط لتغيير النظام، مع إحترامي الشديد لشجاعتك و جرأتك في هذاالموضوع الأخير.

ولكنني أشك بفعاليته، وأشك بالتوقعات الكارثية السلبية المتشائمة للمستقبل. فالسوريون بالمجمل وعلى الدوام، يميلون إلى مجانبة الخيارات التي تضمن أكبر قدر ممكن من الإستقرار والإستمرارية، حتى ولو على حساب العديد من التنازلات في حياتهم ومعتقداتهم الأخرى. و إذ كنت تذكر انني في معرض تعليقي على موضوع الهيئة التأسيسية في موقع سوريا الإفتراضية شددت على ضرورة إعتبار الخصوصية السورية و على مدى إختلافها الشديد جداً حتى عن أكثر الدول مجاورة لنا. طبعاً أنا أحترم رأيك الذي يبدو لي أنه يميل بإتجاه التفكير بمنطقتنا ككل، و لا يجد كبير فارق بين السوريين و البنانيين مثلاً. ولكني لا أوافقه. وسوف يقوم السوريون، كما فعلوا مراراً و تكراراً في السابق، بإختيار "أن يصطلوا بنار الخوف" و "يتبعوا الجلاد" و "يحترفوا العيش في قفص" (مقتطفات من مقالتك السابقة: الحرية و الخوف)، وبمخالفة كل المنطق السياسي السليم، في سبيل أن يضمنوا بقاء هذا الكيان، سوريا، الذي كان الحفاظ عليه كما هو موضع القلق الأول لهم منذ إنفصال عقد الثورة العربية الكبرى و إلى الآن. لا بل أنه حتى أشد الحركات التطرفية في سوريا تحمل معها هذا القلق بشكل يفرقها تماماً عن كل الحركات الشبيهة في البلدان الإسلامية الأخرى التي لا تنظر لوطنها بأكثر ما تنظر لأي قطعة أرض أخرى في بلاد الله الواسعة.

تركت بعضاً من المقترحات على موضوعك الجديد في سوريا الإفتراضية.


أنا عربي
22 أيلول، 2006 / مدونة زندقة

أنا عربي – حقّي أخرس، وباطلي ثرثار لا يرحم
أنا عربي – عدوّي طبيب، وصديقي جلاّد لا يرحم
أنا عربي – ظلامي دفء، ونوري برد لا يرحم
أنا عربي – حقدي نعمة، وحبي نقمة لا ترحم
أنا عربي – فعلي خواء، وخطابي حرب لا ترحم
أنا عربي – أنا هزيمة، أنا فجيعة نكراء لا ترحم
أنا عربي – أنا أضداد، وأضدادي كلها لا ترحم
أنا عربي – أنا لا أرحم، أنا لا أُرحم، أنا لن أُرحم و لن أرحم
أنا عربي...

المهرطق والصليب
25 أيلول، 2006 / مدونة زندقة

(ترجمة لمداخلة لي على مدونتي الإنكليزية، أمارجي، قام بها أحد أعضاء فريق ثروة، الذي قام بترجمة جزءاً من الردود الهامة أيضاً. وهذه الأولى من سلسلة من المداخلات التي سيتم ترجمتها تباعاً من الآن فصاعداً. وطبعاً سأستمر في كتابة مداخلات خاصة بالموقع العربي بين الحين والآخر).

على مرّ التاريخ وفي محاولتنا المستمرة كجنس بشري لأن نفعل ما هو صحيح وبطولي، غالباً ما ننتهي إلى فعل ما هو خاطئ تماماً وغبيّ غباءً فاضحاً، ذلك أننا غالباً ما نخلط بين ما هو مثير حسياً وما هو صحيح، ما هو أناني محض وما يندرج ضمن الخير العام. ولكي نتلافى مثل هذا المطب المؤسف، علينا ألا نكفّ عن تذكير أنفسنا بأنّ فعل الشيء الصحيح غالباً ما يكون جريمة يُعَاقَب عليها، بالمعنى المجتمعي على الأقل إن لم يكن بالمعنى القانوني الدقيق، أكثر مما يكون فعلاً بطولياً يُحتَفى به، وأنَّ التضحية والعطاء غالباً ما يُفسّرا على أنهما غباء وضعف، والإنسان الذي يبذل ما عنده بسخاء غالباً ما يقع ضحية ميله إلى فعل الخير.

ولذلك، إن لم يكن بمقدورنا أن نعمل الخير من أجل الخير، فسوف نظلّ بائسين إلى الأبد، إذ أن انتظار المكافآت الأخيرة يمكن أن يستغرق حيواتنا بكاملها. وإلا، فسوف نزلّ بسهولة باتجاه فعل ما هو أناني محض، بصرف النظر عن نوايانا الأصلية. فالخير ينبغي أن يكون على الدوام جائزة ذاته ومكافأتها، والبطولة غالباً ما ينبغي النظر إليها من منظور الانتصارات اليومية التي يمكن للمرء أن يحققها على غرائزه الدنيا وإغراءات العيش اليومي المزمنة في عصر الاستهلاك المطبق. وإذا ما كان للخلاص أن يظهر أيما ظهور في حياتنا، وإذا ما كان حقاً جزءاً لا يتجزأ منها، فإن علينا أن نعلم أنه لن يُنْفَخ لقدومه ذلك الصور السماوي، بل سيزحف إلينا ذلك الزحف المسالم الرفيق، ولن يكون قطّ ذلك الشيء المجيد الذي نحسبه أو نتمنّى أن يكون عليه. فالبطولة غالباً ما تكون خافتة وفاقدة البريق، والأبطال أناس عاديين يمكن أن نصادفهم كل يوم، في كل مكان من حولنا، دون أن يحملوا أيّ أمارات تميّزهم عن سواهم سوى طيبتهم، هذا إن كنا لا نزال نريد رؤيتها، ولم تزدد كلبيتنا وشعورنا باليأس واللاجدوى حيال الوجود الفعلي لهذه الطيبة بيننا إلى درجة مفرطة.

وأرواح هؤلاء الأبطال غالباً ما تكون مثقلة بالخطأ بل وبإحساس الهزيمة، على الرغم من كل ما حققوه من انتصارات يومية. ذلك أن كلّ إخفاق هو، بالنسبة لهم، إخفاق مفرط الجسامة وثمن معظم الانتصارات هو غالباً ثمن فادح. وما أُنجز يظلّ مقصّراً على الدوام عن أشدّ توقعاتهم تواضعاً. ذلك هو ثمن امتلاك ضمير حيّ، كما أحسب، وثمن المكابدة في تعلّم الإصغاء لهذا الضمير بكل ما أُوتي المرء من قدرة. وهذا أيضاً هو الثمن الطبيعي لامتلاك دافع فطري يدفع صوب الإنجاز وصوب السعي وراء اجتراح ضرب من التوازن بين نداءات هذا الإنجاز وما يمليه ضمير المرء. وقد يبدو الأبطال لنا كأنهم قديسون، لكنهم يبقون خطاة في أعين أنفسهم. وهذا ما ينبغي أن يكون، وإلا لأصيبوا بجنون العظمة وأبطلوا أثر كلّ ما قاموا به من أفعال الخير.

هل يبدو ذلك كلّه نوعاً من الادّعاء الزائد من قِبَلي؟ لعلّه أن يكون كذلك. ولكن، من الذي لا يضمر في داخله مثل هذه الادعاءات الخيّرة؟ فنحن نحتاج مثل هذه الادعاءات كيما نواصل الإيمان بأنفسنا وبقدرتنا على تمييز الصواب من الخطأ وفعل بعض الخير في هذا العالم. صحيحٌ أنَّ مثل هذه الادعاءات قد تكون مفرطة قليلاً في حالتي، مع أنني لم أنكر قط نصيبي من عقدة المخلّص. غير أنني لم أستخدم هذه العقدة قطّ كتبرير لتجاهل إمكانية أن أكون مخطئاً في جلّ ما أؤمن به. فأنا أستمر لأنني لا أكفّ عن وضع نفسي تحت طائلة الشكّ، وإن كنت آمل أن يكون ذلك في الوقت المناسب، ولست أرى في قدرتي على النأي بنفسي عن المخاطر في الوقت المناسب، أو في التخلّص السريع من الأكدار، أي تبرير لما أفعله أو أؤمن به. واعتقادي أنني لطالما كنت محظوظاً، غير أنني كففت منذ زمن بعيد عن اعتبار حظي علامة واضحة على حظوة إلهية. فقصوراتي وأخطائي كثيرة جداً وقد بتّ أعي هذه القصورات والأخطاء إلى الحدّ الذي يحول بيني وبين أن أؤمن أي إيمان بمثل هذه الفكرة السخيفة. وعقدة المخلّص لدي غالباً ما عملت على حمايتي مني، لأنَّ ما من أحد آخر يمكن أن يكون مهتماً بذلك أو نزّاعاً إليه.

والحال، أنني لست مهتماً بخلاصي الذاتي بقدر ما أنا مهتم بخلاص البشرية، لكني أعتقد أنَّ كل واحد منا مسؤول في النهاية عن صنع مصيره. ويمكن لنا أن نقدم العون واحدنا للآخر، أجل، وينبغي أن نقوم بذلك، غير أن على كل واحد منا، في التحليل الأخير، أن يختار على نحوٍ مستقل ما إذا كان يرغب في أن يُساعَد أو يتلقى المساعدة. فخلاصنا كنوع هو مسؤولية فردية وجمعية على السواء، وهو مسعى إنساني تماماً، ومسعى لا نهاية له قطّ. أجل، على الرغم من كل ما في هذا العالم من ظلم، يبقى لدينا خيار، وتبقى لدينا القدرة على أن نختار. أما أن تكون لدينا الشجاعة، والإرادة، والثبات، والنسيج الأخلاقي، والروح المغامرة، والموقف المبدئي، والأساس المعرفي اللازم للاختيار، دَعْ عنك أن نختار ذلك الاختيار العارف الواعي، فتلك مسألة أخرى تماماً. وهي أيضاً، للأسف، مسألة وثيقة الصلة بالأزمة التي نتناولها.

لا شكّ أن هنالك من حولنا كثيراً من المصالح المتضاربة، وكثيراً من الطمع، والجهل، وقليلاً من الحزم والإقدام، ورؤى مفرطة في راديكاليتها وكرهها للغريب، مما يحول دون أن يوافق أحدٌ أحداً، أو أن يختار أي خيار عقلاني. وإنني لأشكّ حقّاً في أن تكون البشرية قطّ قد اختارت خياراً جمعياً عقلانياً ومخططاً له. فالشعوب والدول لا تستطيع أن تختار خياراً عقلانياً قطّ إلا في أعقاب كارثة كبرى، وفي تلك اللحظات القليلة والنادرة من الرزانة المدفوعة بالمأساة، مع أن ذلك لا يكون في العادة إلا على أدنى الدرجات التي يمكن تصورها. ويبدو أن الكثير من العقل يضعف الروح الإنساني ويبلّده.

بيد أننا إذا ما أردنا أن نضع الأمور في إطار أقلّ كلبيةً وَجَبَ علينا القول إنَّ الكثير من العقل يصطدم بما لدى الأنظمة الحاكمة من مصالح دائمة، ويقيّد خيال الجماهير المحدود على طول الخطّ، تلك الجماهير المنشغلة دوماً بحاجاتها ومطالبها، ويبذر الاضطراب في منظومات الاعتقاد الأساسية لدى النخب الدينية والفكرية، التي ستبقى ضروب العصاب لديها تنطلق من الحاجة لأن تشعر، وتدّعي، بأعلى ما تستطيع، أنّها صالحة وعلى صواب. وفي هذا الحال، فإن التوفيق وليس القبول هو أفضل ما يمكن تحقيقه في أي وقت. وقد لا يكون عصرنا هذا، للأسف، مناسباً للحلول التوفيقية.

وإذاً، فما الذي يمكن للبشر الذي يعانون من عقدة المخلّص العميقة أن يفعلوه في هذه الأزمنة المضطربة؟ إنه ما يفعلونه في جميع الأزمنة الأخرى، كما أعتقد؛ أي أن يحملوا صلبانهم ويمضوا قُدُماً، فما الخيار الآخر الذي لديهم في حقيقة الأمر؟ فالصمت والتأمل الهادئ فيما يحيط بهم/بنا من جنون قد يلاءم النسّاك لا الهراطقة، الملائكة لا المخلّصين، الأشخاص ذوي الرؤية الواضحة لا الأرواح المعذَّبة. وأنا أعتقد أن العالم يحتاج الاثنين. وأعتقد أيضاً، سواء كان ذلك ادعاءاً أم لا، وافتراضاً أم لا، أنني أعلم موقعي المناسب من الإعراب في خضم هذا كلّه. ولطالما كنت كذلك.


غسان كرم: عمّار، بعض الملاحظات وحسب على ما كتبته:

1.  فكرتك التي مفادها أن الأفعال الأنانية معاكسة بالضرورة للخير العام قد عارضها الكثيرون ومن الواضح أنَّ قلة فقط هي التي أيدتها. ولعلّ فكرة آدم سميث هي الفكرة التي تجسّد كبرى المعارضات، حيث يُعْتَبَر مفهومه عن "اليد الخفية" من أهم المبادئ في مجتمع حرّ. فهو يرى، كما تعلم، أننا لا نكف عن السعي وراء ما هو خيّر بالنسبة لنا كأفراد وأننا في سعينا وراء رفاهنا الشخصي نتصرف على نحوٍ يبتغي زيادة الخير العام؛ نتصرف كما لو أنَّ يداً خفية ترشدنا وتوجهنا. وهذه الفكرة التي ترى أن الخير الخاص ينسجم مع الخير العام هي الأساس الذي تقوم عليه الأسواق الحرة والرأسمالية.

2. ما أثرته حول من هو البطل الحقيقي ممتاز. ونحن بحاجة دائمة لأن نتذكّر حقيقة أنَّ من يجترحون الأفعال البطولية إنما ينظرون إلى ذلك على أنّه أمر عادي ومتوقّع. فالمرء لا يخرج ساعياً وراء الأفعال البطولية لأنها ستكفّ عن كونها بطولية إذا ما فعل ذلك.

3. أجل "أرواح الأبطال غالباً ما تكون مثقلة بالخطأ بل وبإحساس الهزيمة" وهذا ما ينبغي أن يكون. فإن لم يكونوا كذلك لن تكون ثمة حاجة لأفعالهم البطولية. فالبطولة لا حاجة لها إلا في عالم مثقل بالظلم والإهمال. وكلما زادت ألفتنا بأمارات العصر، زادت ملاحظتنا "مساوئ" هذا العالم وحكمنا على أنفسنا، كما قال ليوبولد، بأن نعيش في "عالم من الجراح".

4. أخيراً، أعتقد أن البشرية سوف تكفّ عن الوجود إن لم تتخذ خيارات عقلانية مخطَّط لها. فلا خيار أمامنا سوى أن نقوم بذلك إذا ما أردنا البقاء كنوع. وعلاوةً على ذلك، فإنني لا أوافق على ما تقوله ضمنياً من أن الخيار العقلاني لا ينبغي أن يكون ذلك الخيار الذي يُتَّخَذ ردّاً على صعوبة ناشئة أو تطور ناشئ بل ينبغي أن يُتَّخَذ في فراغ. هل يمكن أن نختار مفترقاً في درب إن لم يكن ذلك المفترق موجوداً؟

جواب عمار: مرحباً غسان، أشكرك على ملاحظاتك الثاقبة. الحقيقة أنني لا أخالف فكرة سعي الفرد وراء مصلحته الشخصية، لكن لدي مشكلة مع فكرة اليد الخفية، لأن مثل هذا الاعتقاد هو بالضبط ما يخلق خلطاً في الذهن بين المصلحة الشخصية والصالح العام. وما لم يكن هنالك مقدار معين من الإرادة والتصميم على الموازنة بين الاثنين، فإنه لا بدّ من قيام تصادم بينهما. والإيمان باليد الخفية هو سبيل للتنصّل من مسؤوليتنا عن إقامة مثل هذا التوازن ومراقبة دوافعنا وأفعالنا وما يترتب عليها من نتائج، سواء كانت مقصودة أم لا.
وإذا ما كان التاريخ قد علّمنا أي شيء عن أنفسنا فهو أنَّ قَدْراً مناسباً من الشكّ والارتياب في بواعثنا ودوافعنا الأساسية إنّما يفرضه نزوعنا إلى تفحّص العالم من منظار مصالحنا الخاصة دون أن نهتم كثيراً بإمكانية أن يكون لدى الآخر طريقته المختلفة في النظر إلى الأمور، نظراً لأهوائه وآرائه الخاصة. ومثل هذا الوضع يمكن أن يفضي بسهولة إلى صدام المصالح، دَعْ عنك صدام الأشخاص، وما لم نُعْمِل الفكر الثاقب هنا، فإنَّ ما من يد خفية سوف تحلّ ما ينطوي عليه هذا الوضع من مشكلات.

أما بشأن نقطتك الثانية، فإنني لم أقصد أنَّ علينا أن نتّخذ خيارات في فراغ، وما أشرت إليه هو أنَّ المجتمعات والدول غالباً ما تنتظر، دون أية ضرورة، أن تحلّ الكوارث قبل أن تُدخِل أيّة تعديلات على بنياتها، وقناعاتها، وخياراتها. والكوارث غالباً ما يمكن درؤها وتلافيها، كما يمكن للمرء أن يراها قادمة على بعد ميل، لكن هذا بالضبط هو الموضع الذي يعمل فيه طمعنا على تكدير أحكامنا. والكوارث ليست شرطاً مسبقاً للخيار العقلاني، أما اليقظة فهي شرط مسبق لمثل هذا الخيار، وكذلك الكفاح المتواصل للموازنة بين المصالح الفردية والمصالح الجمعية لمختلف الجماعات مع الصالح العام الذي يطول الجميع.

هاوي: عمار، سوف أعيد قراءة تعليقاتك، أما الآن فإليك هذه الردود وحسب:

(1) من الحسن أن نتكلم بين الحين والآخر بطريقة أشدّ فلسفية / كونيةً وأقل سياسية.

(2) قال لي أحد الأساتذة مرّة: "الشجاعة هي أن تفعل ما يخيفك بلا جزاء ولا شكورا."

(3) بشأن البطل، لا يمكن إلاّ أن أوافقك الرأي. فمعظم الأبطال، الحاليين والتاريخيين، عادةً ما تكون قد أتيحت لهم لحظة أو مرحلة بارزة. وعندي... أنّ البطل هو إنسان لبق يكافح من أجل اللباقة... يومياً وعلى مدى طويل، ويضع نفسه تحت طائلة الشكّ، ويتحدى ذاته، دون جزاء ولا شكر و"يفعل الخير لأجل الخير".
وعندي... أنَّ الخير والشرّ غالباً ما تغشاهما ظلال عديدة وهذا ما يجعل حياتي بالغة الصعوبة. أنت تذكر هذه الكلمات من فيلم "العازف على السقف": "يمكن للأمور أن تكون كذلك، ولكنها قد تكون غير ذلك، ومن ناحية أخرى...".

والبشر غالباً ما يحبون من لديهم يقين وإيمان عظيمين بقضيتهم وعقيدتهم. ومن لديهم يقين شديد يثيرون رعبي. فهل الحياة حقاً بمثل هذا الوضوح؟

لو أتيح لي أن أكون قائداً لكنت قائداً سيئاً، لأني كنت سأمضي عمري وأنا أقول: "هذا الرجل على حق، وذاك الرجل على حق، وقد يكون الأمر عير ذلك...".

مبادئ أساسية... أجل؛ الحرية، اللطف، الكرم، الإنصاف، الاهتمام. لا تقتل، لا تعذّب، لا تأخذ ما يزيد كثيراً على حاجتك... شارك الآخرين. هذا واضح تماماً بالنسبة لي.

على أية حال... لقد أحببت ما كتبتَه.

أليكس: عمار، لست واثقاً من أنني فهمت كلّ ما قلته في هذه المادة التي تمثّل تحدّياً. مناقشة السياسة أمر أسهل. لكنني أشعر مع ذلك أن لدي بعض الأشياء لأقولها. التوازن هو الشيء الأمثل. لا يمكن للمرء أن يتصرف كبطل كل يوم طوال حياته. أحياناً، تحتاج لأن تقوم بأشياء "أنانية" تتمتع بها، وإلا لكان عليك أن تتساءل عن الحكمة في أن تكون بطلاً، أو ما إذا كان بمقدورك أن تواصل لعب هذا الدور، أو إن كنت مؤثِّراً في لعبك إياه...

في بعض الأحيان لا يحتاج البشر إلى بطل ينقذهم من تلقي درسٍ قاسٍ، في بعض الأحيان يمكن أن ينتفعوا من خوض هذا الدرس والخروج منه بشيء يتعلمونه.

غسان، لست واثقاً من أنني أوافقك على أنَّ الخير الخاص ينسجم بالضرورة مع الخير العام... لو كان المجتمع متجانساً وكان لدى الجميع تلك القيم المتطابقة، ربما لكان ذلك صحيحاً، ولكن بما أنَّ هنالك تنويعات لا حصر لها من الغايات والقيم، فقد يتداخل خيرنا الخاص، أو يتسق، مع "الخير العام" لجماعة أخرى مشابهة من البشر، إنما دون أن يكون كذلك مع الخير العام.

عشتار: لست متاكدة يا عمار كيف تولد البطولة الفردية او الجماعية في هذا المجتمع البطريركي المكبل بالموروثات والمحرمات ومفهوم العار والعيب والشرف الزائف.

كنت قد نشرت مدونة باسم في انتظار غودو
http://orientaleve.blogspot.com/2006/09/blog-post.html
انقل هنا مقطع منها:

في انتظار غودو، ماذا ننتظر لنصحو؟ ومن ننتظر لياتينا بالخلاص؟ 

أمامنا الكثير من المعارك وكل معركة لا نخوضها هي معركة مؤجلة وميراثنا لاطفالنا.

 كل معركة لا نخوضها هي تعبير عن جبننا وانانيتنا.

 ومعركتنا الرئيسية هي معركة التحرير , تحرير الذات العربية.

 كيف يمكن ان تنهض بمجتمع نصفة مدثر بالسواد ولا يرى العالم الا من خلال فتحة صغيرة في نقاب.

وأي افاق سوف ترى تلك العينين واي افاق ستفتح تلك الام لاطفالها.

وكيف يمكن ان يولد طفل عربي حر من بطن ام مستعبدة؟

وكيف تتحرر الذات العربية ونحن مكبلون بالعشائرية والقبلية والطائفية ومفهوم الشرف الزائف، العيب والعار والعورة.

وكيف لا نفقد حواسنا ونحن مصابون بالحمى الدينية.

نتربى على العجز، على الاتكالية، على الخنوع لسلطة العائلة وسلطة العشيرة وسلطة الدين وسلطة الحاكم نكرة كل ما هو مختلف عنا ونرفض كل ما هو حضاري.

يجب أن نحرر ذاتنا، تلك هي معركتنا الاساسية، بل أهم المعارك على الاطلاق وإن لم نخضها ولم نخرج منها أحرارا لن يكن بامكاننا خوض اي حرب اخرى.

جواب عمار: أسئلة في مكانها عزيزتي عشتار، ولا أدري لها جواباً غير الدعوة إلى السعي المستمر والدؤوب لتجربة مقاربات جديدة قد تنفع بعضها في الاستحواذ على اهتمام بعض النخب الشبابية المتميّزة.
في الواقع، أعتقد أننا بحاجة إلى طرح نمط جديد من الانتماء والدعوة له بطريقة منهجية قد لا تختلف في أساسها عن الوسائل التبشيرية المتبعة عادة، لكن الاختلاف يكون في المنهج والرؤية وفي الاصرار على الأساليب السلمية الأكثر انفتاحاً نحو الآخر واحتراماً لحقوقه.

علينا أن لا نطرح أنفسنا بخجل على الساحة، بل بثقة العارف (أو العارفة طبعاً)، لكن العارف هنا من نوع مختلف، فهو قادر على مراجعة ذاته وأساليبه وأفكاره في كل لحظة، لأنه يعرف أن قوته وقدرته على التعامل الفعّال مع المتغيّرات من حوله تكمن في هذه المراجعة، فهذا العارف لا يطرح عقيدة جديدة على الساحة، بل عقلية جديدة وروح جديدة وطريقة جديدة في التعامل مع الواقع بتعقيداته وتحوّلاته.


المسألة العلوية
28 أيلول، 2006 / مدونة زندقة / عن أمارجي

على موقع "سيريا كومنت" ثمّة ركن لافت لكاتب ضيف يطرح فيه القضايا بالغة الأهمية الخاصة بالحكم العلوي في سوريا من وجهة نظر علوية كانت غائبة إلى الآن. ويقوم هذا الركن بعمل جيد في تلخيص ما يهم العلويين، ويطرح أسئلة معينة يطالب أبناء الطوائف الأخرى في سوريا بالإجابة عنها لإقناع العلويين في لعب دور في تغيير الأوضاع في البلد واتخاذ وجهة مناوئة لآل الأسد.

والحال، أن قضية الانقسام السني-العلوي، أو الانقسام العلوي–جميع الآخرين إذا أردتم، هي واحدة من القضايا الأساسية، إِنْ لم تكن القضية الأساسية، التي تحتاج إلى تناول كيما يكون للتغيير السلمي فرصة في البلد. وقد عُنِيتُ بهذه القضية في هذا الموقع عدداً من المرات من قبل، غير أنَّ عليَّ القول إنّ التعليقات غالباً ما كانت تنزع إلى العمومية المفرطة، والبعد عن الإلهام.

إنني أعتقد الآن أن أفضل طريقة لتناول هذه القضية تتمثّل في عقد ندوة للمثقفين والخارجين على النظام المعروفين بقصد التوصّل إلى مسودة اتفاق أو ميثاق وطني يتم فيه تناول هذه القضايا جميعاً. وعندئذٍ، يمكن أن نطالب جماعات المعارضة السورية بأن توقع عليه. ومن ثم يتم دعوة من وقّع إلى مؤتمر عام (يحضره المثقفون بصفتهم الشخصية ، في حين يُطْلَب من الجماعات المنظمّة إرسال وفود تمثّلها لا يزيد عدد أعضائها على 10 ممثلين) تجري فيه انتخابات لتشكيل حكومة في المنفى تشتمل على برلمان، ورئيس وزراء وحكومة مصغَّرة.

فقد يُثْبِتُ هذا الجمع بين طابع وطني وحكومة منفى منتخبة أنه صيغة جيدة تثير اهتماماً شعبياً ويدعمها الطيف السياسي والطائفي في البلد.

غير أننا نحتاج، في سياق مناقشة القضايا ذات الصلة، إلى أن نهتمّ بعدد من النقاط:

أولاً، على الرغم من شكّ كثير من العلويين بأن السّنة معادين لهم، إلا أن قلة من السنّة وحسب هي التي تناهض العلويين في حقيقة الأمر. صحيح أن معظم الخارجين على النظام في سوريا هم من السنّة، لكن جلّهم كانوا ليرضون، في السنوات القليلة الأولى من حكم بشار، لو أنه نفّذ بعضاً من الإصلاحات السياسية الضرورية. ولأنَّ كثيراً من هؤلاء السنّة هم علمانيون في الحقيقة، على الرغم من نزوعهم المحافظ في كثير من القضايا الاجتماعية، فإن استمرار الحكم العلوي بضع سنين أخرى كان ليعمل، من وجهة نظرهم، كضمانة في مواجهة الحكم الإسلامي. غير أنَّ هذا الخط من التفكير كان خطاً واهماً في واقع الأمر، وسبيلاً اتّبعه الزعماء السنّة للتنصّل من مسؤوليتهم تجاه طائفتهم. ذلك أن أحداً لا يمكنه أن يستوعب المتعصبين لدى سواه. وعلى كل الحال، يبدو من الواضح أنَّ النافذة قد أُغلِقَت الآن على هذه المسألة. ومعظم الخارجين على النظام وشخصيات المعارضة من السنّة، داخل البلد وخارجه، قد انتقلوا إلى تبنّي الالتزام الكامل بتغيير النظام.

ثانياً، نحتاج أيضاً لأن نبقي في الأذهان أنَّ التصورات التي نُعْنَى بها، على الرغم من شعبيتها في المناطق المعنيّة، ليست صائبة تاريخياً بالضرورة. خذوا مثلاً شكاية العلويين من سوء معاملة السنّة لأسلافهم. فمثل هذا القول ليس سوى تعميم مفرط. وحقيقة الأمر، أن كلاً من الإقطاعيين الذين أساؤوا المعاملة والفلاحين الذين أسيئت معاملتهم كانوا من خلفيات طائفية متعددة، بما فيها المسيحية والإسماعيلية والسنية إضافة إلى العلوية. بل إنَّ العلاقات بين الإسماعيليين والعلويين لا تزال تنزع إلى اليوم لأن تكون متوترة بشأن هذا الموروث، الأمر الذي تدّل عليه الصدامات المتعددة التي جرت في العام 2004. غير أن الديمغرافيا هي الديمغرافيا، ويبقى السنة هم الأغلبية، ولذلك يُبَالَغ في تصوير مشاركتهم في جريمة الاضطهاد من كل الأطراف، على الرغم من أنهم يمثلون عددياً غالبية الضحايا أيضاً. لذا، وبالرغم من أنه ليس بوسعنا أن نتجاهل حقيقة هذه الانطباعات الشعبية، التي تمثّل العلويين كضحايا للسنة، أو السنة كضحايا للعلويين، لا نستطيع، كنخب قيادية في المجتمع السوري، سواء كنا منتخبين أم لا، وسواء كنا (وغيرنا) سعداء بهذه الصفة أم لا، لا نستطيع أن نوافق على هذه التصورات والانطباعات التبسيطية، وإلا لتقوّضت بشدة قدرتنا على إجراء مناقشات ذات معنى مع بعضنا بعضاً.

ثالثاً، ينبغي أن يكون واضحاً هنا إنَّ إجراء انتخابات ديمقراطية لا بدّ أن يعبّد الطريق أمام دور سني كبير، بل مسيطر، في عملية صنع القرار، نظراً لكون الديمغرافيا على ما هي عليه. ولذلك، إنْ لم يكن بمقدور الناس أن يقبلوا بهذا الأمر، فمن الأفضل إذاً أن يكفوا إذاً عن الادعاء بإنهم مهتمين حقاً بالديمقراطية. ولكن، وبدلاً من المراهنة على تطوير نظام سوف يواصل تهميش الأكثرية، ويزيد تالياً من توحّدها الطائفي، نحتاج لأن نقوم بترتيبات جديدة معينة بغية الحيلولة دون صعود أي شكل من أشكال الحكم السلطوي سواء ارتكب سلطويته هذه باسم أكثرية معينة أو أقلية معينة، كائنة ما كانت. فالمطلوب هنا هو منظومة من الكوابح والتوازنات تقوم على مبدأ المحاسبة العامة، والشفافية، وحكم القانون، واحترام الحريات الأساسية.

رابعاً، وينبغي هنا أن نتصور دوراً للجيش يقوم على حماية المنظومة آنفة الذكر، كما هو الحال في تركيا، بل ويُفَوَّض لفترة معينة من الزمن، لتسكين المخاوف السائدة لدى عدد من طوائف الأقلية، دع عنك السنّة العلمانيين، مهما تكن ميولهم السياسية. ولكن حتى هذا التدبير لا يمكن تحمله إلى الأبد. ونحن جميعاً نحتاج، في التحليل الأخير، لأن نتعلّم كيف نثق بعضنا ببعض من جديد ونبني جسوراً بين الطوائف المختلفة ومؤسسات ترمي إلى تمتين الروابط بين الطوائف (وهنا يخطر في الذهن ما نقوم به من نشاط في مشروع ثروة).

خامساً، الوضع الراهن لن يدوم إلى الأبد، وسوف يأتي التغيير عاجلاً أم آجلاً، وسوف يأتي، في الواقع، بأسرع مما يتوقّع أيّ منا. فالعام 2006 ليس في النهاية العام 1006، والأمور تجري بوتيرة سريعة. والأسر الحاكمة لن تبقى لمئة سنة أخرى قطعاً. ولذلك، فإنَّ على العلويين أن يفيدوا من حقيقة أنهم في موقع السيطرة في هذه المرحلة، وأن يحاولوا استغلال وضعهم هذا لعقد أفضل صفقة ممكنة. إذ كلما أخّروا أمد ذلك، زاد إحباط السنّة وزاد تعصّبهم وتصلّب مواقفهم. والحقيقة، أنّ علينا أن ننتبه هنا إلى أنه مثلما توجد داخل الطائفة العلوية تيارات ترتاب في التغيير، فإن هناك داخل الطائفة السنيّة أيضاً تيارات تريد هذا التغيير مهما كان الثمن، ومستعدّة لأن تنتظر اللحظة المناسبة للقيام بذلك. وهذه التيارات السنية تزدهر في البلد الآن بفضل رعاية آل الأسد الذين يعتقدون أن بمقدورهم السيطرة عليها، وهذا وهم مطلق بالطبع. والوحيدون الذين يمكنهم أن يستوعبوا هؤلاء المتعصبين السنّة كما لاحظنا من قبل، هم المعتدلون السنّة، والطريقة الوحيدة لتمكين المعتدلين السنّة من فعل ذلك هي بعقد صفقة مع العلويين تعطيهم دوراً في عملية صنع القرار تكون أكثر تناسباً مع وزنهم الديمغرافي والاقتصادي. فكما لا يستطيع السنّة أن يتخلّصوا من آل الأسد وحدهم. لا يستطيع العلويون أن يستوعبوا المتعصبين السنّة وحدهم. والآن أكثر من أي وقت آخر، يحتاج المعتدلون من جميع الأطراف بعضهم بعضاً.

في الصراع لاستيعاب الأزمة الوشيكة نحتاج لأن نعلم أنَّ الزمن ليس في صفّنا، وأنَّ السبيل الوحيد لجعله في صفّنا هو حين نشرع في مسيرة صحيحة ونأخذ نحن بزمام المبادرة في تسوية أمورنا، إذ لم نقم بذلك منذ مدة طويلة، وانظروا إلى أين أوصلنا هذا...


فري مان: يجب ألا ننسى أن من أهم أسباب اندفاع المواطنين العلويين إلى التمسك بالسلطة الحالية عاملين اثنين: العامل الأول الجهل السياسي لدى أفراد الطائفة، أما العامل الثاني فهوازدياد التعصب الديني وظهور الجماعات الإرهابية وتعزيز دورها في المنطقة.

أما ما يقال عن سوء معاملة السنة لأسلافهم فهو في الحقيقة كلام غير دقيق، حيث أن المتدوال في الوقت الحالي هو الربط ما بين الأنظمة السياسية وما بين الشعوب والأوطان، وما أقصده هنا هو أن بعض أفراد الطائفة العلوية يظنون بأن العثمانيين الذين قاموا بملاحقة العلويين هم نفسهم سكان دمشق من السنة، ولكنهم يغفلون حقيقة بطش العثمانيين بأهالي دمشق نفسهم وأهالي سوريا وتفقيرهم وتهجيرهم.

ومن أهم ما يجب التركيز عليه في الفترة الحالية هي دولة المواطنة، أي الدولة التي لا تقوم على مبدأ الأكثرية أو الأقلية، وإنما على مبدأ احترام جميع أفرادها، والمساواة بينهم في الحقوق والواجبات، وحماية مصالحهم، والحفاظ على ثقافاتهم ومعتقداتهم وحياتهم، هذه الدولة هي الدولة الوحيدة القادرة على لم شمل السوريين جميعا دون تفريق بينهم.

وليتنا نستفيد من أفكار الفيلسوف السوري الكبير "عبد الرحمن الكواكبي" الذي أشار قبل أكثر من 100 عام إلى ان التعدد هو نعمة يجب الاستفادة منها كما فعلت أميركا التي قامت حضارتها على جهود شعوب أتتها من كل أنحاء الأرض واستطاعت أن تجد صيغة توحدها وتجمعها في بلد واحد.

جواب عمار: هذا بالضبط ما علينا أن نقوم به، بشكل أو آخر، ومهما كان التحدي الماثل أمامنا كبيراً، لأن سورية لن تنهض إلاّ على أساس التعددية واحترام الآخر والمواطنة.


هل سنحافظ على وجودنا؟
7 تشرين الأول، 2006 / مدونة زندقة / عن أمارجي

هل السلام والاستقرار جيدان دائماً مهما كان الثمن؟

لا، أنا لا أطرح هذا السؤال لأن ثمة أجندة ما في ذهني، أو لأنني أسعى إلى الدفاع عن نوع ما من العنف في المنطقة. بل أطرحه بالأحرى لأنني أشعر أننا نندفع أكثر فأكثر نحو فوضى أو حروب إقليمية في الأشهر أو السنوات القادمة، جراء ضغوط خارجية وداخلية. أتساءل فقط هل هذه الحروب والفوضى شيء سيء بالضرورة، أو على الأقل، هل هي الشيء السيء الوحيد.

فالسلام والاستقرار اللذان يبدو أن جميع "الواقعيين" يدافعون عنهما من أجلنا، يقدمان استناداً إلى اعتبارات سياسية "واقعية" محضة، بشكل يؤدي إلى حرماننا من أية إمكانية لتحقيق أي نوع من التحسين في وضع الحقوق السياسية والإنسانية الأساسية في المنطقة. من شأن ذلك أن يحبط أية إمكانية لنشوء حكومات أكثر مسؤولية وأكثر تعرضاً للمحاسبة، كما من شأنه أن يضع جميع ناشطي حقوق الإنسان وجميع المدافعين عن الديموقراطية وجميع المنشقين السياسيين تحت رحمة أنظمة أظهرت طويلاً أنها لا ترحم.

على هذا، يمكن أن يكون السلام والاستقرار اللذان يقدمان لنا مقبولين من جميع الفاعلين، بما في ذلك الأنظمة الحاكمة والقوى المسيطرة، أمريكا وفرنسا والصين وروسيا وإسرائيل. حتى أنهما قد يؤمنان بعض الحاجات الأساسية للناس لوقت قصير. ولكن هذا الوضع لن يكون مقبولاً لا من العناصر الليبرالية المنفتحة ولا من العناصر الإسلامية والقومية المتطرفة، ومعظمهم من الجهاديين. ذلك أن هؤلاء لا يمكنهم إحراز أي تقدم فيما يتعلّق بأجندتهم في ظل السلام والاستقرار اللذان يمكن لأنظمتنا الشهيرة أن تنتجهما.

ولكن في حين يمكن أن يبقى الجهاديون ميالين للتمرّد وإحداث الفوضى، حتى ولو كان عددهم قليلاً (دعونا لا ننسى أن عدد الأخوان المسلمين الذين استخدموا العنف في سورية أواخر السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي لم يتجاوز بضع المئات)، فإنه ليس بمقدور الليبراليين فعل ذلك. بالنسبة لمعظم الليبراليين، يشكل التمرّد العنيف خيانة للمثل الأساسية التي يدافعون عنها. ولكن بالنسبة لبعض الليبراليين الذين يمكن أن يفكروا بالعنف، فإن مثل هذا التمرّد يتطلّب شروطاً نفسية وإيديولوجية معينة لا يبدو أنها متوفرة، على الأقل في المرحلة الحالية. وعليه، الأرجح أن يتحوّلوا إلى انتحاريين وليس إلى قتلة.

في هذه الأثناء، فإن العمل على بديل سلمي بأمل إحداث ثورة زهور أو ألوان كما حدث في الآونة الأخيرة في عدد من دول العالم في القفقاس وآسية الوسطى وأوروبا الشرقية، قد يكون أمراً مستحيلاً في بلدان يكاد يكون المجتمع المدني فيها ميتاً. ومع ذلك فإن هذا هو الأمل الوحيد الذي يحمله الليبراليون، إذا ظلوا صادقين مع أنفسهم.

لكن، حتى لو حدثت مثل هذه الثورة، والتي غالباً ما سيشارك الليبراليون بدور منظِّم وفاعل فيها، إلى جانب عناصر أخرى، بما في ذلك بعض من التيارات اليسارية والقومية والإسلامية المعتدلة، فلن يبرز، على الأرجح، في قيادتها أي ليبرالي في الظروف الراهنة. إذ، سوف تبقى المجتمعات محافظة بشكل لا تقبل معه بأي قائد ليبرالي.

لا، لا يبدو أن هذه هي الأوقات المناسبة لليبراليين. ولكن بعد ذلك، لن تصبح الأوقات مناسبة لهم تلقائياً. إذ لابد للأوقات المناسبة أن تُصنع لا أن تُنتظر. نعم، على الليبراليين أن يستجلبوا فرصتهم. فإذا كان تأثيرهم ضعيفاً على مسار الأمور في هذه المرحلة، وحتى إذا كان يبدو أنهم على وشك أن يُتركوا لقمة سائغة للأنظمة، فإن أفضل ما يمكنهم القيام به هو محاولة اجتراح آليات للبقاء وحتى للتوسع السرّي.

ففي التحليل الأخير، سيؤدّي السلام والاستقرار الذي ينادي به الواقعيون، والفوضى البنّاءة التي ينادي بها المحافظون الجدد، ناهيك عن الفوضى المحضة للمتطرّفين الجهاديين، إلى القضاء المبرم علينا، نحن الليبراليين. فإذا ما فشلنا في تغيير الوضع الراهن بفاعليتنا المستقلة، يبقى أفضل ما يمكننا القيام به في هذه المرحلة هو – الحفاظ على النفس.


مجرم بريئ قال: مداخلة عظيمة!!! تطرح سؤالاً فظيعاً. ولكن برأيي المتواضع، سيكون الجواب دائماً "ذلك يعتمد على الظروف". يعتمد على ما يأمل البشر بالتخلص منه والأهم بماذا يضحّون لتحقيق ذلك. السلطة مثل أشياء كثيرة في الحياة تستجيب لمن يريدها بقوة أكبر. ولسوء الحظ، فالليبراليون أبعد ما يكونون عن القتال من أجل السلطة. الأمر الذي يترك الساحة شاغرة للمحافظين الجدد والجهاديين، لا أعتقد أن الليبراليين يقاتلون إلا حين تتعرض حياتهم للخطر المباشر، وحتى عندئذ، ستفضّل الغالبية الهرب بدلاً من المواجهة. إذ، لايوجد أي حس حقيقي بالمبادرة هنا.

قد لا يكون لهذا علاقة مباشرة بسؤالك، لكني أريد أن أتناوله وأسأل "لماذا؟". لماذا تحفل منطقتنا بأكثر الملكيات المطلقة في العالم (باستثناء مملكة بوتان وبروناي وسوازيلاند) وتبقى الأنظمة الأخرى مزيجاً من الديكتاتوريات والأنظمة التسلطية الشمولية؟ ولماذا يقع اللوم علينا، نحن الضحايا (سواء ليبراليين أو غير ذلك)؟ هذا سؤال يحيّرني. إذا كانت الديموقراطية من أهداف واشنطن، فلماذا تدعم الكثير من هذه الأنظمة؟ لماذا؟

أليكس قال... مداخلة عظيمة بالفعل..ككل مداخلات عمار الأخيرة.

ولكن لدي مشكلة مع الافتراضات والتعميمات، حتى بالنسبة للقضايا التي تبدو واضحة، مثلاً:

1. ليس "الليبراليون" دائماً على حق. إنهم يريدون قيادة غالبية الشعب الجاهل نحو مستقبل أفضل وأزهى، ولكن ليست لديهم تجربة عملية في الحكم وآمالهم لن تغير بالضرورة الواقع إلى ما هو أحسن مما يقدمه "الديكتاتوريون". فقد يكون الليبراليون ليسوا أقل خطورة من المحافظين الجدد أو من "الواقعيين".. لماذا نفترض أن لدى الليبراليين حلاً لكل المشاكل؟

2. الديكتاتوريون ليسوا دائماً مخلوقات هدّامة وشريرة كما يوصفون دائماً. هناك ديكتاتوريون يتمتعون بشعبية كبيرة، ويقومون بما فيه الخير لبلدانهم... أتاتورك كان ولا يزال يحظى باحترام كبير في تركيا. ومكانته هناك أعلى من مكانة حافظ الأسد في سورية، ومع ذلك، لم تحاول تركيا (الديموقراطية اليوم) تشويه سمعة أتاتورك.

3. خذ أيضاً الملك فيصل ملك السعودية، والشيخ زايد في الإمارات العربية... هناك "ديكتاتوريون" لهم "احترام" من غالبية شعوبهم.

واضح أنني لا أدافع عن الديكتاتوريات. ولكني أفسّر لماذا لا يناصر "الواقعيون" دائماً وبالضرورة الليبراليين في وجه الديكتاتوريات.

عمار قال: بالفعل أليكس، أنا معك أن الليبراليين ليسوا دائماً على حق وأن الديكتاتوريين ليسوا دائماً سيئين، وهذا يزيد من تعقيد الموضوع. ولكن، وفيما يتعلق بمنطقتنا، معظم الديكتاتوريين كانوا سيئين، لأنه لم تتمكن ولو ذرة تنوير واحدة أن تتسلل إلى رؤوسهم، ومثالي المفضل هنا بالطبع، الأسد القديم والجديد، مع التأكيد على الجديد.

طارق أيضاً يطرح سؤالاً مهماً، سؤال لا أعتقد أن من الممكن الإجابة عليه دون مراجع ثقافية، ولكن الجواب يحتاج أيضاً إلى مستند اقتصادي ونفسي، يعني هل سيتصرف أي شعب في نفس الظروف والخلفية الدينية والثقافية إذا وضع ضمن السياق الاقتصادي والجيوسياسي نفسه الذي تجد شعوب المنطقة نفسها فيها اليوم، بنفس الطريقة؟ لا بد أن أتوسع في هذه النقطة في مقال قريب.

أما بالنسبة للسياسة الأمريكية فأعتقد أنها، كسياسة أية قوة عظمى في التاريخ، تعمل لمصالحها سواء قادت إلى الديموقراطية أم لا. قد يكون هذا غير أخلاقي، ولكن متى كانت الدول تتعامل على أساس المبادئ الأخلاقية، حتى لو كانت تزعم ذلك، بل خصوصاً حين تزعم ذلك. ما هو النهج المفضل حيال الانتصارات الإسلامية التي يغرم بها المداحون المسلمون؟ "جئنا لنخرج العالم من جور الأديان إلى عدل الإسلام". بالطبع. لم يكن هناك علاقة بين الغنائم والسلطة وبين هذه الانتصارات أبداً، بالرغم من أن المسلمين الأوائل دخلوا في حروب أهلية مهدت الطريق للكثير من الانشقاقات حول هذه القضايا بالذات.

غسان كرم قال... لكلّ شيء ثمن. إذا كان ثمن الاستقرار السياسي هو التضحية بالمبادئ الديموقراطية والكرامة البشرية فإن الثمن باهظ إذن. لا شيء في العالم، لا ظروف مهما تكن، يمكن أن تبرّر الديكتاتورية والحكم المستبد. إذا كان تأمين الحاجات الأساسية يجعلنا نقبل بالديكتاتورية فيجب أن نقبل إذن بالعبودية التي تؤمّن المأوى، وبالاستغلال الذي يؤمّن الطعام. هذه مبادئ أخلاقية يجب أن لا نساوم عليها. هذه أفكار لا تقبل التفاوض لأنها أساسية.

يجب أن تقاس أعمال الفرد دائماً بما هو أخلاقي وصحيح. علينا القيام بما هو صحيح بصرف النظر عن النتيجة. في الواقع إذا كنا لا نقوم بما هو صحيح إلا حين نضمن أن تكون ردة الفعل إيجابية، فليس لفعلنا نصف أهمية قيامنا به حين نعلم أن ردة الفعل ستكون سلبية ومؤلمة. من السهل أن يقول المرء الحقيقة حين يعلم أنه في منأى عن العقوبة، ولكن الأقوياء هم من يرفضون الكذب حتى لو كان هذا السلوك يجر عليهم الصعاب. هذه القضية لا تشكل معضلة بالنسبة لي، لأنني دائماً حين أواجه سؤال هل يمكن تبرير السلوك الخاطئ أتذكر أفلاطون [سقراط وليس أفلاطون – المترجم] الذي رفض أن يكسب حياته مقابل أن يقر بالباطل.

عمار، المنطق نفسه المذكور آنفاً يقضي بعدم وجود شيء اسمه ديكتاتور جيد. من المستحيل أن تكون وأن لا تكون في الوقت نفسه.

أليكس قال... غسان، إن هذا الكلام نظري جداً بالنسبة للقسم الأكبر من الشعب الذي يعيش في ظلّ هذه "الديكتاتوريات"... فما يهم هذا القسم ليس فقط حاجاتهم الأساسية (الأمن والخبز) ولكن لديهم أيضاً اختيارهم الخاص "للمبادئ الأخلاقية"... في حالتك، الحرية والديموقراطية، وفي حالتهم يمكن أن تكون "مواجهة المحتلّين لأرضنا".

السوريون قدّروا حافظ الأسد لأنه جعل لسورية وزن دولي. وكان فخر السعوديين بالملك فيصل يعود في جزء منه إلى أنه كان مسلماً صالحاً. وافتخر الموارنة اللبنانيون بميشيل عون وبشير الجميل لأنهما وقفا في وجه السوريين... الخ.

على هذا لا يقتصر القبول بدور الديكتاتور دائماً على أنه يحقّق الحاجات الأساسية مثل "الخبز"، الشيء الذي يشبه، كما أشرت أنت بحق، المنطق الذي يبرر العبودية.

هل تشعر أن من حقّك أن تعتبر أن على الجميع في هذه البلدان أن يشاركك القيم والمبادئ الأخلاقية التي تحملها أنت وغيرك من الليبراليين؟

غسان كرم قال... أليكس، الجواب القصير لسؤالك هو نعم بالطبع. لماذا أختار شيئاً لنفسي إذا كنت لا أريد غيري أن يختاره أيضاً. لكن، يجب أن أضيف، لكي لا يساء فهمي، إنني لن أرغم أحداً على تبني آرائي وأنا سأحترم آراءهم.

الملك فيصل وحافظ الأسد وبشير الجميل (الأمثلة التي استخدمتها) لا يقبلون بالآخر ولايمكنهم احترام حقوق الإنسان. لذلك، أرفضهم تماماً. إذا كان هذا ما تحسبه الفطنة السياسية، يمكنك أن تؤلّف مجلدات إذن عن النضوج السياسي في العالم العربي. لا عجب في أننا في آخر قائمة التطور الاقتصادي وفق كل المقاييس.

بالمناسبة، أعتقد أن نظاماً ديموقراطياً كان سيحقق من النجاح أكثر من هذه الديكتاتوريات المفلسة من حيث استعادة الأرض ومن حيث المستوى المعاشي. الإبداع في كل المجالات له فرصة كبيرة للازدهار والإثمار في ظل نظام سياسي متسامح محترم وعلماني.

أبو كريم قال...  غسان، رغم أنني أتفق معك في المبدأ، إلا أن موقفك الإطلاقي، وإن كان ينطبق على سلوك الأفراد، فإنه لا ينطبق بالضرورة على سلوك الدول. يمكن للولايات المتحدة أن تزعم أنها ديموقراطية ليبرالية منذ 200 سنة، ولكن خلال فترة طويلة من هذا التاريخ استمرت فيها العبودية ووصل التمييز إلى زمننا (زمني). إذن العملية تطورية، فأنت لا يمكنك أن تخرج من ديكتاتورية مستبدة إلى ديموقراطية ليبرالية مكتملة بين ليلة وضحاها.

عمار، أنت تفترض خيارين أحلاهما مر: سلام واستقرار الواقعيين مقابل الفوضى. هل نحن مأسورون حقاً لهذين الخيارين أم أن خيالنا هو القاصر؟ إن استخدام العصا مع نظام محصور ومذعور سيدفعه إلى الرد بصورة لا عقلانية، ما رأيك بجزرة تخرجه من الزاوية التي يحشر نفسه فيها؟ أنا لا أدافع عن بقاء الوضع الراهن، ولكن لنمزج بين العصا والجزرة ونحن نسعى إلى ابتكار حوافز من أجل تغيير إيجابي، نوع من السلام بدون استقرار إن شئت.

عمار قال... أعتقد أن أليكس كان يحاول القول إن الديكتاتور يمكن أن يكون "نافعاً" بعض الشيء، وليس جيداً بالمعنى الأخلاقي. لا نعرف كيف كان يمكن لتركيا أن تتطور إلى ديموقراطية دون أن تمر بتلك المرحلة الانتقالية الأوتوقراطية المتمثلة بمصطفى كمال، ولكني أقول إنه ما من أحد من الديكتاتوريين الذين يحكموننا قادر على تعبيد الطريق لمثل ذاك التطوّر، وأخص بالذكر منهم الأسد الأب والابن.

فري مان قال: برأيي انه في المرحلة القادمة يجب ان يكون النظام ديكتاتورياً، ولكن بآلية عمل ومؤسسات ديمقراطية، ورغم التناقض الذي يبدو في كلامي هذا إلا أن له مبرراً منطقياً يعود إلى تعمق الفكر الديكتاتوري الرافض للرأي الآخر في طبقات شعبنا المختلفة.

ديكتاتورية النظام يجب أن تكون من خلال توفير آلية عسكرية لحماية النظام العلماني الديمقراطي الحر ودعمه، أما الديمقراطية فتكون من خلال الحريات العامة التي يكفلها الدستور ويحميها القانون كحرية التعبير عن الرأي بشكل سملي، وحرية الانتخاب والمساواة بين جميع المواطنين وغيرها.

إن عدم وجود شكل من أشكال الديكتاتورية التي تدعم الحرية هي ما أودى بنا إلى وضعنا الراهن، والمشكلة تكمن حقيقة في أن القوى الليبرالية - كالحكم الوطني السوري في فترة الخمسينات - لا تؤمن باستخدام العنف كحل، عدا عن طبيعتها الرومنسية الانسحابية التي تقودها إلى الهروب من الواقع إلى الخيال بإقامة دولة علمانية عادلة دون أي تضحية وهذا برأيي مستحيل.

عمار قال: التغير دون تضحية أمر مستحيل طبعاً، والنموذج التركي للتغير يبدو مغرياً بالفعل، لكن المشكلة تكمن في مدى جاهزية وقدرة الكوادر العسكرية الوجودة في سورية حالياًعلى إدارة عملية انتقالية من هذا النوع وعلى تأمين المتابعة اللازمة لها، مع معرفة الزمن المناسب للانسحاب والسماح للحياة السياسية المدنية بأخذ أبعادها الديموقراطية كاملة عندما يأتي الوقت المناسب. وكلها تحديات صعبة، وربما كانت مستحيلة في هذا الوقت.


نحن البرابرة
8 تشرين الأول، 2006 / مدونة زندقة / عن أمارجي

هل تحول فجأة جميع القادة الدينيون والسياسيون في ما يسمى العالم الإسلامي، إلى أميين؟ أم أنهم يتقصدون استخدام كل فرصة سانحة لكي يثبتوا بالفعل ما لا ينفكوا ينكرونه بالكلام، أقصد: أن يثبتوا أن الحضارة والثقافة الإسلاميتين في عداد الأموات، وأن المسلمين مصرون على مواصلة سقوطهم الحر باتجاه البربرية؟

لم يكتب البابا بنديكت السادس عشر دراسة مطولة ضد الإسلام، بل قدم محاضرة موجزة، لا يتجاوز عدد كلمات نصها 3500 كلمة، أشار فيها إلى الإسلام مرتين فقط، في بداية المحاضرة وفي نهايتها. وكل من كلف نفسه عناء قراءة كامل النص، اكتشف ولا بد أن الإشارتين المذكورتين لم يكونا في إطار إدانة لاهوتية ما للإسلام نفسه، بل للظروف التي أحاطت بولادته التاريخية، هذه الظروف التي تطرح بالفعل أسئلة هامة عن العلاقة بين الإيمان والعنف.

إن البابا، في إثارته هذه القضية، لا يظهر أي علامة من علامات الجهل بالإسلام، كما أصر الكورس الأول من المنتقدين، على العكس، فالبابا يعرف تماماً الآية القرآنية التي يكثر الاستشهاد بها: "لا إكراه في الدين". ولكنه يدرك أيضاً أن هذه الآية نزلت حين كان "محمد لا يزال بلا سلطة ولا يشكل تهديداً"، وأنه حين قويت شوكة محمد فيما بعد، نزلت تعاليم جديدة في القرآن تتعلق بفرض الجهاد. كما كان البابا يدرك التعامل المختلف في هذا الخصوص تجاه "أهل الكتاب" و"الكفار". ولكن هذا، حسب البابا، لا يبرّر لمحمد "نشر الإيمان الذي يدعو إليه بالسيف"، حسب تعبير الامبراطور البيزنطي مانويل الثاني، الذي استشهد به البابا.

في الوقت الذي تستمر فيه ممارسة العنف باسم الإسلام، وفي الوقت الذي يقصر فيه الفقهاء المسلمون في رفع صوتهم بوضوح ضد هذا الميل، فإن طرح هذه القضية مشروع تماماً، ولاسيما في سياق دعوة البابا مؤخراً لإجراء حوار بين الثقافات ولقبول أهمية الإيمان، بكل تلاوينه، في العالم المعاصر. إن مهاجمة الشخص الذي طرح هذه القضية، يعني ببساطة أن المسلمين في كل أرجاء العالم غير مستعدين للحوار.

إذا كان الشيء الوحيد الذي يمكن للمسلمين فعله في هذه المرحلة هو اللجوء إلى العنف والاحتجاج كلّما تعرضت عقيدتهم للنقد، سواء من قبل شخصيات محلية أو من قبل إصلاحيين أو مثقفين أجانب، فما هو الدور أو المكانة التي يرسمونها لأنفسهم في العالم؟

لماذا لا يتبنى المسلمون مقاربة فاعلة لهذه المسائل، بأن ينظموا لقاءاً دورياً ما تتم فيه مناقشة بعض القضايا الإشكالية، مثل الجهاد والإرتداد وحرية الضمير والحرية الأكاديمية والعلاقة بين الإسلام والدولة، لكي لا نذكر القضايا الإشكالية العريقة مثل العلاقة بين الجنسين وقضايا الجنس، ويتم فيه إعادة تحديد موقف المسلمين من هذه القضايا على نحو مستمر؟

حقاً، سيكون هناك الكثير من الأصوات المعارضة، ولكن إذا اجتمع عدد من العلماء المشهود لهم واقترحوا وثيقة يمكن أن تستخدم كإطار مرجعي من قبل الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، فسيكون حال المسلمين في كل العالم أفضل لتقديم أنفسهم كشركاء حقيقيين في صناعة الحضارة المعاصرة، بدل أن يكونوا بقايا وعوائق مثيرة للمتاعب.

لا يمكننا أن نستمر في منح نفسنا الحق في نقد الآخرين لما فعلوه وما يفعلوه بنا، دون أن نمنحهم الحق أيضاً في نقدنا لما فعلناه ونفعله بهم. هذه إحدى مبادئ التعاليم التي يشترك بها المسيحيون والمسلمون، وهي ملائمة تماماً لهذه الحالة. ولكن إذا واصلنا إغماض العين عن حقائق تاريخنا وعن أثره، الحقيقي أو الموهوم، على الآخرين، فلن يكون لنا الحق الأخلاقي في عرض المظالم المرتكبة بحقنا في هذه المرحلة.

منذ وقت قريب ثارت حفيظة المسلمين عندما اعتذر الفاتيكان لليهود عن الطريقة التي عاملتهم بها الكنيسة عبر التاريخ. وقام المسلمون على الفور بمطالبة الفاتيكان بتقديم اعتذار مشابه لهم عن الحملات الصليبية. بهذه البساطة أراد القادة والفقهاء المسلمون نسيان احتلالهم لأراضي كنسية وأسلمتها. ولم ير الكثيرون منهم، ولا يزالون لا يرون، رغم كل محاولات الشرح، التناقض والسخرية المتضمنة في موقفهم هذا.

إلى هذا الحد تبلغ قناعتنا بصواب مواقفنا بحيث أننا لا ندع مجالاً لأي شك ممكن لأن يتسلل إلى أذهاننا وأرواحنا ويطال الطبيعة المقدسة لتاريخنا ومعتقداتنا. إنا لا نراجع أي شيء، ولا نعيد النظر بأي شيء. يبدو أن كل الدراسات الفكرية عندنا توقفت منذ ألف عام. والمحاولات المتقطعة الهادفة إلى إحيائها طوال القرن الماضي انتهت بالإخفاق التام. والمحاولات التي تتم اليوم أكثر خيبة من سابقاتها. ولا نجد لدى التيارات الإسلامية القائمة اليوم أيّ مكون فكري أو دراسة فكرية في صميمها، بل مجرد تأكيدات، غالباً ما يعبر عنها بالسلب، ويتم تقديمها في أغلب الأحيان على شكل تعداد نقطي.

أما بالنسبة للتيارات العلمانية عندنا، فهي بالفعل نتاج صاف للإيديولوجيات الغربية، ولم يتم حتى الآن تقديم محاولة جادة واحدة لشرح هذه التيارات في سياق التجربة التاريخية الإسلامية. وقد يكون مثل هذا المشروع مستحيلاً في هذه المرحلة، نظراً إلى سعة الهوة بين هذه التيارات وبين التقليد الإسلامي. ولكن قد لا يكون من الضروري ربط هذه الأفكار والإيديولوجيات بالتقليد الإسلامي. ربما ما نحتاجه هو فقط تطوير هذه الأفكار وفق منطقنا الفريد، وعلى أساس تجاربنا التاريخية والحاضرة.

ولعل كل ما نريده هو أن نتعلم كيف نفكر من جديد، من نقطة الصفر، لأنه في بعض الحالات، ولاسيما عندما لا يكون تعاملنا مع علوم رياضية، نحتاج بالفعل إلى إعادة اختراع الدولاب لكي نقدر قيمته أكثر.

لذلك، ربما كان الأولى أن يقوم المثقفون الليبراليون بتنظيم اللقاء الذي اقترحته آنفاً، بالتعاون مع الفقهاء المسلمين مثل جمال البنا، الذين أبدوا شجاعة كافية وإبداعاً ومجازفةً في أن يصبحوا شركاء حقيقيين في عملية جديدة تهدف في النهاية إلى إدخالنا في العصر الحديث.

لا يسعنا أن نصمت أكثر من ذلك. صحيح أن احتجاجاتنا قد جعلت البابا يعتذر ويسحب ما قاله، وقبل ذلك، استطعنا أن نعاقب الدنماركيين على رسوم الكاريكاتور المثيرة للخلاف، ولكن ليس مرد ذلك إلى أننا نجحنا في جعل آرائنا مفهومة أو مقدرة أكثر، بل لأننا تمكنا من إرهاب العالم. لقد بتنا برابرة العالم المعاصر. الناس يخافوننا ولكنهم لا يحترموننا ولا يقدرون مشروعية الكثير من المظالم التي نعيشها، مهما يكن حجم الرعب الذي ننشره في العالم.

أكثر من ذلك، سوف تتخذ الشعوب المتحضرة من بربريتنا المزيد من الذرائع للتدخل في حياتنا، ولتجاهل حاجاتنا ومطالبنا العادلة ولفرض إرادتهم علينا. فكما أظهر التاريخ، حين يفشل البرابرة في تدمير الحضارات، إما لأنهم ليسوا أقوياء بما يكفي أو لأن الحضارة ليست ضعيفة بعد بما يكفي لذلك، كما هو الحال في وضعنا اليوم، فإنهم يتحولون إلى ضحايا نهائيين لا يثيرون التعاطف. الواقع أننا سندفع ثمناً باهظاً لقاء الكبرياء الحمقاء التي نواصل رعايتها في أذهاننا، لأنه لم يعد لدينا ما يسند هذه الكبرياء.


عشتار قالت... يسعدني أنك تطرح هذا الموضوع عمار، كنت بعيداً عن الأخبار الأسبوع الماضي وحين عدت وجدت العالم وقد انقلب رأساً على عقب!

علي أن أقول إن رجلاً بمنزلة البابا يجب أن يكون أكثر حرصاً في تصريحاته ولاسيما في ظل الوضع الحساس الحالي بين الشرق والغرب.

ولكن كنت أقرأ كلمته وأعتقد أن هناك نوع من سوء الفهم، فهو اكتفى بنقل حوار بين إمبراطور بيزنطي، كانت إمبراطوريته تحت التهديد العثماني، وبين مسلم فارسي متعلم، حيث حاول الامبراطور شرح الأسباب التي تدعم القول إن من غير المنطقي نشر الإيمان بالقوة. وتعليقاً على هذا الحوار يقول البابا:

"أود في هذه المحاضرة أن أتناول نقطة واحدة فقط – وهي هامشية نوعاً ما بالنسبة للحوار نفسه – في سياق قضية "الإيمان والعقل".

وخلال مناقشته يقتطف الآية التي تقول "لا إكراه في الدين".

في الحقيقة فوجئت وسعدت حين وجدت البابا يناقش في حديثه علاقة الإنسان بالله، ما إذا كان الله متعال بالمطلق أو أن إرادته يجب أن تفسر بالعقل الممنوح لنا.

ربما من الممكن تفسير كلامه بطرق عديدة، ولكن إذا عزلناه عن سياقه، فإن اللغة الوحيدة التي تبقى هي لغة العنف، ولا يبقى أمامنا إلا المظاهرات العنيفة وحرق الأعلام والسيارات والكنائس، والتهديد بحرق روما وتفجير عاواصم الغرب..حتى أن بعض "مثقفينا" اندفع للحديث عن حرب دينية!!

نرى الناس يقتلون يومياً في العراق باسم الإسلام، ونرى النساء ترجمن حتى الموت باسم الإسلام، الأسبوع الماضي فقط قام بعض المتعصبين بقطع رأس صحفي سوداني باسم الإسلام ولم يحرك أحد ساكناً، لا نظام ولاشعب ولا حتى مثقفون وقفوا في وجه من يشوه صورة الإسلام..ثم كيف نتوقع من العالم أن يكون حريصاً وإيجابياً تجاه صورتنا التي ندمرها نحن بأيدينا؟

(ملاحظة أنا لست مسلمة ولكن أقول نحن لأنني أنتمي إلى هذا الشعب بصرف النظر عن الدين)

عمار قال... بالفعل، وكما قال كورت، كان البابا يعلم تماماً ما يفعل. فقد أراد أن يلقي تحدياً وسط نخبة المسلمين ليولد حواراً حول قضية الإكراه بالدين والحوار بين الثقافات. لاحظ هنا أنه لم يستخدم كلمة حوار بين الأديان، فيما يبدو أنه ميل لمشاركة العناصر العلمانية أيضاً في هذا الحوار. إنه في الحقيقة حديث ذكي جداً، وقد فات مقصده الحقيقي الكثيرين، وهذا برأيي، دليل حقيقي على غياب الجاهزية العالمية للشروع بحوار جاد كهذا عن العلاقة بين العقل والإيمان، وعلى ضرورة إجراء حوار جاد بين الثقافات، وليس فقط الاكتفاء بالكلام دون الفعل.

في مثل هذه الدعوات يكون موقع الداعي له أهمية، لم يحاول البابا أن يلعب دور شخصية حيادية، فهو صاحب رأي، وقد عبر عن رأيه بصوت عال، إن الطبيعة العنفية للإسلام، أو ميله الجهادي، مصدر قلق كبير له، وأن هذا الميل يترك أثره سلباً على تاريخ الإيمان، إن لم يكن على الإيمان نفسه، ولاسيما في هذا الوقت الذي يبدو أن العقائد الأخرى، ولاسيما المسيحية، قد تجاوزت إلى حد بعيد (رغم أن هناك حاجة للمزيد من العمل في هذا الاتجاه) الحماس المسيحي السابق والعنف المرافق له. يبدو أن البابا يدعو المسلمين للشروع بمراجعة شبيهة لإيمانهم وتاريخ هذا الإيمان، ولاتخاذ موقف أكثر وضوحاً من قضية الإيمان بالقوة. ويأتي هذا الكلام في الوقت الذي ترتكب فيه يومياً الكثير من أعمال العنف باسم الإسلام. من المشروع تماماً طرح هذه القضية. إن طبيعة ردة فعل المسلمين في هذا المجال تؤكد على مشروعية هذا الموقف.


صيحات الحرب وألعاب تحميل المسؤولية
13 تشرين الأول، 2006 / مدونة زندقة / عن مدونتي البديلة "نذور هرطوقية"

لا يبدو أنه مقدّر للأصوات التي تدعو للتعقّل، وهي قليلة جداً أساساً، أن تسود في المنطقة هذه الأيام. وفي الواقع، لا يمكنني أن أعد سوى صوت واحد في هذا الصدد، صوت رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة. أما الأصوات الأخرى، فكلّها تدعو للحرب وتمهّد لها، بشكل أو آخر، عن قناعة بها، أو من منطلق التلاعب والرهان على عدم جاهزية الطرف الآخر. ومن أهم هذه الأصوات المتكاثرة ، ومن أهمها: محمود أحمدي نجاد، وحسن نصر الله، وبشار الأسد. حيث أضاع الأول دقائقه الثمينة في مجلس الأمن ومدينة نيويورك في محاولة فاشلة للتظارف، اكسبته بعضاً من القهقهات وقليلاً من التصفيق (على غرار ما حدث مع الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز)، لكن لم تكسب لقضيته أي تفهّم أو دعم حقيقيين.

في حين قدّم الأخيران عرضاً غريباً، على طريقة لوريل وهاردي، بتهديدهما لقوات اليونيفيل وإسرائيل، وانتقادهما لجميع معارضيهما في لبنان، واتهامهما لهم بالخيانة والعمالة لإسرائيل، وهذا ليس مجرّد غباء فحسب بل تعبير عن مخيلة شديدة الفقر.

وهكذا يبدو أن تحالف المتطرّفين قد بدأ يصعّد الأمور من جديد، وباتت الساحة اليوم مهيأة لجولة ثانية مع إسرائيل في الوقت المناسب، فالجميع يريد استفزاز الوحش من جديد، لصرف الانتباه عن متاعبه الداخلية وأعباء المواجهات والاستحقاقات المترتبة عليها.

ياترى، أي مظهر سيتخذه الاستفزاز هذه المرة؟

لكن، وأياً كان الاستفزاز، سيجد البعض من غير شك في طريقة عرضي للأمور هنا محاولة لإلقاء اللوم على طرف واحد من المعادلة. وقد يكون هذا صحيحاً. فأنا في الواقع أضع اللوم دوماً عليـ"نا" قبل كل شيء. لماذا؟ لأننا دأبنا على تبنّي عقلية الضحية وخطابها منذ عقود دون طائل. نحن بحاجة إلى ما هو أفضل. نحن بحاجة إلى طرق مختلفة في التعبير عن أنفسنا وهمومنا. وعندما أقول "نحن" أنا لا أعني بالتأكيد آل الأسد في سوريا، أو أي نظام قائم في المنطقة، فهي أكثر غباءاً و فساداً من أن تفكّر بطريقة مختلفة.

أنا أقصد، في الحقيقة، الفئات الأكثر تحضّراً من أكاديميين، ومثقفين، ومهنيين بمختلف نحلهم، والذين، استناداً إلى ثقافتهم وخبرتهم، يفترض بهم أن يكونوا أكثر وعياً من أن يستمروا بالمراهنة على الأنظمة الراهنة، وأن يدركوا حقاً أن اللجوء إلى عقلية وخطاب الضحية أو لعبة "كل شيء أو لا شيء" لم تقدنا تاريخياً إلا إلى تمكين الأنظمة الاستبدادية، وإلى تخريب اقتصادنا وتدمير بنيتنا التحتية. وفي هذه الحالة، فإن المصلحة الوطنية تعني أن نتعلذم متى وكيف نقلّل الخسائر لكي نتمكن من استثمار ما تبقى لدينا من موارد قليلة في تنمية بلداننا ودمجها مع الاقتصاد العالمي بطريقة تسمح لنا بجني بعض الفوائد على الأقل، لا أن ندفع الثمن وحسب.

وفي الواقع، لقد أثبتت أساليبنا التقليدية في المقاومة مراراً وتكراراً على أنها عقيمة، ناهيك عن كلفها المرتفعة، من الناحيتين المادية والإنسانية. وقد أدرك أنور السادات في مصر والملك حسين في الأردن هذه الحقيقة منذ زمن، ولهذا، سارعا فيي اللحظة المناسبة إلى توقيع اتفاق مع إسرائيل سمح لهما بإخراج بلديهما من الطوق. لكن السلام مع إسرائيل، كما شهدنا عبر السنين والعقود الماضية، لم يترجم أتوماتيكياً إلى تنمية، وإصلاح، ودمقرطة. لذا، وإذا كانت التنمية والديمقراطية هما الهدفين الحقيقيين للمطالبات التغييرية، لماذا لا نبدأ بهما إذن؟ لماذا نستمرّ بإرجائهما إلى أجل غير مسمّى، أجل مستقبلي وهمي؟ ففي الواقع، قد تكون حكومة سورية ديمقراطية أكثر قدرة على توقيع اتفاقية سلام عادل مع إسرائيل من حكومة استبدادية. وعلى أية حال، لقد سبق واختبرنا الخيار الاستبدادي، ورأينا كيف أثبت فشله. ألم يحن الوقت إذاً لاختبار طريقة أخرى، طريقة تضع التنمية والدمقرطة على رأس قائمة أولوياتنا الوطنية؟

لكن طرحي هنا، وفي هذه الوقت بالذات، وفي تركيزه على الجانب "الأضعف" من المعادلة، مما يجعله يبدو وكأنه يبرّر أو يتجاهل السياسات والممارسات الحالية لإدارة بوش وللحكومة الإسرائيلية، لا بد وأن يلاقي معارضة، خاصة من تلك القطاعات التي تفضّل الإبقاء على الوضع الراهن رغم كلّ مساوئه الظاهرة منها والمخفية، خشية عدم جاهزية البلد والشعب للتغيير في هذه المرحلة، سيما إذا كان التغيير من الخارج. لكني أرى أن انتظار وترقّب "الفرصة المناسبة" في هذا الصدد هو دخول في دوامة العبث، لأن الأزمات الداخلية والخارجية لن تنتهي ويمكن لها أن تستخدم في أي وقت كذريعة لتأخير الإصلاحات، وهذا ما حصل فعلاً خلال الخمس أو ستة عقود الماضية.

علاوة على ذلك، لا بد لمعظم حوافز الإصلاح أن تكون على صلة مع العالم الخارجي، لأن الخارج والداخل باتا على درجة من التشابك يصعب تجاوزها. وفي الواقع، لا تزال الأنظمة والقوى القومية والإسلامية أكثر استفادة من الدعم الخارجي من جميع الممثلين الديمقراطيين والليبراليين مجتمعين. ومعظم المجموعات الإسلامية والقومية تموّل من الخارج عموماً (إلا في الخليج، حيث تموّل كما يبدو من قبل عناصر متمردة في تلك الدول)، ولا تزال معظم الأنظمة، بما فيها النظام السوري، تحظى بدعم ومساندة قوى خارجية. لكن الليبراليين هم الوحيدون الذين يُنتقدون بقسوة عندما يعملون لتعزيز دورهم، الذي يزداد ضعفاً في هذه المرحلة، من خلال البحث عن المساعدة والعون الخارجيين. يحيا العدل.

وفي هذه الأثناء، يتمسّك جميع المنخرطين في المشهد السياسي في المنطقة ببنادقهم في لعبة التحميل المتبادل للمسؤولية والاتهامات المتبادلة، لعبة صاخبة وعدائية وعدوانية دوماً. والكلّ يعتقد أن موقفه مبرر وتحفّزه المثل والنوايا الطيبة. وكلّنا متأكد من قدرته على تقديم المطلوب في هذه المرحلة وعلى رؤية ما لا يراه الطرف الآخر. ورغم أننا جميعاً نتحدث عن التسويات والحوار، لم يقدم أحد منا أية تسويات أو تنازلات حقيقية. والشيء الوحيد الذي تغيّر في سياسة حوار الطرشان القائم بيننا هو أن الناس أخذوا يتبنّون أكثر فأكثر اللهجة التحذيرية، وربما يسعني القول هنا، إكراماً لنرجسيتي على الأقل، لهجتي التحذيرية. لأنني أنذر ومنذ سنوات بكارثة إقليمية وشيكة وواسعة النطاق. وقريباً جداً، سنجد أنفسنا، نحن، آخر من تبقى من النخبة التكنوقراطية والمهنية والمثقّفة التي مايزال لديها بعض الروابط الإقليمية والعالمية، في جهات مختلفة للانقسام الكبير الجديد، نكافح، هذا إذا لم نكن نتبادل إطلاق النار ضد بعضنا البعض، وذلك، على الرغم من كلّ التشابهات في مثلنا وجميع النوايا الطيبة التي لطالما أضمرناها. نعم، هذه هي الطبيعة البشرية في أحسن تجلياتها. وهذا ما يحصل عندما نتجمع خلف القتلة والدجالين، ونحن نعرف بالضبط من هم وماذا فعلوا ويفعلون، متحجّجين بمفاهيم مثل المصلحة الوطنية، والسياسة الواقعية و"عش ودع غيرك يعيش (أو يموت، إذا لزم الأمر)" و "لا تثر المشاكل".

ولكننا، في الحقيقة، لم نملك الشجاعة والرؤية للمقاومة عندما كان يمكن أن يكون للمقاومة معنى وجدوى، لأنها كانت ستتطلّب الكثير الكثير من التضحيات والكثير من الصبر. ولم نتمكن من التجمع خلف شخصيات من أبناء جلدتنا وأن نختار من بينهم قادة جدد أكثر جدارة، بسبب تخوفنا من بعضنا والبعض واستهانتنا ببعضنا البعض، وبسبب أنياتنا المتصارعة. وفي الحقيقة، لقد حظينا بفرصتنا، التي جائتنا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، إذ كان لدينا نافذة أمل، استمرت نحو 15 سنة في ما يتعلق ببعض القضايا، لاتخاذ مبادرة ما ولتمهيد الطريق لتغيير من الداخل، ولكننا تلكأنا وأضعناها.

أجل أنا أعرف أن الأمور ليست بهذه السهولة والبساطة. ولكن هل يفترض بها أن تكون؟ هل من المفترض بالتحديات التاريخية الوجودية أن تكون سهلة وبسيطة؟ وهل سبق لها أن كانت كذلك؟

الحقائق مشوّشة دوماً، ومن الصعوبة بمكان أن نواجهها ونصنع التغيير ونعثر على القادة الصالحين. وفي الحقيقة، لن يظهر القادة الصالحون إلا أثناء عملية التغيير نفسها. فالقادة الصالحون لا يطلقوا العمليات التغييرية بأنفسهم، كما يخال لنا غالباً، بل هم نتاج لها، ويظهروا أثنائها حدوثها.

والآن أكثر من أي وقت مضى، يبدو لزاماً علينا أن نتصدّى للوضع الحالي ونقوم بتغييره، حتى لو كان الثمن عدم الاستقرار، وحتى لو وجدنا أنفسنا في مواجهة كل أنواع أسلحة الحرب، البلاغية والفعلية، فالتغيير هو أملنا الوحيد. أم، هل هو غروري وحمقي اللذان يتكلّمان هنا؟

أعترف، أنا لم أقرأ هيرمان هيسه منذ فترة، ولكنني أعتقد أن لديه ما يقوله حول هذا الضرب من الأزمات الوجودية.

وفي هذه الأثناء، تشكّل ألعاب تحميل المسؤولية وتبادل الاتهامات المضادة بين الناس الذين كانوا على الدوام أضعف من أن يؤثّروا فعلياً على الأوضاع، بصرف النظر عن مدى إجلالهم وتقديرهم لأنفسهم، جزءاً رئيسياً من تلك التمثيلية التراجيدية الصغيرة التي تتكشّف حولنا.


عشتار قالت: الناظر الى الامور من الداخل ياعمار لا يملك الا الشعور بالاحباط.

موقفنا من انظمتنا هو موقف متخاذل و موقفنا مع الغرب مبني على العدائية وفكر الضحية ،وبناء على هذا الفكر فان الشعب لن يتقبل اي محاولات اصلاح خارجية واي محاولة قد تكون نتائجها مأساوية ، وفي نفس الوقت هو عاجز عن القيام بنفسة بأي تغيير داخلي ، نعم قد نحتاج الى بعض العنف والتضحيات ولكن لا يوجد لاي منا الشجاعة لذلك ، جميع محاولاتنا هي فردية وبالتالي من السهل على النظام قمعها.

انظر الى تجربة حركة كفاية في مصر، اعضاء الحركة نزلواالى الشارع وتظاهروا وقاوموا الشرطة باجسادهم ولكن عندما رأوا ان الشعب لم يتجاوب معهم فحسب بل وقف موقف المتخاذل وهو يرى الشرطة تنهال على الشباب ضربا ، تراجعوا وانتهوا الى حالة من الاحباط.

الاصوات اللتي نسمعها اكثر هي الاصوات الدينية اللتي تدعوا الى التغيير من وجهة نظر عقائدية واللتي تتحرك بفعل الايمان ومنطق الجهاد وليس بمنطق الشجاعة وهي الافكار السائدة الان ونعم صيحات الحرب تعلوا اكثر فاكثرSaturday.

عمار قال: نعم عشتار، ربما لم يحن بعد موعد النزول إلى الشارع في مصر، ولكن، ما كنا لنعرف هذا لو لم يفعل شباب "كفاية" ما فعلوه. علينا أن ننظر إلى الموضوع من منطلق أكثر منهجية، ونعرف أن هذه المعركة هي معركة "كر وفر" وأن التجريب، على الرغم من التضحيات التي يتطلّبها، هي الطريقة الوحيدة لتطوير أدواتنا ف التخاطب ووسائلنا في التعبير عن وجهة نظرنا وتحدي السلطة.

مشكلتنا الكبيرة طبعاً تكمن في أننا نتحدّى السلطتين معاً: السلطة السياسية والسلطة الإجتماعية-الدينية، لذا، لن يتعاطف الناس معنا في أي وقت قريب. لكن، عليهم، مع ذلك، أن يعرفوا أنا موجودون على الساحة وأننا لن نرحل. عليهم أن يألفوا وجودنا كما يألفوا وجودهم ذاته، حتى نصبح جزءاً لا يتجزّأ من حساباتهم وإن بالمعنى السلبي، مبدئياً. المهم أن نبقى على الساحة، وأن نستمرّ في هذه الأثناء في تطوير شبكتنا ومجتمعنا الخاص بنا على أسس المبادئ الإنسانية والقوانين المدنية التي نؤمن بها. لا يوجد ما يمنعنا من أن نبني مؤسساتنا الغير رسمية الخاصة بنا والتي تعمل لتقويتنا، وذلك بانتظار اللحظة المناسبة لنجرّب أسلوباً أكثر مباشرة في التحدي.

باختصار إذاً، مشكلتنا حتى الآن هو امتناعنا أو تخوّفنا من تناول الأمور من خلال هذه المقاربة المنهجية. لكن، التنظيم يبقى ضرورة لكسب فرصة حقيقية على النجاح، حتى وإن كان الدوافع وراءه غير عقائدية، كما هي الحال هنا.

فريمان قال: أتمنى أن يشرح لي أحد معنى كلمة مأساوية؟ فحسب ما يبدو لي أنه قد تم تحريف معنى هذه الكلمة لتصبح مرتبطة حصراً بالموت، أي أننا فقدنا كل إنسانيتنا ولم يتبق منها سوى حياتنا. وفي الواقع فإن الأنظمة الحالية تراهن على هذه الورقة \\\"إما نحن أو الدمار الشامل\\\"، ولكن هل يعقل أن أحدا منا لم يتمعن النظر حوله ليرى المأساة التي نعيشها كل يوم وفي كل لحظة؟

ما أريد أن أقوله هو التالي: لا أعتقد أبداً بأننا سنصل إلى وقت مناسب للتغيير، ومرد ذلك هو أن طموح الناس بالتغيير يرتبط بتحقيق أحلامهم دون تقديم أي مقابل أو أي تضحية، لذلك يجب على التغيير أن بتجاهل موقفنا منه وأن يأتي إلينا حتى لو كلفنا حياتنا التي تحولت إلى حلقة مفرغة لا معنى لها.

كما أحب أن أضيف أن وضعنا الراهن ليس وليد صدفة أو سوء حظ، وإنما هو عبارة عن إرث تركه لنا عرب البادية الغزاة منذ قدومهم إلى هذه المنطقة، فلو تابعنا أشكال أنظمة الحكم الحالية لوجدناها لا تختلف في شيء عما كانت عليه منذ 1500 عام خلت، ولوجدنا أن المبرر الوحيد لوجودها في السلطة هو منطق الغزو والاحتلال.

عشتار قالت: عن الدين والفضيلة وذوبان الهوية.

يتبع ما نشرته في مدونتك عن ثقافة المسلسللات العربية يا عمار ، لكن من أرض الواقع:
http://orientaleve.blogspot.com/2006/10/blog-post_116084668661760418.html

عمار قال: "لا أعتقد أبداً بأننا سنصل إلى وقت مناسب للتغيير، ومرد ذلك هو أن طموح الناس بالتغيير يرتبط بتحقيق أحلامهم دون تقديم أي مقابل أو أي تضحية، لذلك يجب على التغيير أن بتجاهل موقفنا منه وأن يأتي إلينا حتى لو كلفنا حياتنا التي تحولت إلى حلقة مفرغة لا معنى لها".

كلمات صادقة وفي الصميم، نعم، الناس لا تختار أن تتعامل إلاّ مع الخيارات التي تُفرض عليها أولاً، حتى وإن كنا نتكلّم عن الديموقراطية. والتغيير بات ضرورة بغض النظر عن الثمن، الذي سيرتفع مع كل لحظة تأخير. نعم، ليت الأمور لم تكن كذلك، لكنها كذلك وعلينا أن نتعامل معها ونواجه التحديات المرتبطة بها، لأن خيار الجمود والرضوخ، بات خياراً وهمياً، التغيير آت، ولكن أن أردناه أن يأتي ببعض ما نشتهي، وإن بعد حين، فعلينا أن نشارك في صنعه، وفي تجهيز أنفسنا للمشاركة في إدارته.


الديمقراطية مقابل الإشراك
21 تشرين الأول، 2006  / مدونة زندقة / عن مدونة أمارجي

أصبحت الديمقراطية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول شعاراً دأب على ترديده العديد من المسؤولين والمعلّقين الأمريكيين، بدءاً بالرئيس ذاته، واستخدم كنوع من السلاح السحري الذي يمكن أن يساعد على تحقيق تقدم ملموس في الحرب العالمية على الإرهاب. ولقد اختزلت الديمقراطية أثناء هذه العملية إلى جانب واحد، وتحديداً الانتخابات، التي أعطت، في أغلب الأحيان، نتائج غير مرغوبة، بتمكينها للممثلين غير الديمقراطيين أصلاً، وبالتالي أدت إلى تعقيد سعي الإدارة إلى انفتاح سياسي وإصلاحات أكبر في المنطقة.

لقد جرى ترسيخ هذا الأمر إلى حد كبير، وبات انتقاد إدارة بوش بسبب هذه النقاط مفهوماً، وشرعياً وضرورياً، وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أنه مازال لدينا سنتان تنطويان على الكثير: إيجاباً، إذا تم تبني أساليب جديدة أكثر دقة، أو سلباً، إذا تواصل اللجوء إلى التكتيكات الحالية دون أي مراجعة أو تعديل أو تصحيح.

ولكن الانتقادات في هذا الصدد، مهما تكن مبررة، ستبقى فارغة وعقيمة، إذا لم توضع على الطاولة أساليب سياسية بديلة واضحة وواقعية. إن مجرد إدخال مصطلح جديد إلى المشهد السياسي، وأقصد هنا مفهوم "الإشراك Engagement"، قد يخدم مآرب سياسية قصيرة المدى، لا بل قد يكون مفيداً في العملية الانتخابية الأمريكية، وربما الإسرائيلية، لكنه غير كاف بطبيعته لمعالجة المشاكل الجدية والحرجة التي تنطوي عليها الحرب العالمية على الإرهاب.

كيف؟

في الواقع، عندما يتحوّل الإشراك إلى مجرّد محاولة للاحتواء الآني دون إعلان رؤية لمعالجة القضايا الرئيسية الحقيقية في الحرب العالمية على الإرهاب، تصبح إمكانية تمكين اللاعبين غير المناسبين وإساءة استخدام عملية الإشراك برمتها محتملة أكثر، إن لم تكن حتمية.

وبغية فهم كيف يمكن أن يحصل ذلك، لنتأمل فقط ما يبدوا أنه الموقف الرئيسي للحشد المؤيد للإشراك، أي: الرفض المعاند للاحتمال الذي يقول بأن بعض الأطراف قد لا تكون قابلة للإشراك وفق رغباتنا وحاجاتنا. وهذا يفتح الباب أمام إساءة استخدام عملية الإشراك بإطالة المحادثات دون أفق منظور. وبالمقابل، سيتم تمكين الأنظمة المشاركة لكي تتصرف كما يحلوا لها ما دامت قادرة على الإفلات من العقاب وما دامت قادرة على الإبقاء على بعض المظاهر الكاذبة التي تخدع الحشد المؤيد للإشراك لأنهم متلهفون لأن يخدعوا كما يبدوا.

فحتى قبل أن تجري المحادثات، وافق المدافعون عن الإشراك، في تصريحاتهم المختلفة، ومقالاتهم، وآرائهم ومدوناتهم، على الكثير من المتطلبات الرئيسية للأنظمة التي يريدون إشراكها دون الحصول على شيء بالمقابل، حتى الوعود.

لنأخذ نظام آل الأسد في سوريا مثالاً حول ما يقترحه الحشد المؤيد للإشراك لتسيير الأمور. في الحقيقة، تشمل التنازلات في هذا الصدد: الاستعداد لنسيان تحقيق الأمم المتحدة في اغتيال الحريري، والرغبة في رؤية الدولة اللبنانية بأكملها وقد عادت إلى سيطرة آل الأسد أملاً في الحصول على مساعدة آل الأسد فيما يتعلّق بنزع سلاح حزب الله، والسيطرة على المجموعات الفلسطينية المتطرّفة وإيقاف تدفّق العناصر الجهادية والأموال إلى العراق.

ولكن التنازل الأكثر أهمية على الإطلاق هو التخلّي الكامل عن أي ضغط لدعم الإصلاح والدمقرطة في سوريا. حيث ستتم شرعنة موقع آل الأسد كحكام لسوريا، وكل حديث جدّي عن الإصلاح سيودع في "مزبلة التاريخ،" كما يقول يساريونا، فيما تتم إبادة المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والديمقراطية، وذلك رغم الموقف النقدي الذي تبنّاه معظمهم تجاه سياسات بوش في المنطقة وتجاه سورية بالذات، مما سيؤدّي إلى تأجيل قضية التحديث والدمقرطة والعلمنة إلى عقود.

وسيكون تأثير مثل هذا التحوّل على ما تبقى من دعم لا تزال تحظى به الولايات المتحدة من بعض المجموعات الإصلاحية هنا في المنطقة مدمراً بالطريقة نفسها، عندما تحذوا أنظمة أخرى حذو آل الأسد. ولن يبقى لأمريكا أصدقاء حقيقيين في المنطقة، ولن يبقى إلا المحتالين والمبتزين لتتعامل معهم. لأن هذه هي حقاً حقيقة آل الأسد، في التحليل النهائي، وهذا ما كانت عليه سياساتهم خلال العقود الماضية. حتى الحشد المؤيد للإشراك يقرّ بذلك، عندا يقارنون عائلة الأسد الحاكمة بعائلات المافيا التي نراها في الأفلام الأمريكية. ورغم أن مؤيدي الإشراك يأملون فقط بأن يشجع الإشراك آل الأسد على تغيير عاداتهم، فهم يفشلون بإخبارنا كيف يستطيع آل الأسد أن ينجزوا فعلياً هذه المعجزة.

وفي هذه الأثناء، يحاول أولئك الذين يؤيدون سياسة إشراك سوريا ولكن ليس بالضرورة إيران تبرير هذه السياسة بادعائهم أنها ضرورية لفطم آل الأسد عن تبعيتهم المستعادة حديثاً لإيران والمضي قدماً نحو عزل إيران وإضعاف تأثيرها على حزب الله في لبنان. هكذا، وبكل بساطة، يتم تجاهل إمكانية أن يكون آل الأسد في هذه المرحلة أضعف من ينقلبوا على إيران ويتخلّوا عنها. حيث أن توجهاً كهذا قد يكون في الواقع انتحارياً بالنسبة لآل الأسد كونه قد يقودهم إلى مواجهة داخلية و/أو إلى نزاع مع حزب الله (هذا فضلاً عن المجموعات الفلسطينية الراديكالية، ومنها الجناح المتطرف في حماس بقيادة خالد مشعل، التي تحصل على معظم دعمها المالي الآن من إيران) ليسوا مهيئين له أكثر مما كان الإسرائيليون.

ويبدوا أن القليل من المعلومات الاستخبارية والكثير من الإيمان قد أدخل في الحسابات هنا. إذاً إلى مدى يختلف الحشد المؤيد للإشراك عن خصومهم المحافظين الجدد؟

وبينما استندت عقيدة الديمقراطية فيما يبدو على فرضية أن الديكتاتورية والفساد في منطقة الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا يلعبان دوراً في تشجيع الإرهاب العالمي، فإن عقيدة الإشراك تستند إلى افتراض أن الأنظمة الدكتاتورية أكثر قدرة بكثير على تحطيم الإرهابيين من الأنظمة الديمقراطية. إضافة إلى ذلك لم تؤخذ بعين الاعتبار حقيقة أن الأنظمة الدكتاتورية، بسبب فسادها المتأصّل والمستشري وسوء إداراتها للاقتصاد تدفع شعوبها فعلياً إلى أحضان التطرف الإسلامي أكثر فأكثر، وأن هذا الوضع يترك الأنظمة منشغلة في خيار واقعي واحد للتعامل مع هذه المشكلة على المدى القصير، وبالتحديد: تصديره إلى الدول المجاورة والعالم من خلال السماح للعناصر المتطرفة بنقل العنف إلى مكان آخر.

ولكن طالما يواصل صنّاع السياسة بناء حساباتهم على الإيمان، والرغبات والتوقعات غير المبرّرة بدلاً من المعرفة الدقيقة للمضاعفات الجديدة في المنطقة والمعلومات الموثوقة، وطالما أن صنّاع السياسة في الولايات المتحدة بشكل خاص يواصلون رسم لعبة متحيزة عدمية، رغم الطبيعة الخطيرة للتهديدات القائمة المتصلة بمصالح الولايات المتحدة على المدى القصير وعلى المدى البعيد (هذا فضلاً عن مصالح شعوب المنطقة)، وما دام صنّاع السياسة الأمريكيون يفشلون في تنسيق خططهم وسياساتهم مع حلفائهم الأوربيين والإقليميين، على الأقل من خلال الناتو، إن لم يكن من خلال الأمم المتحدة (ويبدو أن الناتو أفضل هنا)، وما دام لا يوجد قبول، من قبل جميع المعنيين، بحقيقة أن تحدي الإرهاب يتطلب التزاماً وتخطيطاً أبعد مدى، فإن المنطقة ستنتقل ببساطة من كارثة إلى أخرى وسيظهر أثر ذلك في كافة أرجاء العالم من خلال النشاطات المتزايدة للأعمال الإرهابية والفوضوية.


قال الكس ... ها أنت تفعلها ثانية!

لماذا أنت واثق جداً يا عمار بأنك تعرف الحقيقة المطلقة بشأن المستقبل؟ أنت واثق من أن جميع الذين يؤيدون الحديث مع سوريا (الإسرائيليون والأوربيون والأمريكيون) أغبياء، ومن بينهم وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الحالي، الذي كان رئيساً لجهاز الاستخبارات (بعد 27 من الخدمة) وهو من "الصقور"... أنا لا أعتقد أنه ساذجك النمطي أو السياسي الغربي القليل الاطلاع الذي يساورك القلق بشأنه. لقد وصفته صحيفة التايم بـ "الرجل الصلب الداعم لشارون."

عندما أسمع أحد الصقور الإسرائيليين يصرح علناً أنه يدرك أن إسرائيل بحاجة إلى إعادة هضبة الجولان إلى سوريا بعد اتفاقية سلام، ومن ثم أقرأ لصديقي السوري عمار عبد الحميد يفعل كل ما بوسعه لمحاربة العملية، لا أدري بماذا أفكر أو أقول.

تواجهنا اليوم إمكانية جدية لئلا تصبح الحرب ضرورية بعد الآن. نحن لا نتحدث عن حرب محدودة تستمر أسبوعين، وإنما عن حرب إقليمية، حرب خارجة عن السيطرة كلياً. وعمار سعيد بمناقشة النتائج البعيدة المدى لإمكانيات صنع الديمقراطية في سوريا في يوم من الأيام.

قال كيفن... إذا كانت إحدى العوامل الرئيسة المساهمة في إمكانية نشوء "حرب يتعذر السيطرة عليها كلياًً" هي الافتقار العام للديمقراطية والحرية في المنطقة (وأنا لا أشير إلى العوامل المشتبه بها المعتادة)، ففي هذه الحالة تحتاج إلى المناقشة. وفي كتابه حرب ليس كغيرها، يشير فيكتور ديفيز هانسون إلى أنه ما لم تعالج أسباب الحرب (بطريقة أو أخرى)، فمن غير الممكن تفادي الحرب نفسها. فقد كان الدافع الرئيسي لحرب البليبونيز بناء جدران أثينا. والى أن دمرت، بقيت حالة الحرب أو الحرب بالوكالة قائمة بين أثينا واسبرطة.

ولن تحقق اتفاقية سلام بين سوريا وإسرائيل الاستقرار في المنطقة. لقد تعلم النظام الإيراني استخدام الأزمة الدولية لخنق المعارضة الداخلية. وقد فعل حزب الله الشيء نفسه في محاولة لتعزيز سلطته في لبنان. مالذي سيمنع أنظمة أخرى من القيام بذلك بغية صرف النظر كلياً عن الحنين إلى التغيير؟ يا للجحيم، هوغو شافيز يفعل ذلك على الجانب الآخر من الأطلسي.

و"الإشراك" بقصد الإشراك لن يغير شيئاً أيضاً. فقد "أشركت" أوربا مع إيران منذ ما يقارب الثلاثين سنة. ولا يعتبر الاكتفاء بتقديم الحوافز لنظام أعرب بوضوح أنه ليس لديه النية في تغيير سياسته غباء فقط، بل وخطيراً أيضاً. فهو يشجع كل الأنظمة المجرمة لتحذو حذوه.

وأنا لا أدعي أنني أعرف الكثير عن سياسة سوريا وتاريخها، ولكن احتلال إسرائيل لهضبة الجولان يخدم مصالح آل الأسد. فالقانون العرفي لا مبرر له من دون محتل أو تهديد أجنبي. وان هدف بعض الأنظمة مثل نظام آل الأسد والفقهاء في إيران (وبقية الشرق الأوسط) هو البقاء في السلطة، مهما كان الثمن. وقد أظهر التاريخ أن سلطة آل الأسد غير منوطة باستعادة مرتفعات الجولان.

ولن يوضع حد لإمكانية حرب شاملة إلى أن تعالج العوامل الرئيسية المساهمة: أ- إسرائيل/فلسطين؛ ب- الحرية والديمقراطية في المنطقة؛ وت- الاعتماد العالمي على النفط. وأعتقد أنه ينبغي معالجة هذه القضايا الثلاث جميعها معالجة كلية لتهدئة المنطقة بوصفها "منطقة ملتهبة". ولكن لسوء الحظ، يقسم الغرب بطريقة محفوفة بالمخاطر القضايا المتعلقة بالحرب العالمية على الإرهاب والمشاكل في المنطقة. بأية جدية سيتعامل المرء مع "تحالف" ليس بمقدور أعضائه حتى إرسال جيش إلى معركة اتفقوا عليها جميعاً؟ فبعض أعضاء الناتو لن يسمح لقواته في أفغانستان التمركز في مناطق القتال، ناهيك عن استخدامها في معارك حقيقية.

قال أليكس... أنا أتفق معك يا كيفن أنت وعمار على الكثير من النقاط التي طرحتموها. ولكن، إن فرص أن نشهد حرباً "يتعذر السيطرة عليها" كبيرة جداً. تأمل لو أن العالم مستعد لها ... سترفض إيران أن تهزم. ولدى إيران الكثير من "الأهداف" المحتملة في حال أحرزت الولايات المتحدة وإسرائيل بعض الضربات الأولية الجدية. دبي؟ العربية السعودية؟ إغلاق الخليج الفارسي؟ تحويل العراق إلى جحيم حي للجنود الأمريكيين...عشرات الآلاف من الجنود الانتحاريين... هل من أحد يخبرني إن كنت أبالغ في ذلك؟
سوريا سترفض أن تهزم.. وعلى الأرجح تملك أسلحة كيميائية.

ويمكن أن يطاح بالرئيس الباكستاني في عدة أيام.

المسلمون الباكستانيون غاضبون من "العدوان الأمريكي + الإسرائيلي". وباكستان لديها أسلحة نووية. والبارحة، كتب جهاد الخازن، أحد أبرز الصحفيين العرب وصديق لجميع الرؤساء والملوك العرب (وخاصة السعودية)، أنه قلق جداً من باكستان التي تمثل الخطر الأكبر المحتمل.

ومن ثم هنالك الشعب المصري والسعودي الذي يمكن أن يخرج ببساطة إلى الشوارع دعماً لزملائه المسلمين...

ببساطة شديدة، نحن لا نتكلم عن حرب لبنانية أخرى ينجم عنها 1500 إصابة.

ماذا أقترح بالمقابل؟ تهدئة تدريجية للوضع في الشرق الأوسط حتى تصبح البيئة أكثر قبولاً لتجارب إضافية في الديمقراطية.

قد يكون النظام السوري فاسداً جداً وتقوده رغبة مواصلة الحكم (شأنه شأن كل الأنظمة الأخرى في الشرق الأوسط) ولكنني أخالف عمار بشدة حول سياسته الإقليمية... أعتقد أنهم مدركون جيداً للحساسيات في المنطقة. وأعتقد أنهم يرغبون حقاً بتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل. ويريدون علاقة أفضل مع الولايات المتحدة وأوربا. ولكنهم لن يقبلوا باتفاق سيئ لسوريا. فالشعب السوري لن يسمح لهم بذلك.

والمشكلة تكمن في أن الولايات المتحدة ترغب بحصول حرب عالمية ثالثة بدلاً من إعطاء انطباع بأن نظاماً عارض الولايات المتحدة يمكن أن "يفوز" في النهاية.

إذا كنت تريد أن تعرف كيف ولماذا الاتفاق مع سوريا سيكون المخرج الأفضل والأسهل (ما عدا حل مقنع للمشكلة الفلسطينية في هذه الأيام)، يمكنك قراءة هاتين المقالتين، ومن ثم تعلمني أي جزء منهما غير معقول بالنسبة إليك.

لماذا الحوار مع سوريا؟

المحادثات السورية الإسرائيلية ضمن الإطار الدولي.

زنوبيا الشرق والغرب قالت... عذراً لتصويبك، ولكن هوغو شافيز...ليس دكتاتوراً أو جزء من نظام قمعي يخنق الإصلاح أو التغيير. انه قائد منتخب ديمقراطياً ويحظى بدعم شعبي عريض.

علاوة على ذلك، لا يمكنك أن تصنف النظام الإيراني في نفس الفئة مع حزب الله. إنهما غير متماثلين. ومرة أخرى، حزب الله مقاومة شعبية ... رغم أنهم يؤكدون سلطتهم الآن لفرض النتائج داخل البلد وآليات السلطة الداخلية المؤثرة، ومع ذلك ليسوا حكومة قمعية ... تخنق الإصلاح. وفي الواقع إنهم يؤيدون الإصلاح، الإصلاحات التي يدعمونها فقط.

والشيء نفسه ينطبق على شافيز. انه إصلاحي - بكل ما في الكلمة من معنى. وكل ما هنالك أنه معاد للولايات المتحدة.

زنوبيا الشرق والغرب قالت... أوه أجل، ويمكنني أن أضيف إلى كيفن...

أجل، استفاد حزب الله من الأزمة الدولية ليمنع الاعتراض على تأكيده الداخلي على السلطة السياسية... ولكن مرة أخرى، أرى ألا نكون منافقين جداً.

فالرئاسة والإدارة الأمريكية الحالية تفوز بجائزة استغلال الأزمة الدولية والوطنية لبناء سلطتها الخاصة وتعزيز أيديولوجية القيادة وأجندة المحافظين الجدد. ليس هنالك مثال صارخ أكثر من ذلك.

زنوبيا الشرق والغرب قالت... ملاحظة أو ملاحظتان على رسائل عمار...

لدي مشاكل مع كلمة "الإشراك" أيضاً.... جزئياً لأن الجيش الأمريكي يستخدم هذه الكلمة!.. للإشارة إلى مقاتلة الأعداء وقتلهم.

رغم ذلك، أرغب في أن أقول أنه بالنسبة لي يستند - الإيمان بالإشراك - إلى فكرة أن الإشراك سيبقى دوماً مطلقاً... ويساعد على تسليط الضوء على الوضع والحقيقة السياسية بالإضافة إلى كشف الإمكانيات، وتحسين البيئة.

وحتى لو أن النظام السوري أو نظاماً آخر... ابتلي "بفساد مستشر وكبير... وسوء إدارة للاقتصاد" لدرجة لا تصدق بحيث يبدو الإشراك عقيماً... سأجادل على أنه يساعد على كشف وتحدي الوضع الراهن.

إن أية منظمة مافيا أو شركة تؤدي وظيفتها وتستمر من خلال البقاء منظومة مغلقة مع القليل من التدخل أو إشراك الخارج. وهناك سرية وولاء تامان كجزء من قواعد السلوك. لذا فان أي التزام مع أية كيانات خارجية ... يهدد هذه المنظومة المغلقة وقدرتها على المحافظة على السيطرة على نفسها وعلى كل ما هو تحت سلطتها. وأنا أعتقد أن الإشراك ليس تلك القوة القوية حتى تتمكن من خرق وتفكيك هذه المنظومة- ولكنني لا أوافق على أن صرف الانتباه أو التنازل فقط كفيل بأن يحافظ في النهاية على الوضع الراهن أو يحبط المزيد من الجهود الرئيسية للتغيير والإصلاح.

أعتقد أن الإشراك يعمل على أساس الإيمان (قد يكون هذا وهماً) ولكن رغم ذلك، إذا تظاهر نظام بأنه يؤيد التوسع الاقتصادي والنمو أو الانفتاح... بالإضافة إلى التعاون الدولي – عندها إشراكهم على هذا المستوى ... ينطوي على إمكانية السماح بدخول الأفكار والتأثيرات الهدامة.

لا يمكننا أن نوازن بشكل كامل بين الأنظمة السياسية والمافيات لأن الأنظمة لديها الذريعة على الأقل بأنها منفتحة على إشراك المجتمع الدولي. وبالإضافة إلى ذلك ثمة حقيقة بأن العالم الآن يعتمد على بعضه اقتصادياً وبيئياً شعوباً ومجتمعات دون أدنى شك. لذا بالتأكيد لا يمكنهم أن يبقوا مغلقين إذا أرادوا الاستمرار طويلاً.

حتى إيران عليها إشراك شخص ما – وقد يكون هذا الشخص الصين أو الهند أو روسيا... وستكون أمريكا هي الخاسرة إذا هي لم تنضم إليهم.

وأمريكا لا تملك البحبوحة... التي تعتقد أنها تملكها.... في اختيار ألا تشرك هذه القوى. نحن نعتمد عليهم أيضاً!.... انه أيضاً لكبرياء محض وتفكير رغبي (كما عبرت أنت) أن نتصرف كما لو أننا نستطيع أن نختار وننتقي من نشرك وأن نسيطر عسكرياً على من لا تحبه أمريكا.

انه تفكير مجنون وانتحاري في النهاية.

قال كيفن... زنوبيا، بالكاد يمكنني أن أدعو شافيز "بالإصلاحي". دعونا لا ننس محاولته "للإصلاح" عام 1992- محاولته الانقلابية الفاشلة. أجل سياسته الخارجية معادية للأمريكيين، ولكن تأييده لإيران وكوبا التي لهما قوى مؤيدة للديمقراطية داخل وخارج فنزويلا هو ما يقلق. سوف نرى كم يبقى رئيساً – رهاني أنه سيبقى رئيساً لوقت طويل جداً.

قد يكون حزب الله حركة مقاومة الآن. لكن إذا أصبح حزباً ( أنا أستخدم ذلك المصطلح بمعناه الواسع, طالما أنني لا أميل إلى تسمية مجموعة تسلح نفسها حزباً سياسياً بكل معنى الكلمة) والذي سينتهي به المطاف إلى السيطرة على الحكومة اللبنانية، أي نوع من الإصلاحات تراهم يطبقون؟ بوصفي ديموقراطياً، فأنا أتخوف من أية إصلاحات تعلنها فوهة البندقية.

ومقارانتك بين بوش وحزب الله بعيدة جداً. إن من أعار اهتماماً للمناظرات الانتخابية عام ، 2000، حيث أعلن بوش بكل وضوح أنه سيفعل شيئاً ما إزاء العراق. ومهما يكن رأيك بغزو العراق، فهو لم يفاجئ أحداً ولم يتم الغزو لزيادة شعبية بوش أو لتهدئة المعارضة في الداخل.

قال كفين... أليكس: مقالات رائعة، ولكن أول ما يتبادر في ذهني هو ما إذا كانت "الجزرة" لإيران هي حقاً ما تتحدث عنها؟ أعتقد أن إيران ترغب في لعب دور أكبر من مجرد "الند بين القوى" في المنطقة. علاوة على ذلك، أعتقد أن إيران تعد نفسها بحيث أنه عندما يحصل في النهاية تغيير للأنظمة في سوريا، ومصر، ولبنان، الخ تكون الحكومات الثيوقراطية هي البديل. ما الذي يريده النظام الإيراني؟ وأيضاً، إذا أخذنا بعين الاعتبار سجله الماضي السيئ في الإبقاء على أي نوع من الاتفاقيات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، من سيضمن وفاءها لتعهداتها؟ هل يرغب السوريون بالقيام بذلك؟

ثمة أسئلة أخرى أرغب بالإجابة عليها: لمن بالضبط يدين حزب الله؟ هل هو مجموعة مقاومة لبنانية ليس إلا؟ ما هو مدى استقلاله عن طهران ودمشق؟

إلى حد ما، ما هي السلطة/السيطرة/السطوة التي تملكها دمشق على الفلسطينيين؟ هل بمقدور دمشق ليس فقط دفع حماس للتراجع عن موقفها الداعي إلى(تدمير إسرائيل)، بل وأن تقبل فعلياً بحق إسرائيل في الحياة؟

أنا أوافق على أن الحرب ستنطوي على عواقب وخيمة، ولكن أولئك الذين يبكون على "الإشراك" في الشرق يبدو أنهم يؤمنون بأن الإشراك للإشراك أمر جيد. والمثال الجيد على ذلك هو عرض الغرب على إيران لوقف برنامجها النووي. لقد أوضحت إيران مراراً وتكراراً أنها لن تفاوض على ذلك، ولكن الغرب واصل محاولته تهذيب الصفقة. ما الهدف من ذلك؟ إذا كان الإشراك يعني أن يواصل كل طرف ما يريد فعله، ما الهدف من ذلك فعلاً؟

زنوبيا الشرق والغرب قالت... كيفين، ألا تستخدم أزمة الحرب "على الإرهاب" لقمع أية شكوى تتعلق بالسياسة الداخلية؟

وبينما تستمر "الحرب" ... ... لم تسمع كلمة تقريباً تتعلق بإدارة بوش التي تواصل سياسة ضريبية لا تصدق وهذا ليس إلا أحد الأمثلة، وقد يكون التنصت على المكالمات الهاتفية داخل أمريكا مثالاً آخر.

أنا لا أقول بأن الإدارة تبقي سياساتها سرية، كنيتها في غزو العراق. والمقارنة التي أجريها هي أن الخوف من الشعب الأمريكي ... الناجم عن أزمة استغلتها الإدارة الأمريكية بشكل واسع لتنفيذ أهدافها الأيديولوجية وسياستها الخارجية التي كان من غير الممكن تنفيذها لولا هذا الاستغلال. ويساس الجمهور الأمريكي عاطفياً وثقافياً كما يساس عامة الناس في الشرق الأوسط.

وبرأيي إنها لعبة السلطة نفسها... ولكنها تتم دون الحاجة لممارسة تهديدات قمعية علنية ضد الجمهور. يكفي أن تتخم الناس بتلفزيون فوكس... وستجد أن نصف الناس على الأقل لن يشكك بالسياسات المتبعة.

بوجود الاستبدادية الفكرية تنتفي الحاجة إلى الدكتاتور.

قال عمار ... الصفقة الوحيدة المقبولة بالنسبة لي في هذه المرحلة هي الصفقة التي تجبر آل الأسد على القبول بضرورة تجديد النظام السياسي برمته في البلد، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والسماح للمنفيين مثلي بالعودة إلى وطنهم دون أن يخشوا المضايقات الأمنية. وقد لا تكون النتيجة النهائية لذلك الديمقراطية، بل نظام أكثر انفتاحاً، إنسانية، تمثيلاً ومرونة في الحكم، يسمح بإجراء تحسينات تدريجية. وكل ما هو دون ذلك غير مقبول بالنسبة لي، حتى لو أعاد الجولان أو وفر السلام والاستقرار. وإذا كان السلام والاستقرار الموعودان والمؤمنان سيكونان من النوع السيئ الذي نشهده الآن أو الذي شهدناه في ظل آل الأسد خلال العقود القليلة المنصرمة، فمن الأفضل لي أن أراهن على الحرب والفوضى.

هل ما ذكرته مبدأ، إصرار أم طموح؟ لست متأكداً حقاً، ولا أبالي. هذا هو موقفي، أياً كان. ولا يمكن القبول بشيء قبل أن تبدأ المحادثات ولا يمكن الدخول بالمحادثات قبل معرفة جدية الأطراف الأخرى، وإرساء القواعد الإجرائية. ومن الأفضل لصانعي السلام المحتملين العمل على إرساء القواعد الإجرائية المفقودة، بدلاً من التذمّر فقط من التعصّب الظاهر لمختلف الممثلين المعنيين، خلافاً لذلك فإنهم لن يصنعوا سلاماً بل سيزيدون الطين بلة.

أنا لاعب في هذه اللعبة الغبية حقاً، أردت أو لم أرد، وبصرف النظر عن حجمي وثقلي الحقيقي، لذا علي أن أبيّن شروطي ومخاوفي بكل وضوح، فأنا أشارك أو على الأقل أبدو كمتعصّب في هذه المرحلة، تماماً كآل الأسد الذين أداروا ظهورهم لأي نقاش يتعلّق بالإصلاحات السياسية خلال الأشهر التي تلت تولّي بشار للسلطة، كما فشلوا في تحقيق أية إصلاحات اقتصادية أو سياسية جدية. علاوة على ذلك، ثمة الكثير من المسؤولين في أوربا والولايات المتحدة ومن السوريين أيضاً، مثلك يا أليكس في ملاحظاتك الأخيرة، على أتم الاستعداد دوماً لإرجاء المحادثات المتعلقة بالإصلاح السياسي لمجموعة من الأسباب تركّز جميعها على مسائل الأمن القومي التي "لا يمكن الاعتراض عليها." لكن، إلّم نتخذ موقفاً الآن من هذه القضايا، سيتم إرجاء قضية الإصلاح في المنطقة إلى عقود. أجل، قد لا تساعد الحرب في قضايا الإصلاح، لكن سلاماً واستقراراً من هذا النوع لن يساعدا في ذلك أيضاً.

وفي الواقع، منذ أن قرّر بشار وضع حد لما بات يعرف بربيع دمشق، أصبحت مختلف تصريحاته حول جلّ القضايا، المحلّية والخارجية، أكثر عدائية وتطرفاً بشكل ملحوظ ونجح بخلق أزمة دولية صغيرة تلو أخرى دأب على استغلالها في الخطاب القومي كوسيلة لإرجاء وضع أية إصلاحات سياسية على أجندة هذه المرحلة. لقد أتقن آل الأسد تصنيع الأزمات وتصديرها منذ زمن، ويفترض بنا دوماً أن نقع في هذا الشرك وأن نكافأ جهودهم ونؤجل الدعوات إلى الإصلاح؟؟

أقول، كلا. تريدون الإشراك، إذاً يجب مناقشة جميع المشاكل، وخاصة الفجوة الديمقراطية، كما اقترحت في رسالة سابقة.

قال كيفن... أحسنت قولاً يا عمار.

زنوبيا: مضت التخفيضات الضريبية قدماً قبل 9/11. وجرى التنصت على المكالمات الهاتفية في عهد إدارة كلينتون. ولأن الديمقراطيين واليساريين عموماً أمضوا معظم الوقت في انتقاد سياسات بوش دون تقديم البديل أو في مقارنته بهتلر، فقد همشوا أنفسهم. وصرح هوارد بين أنه غير متأكد من أن بن لادن وراء 9/11 وأنه ينبغي محاكمته. ويغير أعضاء مجلس الشيوخ، الذين صادقوا على قرار الـ 22 نقطة الذي يقر غزو العراق، آراءهم عندما تتحول الأمور إلى وردية أكثر مما يجب. أنا أرى أن المشكلة في الولايات المتحدة تكمن الآن في أن المعارضة (للإدارة) غير ناضجة وتفتقر إلى أية بدائل واقعية. كم كان واقعياً (الانسحاب خلال ستة أشهر) الذي روج له جون كيري خلال ترشحه؟

قال ألكس... انتقدت رئيسة الكنيست، القطب في «كديما» الذي يتزعمه اولمرت، الرفض الإسرائيلي للدعوات السورية الى استئناف الحوار، وقالت لصحيفة «معاريف» انه لا ينبغي تفويت فرصة تاريخية. وأضافت: «ربما نحن إزاء فرص لتحالفات جديدة. سورية تؤشر منذ فترة إلى استعدادها للسلام، ولا أظن انه ينبغي تفويت الفرصة... هل تتخيلون تحالفا جديدا بيننا وبين سورية وما يمكن ان يعني ذلك». وتابعت: «في حال ربحنا سورية الى جانبنا، فإننا سنربح أمورا أخرى... سنربح الكثير إذا مكنّا سورية من التحرر من محور الشر، وعلينا دق اسفين بين سورية والعناصر السلبية (حزب الله وحماس وايران)». وزادت انها تؤيد توقيع إسرائيل اتفاق سلام مع سورية «حتى إن كان سلاما باردا على غرار السلام مع مصر».

احتمال هجوم سوري: على صلة، افادت «معاريف» في عنوانها الرئيس امس بان شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أحدثت تغييرا جوهريا في تقديراتها عن احتمالات نشوب حرب مع سورية وباتت ترى احتمال ذلك اكبر من ذي قبل. وأضافت انه خلافا للسنوات الماضية التي افترضت خلالها شعبة الاستخبارات ان الخيار العسكري الحقيقي مع اسرائيل ليس مطروحا، تبدل الوضع الآن واصبح احتمال نشوب حرب او هجوم سوري محدود على اسرائيل خياراً واقعياً بالنسبة الى دمشق، وان القيادة السورية تدرس بجدية مثل هذا الاحتمال. وتستدرك شعبة الاستخبارات لتضيف ان الحديث في سورية عن الخيار العسكري ما زال في طور افكار ولم تتخذ خطوات عملية في هذا الاتجاه.

قال غسان كرم... عمار، هل من المحتمل أن تحليلك يخلط خطأ بين الترضية والإشراك؟ أنا أوافق كلياً على أنه يجب عدم مساعدة أو مساندة أي نظام متزمت بأي شكل من الأشكال ولكن هذا لا يعني فك الارتباط. والإبقاء على حوار بين الخصمين لا يقود إلى تعطيل التفاهم، بل العكس تماماً، ونتيجته الأسوأ ستكون المحافظة على الوضع القائم.

أنا واثق من أنك ستوافق أنه كان من المفيد جداً للولايات المتحدة الإبقاء على حوار مع الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية وكان من المفيد أيضاً للغرب الإبقاء على حوار مع الصين بعد كارثة ساحة تيان آن من.

قال أليكس... لقد وجدت تعليقك الأخير، يا عمار، أكثر إقناعا بكثير. أتمنى أن يكون مثل هذا قابلاً للتحقيق... كجزء من حل شامل. وإلا، لن يكون هنالك إصلاحات في سوريا حتى يشعر النظام بالراحة لأن الولايات المتحدة وأصدقاءها الإقليميين (السعودية، بعض اللبنانيين، الأردن، إسرائيل .. الخ) لا تنتظر الفرصة لإضعاف النظام داخلياً. في حين قد يقبل السوريين باتخاذ خطوات صغيرة باتجاه الديمقراطية، وهذه الخطوات ستسهل التغيرات الثورية.

ولكن كما قلت في مقالتي حول سوريا الخلاقة؛ إن تلبية أهداف سوريا واحتياجاتها ضمن حل سلمي شامل يجب أن يرتبط حقاً بأهداف إصلاحية اقتصادية وسياسية قابلة للتصديق يكون النظام مسؤولاً عنها. وإذا رفض النظام اتفاقية متوازنة يستعيد فيها الجولان مقابل السلام وإصلاحات داخلية (خلال سبع سنوات) عندها يمكن أن أنضم إليك في المعارضة. أو سأصمت على الأقل.

أحببت هذا الجزء من تعليقك الأخير:

"ولا يمكن القبول بشيء قبل أن تبدأ المحادثات ولا يمكن الدخول بالمحادثات قبل معرفة جدية الأطراف الأخرى، وإرساء القواعد الإجرائية."

وهذا يدفعني لأجيب على أسئلة كيفين: الموقف السوري شبيه بموقف عمار...

1. لا تطلب منا أن نلقي بأوراقنا قبل أن تبدأ المحادثات. إن الطلب من سوريا لقطع علاقاتها مع حماس، وحزب الله وإيران، كقولك لسوريا: "لا يمكننا التفاوض معكم إلا إذا كنتم ضعفاء وغير مؤذيين" ... لا شكراً. هذه هي اللغة التي تستخدمها مع الجانب الآخر إذا كنت قد سحقت إلى الأبد في حرب كبيرة إلى حد ما.

2. أنت لا تتفاوض حتى يعرب الطرف الآخر عن جديته وتعرف القواعد الإجرائية... وفي حالة سوريا هذا يعني أنها اكتوت مرتين بعد أن أمضت سنوات تفاوض، وتوصلت تقريباً إلى اتفاقيات مع السيد باراك (الذي استبدل بالسيد شارون). وفي كلتا الحالتين ألغت إسرائيل جميع اتفاقياتها مع سوريا (لم تكن قد وقعت بعد، وهذا كان ممكناً). وحتى الآن، يتساءل الكثير من الغربيين لماذا لا تظهر سوريا المرونة الكافية مع إسرائيل. لكنهم استفادوا من تجاربهم.

ولآن أعود إلى أسئلتك المحددة بشأن إيران وحماس وحزب الله:

1) إيران: إذا كانت سوريا مقتنعة بأنها وقعت اتفاقية سلام عادلة، إذا كان حزب الله مقتنعاً أن الشيعة في لبنان الذين يشكلون 40% من سكانه يحظون بحصة عادلة من السلطة في لبنان (ديمقراطية صوت واحد لكل فرد ؟) إذا بدأت الولايات المتحدة بالتعاون مع سوريا وإيران حول العراق (معترفة بقدرة البلدين على لعب أدوار ايجابية) وإذا توقفت الولايات المتحدة عن معاملة إيران (آيات الله) بطريقة مهينة، عندها سيجد الإيرانيون صعوبة أكبر بتوسيع دورهم وتأثيرهم في الشرق الأوسط ... على الأقل ليس بطريقة سلبية.

وثمة أمر أخر ضروري لتهدئة إيران، وهو الطلب من إسرائيل لاتخاذ إجراءات فورية لتحسين مستوى حياة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. والذي يقودني إلى سؤالك حول حماس:

2) تملك سوريا تأثيراً كبيراً على حماس، ولكن ليس بمقدورها أن تأمرهم بقبول شروط غير مناسبة للشعب الفلسطيني. إذا قررت الولايات المتحدة وإسرائيل أن تصبحا أكثر واقعية في ما هم راغبون بعرضه على الفلسطينيين في اتفاقية سلام محتملة (قريبة من حدود 67، جزء صغير من القدس الشرقية) يمكن أن تشعر سوريا بالارتياح لمحاولة قلب الموازين في فلسطين بطريقة تجلب الانتخابات المقبلة حكومة أكثر اعتدالاً (شخصيات معتدلة من حماس بالإضافة إلى فتح على سبيل المثال). لقد كان التصويت لحماس رد فعل واضح على السياسات المتطرفة لرئيس الوزراء شارون في الأراضي المحتملة. وعندما تتخلى إسرائيل عن تلك السياسات، يتوقع (بعد بعض التأخير) أن تشهد تغيرات ايجابية في فلسطين.

3)  وحزب الله أيضاً ليس تحت السيطرة السورية كلياً (ولا تحت السيطرة الإيرانية). ولكن من جديد إذا كانت سورية (وبقية اللبنانيين الأصدقاء للولايات المتحدة) راضين بحل لسوريا (الجولان) وإصلاحات ديمقراطية في لبنان (المزيد من السلطة للشيعة) وإذا كانت إيران راضية عملياً، عندها لن يكون حزب الله هو المخرب.

كما قلت في مقابلتي القصيرة مع هآريتز الشهر الماضي إن الجزء الخاص بسوريا في الاتفاقية سهل: الجولان بالإضافة إلى اعتراف بدور إقليمي محدود لدمشق. ولكن لمساعدة سوريا على التحول إلى معسكر السلام، وللحصول على منافع إضافية (تعديل في تصرفات ومواقف حزب الله وحماس) فثمة حاجة لإرضاء تلك الأطراف جزئياً. ومرة أخرى إن الحلول الوسط على كل الجبهات ممكنة.

لدي جدول أكثر تفصيلاً حول الخطوات الأساسية لخطوات مستقبلية... الخ. ولكنك استوعبت الفكرة.

قال أليكس... تصحيح للفقرة الأولى: تلك الخطوات لن تسهل التغييرات الثورية بين عشية وضحاها. فالنظام والشعب السوري لا يريد تغييرات فوضوية، حتى لو كانت على سبيل الافتراض ستقود إلى "الديمقراطية".

قال عمار... غسان، أنت محق تماماً، قلت في مكان ما بأن الإشراك اختزل إلى "الاحتواء" ربما كان علي أن أقول "الاسترضاء". حقاً انه خلط بين الإشراك والاسترضاء إنها مشكلة بالنسبة لي.

أليكس، لو يستطيع آل الأسد الوفاء...

قال أليكس... لن نعرف إذا كان آل الأسد يستطيعون الوفاء حتى يبدؤون التحدث معهم لبدء العملية.

قال كيفن... أليكس: شكراً لردك، انه معقول جداً. ولكنك لم تناقش القضية الأولى المتعلقة بالفقهاء. فأنا لا أعتقد أن المسألة تكمن فقط في معاملة الفقهاء بطريقة أفضل. المسألة هي بالنفاق الصريح الذي استخدمه الفقهاء في علاقاتهم الدبلوماسية. فقد بلغ بهم الأمر حد معانقة الرؤساء الأمريكيين (لا يعني أنهم لا يستحقون ذلك على الدوام). مثال على ذلك: أوفت الحومة الأمريكية بالتزاماتها التي تعهدت بها لحل مشكلة الرهائن، حتى عندما كان من الواضح أن ليس هذا ما أراده شعبها (حماية الممتلكات الإيرانية المجمدة من دعاوى الرهائن. والفقهاء من جهة أخرى، نشروا قضية إيران- الكونترا بعد أن وعدت بإبقاء الاتصالات الأمريكية ـ الإيرانية سرية. لن أناقش سلسلة الخداع الصريح الذي مارسوه في مفاوضاتهم أثناء أزمة الرهائن. أو الاتفاقيات مع الحكومة البريطانية بشأن حكم الإعدام على رشدي. أو تعاملهم مع الوكالة العالمية للطاقة النووية. هل سيتصرف السوريون (حكومة الأسد) بنفس الطريقة؟ أو لو أن الولايات المتحدة استولت على سفارتك، واعتقلت وضربت موظفيها واحتفظت بهم لأكثر من سنة، كم سيكون الأسد مستعد للثقة بالولايات المتحدة؟

يبدو لي أن الفقهاء لا يكترثون لخرق التعهدات والمعايير الدولية في الدبلوماسية حالما تتوفر الفرصة. وأعمالهم تكذب اعتقادهم الواضح أن كل شيء هو لعبة كل شيء أو لا شيء. في الدبلوماسية الضمانة الوحيدة أحياناً هي كلمة المشاركين. يبدو أن كلمة الفقهاء لا تعني الكثير.

قال أليكس... كيفن، سؤال مهم. سأتناوله من هذا المنظور:

لدى الفقهاء قائمة طويلة من الشكاوى ضد الولايات المتحدة والطريقة التي تعاملت بها مع إيران في الماضي. لهذا، التمسوا عذراً في أفعالهم الدولية التي أسفرت عن إحراجات للولايات المتحدة.

إذا أخذنا بعين الاعتبار الأعمال غير المستحبة للرئيس بوش حتى الآن، قد تكون محقاً بأن الإيرانيين سيواصلون مواجهته حتى انتهاء ولايته. ومن المؤسف أن الانتقام رائج في الشرق الأوسط وغير محصور بالفقهاء. إسرائيل، حماس، اللبنانيون خلال الحرب الأهلية ... الجميع شارك بالانتقام.

وبالنسبة لقادة الشيعة في إيران (الفقهاء) الذين يطلبون الحكمة، فان تبريرهم لهذا الانتقام هو أنهم يلقنون الولايات المتحدة درساً لكي لا ترتكب أخطاء مشابهة في المستقبل.

لهذا لا أقترح الآن طلب المعجزات على الجبهة الإيرانية. وأعتقد أن تهدئة عامة للوضع في الشرق الأوسط هي أفضل دفاع ضد قدرة إيران على النجاح باكتساب المزيد من الدعم الشعبي في بقية العالم العربي (السني).

نأمل أن تفتح إدارة أمريكية جديدة صفحة جديدة مع إيران تقود في النهاية إلى عكس السلبية التي شهدناها في الماضي.

أما بالنسبة للبرنامج النووي... فأنا أخشى أن تكون الطريقة الوحيدة لوقفهم هو القيام بعمل ما تجاه منافسي إيران في المنطقة: باكستان السنية، وإسرائيل... كلتاهما امتلكتا الأسلحة النووية وقد قبلت الولايات المتحدة ذلك تماماً.

سيمتلكون أسلحتهم النووية ... اجعلهم أصدقائك.

ودع القلق يساورك بنفس الطريقة من باكستان... حتى يهدأ الشرق الأوسط، الله يعلم أين ستتفجر.

أما بالنسبة "لآل الأسد"، فقد عرف الرئيس حافظ الأسد باحترامه للاتفاقيات الدولية التي وقعها. كان يفاوض إلى ما لا نهاية ليحصل على الاتفاقية التي يشعر أنها أفضل ما تستطيع سوريا الحصول عليه في كل الظروف. ولكن عندما كان يوقعها، يقر الجميع (كيسنجر، وباراك، وبيكر... الخ) أنهم كانوا يثقون بأنه سينفذها تماماً.

والآن، لبشار قصة شهيرة تتعلق بزيارة وزير الخارجية باول لسوريا عام 2003، وأعتقد أنها عندما صرح باول بأن بشار وعده بأمور لم ينفذها. ومن ثم هنالك "الإستراتيجية" السورية الجديدة في الإعلان عن الموقف، وبعد عدة أيام تقديم رواية مختلفة (من خلال النفي الرسمي عادة). لذا لا نعلم بعد إلى أي درجة ستحترم الإدارة السورية كلمتها.

ولكن بصراحة، أعتقد أنها طورت عادة الألعاب القذرة هذه لأن الأمريكيين وحلفاءهم في الشرق الأوسط مارسوا الألعاب نفسها. وبالنسبة للكذب، هل تعلم لمن تذهب الميدالية الذهبية؟

على الأرجح سيحترم آل الأسد الاتفاقيات الدولية التي وقعوها... ما لم تكن مفروضة عليهم.

وثمة أمر أخر.. إن ربط "الإصلاح الديمقراطي" بعملية السلام هذه أشبه بإنذارهم بعقوبة شخصية، عقوبة الإقصاء إذا وقعوا على السلام. لهذا أقترح مرحلة انتقالية لدورة رئاسية أخرى من سبع سنوات قبل إجراء تغييرات ديمقراطية حقيقية. وخلال هذه السنوات، يمكن إجراء إصلاحات اقتصادية واتخاذ العديد من الإجراءات المتعلقة بالإصلاحات السياسية (تأسيس المزيد من الأحزاب السياسية، ومن ثم الانتخابات البلدية، تليها الانتخابات البرلمانية .. الخ)

وأخيراً، إذا كنت لا ترغب بأن تفوز حماس أخرى في سوريا، تريث حتى تهدأ نفوس الشعب السوري قبل أن تسألهم اختيار قادتهم المنتخبين ديمقراطياً. لأن بضعة سنوات من الهدوء ومثلها من الازدهار الاقتصادي ستغير الأمور.

قال ر ... إنها لمناقشة مهمة. ومع ذلك، لدي بعض الشكوك الجدية حول بعض الجوانب المتعلقة بالمنطق الذي يستخدمه أليكس.

تبدو المسلمة كما لو أن آل الأسد سيكونوا مستعدين لإقرار بعض النقاط إذا قدم لسوريا ما يكفي. فأنا أعجز تماماً عن تصور كيف أن نظاماً، غير معزز بدعم شعبي على الأرجح، مستعد للسماح بعملية يتم من خلالها انتخاب حكومة بالتصويت الشعبي. إنها أشبه تماماً بوصفة لكارثة بالنسبة لهم. ومن ثم، يجب أن تطبق في غضون سبع سنوات اعتباراً من الآن. علاوة على ذلك، نحن لا ننظر إلى دكتاتور من النوع "الخير" هنا، سيكون مستعداً على الدوام أن يبذل ما بوسعه لصالح سوريا. نحن (كما أعلم) ننظر إلى نظام أشبه بشبكة من المصالح والقوى الشخصية التي تتنافس في ما بينها إلى حد معين، ولكنها تدرك الحاجة المتبادلة فيما بينها. وأنا أشك في أن يكون بشار الرجل القوي كما كان والده، بمعنى أن حافظ كان على الأرجح يستطيع اتخاذ القرارات بمفرده ويفرضها، بينما على هذا الرجل على الأرجح أن يقوم ببعض النشاط حتى يعطي تعليماته. والشيء الرئيسي، حتى لو أقنع بشار بأعجوبة بالصفقة الشاملة التي كان يتحدث عنها أليكس، لن يخفف الزمن مهما طال أو قصر من طبيعة النظام، أو يقنع شركاءه بالتخلي عن مصالحهم الشخصية. وأشك في أن بشار سينجو بعد قرار من هذا النوع. مرة أخرى، أنا لست خبيراً نشيطاً في الشؤون السورية كما يبدو كالكثير من الناس في هذه المدونة.

قال أليكس... ر، سؤالك مشروع تماماً. لا شك أن إقناع هؤلاء الذين ينعمون بمنافع شخصية من النظام الحالي بأن يتعاونوا أو ألا يقاموا التغييرات التدريجية على الأقل (خلال 7 سنوات) والتي ستؤدي في نهاية المطاف إلى وضع حد لمنافعهم الحالية يمثل تحدياً. ولكن ثمة الكثير من "الأدوات" الممكنة. لكل شخص رزمة محددة من المكافآت المحتملة التي يمكن أن توفر الحافز الضروري. وليس جميع المكفآت مالية. على سبيل المثال الاعتراف بخدماتهم لبلدهم (بدلاً من الإذلال، كما حصل للبعثيين والجنرالات العسكريين في العراق)، لنقل مواقع إدارية في الشركات الجديدة، عضوية في البرلمان السوري أو اللجان الاستشارية، و، بالطبع فرص استثمارات مالية تسمح لهم بالمحافظة على نمط حياتهم إذا كان هذا ما يزال يهمهم، ولكن ضمن إطار أكثر قانونية بالطبع.

من المهم فهم نفسية كل نوع من الأشخاص، بدلاً من التعامل مع الجميع بوصفهم "مجرمين فاسدين". البعض فاسد، وآخرون يبذلون ما بوسعهم حقاً لخدمة بلدهم (أنا أعرف بضعة أشخاص). لا يمكنك تصنيف الجميع في بطاقة التصنيف السلبية: "النظام"

علاوة على ذلك، أصبح الكثير من شخصيات النظام، وجنرالات الجيش في منتصف السبعينات الآن (زملاء حافظ). لقد تعبوا. وكل ما يبغونه هو أن يكرموا في نهاية "خدمتهم لبلدهم".

وإذا كان لا يزال أولادهم تواقين لتنمية مشاريعهم، فان السنوات السبع ستوفر مرحلة ضعف تدريجية مناسبة يستطيعون خلالها نقل مشاريعهم إلى دبي أو أوربا إذا أرادوا ذلك.

يستطيع أمير قطر وحكام دبي المساعدة لضمان أن يحصل هؤلاء الناس على معاملة خاصة في أوطانهم الجديدة.

ومن سيبقى يقاوم، لن يستطيع مواجهة الزخم الشعبي للتغيير، إذا لم تكن عملية التغيير فوضوية كالتي نشهدها الآن.

مرة أخرى، التجربة أكبر برهان. وصفني كيفن بالحالم مقدماً. لا بأس في ذلك، لكنني لا أوافق. أعتقد أن هنالك حلولاً لمشاكل الشرق الأوسط الطويلة المدى. ولسوء الحظ هذه الحلول مرفوضة من مختلف الأطراف لوجود استحقاقات أخرى.

1. البعض يريد الانتقام، أو إعطاء الدروس، وآخرون (لا أحد يقرها، بالطبع) ... أي حل لا يلبي حاجتهم للانتقام مرفوض كونه "غير عملي".

2. ولدى بعض الدول مجموعة من المتطلبات الإضافية الخفية الخاصة بها والتي تعقد الأمور بشكل تصاعدي. والشرق الأوسط لديه ما يكفيه من القضايا التي تحتاج إلى الحل.

3. البعض لا يريد حل أي شيء. فالفوضى والمجهول والنزاعات المسلح توفر فرصاً رائعة لهم. إن النقطة التي أثارها ر تنطبق إلى درجة أكبر على من هم خارج النظام السوري وخارج الشرق الأوسط. وهذا بالنسبة لي يمثل تحد أكبر، كيف يمكنك إقناعهم بعدم مقاومة حل سيؤدى على الأرجح إلى تقليص نفقات الدفاع في بلدهم وفي مختلف الدول الزبونة في الشرق الأوسط.

أعتقد، أن عليك أن تتأكد من قطع وعد لهم بفرص استثنائية في مشاريع تنموية أخرى يمكنهم أن يستثمروا بها، في الشرق الأوسط بعد تحقيق السلام.

خلاصة رسالتي الأخيرة الطويلة: تأكد من ألا يصبح أي طرف قوي في حال أسوأ نتيجة عملية السلام.
اسأل الرئيس بوش الأب وجيمي بيكر كيف استطاعوا إنشاء تحالف واسع لإخراج العراق من الكويت.

قال سوري في الشرق الأقصى... أعتقد أن المشكلة الحقيقية للإشراك التي يدعوا لها البعض مقابل التدخل الحازم الذي يدعوا له آخرون هنا هي أن كلاهما متوقفان على شفقة المشارك/المتدخل.

أنا لا أعتقد أن لدى الغرب، أو على الأقل حكومة الولايات المتحدة، إيديولوجية بحد ذاتها. ولهذا اختلف تدخلهم/إشراكهم إلى حد كبير حسب الناس الذين في قمة الإدارة أكثر من أي شيء آخر.

لقد غطت نظرة الولايات المتحدة كامل الطيف بين كونها المحتل الأكثر إحسانا ومجلبة للخير الذي لم يسبق له مثيل (الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال)، إلى المحتل الأكثر شراً وجلباً للكوارث (فيتنام، والعراق)، إلى ما بينهما (كوريا، تشيلي، أمريكا الجنوبية، الصرب، أفغانستان، أوربا الشرقية، الخ).

بعد رؤيتي لما جلبه وزير الخارجية جورج مارشال إلى أوربا وما جلبه الجنرال ماك آرثر لليابان وكوريا من خلال رؤيتهم وخططهم البعيدة النظر، أقدر أن الكثيرين سيرغبوا بالوقوف أمام الباب يحملون الورود للترحيب بهم حتى لو جاؤوا كمحتلين. وبعد أن رأيت ما فعله وزير الدفاع دونالد رامزفيلد وشركاه للعراق بتخطيطهم الشرير ورؤيتهم المتسمة بقلة التبصر، ستكون الأغلبية ضد الدعم وحتى الحوار المفيد مع أولئك الناس، هذا فضلاً عن التدخل الحازم.

السيد عبد الحميد، إن الكثير من الناس الذين يؤيدون الإشراك أو حتى الاسترضاء يفعلون ذلك لأنهم لا يرون أمثال ماك آرثر، ولا يرون الإدارة التي بنت كوريا الجنوبية وتايوان أو الإدارة التي دعمت بولندا وبقية أوربا الشرقية إبان تفكيكهم للاتحاد السوفيتي، بنية حسنة. إنهم لا يرون إدارة ذات رؤية متوازنة بين ما هو جيد للولايات المتحدة وما هو جيد للدول التي تلزمها، تهدئها، تدعمها أو تغزوها. إدارة يمكنها أن تعطي مثلاً أو أملاً لشعب مثلنا لكي تقنعهم بأن عليهم أن يؤيدوا أية إجراءات إضافية.

في الواقع، إن الإشراك أو الاسترضاء أو كل ما يمكن أن ندافع عنه، لا يدافع عنه بحد ذاته، بل بالأحرى مجرد طريقة لتهدئة الأمور بانتظار أن تدور الدورة وتظهر إدارة منطقية.

على الأقل، هذا هو رأيي.

قال عمار... تم تغطية المسألة بشكل واف، ولكن وجهة نظري الأساسية هنا هي أنه لا يمكننا الدفاع عن الإشراك قبل حلّ مشكلة القواعد الرئيسية ومؤشرات الإشراك. وإلا، وكما أشرت أنت ببلاغة، فان دفاعنا عن الإشراك يأتي كإشارة إلى حجم إحباطنا أكثر من أي شيء آخر. ولكنه يظهر أيضاً عدم قدرتنا على الخروج ببديل سياسي واقعي يمكننا فرضه على المشهد. وإذا كانت هذه الإدارة لا توفّر قادة من النوع المناسب، فلابد على الحشد المؤيد للإشراك أن يحاول توفيرهم، ومقياس القائد المناسب هنا هو قدرته على أن يعلن بوضوح ما هي قواعد ومؤشرات الإشراك المقترح.

قال سوري في الشرق الأقصى... "لا يمكننا الدفاع عن الإشراك قبل حل مشكلة القواعد الرئيسية ومؤشرات الإشراك. وإلا، وكما أشرت أنت ببلاغة، فان دفاعنا عن الإشراك يأتي كإشارة إلى حجم إحباطنا أكثر من أي شيء آخر. ولكنه يظهر أيضاً عدم قدراتنا على الخروج ببديل سياسي واقعي يمكننا فرضه على المشهد."

بالتأكيد يا سيد عبد الحميد، بالتأكيد. لا يمكنني أن أعبر كفاية كم كانت الفقرة السابقة دقيقة ومحيطة بالمشكلة الحقيقية. الحقيقة هي أنه بقدر ما هي كئيبة وكاريكاتورية رؤية المحافظين الجدد لبلدنا، فان أكثر من يقاتلها من الناس هم إما أناس ليس لديهم رؤية أو خطة خاصة بهم، كما هو الحال عند النظام وتجمعه في الداخل وتجمع الاسترضاء في الخارج، أو أناس لديهم نسختهم الخاصة بهم عن الرؤية الكئيبة والكاريكاتورية، كما هو الحال بالنسبة للمتطرفين وأمثالهم. وإذاً هل يمكن أن تكون أيضاً شخصيات دون الوسط ومفلسة مفهومياً مثل نصر الله، وبشار، والبيانوني، وبوش، ورامز فيلد إلى نهاية القائمة من اللاعبين الفعالين في هذه الأيام إلا شعبية كما هي بين تجمعاتها؟ أليس لدينا مثل يقول: لندرة الخيول أسرجنا الكلاب.

قال أليكس... خلال السنتين الماضيتين، كان جل أملنا تجنب الحرب، أو أن نتقدم ببعض القضايا إذا كنا محظوظين فعلاً.

أنا راض بذلك.

لنر من سينتخب الأمريكيون في المرة القادمة. فالعالم يحتاج إلى استراحة من "الفوضى الخلاقة" التي نعيشها منذ سنوات. و لن يظهر "النظام العالمي الجديد" من بين هذه الفوضى. أو على الأقل ليس النظام العالمي الجديد الذي نطمح به.

قال عمار... في هذه الأثناء علينا مواصلة الترويج لأجندتنا الخاصة ونهجنا الملائم، وعلينا أن نتفكر معاً حول ما ينبغي فعله، وإلا سنكون خلال سنتين على الهامش. علاوة على ذلك، إذا كنا نؤمن بأن لدينا بعض الأفكار المناسبة، علينا مواصلة الجهر بها، لأنه إذا لم تنجح في تغيير مسار الأحدث، فإنها قد تؤثر عليه، ولا يهم إن كان التأثير خفيفاً.

قال أليكس... كلا، في هذه الأثناء علينا العودة لمناقشة أكلة الحمص الخ.

قال إحساني... يشير أليكس إلي غالباً بالسيد أبيض وأسود. انه حار أو بارد. لا مكان لحل وسط. لا أمور غامضة. وتقييمه صحيح إلى حد ما.

لقد حاولت تفحص معظم التعليقات الواردة أعلاه. كان الحوار بالطبع مهذباً جداً. ولكنني أعتقد أنه بعد 26 رسالة كانت معظم التعليقات غامضة جداً بالنسبة لمذاقي.

وتطور موضوع عمار عن الإشراك مقابل الديمقراطية خلال النقاش إلى ما دعاه سوري في الشرق الأقصى الإشراك مقابل التدخل الحازم.

الإشراك مع القيادة السورية الحالية يعني منح عائلة الأسد تفويضاً مطلقاً لحكم هذه الأمة للسنوات الخمسين التالية. لنحاول ألا نحلي هذا. وان فكرة أن يجري هذا النظام انتخابات خلال 7 سنوات وأن يسيروا نحو الغروب إذا خسروا لفكرة خيالية. وإذا كان بشار يحظى بشعبية كما يوحى، لماذا لا يجري انتخابات حرة في السنة القادمة بدلاً من الاستفتاء المخزي الذي سنعيشه؟

الجواب بالطبع، هو لأنه يدرك أنه سوف يخسر. أنا أتحداه أن يسمح لجميع أصوات المنشقين والمعارضة أن يديروا حملة انتخابية ضده بطريقة حرة وشفافة. أنا واثق أنه سيخسر بشكل حاسم. لماذا؟ هذا لأنه خذل شعبه. لقد قدم لهذا الرجل طبق ذهبي لكنه بدده. لم يبدده بسبب أمريكا وجورج بوش. بدده لأنه كان مشغولاً جداً في إثراء نفسه وعائلته. بدده لأنه انتابه إحساس بأن مخول بالقيادة دون أن يكون عرضة للمحاسبة من قبل أحد. بدده لأنه كان عليه أن يثبت رجولته وأنه صلب كما كان والده. بدده لأنه فشل بتقديم الحريات الرئيسية والازدهار لشعبه الذي حرم منها لثلاث وأربعين سنة.

أما بالنسبة لأمريكا، فقد ساعدهم في البداية خلال ملاحقتهم للإرهابيين الإسلاميين. ولكنه لم يفوت الفرصة لجني الكثير من الأموال من صدام عندما احتاج إلى مخرج للمبالغ الكبيرة المسروقة. ولم يستفد فقط من الأيام الأخيرة للنظام العراقي ولكنه شن حملة ضد البيت الأبيض وسياسته في العراق منذ ذلك الوقت. لقد آوى المسؤولين العراقيين. وسمح للجهاديين بالعبور من الحدود ووضع نفسه في منزلة أكثر القادة العرب صراحة في عداءه للأمريكيين في المنطقة. وإذا كان هذا غير كاف، جازف بكل شيء في لبنان. وفرض مرشحه الرئاسي على الجميع ولاحقاً جعل نفسه المشتبه الأول في قتل السياسي الأكثر بروزاً في العالم. وإذا كان هذا غير كاف، واصل استضافة زعماء حماس علناً في عاصمته وأيد إيران الطموحة نووياً ووكيله في لبنان.

أرجو أن تقرأ الفقرة السابقة ومن ثم تسأل نفسك هذا السؤال:

إذا كنت تقود البيت الأبيض، هل "ستشرك" هذا الرجل المحترم؟ أليكس يرغب بإشراكه لأنه يريد تجنيب المنطقة حرباً مفتوحة. هذا ليس إشراكاً. هذا استرضاء. هذا موافقة على الابتزاز. لقد نصب النظامان السوري والإيراني نفسيهما خبراء في خلق المشاكل والفوضى. ومكافأة لجهودهم، على أمريكا ، وأوربا، والعرب والشعب السوري أن يجلسوا ويشركوهما.ـ

أعتقد أننا نستحق أفضل من ذلك. لا يمكننا أن ندع خوفنا من المستقبل يحرم شعبنا مسعاه الإنساني الأهم للحرية والازدهار. يعتقد معظم الناس أن أي تغيير سيؤدي إلى الاضطرابات والفوضى. وهذا وقوع في الشرك الذي يخطط له هذا النوع من الأنظمة بمهارة.

دخلت العراق في الفوضى لأنه كان على الولايات المتحدة إزالة صدام خلال الحرب الأولى. وكان لعدم القيام بذلك في حينه أن سمح للبلد بالتسلح إلى أعلى درجة ممكنة. وسمح للأكراد بإدارة دولة ضمن دولة بسبب مناطق الحظر الجوي. وفعل شيعة الجنوب الأمر نفسه. كان أمامهم 13 سنة ليسلحوا أنفسهم ويتحدوا الحكومة المركزية التي كانت تحكم المركز فقط. برأيي، لو أسقط صدام حسين عام 1990 لتفادى العراق الوضع السياسي الحالي.

يزعم الناس بأن سوريا ستدخل في حرب أهلية إذا سقط هذا النظام. من يملك السلاح الآن لخوض حرب أهلية؟ طالما أن الجيش تحت سيطرة القائد العام، لا يوجد فرد في سوريا لديه القدرة العسكرية للدخول في نزاع مسلح.

دعونا نوقف وسائل الترويع. بلدنا العظيم هذا يحيد عن جادة الصواب من زمن بعيد. وهذه القيادة فشلت في القيام بواجباتها. والإصلاح ليست الكلمة الفعالة. التغيير وإعادة البناء الكليين هما المناسبين. ولكنهما قد لا يتمان بسهولة ويسر. ولكن قبول الوضع السياسي الراهن خطأ وجميعنا يعلم ذلك.

قال أليكس... صديقي العزيز إحساني، خطبة مبسطة جداً. وفي الحقيقة تذكرني بالادعاءات المتكررة لخدام خلال 5000 مقابلة أجراها مع وسائل الإعلام المملوكة من السعودية هذه السنة.

مرة أخرى، أقترح عليك أن تأخذ بعض الدروس لتنشط معرفتك، وإدراكك لضرورة الاحتمالات في الحياة. تريدنا أن نؤمن بأنه خلافاً لحالة معظم الأشياء في الحياة تقريباً، عندما يتعلق الأمر بمحاكمة النظام السوري، تصبح فجأة جميع العمليات حتمية بالمطلق.

أنت تعلم أننا ناقشنا هذه النقاط القديمة نفسها أعلاه في مدونة يوشع، نقطة تلو الأخرى. وفي النهاية كنت دوماً توقف الحوار. هل تريد البدء من جديد؟

لكثرة ما كتبت في هذه الرسالة... أصبحت ضجراً من الاستماع لنفسي.

لنناقشها نقطة تلو الأخرى.. وان كنت نشيطاً غداً يمكننا مناقشة البقية.

ادعاؤك # 1 لو أن الانتخابات تجري اليوم سيخسر بشار بالتأكيد أمام بديل مناسب (أفضل بكثير).

هل شاهدت التلفزيون المصري يناقش الانتخابات الرئاسية السنة الماضية؟ أعتقد أنه كان هنالك 9 مرشحين. وأعرف الكثيرين الذين لا يمكن أن يدعموا حسني "جاموسة" مبارك. وبعد أن استمعوا إلى المرشحين السياسيين الآخرين، قرروا التصويت لصالح حسني مبارك ثانية...لم يعرف أحد شيئاً عن إدارة الدولة سوى تذمرهم من الافتقار إلى الحريات السياسية والفساد...الخ.

إجابة على سؤالك: من يعلم أن بشار سيفوز أو يخسر انتخابات حرة في السنة القادمة. أعتقد أنه إذا جرت الانتخابات اليوم فانه سيفوز بأغلبية كبيرة.. ثمة أناس يحبونه وأناس لا يثقون بأسماء (مثل خدام)، علاوة على ذلك، بعد "انتصار" حزب الله فان بشار(الذي دعم حزب الله عسكرياً وسياسياً) كسب بعض النقاط في سوريا.

إذا جرت الانتخابات بعد بضعة أشهر من الآن، سيفعل الأخوان المسلمون ما يفعلونه دوماً... يقنعون عدداً كافياً من الناس بأن التصويت ضدهم هو تصويت ضد الله وضد الإسلام. لذا قد يتمكنوا من تحدي بشار.

ولكن مرشحك المفضل (أياً كان) لن يفوز.. يا صديقي إحساني، حتى في الولايات المتحدة، أولئك الذين يفوزون في الانتخابات الرئاسية ليسوا عادة الأذكى والأنقى. والشيء نفسه (أو الأسوأ) يجب أن نتوقعه في الشرق الأوسط... ولكنك ستجادل بالطبع بأن سوريا ستتميز عن بقية الحالات الأخرى في تلك المنطقة... ستجادل أن نتائج التغييرات في سوريا بيضاء بالتأكيد!

لماذا؟ الله أعلم.

فريمان قال: الكثير من النقاط التي ذكرها السيد إحساني صحيحة ولكنها غير ممكنة التطبيق في هذا الزمن، فهو يراهن على تاريخ سوريا السلمي الطويل، فنحن الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم تعش حربا أهلية مدمرة، واتسم شعبها بالتسامح والمحبة وغيرها من الصفات، ولكن ما يمكن قوله هنا \"كان يا ما كان\".

ربما ساد السلم الأهلي في المدن السورية لزمن طويل جداً، ولكن السبب وراء ذلك يعود إلى درجة المدنية العالية التي اكتسبها قاطنو هذه المدن عبر آلاف السنين، وتوارثهم للعديد من الحضارات، ولا سيما الحضارة الآرامية التي اتسمت أغلب ممالكها بالطابع السلمي، فكما نعرف لم تشتهر أي من الحضارات السورية القديمة بأنها قامت بتوسيع حدودها عسكريا، ولأن: 1- بقايا هذه الحضارات تركزت في المدن السورية الحالية، 2- وبسبب فشل الكثير من الأنظمة التي احتلت هذه الأرض بتغيير الطابع السكاني للمدن، 3- بالإضافة إلى استيطان الكثير من الشعوب الغريبة في ما يسمى الريف السوري بعيداً عن السلطة، ومن دخل مدنها فقد تمت تربيته وترقيته على يد سكانها؛ كل هذه العوامل قادت إلى الطابع المدني السلمي للشعب السوري، الذي بقي غالباً بعيداً عن السلطة ومحققاً نوعاً من التوازن، بحيث يعيش حياته كما هي ويحافظ على عاداته.

تأكيداً على كلامي، نلاحظ أنه في فترة الأربعينات والخمسينات حصلت الكثير من الانقلابات العسكرية ولكنها لم تتسم بالعنف، وكل الخلافات كانت تحل في السلطة، والانتقامات تحصل على مستوى السلطة.

أما اليوم فأول ما يمكن قوله هو أن الطابع السكاني لسوريا قد تغير، فنلاحظ أن ما يغلب على المدن هو الطابع الريفي البدوي والبدائي، والذي لا يزال يعيش بمفاهيم القبيلة والعشيرة، والغزو والانتقام، كما نلاحظ استمرار الزحف البدوي بشكل كبير إلى هذه المدن، أضف إلى ذلك وجود مئات آلاف الفلسطنيين والعراقيين (وربما الملايين)، وهؤلاء دخلواً سوريا ومدنها حديثاً، وفي ظل نظام بدائي يمسك بكل مفاصل الحياة ويمنعنا من الحفاظ على فكرنا وتقاليدنا، ولذلك فإن هؤلاء (البدو، الفلسطينيين، والعراقيين) لم تتسنى لهم الفرصة للتعرف على الطابع الحضاري لسوريا، وبدلاً من ذلك وجدوا الفرصة مناسبة لتعزيز فكرهم البدائي ونشره، وبمعرفة أن هؤلاء ليس لهم أي بلد آخر يلجؤون إليه في حال انهيار النظام الحالي - فسوريا كما يعرف الجميع (قلب العروبة النابض) أو كما أفضل تسميتها (مأوى المجرمين المشردين)- فإنهم سيقاتلون للدفاع عن وجودهم على هذه الأرض التي باتوا يشعرون أنها وطنهم الحقيقي، لأنها تلبي كل غرائزهم وتحميهم وتحافظ على هويتهم القومية والدينية. وباختصار شديد هؤلاء هم جند المرحلة القادمة وهم من يخيفون الشعب السوري، وهم من سيقوموا بكل ما يمكن من جرائم لحماية وجودهم.

ونقطة أخيرة أحب أن أضيفها تتعلق بمسألة الجولان، فأنا أستغرب طرح البعض إمكانية استعادة الجولان في الوقت الراهن، فأنا أعتقد أن حكومة اسرائيل ليست بدرجة من الغباء لكي تستغني عن الجولان وهي تعرف أن لا وطن آخر له، فكل من سوريا والجولان قابعين تحت شكل من أشكال الاستعمار، حتى بدأت أشعر أنه سيأتي يوم يطالب فيه أهل الجولان باسترجاع سوريا السليبة.


هرطقات سريالية
30 تشرين الأول، 2006 / مدونة زندقة / عن مدونة أمارجي

غالباً ما قُورن مأخذي على السياسة السورية بمواقف المحافظين الجدد، ووُجّهت لي اتهامات، شخصياً وفي ركن التعليقات على هذه المدوّنة، بالدعوة للحرب ضد النظام السوري. وهنا ردّ أخير على انتقاد خاص ردّد هذه الأقاويل:

بالنسبة لي، مأخذي على السياسة السورية لا يربطه رابط بالفكر الصهيوني أو تفكير المحافظين الجدد، بل هو يتمحور حول الحقيقة التي يتوجّب علينا أن نتعامل معها في سوريا على أساس يومي. لا يمكنني تجاهل هذه الحقيقة، أو فهمي لها إن شئتُ أن أكون أكثر صدقاً ودقّة، بسبب توافقها مع وجهة نظر أحد المفكرين من المحافظين الجدد في هذه النقطة أو تلك. آل الأسد، على ما هم عليه، زمرة فاسدة وحشية لديها الاستعداد للقيام بكل ما من شأنه أن يبقيها في سدّة الحكم. أنا لم أشكّلهم بهذه الطريقة، ولا أرى سبباً يدفعهم، بإرادتهم المحضة وبغياب أي ضغط، لاختيار تغيير سلوكهم. وإذا كان هناك من يرغب في تجاهل هذه الحقيقة والتعامل مع آل الأسد وكأنهم رجال دولة متعقّلون توجّههم اعتبارات المصلحة الوطنية، عندها سيكون لدي كل الحق في القول أن هؤلاء الناس على خطأ وأنهم سيساهمون في تخريب الأوضاع في البلد بدرجة أكبر مما تفعله الإدارة الحالية التي، وإن كانت تستخدم تكتيكات خاطئة في الكثير من الأحيان، لكنها، على الأقل، ترسم تقييماً صحيحاً؛ أعني أن آل الأسد هي ثلّة من المجرمين المتعذّر إصلاحها أو تغييرها.

لكن إذا كان البعض ممن يقرّون بحقيقة إجرام عائلة الأسد ما زالوا يريدون إجراء محادثات معهم بذريعة السياسة الواقعية وما إلى ذلك، فسيكون هذا مشكلاً يصعب حلّه، لأن تمكين مثل هؤلاء الأشخاص، كما أظهرت أحداث 11/9 بوضوح، لم يعد يلحق الضرر بمصالح شعوب المنطقة فقط، بل بمصالح الشعوب في كافة أنحاء المعمورة. وفي هذا العالم المنكمش باستمرار تنصبّ مشاكلنا غالباً على الرموز الدولية ويتركّز غضبنا على أطراف وقوى خارجية بنفس السهولة التي يتركّز فيها على الفاعلين الداخليين، إن لم يكن بدرجة أكبر، وهي مسألة تسهّلها عملية غسل الدماغ المتواصلة التي نخضع لها والمسحات الثقافية المتداخلة للنظام العالمي القائم والطبيعة البشرية المحافظة.

فساد الأنظمة الحاكمة وطبيعتها الاستبدادية تقوم بمهمة تمزيق النسيج المتمدّن في منطقتنا، مُكرِهة الناس على النكوص إلى أنماط بدائية من الانتماء وأنماط متطرّفة من التفكير، مما يخلق بدوره مشاكل وجودية للأنظمة لا يمكنها مواجهتها سوى بتشجيع تصديرها إلى أمكنة أخرى في المنطقة والعالم. ولهذا السبب، يدعم السعوديون المؤسسات الوهابية والتيارات السلفية في كل أنحاء العالم، ويغازل النظام السوري، مدفوعاً بشكل خاص بخلفيته الأقلّوية التي تحول دون أي إمكانية للإصلاح أو شرعنة خارجية لموقعه، الكثير من الحركات الجهادية في المنطقة، من الثمانينات وحتى الآن.

من جهة أخرى، إذا كان الناس يريدون زيادة جرعة النقد للإدارة الأميركية الحالية، فسيلاقي ذلك استحسان من قبلي، لكني أحذر من مغبة تحوّل نقدنا، أو أن يُحوَّل، باتجاه يدعم السياسات المختلفة في المنطقة والتي تدفعها نحو الكارثة. والحقيقة هي أن لا المحافظون الجدد ولا الليبراليون ولا الواقعيون لديهم أدنى فكرة عن كيفية معالجة الأزمة الحالية. فمشاحناتهم السياسية المتواصلة حول الكثير من القضايا التي لا تتعلّق بالشرق الأوسط، بل تبقى محلية في الغالب، تعزّز إعادة إنتاج شروط الحرب الباردة في المنطقة، حيث تحاول الأنظمة أن تتملّق أحد أطراف الخلاف على أمل الاعتماد عليه لكبح الطرف الآخر حين يقارب اتخاذ بعض القرارات الحرجة التي تخصّ المنطقة.

أضف إلى هذا، القصور المستمر في التنسيق مع الحلفاء في أوروبا، عدم حجز مكان لروسيا والصين في عملية صنع القرارات العالمية، أو الوصول إلى رؤية جديدة لحلف شمال الأطلسي تسمح بالتعويض عن مواطن الضعف في الأمم المتحدة، ناهيك عن التوصّل إلى رؤية فعلية جديدة للأمم المتحدة نفسها، - فهذه تبقى هي القضية الأساسية التي يتوجّب علينا التعامل معها إذا ما أردنا فعلاً أن نبني نظاماً عالمياً جديداً، - وبهذا يصبح لدينا وصفة من أجل كارثة فعلية والتي سنحسّ بها جميعاً.

ما لم يكن هناك إرادة دولية كافية من أجل معالجة هذه التحديات، إرادة يمكن لها أن تقدم نموذجاً للسلام والإصلاح الحقيقي لشعوب المنطقة، مع جَزَر حقيقي وعصي حقيقية والاستعداد لاستعمال كليهما إن تطلّبت الحاجة، فالأمر الوحيد الذي يمكن أن ينتجه التسييس في هذه المرحلة هو الانتقال بنا من كارثة إلى أخرى فأخرى، إلى أن نرتطم بالكارثة الكبرى.

لقد أثبت البشر على الدوام عوزاً حقيقياً كلّما تعلّق الأمر بجهود وقائية حقيقية. إننا نبادر فقط إلى استعادة الأحداث الماضية والتأمل فيها. لكن عندما يتعلّق الأمر بالغطس رأسياً في الكارثة، نكون دوماً السباقين.
لهذا السبب لا أهتم كثيراً بانتقاد إدارة بوش، ما الغرض؟ توصياتي سريالية جداً بالنسبة لأية إدارة من أجل أن تتعهّدها جدياً، وأية انتقادات لدي ستستخدم ببساطة كعلف في معركة سياسية بلا معنى لن تخدم غرضاً حقيقياً، فيما يتعلّق بي على الأقل. السبب الوحيد في اهتمامي بانتقاد جانبنا من المعادلة هو رغبتي في العثور على أناس من نفس التفكير يمكنني العمل والتعاون معهم فيما يتعلق بمشاريعي السريالية، بما فيها مشروع ثروة.


تعليق أليكس... لكوني أحد الذين واصلوا انتقادك، شخصياً وفي ركن التعليقات، بسبب عدم قدرتك على إيصال أفكارك بصورة محايدة، جديرة بالثقة، سأوضّح، مرة أخرى، أنه رغم محاولاتك المؤثرة لتوضيح التفكّر القابع خلف تحليلك الأحادي الجانب، ما زالت هناك مشكلة قائمة.

1) كما أشرتَ بحق: إنه فهمك للحقيقة، وليست الحقيقة ذاتها. تعترف دوماً أنه فهمك ولا شيء آخر، لكنك من جهة أخرى تتحدث باقتناع مطلق بالاعتماد على حاستك السادسة، كما تشيرُ أحياناً. أحياناً تكون مصيباً والبقية منا على خطأ، لكني لم أسمع منك مطلقاً اعترافاً بخطئك بشأن أي موضوع كتبتَ حوله فيما سبق (عندما يتعلق الأمر بآل الأسد). وعندما تناقش أي موضوع آخر، تكون الأكثر تعقلاً وهدوءاً والمثقف الأكثر انفتاحاً.

2) عائلة الأسد أخيار أو أشرار كما هو حال بقية الزعماء في الشرق الأوسط اليوم. وعندما يكون لديك صيغة عملية لتغييرهم جملة، عندها نستطيع جميعاً التمعّن فيها. لكن الآن، وكما اكتشفنا متأخرين، الولايات المتحدة أنزلت "الديمقراطية" في الشرق الأوسط، يتوجّب علينا معايشة آل الأسد (وملك العربية السعودية، ومبارك، وملك البحرين....)، وأن نتوقف عن هدر كل طاقتنا في انتقادهم. و"الرفض" لن يؤدي إلى 11/9 آخر إن أقام الأميركان والإسرائيليين سلاماً مع سوريا.. سيتحول الوضع إلى فساد أكبر مخلوطاً برخاء اقتصادي، مما سيدفع الشباب السوري إلى الفرار من روابط دينية مفرطة في تشددها. إذا لم تتمكن الولايات المتحدة وحلفائها العرب من التخلّص من آل الأسد، فسيكونون (الأميركان) أول الملامين على دفع الشباب السوري باتجاه الإرهاب. وأنت تتجاهل هذه الحقيقة. بمقدور عائلة الأسد فعلاً أن توفّر دعماً فائقاً للجهود الرامية إلى جعل المنطقة أكثر علمانية... لكن الأمر سيتطلّب أن توقف الولايات المتحدة وأصدقاؤها محاولة إسقاط نظام عائلة الأسد ومحاصرته!.. عندما لا يكونون مهدَّدين لن يكونوا بحاجة إلى حلفاء أصوليين يتساهلون معهم الآن.

3) ادعاؤك بأنك لا تنتقد هذه الإدارة لكونك لا تستطيع إحداث فرق ملموس، ينطبق أيضاً على حالة سوريا... فأنت أيضاً لن تساعد على إسقاط آل الأسد أو تجعلهم يغيّرون من سياستهم. إذن، لماذا تصرف 90% من طاقتك (في هذه المدوّنة على الأقل) على آل الأسد؟

4) أنت الشخص الوحيد في المعارضة الجدير بالمناقشة. الآخرون، إما ليسوا ديمقراطيين لكي يتقبّلوا النقد الحاد (كما هنا) أو ليسوا مؤثرين على الإطلاق... ليسوا صادقين، ليسوا أفضل حالاً من آل الأسد. إذن، لماذا نحن متحمسّون للتغيير الشامل؟

5) بإمكانك كسب المزيد من الناس لمشروع "ثروة" إن لم تبعدهم بطريقتك المتطرفة في النظر إلى الأمور. أعرفُ وأنت تعرف بعضاً من الناس الجيدين الذين سيكونون سعداء جداً في تقديم المساعدة لـ"ثروة" إن لم تنفرهم سياسات الجناح اليميني هنا.

هذا فهمي بالطبع.. وقد أكون مخطئاً.

تعليق عمار... أليكس.. تطرفي في الحطّ من شأن آل الأسد على أساس سجلاتهم في الظلم والفساد يماثله دفاعك المتطرف عنهم كأبطال للعلمانية، مهما كانوا مخادعين، ومهما كان الاستقرار ضعيفاً وهشّاً. لا يمكن للنظام الأقلّوي الفاسد إلا أن يقود إلى المزيد من الوعي الطائفي والتطرّف الديني في بلد مثل بلدنا. علاوة على ذلك، سيكفل فساد آل الأسد عدم حدوث إصلاحات اقتصادية حقيقية تؤدي إلى تحسين الشروط المعاشية للشباب السوري، حتى بعد عودة مرتفعات الجولان. ستزيد حصص السلام من إثراء آل الأسد فقط، ولن تقدّم شيئاً لبقية البلد، كما حصل بالضبط في مصر بعد اتفاقيات كامب ديفيد؛ سيواصل التطرف نموه وسينفجر في وجوهنا آخر المطاف.

أعرف أنني أفردتُ مجالاً لآل الأسد أكثر مما كان يجب وأكثر مما يستحقونه فعلاً، لكن، كان هذا إلى حدّ ما ردّاً ضرورياً على المحاولة المستمرة في الدفاع عنهم من قبل آخرين، في حين أن لدي فهم مختلف لطبيعة آل الأسد ناتج عن تجربة عملية. ومن جهة أخرى، كان هذا ردّاً أيضاً على شهور من الاستجوابات (في الواقع، جاءت المدوّنة نتيجة لهذه الاستجوابات ولإفساح المجال لي لإسماع صوت انتقادي لآل الأسد إلى جمهور أوسع)، التي دوّنتها وأنا في سوريا، تلاها المنفى، الذي ما زلت أحاول، وكذلك عائلتي، التأقلم معه. لكن بالطبع، منفاي خطأي، ولا يمكن بأية طريقة إلقاء اللوم على فساد واستبداد آل الأسد (؟؟).

ما تزال تريد سماع اعترافي عن خطأي في ما يتعلّق بآل الأسد بشكل خاص. حسناً، إليك: سيدوم حكم آل الأسد أطول مما كنت أتوقع، وهناك احتمال كبير أن لا أرى سوريا مرة أخرى قريباً. لكن يمكن أن يصحّ هذا الاحتمال حتى في أعقاب الانهيار الفعلي لآل الأسد.

بالنسبة لـ"ثروة"، لا تقلق، نحن نتقدّم ببطء لكن بثقة.

تعليق هاوي... عمار وأليكس، يذكر عمار أن شيئاً ما ينمو باستمرار "علاوة على ذلك، سيكفل فساد آل الأسد عدم حدوث إصلاحات اقتصادية حقيقية تؤدي إلى تحسين الشروط المعاشية للشباب السوري، حتى بعد عودة مرتفعات الجولان".

يذكّرني هذا بتعليقات عمار حول معادلة الـ "نصر ـ نصر" عندما تكون إسرائيل المهاجمة عموماً... تنتصر إن خسرتَ وتنتصر إن انتصرتَ.

كنت في الجولان... ليس هناك حقاً الشيء الكثير... لا نفط، لا ذهب، ولا الكثير من الناس... نعم هو مهم استراتيجياً، عسكرياً ومصدراً للمياه.

لكن إذا استرجعت سوريا الجولان غداً... ما الذي سيتغير في سوريا... ما عدا ربما تفجّر عاطفي متفاخر بأننا أخيراً تغلبنا على إسرائيل؟

عليّ الاتفاق مع عمار... لا أعتقد أن لدى الأسد خيراً يقدمه للناس. لماذا لا يقول... يعرض انتخابات حرة في سوريا إذا كان يهتمّ بالشعب السوري. هل من الأسهل إثارة مشاعرهم بـ "الجولان" و"أميركا" و"إسرائيل"؟ أعتقد ذلك... أعتقد أن الجولان هو أفضل ما يُغرم به الأسد... عظم يستطيع به إلهاء الجماهير الغائبة التفكير.

تعليق أليكس... " أليكس.. تطرفي في الحطّ من شأن آل الأسد على أساس سجلاتهم في الظلم والفساد يماثله دفاعك المتطرف عنهم كأبطال للعلمانية".

حسناً، لكني على الأقل أحدّد "مديحي" لآل الأسد بأمرين اثنين فقط:

1) أعتقد أنهم سيكونون إضافة كبيرة للعلمانية في الشرق الأوسط عندما يكفّ بقية اللاعبين (الولايات المتحدة وحلفاؤها) عن تحدي سوريا.

2) أعتقد أنهم مهتمون بسوريا قوية أكثر بكثير مما تعتقد. ليس لكونهم ثوريين أنقياء، بل لأسباب عدة يمكن أن أناقشها معك لاحقاً إن رغبتَ.

سوريا العلمانية، المستقرة، القوية التي تقيم سلاماً مع إسرائيل هو أفضل ما يمكن يتم في الشرق الأوسط. إذا استطاعت سوريا وإسرائيل التوصّل إلى تفاهم باحترام كل منهما لدور الأخرى المحدّد في الشرق الأوسط، عندها ستكون الأمور أفضل بكثير للجميع.

لكني على خلافك، لا أمتدح كل ما يخص "آل الأسد"، فأنا قادر على قول كل الأشياء السيئة حول فسادهم وسوء إدارتهم وافتقارهم لمهارات العلاقات العامة، ... كل ما أقوله: إنهم أفضل من الخيارات الأخرى.

وبالمناسبة، إن كنت تتذكّر، ناقشنا النقاط التي أثرتها أنت حول ما سيحدث بعد عودة الجولان... تحريرها تدريجياً، وبعيداً عن المعونة والاستثمارات المسيطر عليها، ويمكن أن تكون عودة الجولان نفسها متوقفة على التزام السلطات السورية بمجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية... وإن لم يرتفعوا إلى مستوى التوقعات، فأنا على ثقة بأن الشعب السوري لن يخيّب أملك يا عمار. سيكون هناك إعادة لمظاهرات بيروت، والشعب السوري لن يتحمّل بعد الآن آل الأسد.

أو أنهم ربما يخطو باتجاه إصلاحات اقتصادية ونصف خطوة باتجاه إصلاحات سياسية... أنا موافق على ذلك.

وليس لدي شكّ بأن مشروع "ثروة" يعمل بشكل جيد، لم أقصد الإشارة ضمناً إلى أنه في ورطة... تمنيت فقط أن يستطيع الكثير من الموهوبين العمل براحة معك.

تعليق ريم... أعتقد أن إحدى أكبر مشاكل منطقتنا هو إصرارنا على الإشارة إلى الغرب والصهيونية في كل مرة تصادفنا مشكلة ما...

لن نحلّ مشاكلنا الخاصة إن لم: 1) نعترف أن لدينا مشاكل، و 2) تعيين هذه المشاكل. من مصلحتنا القيام بذلك. لماذا يجب أن يُفسّر نقاش مشاكلنا الخاصة بولاء للأجندة الصهيونية أو الغربية كما الناس في أغلب الأحيان؟

الأمر أسهل من ذلك. قبل تركيز الانتباه على مشاكل الآخرين، عليك أن تحلّ مشاكلك الخاصة. إبدأ من الداخل ومن ثم إعمل للخارج. لسوء الحظ، نحن لم نقترب من حلّ مشاكلنا من الداخل.

تعليق كيفن... ما يعجبني في كتابة عمار وتعليقاته هو أنه لا يخشى من تسمية الأشياء بمسمياتها. كثيرون اليوم يخشون ذلك. يخشون الجهر بالحقيقة لأنه ربما تُستخدم من قبل "الطرف الآخر" لخدمة أجندته الخاصة. يُلاحظ هذا في أجهزة الإعلام الأميركية وتقاريرها حول إيران. المراسلون والكتاب من الجناح اليساري يناقشون علناً فيما إذا كان يتوجّب عليهم الكتابة حول إيران، مع احتمال أن تُستخدم هذه التقارير من قبل الذين "يرغبون بالحرب" مع إيران.

إذا كان آل الأسد "جيدون" بسبب إبقائهم سوريا في المعسكر العلماني، يمكن القول أن ستالين كان أيضاً "جيداً" بسبب إبقائه روسيا في المعسكر العلماني. يبدو لي أن أليكس يريد سوريا قوية ومزدهرة بغض النظر عن طبيعة الحكومة. ومن الناحية الأخرى يريد عمار صيغة "ديمراطية" للحكومة ستنتج سوريا قوية ومزدهرة. يتوجّب عليّ الوقوف في صف عمار؛ تدخّل حكومي أقل يخلق بلداً قوياً ومزدهراً. فالديكتاتورية، بغض النظر عن درجة اعتدالها، تقوم على أساس التدخل الحكومي الشامل في القطاع الخاص. ربما تخلق الديكتاتورية فترة ازدهار أو شوط ازدهار قصير، لكن في النهاية ستخضع إلى حاجتها المتأصّلة للسيطرة.

سؤالي لأليكس وعمار وأي واحد آخر: لماذا في سوريا (وأعتقد في بقية الشرق الأوسط) يجب أن يكون المرء متطرفاً أو أصولياً لكي "يواجه بجرأة" الولايات المتحدة؟ لماذا لا يمكن لشاب سوري أن يصبح علمانياً ويبقى معارضاً للولايات المتحدة؟ لماذا يجب أن يصبح المرء في العالم العربي مدمراً ذاتياً لكي "يواجه بجرأة" الولايات المتحدة؟

تعليق أليكس... لكن يا كيفن... لو كان لدينا الخيار لإقامة الديمقراطية في سوريا في وقت قريب، سأتفق أيضاً مع عمار. الخيار ببساطة ليس هناك، وأنا أحاول أن أجد الخيار التالي الأفضل، بدلاً من مجرد المقاطعة.

لذا، لا أعتقد أن استخدام اسم ستالين يثبت أن اقتراحي، الذي سيقود إلى إصلاحات اقتصادية وبعض الإصلاحات السياسية، هو تصويت لصالح قيادة سورية شبيهة بالستالينية.

سؤالك الثاني: ليس كل أولئك الذين يعارضون الولايات المتحدة هم متطرفون وأصوليون... أغلب الشعب السوري يكره الولايات المتحدة اليوم... ومعظمهم يودّ صداقة الولايات المتحدة إن تغيّرت بعض الأمور.

تعليق عمار... أليكس: "1): أعتقد أنهم سيكونون إضافة كبيرة للعلمانية في الشرق الأوسط عندما يكفّ بقية اللاعبين (الولايات المتحدة وحلفاؤها) عن تحدي سوريا." 2) أعتقد أنهم مهتمون بسوريا قوية أكثر بكثير مما تعتقد. ليس لكونهم ثوريين أنقياء، بل لأسباب عدة يمكن أن أناقشها معك لاحقاً إن رغبتَ."

أتعتقد ذلك، يا أليكس؟ هل هذه عناصر إيمانية جازمة بالنسبة لك؟. آمل ألا تكون، وإلا فلن أشعر بالراحة في تفنيدها.

1) عليك أن تسأل صديقنا جوشوا لانديس عن دراسته حول تآكل العلمانية في المدارس السورية في ظل حكم آل الأسد. لنضع نصب أعيننا أن حافظ الأسد شجّع وموّل أكثر من 400 مركزاً لتعليم القرآن في كافة أنحاء الريف السوري تؤدّي الآن، إلى هذا الحد أو ذاك، وظيفة المدارس التقليدية المسؤولة عن إنتاج الآلاف من الحمقى الذين يعظون بخليط عجيب من العقيدة السلفية والصوفية الجاهلة، بالضبط ما تحتاجه سوريا العلمانية في هذه المرحلة. بالإضافة إلى هذا، تسامح آل الأسد وشجعوا تفتح كل التنويعات في الدوائر الإسلامية أواخر الثمانينات والتسعينات، وصولاً إلى هذه اللحظة، في محاولة حمقاء لحصر اتجاه عواطف السنة في تصوّف سياسي وتجهيل اجتماعي، وصولاً إلى التحكم بالسنة وإذلالهم في نفس الوقت، كم هذا مضحك!. لكن هذا يكفي. أقصد، ينبغي أن تعرف كل هذه الأمور ، أو يمكن تجري بحثاً حولها بنفسك. النقطة الأساسية: لا، آل الأسد ليسوا جيدين بالنسبة لعلمنة سوريا.

2) ليس لدي شك بأن آل الأسد مهتمّون بسوريا قوية. لكنهم أيضاً مهتمون أكثر بإحكام قبضتهم على زمام السلطة بلا حدود، وليست لديهم أدنى فكرة أو رغبة للابتعاد عن الترتيبات الطائفية الموجودة، لأنهم يراكمون أموالهم عن طريق التلاعب بها. إن تأسيس سوريا قوية وإبقائها تحت السيطرة في الوقت نفسه هي مجرد أضغاث أحلام. خمّن الجانب الذي يرغبون في ارتكاب الخطأ حوله؟

لا يا صديقي، الديكتاتوريون سوف لن يختاروا الانسحاب. يتحتم طردهم. لا أريد للأميركان أن يقوموا بذلك من أجلنا، لكني لا أريدهم أيضاً أن يصعّبوا الأمور علينا بتشجيعهم آل الأسد من خلال بعض السياسات الكلبية الحمقاء، بالاستناد إلى خسائر محسوسة، بغض النظر عما يكلّفنا ذلك.

لم أطلب من الأميركان أبداً أن يأتوا لإنقاذنا، والمؤكّد أننا كنا ننصحهم بعدم التدخّل منذ 11/9. لكن منذ أن أصبح التدخل أمراً واقعاً، منذ غزو العراق، كان لزاماً عليّ أن أعدّل موقفي. ليس من الجائز للأميركان (والأوروبيين) الرحيل دون إيجاد آلية واقعية واضحة لترتيب كل الأمور لما بعد انسحابهم. ليس من الجائز أن يتركوننا في فوضى لا أحد منا (نحن الليبراليون والديمقراطيون) قادر على التخلص منها؛ فوضى ستُوقع المنطقة أكثر فأكثر تحت رحمة تجاذبات كل تلاوين القوى والزمر الجشعة.

لقد قلتُ من قبل أنني سأدعم عملية إقليمية تقصد التعامل مع كل المشاكل المعلّقة. الترتيبات التي يمكن أن تلائم مصالح آل الأسد فقط ستدعنا تحت رحمتهم وستوقع سوريا في شرك تحالفات وترتيبات عنكبوتية ستؤثّر عكسياً.

إذا لم يدرك الأميركان والأوروبيون الحكمة من هذا الآن، فدعهم يعملون ببطء أكثر فأكثر إلى أن يدركوا.

في هذا العالم المعولم، حيث أن الكثير من أنظمتنا دُعمت وفُرضت علينا من قبل قوى خارجية، وحيث أن تمردنا وغضبنا يستهدف الخارج، لا يمكن أن يأتي التغيير على أيدي الفاعلين المحليين فقط، ولا برعاية الفاعلين الخارجيين الذين يعملون وفق افتراضات ثقافية وهموم ومخاوف أمنية واجتماعية ـ اقتصادية معينة، يجب أن تكون تتضافر الجهود، ويتشارك اللاعبون جميعهم، وتُستخدم كمية كبيرة من الجزر ومن العصي والإرادة السياسية إلى جانب بعضها البعض، على امتداد فترة زمنية معقولة. ولا شيء أقل من هذا يمكن أن يُنجَز.

إن كان هذا يبدو غير معقول في مقاربته للأمور، فليكن، لم أجلس على طاولة المفاوضات بعد، لذا يتوجّب عليّ أن أكون غير معقول. ضع ما هو واقعي على الطاولة، ومن ثم دعني أعيد تقييم مستوى معقوليتي.

من جهة أخرى، يتوجّب علي القول، وقد أرضت غروري ملاحظاتك عني، أنني لست بالتأكيد شخصاً وحيداً في البرية عندما يتعلق الأمر بنشطاء المعارضة. هناك عدد كبير نسبياً في سوريا لهم تاريخ طويل في هذا المجال، وقدموا تضحيات كبيرة في سبيل قضايا الحرية والديمقراطية. واختار الكثير منهم الانضمام إلى إعلان دمشق، الذي تم التأكيد فيه منذ فترة قصيرة فقط على أن نظام آل الأسد "متعذر إصلاحه".

لذا، بالتأكيد لستُ الوحيد الذي يلتمس هذا الخط، فأنا بصحبة جيدة في هذه المرحلة. وكل معارض معروف ومحترم في البلد يقول نفس الشيء تماماً. في الحقيقة، قد لا نمثّل قوة تلجأ إلى الشارع في هذه المرحلة وتشكل معارضة جدية للنظام، لكننا قاربنا الاتفاق على أن الإصلاحات تضليل والتغيير واجب.

إذا اختارت المجموعة الدولية تجاهلنا والوقوف إلى جانب آل الأسد، تحت ستار الارتباطات والسياسة الواقعية، فستكون النهاية بالنسبة لنا، باية طريقة يمكن أن تتخيّلها: النفي، الموت، السجن، المنع من السفر، مضايقات أمنية وما إلى ذلك. وإن نحن غِبنا، لا أعتقد أنه سيكون مسموحاً لأي أحد أن يملأ فراغنا. والعالم ليس بوارد اتّباع خطتك اللطيفة والمعقولة، فكل من كتب حول هذا حتى الآن كان منشغلاً بالتفكير في "السياسات العليا"، لا التفكير بقضايا "تافهة" مثل حقوق الإنسان والديمقراطية والإصلاحات السياسية. حقوق الإنسان ستأتي متأخرة، كما فعلوا في اتفاقية الشراكة الأورو متوسطية. هل يمكن أن تسمّي حالة واحدة عندما فُرضت المادة الثانية بشكل جدي؟

لذا، كما ترى يا أليكس، على خلاف أصدقائك الذين يودّون لو كان بإمكانهم التصويت في انتخابات الرئاسة الأميركية، أنا أقوم بما هو أفضل ربما وأتصرّف وكأني عضو في "لوبي" أفعل ما بوسعي لأؤثر على عملية عملية صنع القرار هنا أو هناك، فهذا أفضل من لا شيء. وما جهودي تصبّ في محاولة مسامرّة لمنع حدوث حوار مع النظام السوري نكون نحن غائبين عنه.

تعليق أليكس... عمار، لا أعرف لماذا ظاهرياً أعطيك انطباعاً بأنني قصدتُ أنك لست مؤثراً أو ناجحاً مطلقاً... كونك غير قادر على إسقاط النظام السوري بمفردك لا يعني أن جهودك بلا طائل.

كل ما قلته هو أن معظم الشخصيات السورية المعارضة (وليس الكل) غير محترمين مثلك (أو: أنت الوحيد الذي توجّهه القيم الأخلاقية السليمة في معارضتك، مقابل الآخرين الذين تقودهم رغبتهم بالسلطة على سبيل المثال)، ولذا لستُ متحمساً جداً لتحمل فوضى تأتي بخدام أو بعض الشخصيات الأخوانية التي تدّعي الاعتدال الآن إلى السلطة.

أما بالنسبة لمادة جوشوا "التعليم الإسلامي في سوريا" فقد قرأته وعملت له رابطاً في صفحته الشخصية على موقعي. أنت محق في تذكيري بالمدارس الدينية التي أجازها حافظ الأسد أو شجّعها بعد أحداث حماة. لكن هذا هو بالضبط غرضي... كما قلت في وقت سابق: إن كفّ الأميركان وحلفاؤهم العرب عن محاصرة النظام السوري العلماني، فلن يعودوا بحاجة لإبداء الكثير من اللطف للأصوليين. أما كما تجري الأمور الآن، فيجب على السوريين أن يكونوا ضامنين عدم إضافة عدو آخر إلى قائمة أعدائهم ومنافسيهم الحاليين (الولايات المتحدة، السعودية، إسرائيل...)، ولذا يجعلون من المحافظين والأصوليين حلفاء لهم.

لكن عمار، أنت تعرف أن بشار على غير ودّ مع تلك التعاليم المحافظة، وسيكون أول من يحاصرهم حين يشعر أن لديه دعم موثوق طويل المدى من الخارج.

اقتراحاتك حول جمعية ثنائية المجلس التشريعي ستلاقي مقاومة من الشيعة والسنة على حد سواء في البداية، لكنها التسوية الوحيدة الممكنة، وأنا على ثقة من أن هناك طريقة لتسويقها فعلياً لمعظم السوريين.

وأخيراً، أشاركك قلقك في أن الغرب إذا قرر التخلي عن سياسته السابقة في الشرق الأوسط، فسيتغاضون بالكامل عن مسائل الديمقراطية وحقوق الإنسان.

رأيي حول هذا: الوقت ليس متأخراً بالنسبة لك للحشد من أجل تغيير جزئي في السياسة الأميركية... ليس بالالتصاق بالسياسة الفاشلة الحالية حول عزل النظام السوري ومعاقبته، ومن جهة أخرى عدم التخلي عن الديمقراطية وحقوق الإنسان بشكل كلي من أجل أي حلّ يحفظ ماء الوجه.

لماذا لا تحشد أكثر من أجل مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط؟ ... هذا لن يجعل السوريين نجوم العرض، سيكون هناك أيضاً حسني والملكين عبد الله.. ألخ، ويمكنك أيضاً أن تحشد من أجل تضمين حقوق الإنسان، إصلاحات اقتصادية وإصلاحات ديمقراطية في جدول الأعمال. هذه الإدارة ما زالت تثمّن هذه المكونات، على الأقل كسبيل لحفظ ماء الوجه أمام فشلها في فرضها على العالم العربي. الإدارة القادمة لن تولِ الكثير من الاهتمام للإصلاحات الديمقراطية، أتفق معك. لكن لم يفت الأوان طالما هذه الإدارة ما زالت موجودة. إقرأ على سبيل المثال هذه المقالة في Chronicles لصديقنا جورج عجان هذا الأسبوع.

تعليق المجرم البريء قال عمار: 1) عليك أن تسأل صديقنا يوشع لانديس عن دراسته حول تآكل العلمانية في المدارس السورية في ظل حكم آل الأسد. لنضع نصب أعيننا أن حافظ الأسد شجّع وموّل أكثر من 400 مركزاً لتعليم القرآن في كافة أنحاء الريف السوري تؤدّي الآن، إلى هذا الحد أو ذاك، وظيفة المدارس التقليدية المسؤولة عن إنتاج الآلاف من الحمقى الذين يعظون بخليط عجيب من العقيدة السلفية والصوفية الجاهلة، بالضبط ما تحتاجه سوريا العلمانية في هذه المرحلة. بالإضافة إلى هذا، تسامح آل الأسد وشجعوا تفتح كل التنويعات في الدوائر الإسلامية أواخر الثمانينات والتسعينات، وصولاً إلى هذه اللحظة، في محاولة حمقاء لحصر السنة".

حسناً، يمكن أن يكون كل هذا صحيح تماماً، لكن ماذا كان يمكن أن يكون البديل؟ حرمان الإسلاميين (أمر مضحك) من مدارسهم الدينية؟ أنا على يقين بأن المنتقدين كانوا سيعتبرون ذلك انتهاك لحقوق الإنسان والحريات الدينية. لذا أفضّلُ أن تسمح الدولة بمثل هذه المدارس لإدارتها والتحكم بما يُُدرّس فيها بدلاً من منعها بالكامل وبالتالي الدفع باتجاه قيام مدارس سرية غير مراقبة. وأعتقد أن ما يستحق الذكر أيضاً هو أن سوريا لم تنتج إلا القليل من المتعصبين الدينيين العالميين مقارنة بمعظم، إن لم يكن كل، بلدان الشرق الأوسط.

2) "ليس لدي شك بأن آل الأسد مهتمّون بسوريا قوية. لكنهم أيضاً مهتمون أكثر بإحكام قبضتهم على زمام السلطة بلا حدود، وليست لديهم أدنى فكرة أو رغبة للابتعاد عن الترتيبات الطائفية الموجودة، لأنهم يراكمون أموالهم عن طريق التلاعب بها. إن تأسيس سوريا قوية وإبقائها تحت السيطرة في الوقت نفسه هي مجرد أضغاث أحلام. خمّن الجانب الذي يرغبون في ارتكاب الخطأ حوله؟".

لا يمكنني أن أتفق معك مرة أخرى. لكنني أعارض فكرة أنهم أسوأ من نظرائهم في الشرق الأوسط. الكثير من نقاد الأسد، وأنت من بينهم، تصفونهم بذلك. وتلك برأيي المتواضع ليست القضية. أنا لا أحاول مناصرة عقلية "الكل يفعل ذلك، فلماذا لا يمكننا أن نفعل نحن؟". لكن كل من هم في السلطة يهتمون بإحكام قبضتهم عليها بلا حدود، وليس الديكتاتوريون فقط. لكن مل يفتقر إليه الجمهور العربي هو مؤسسات قضائية ومدنية لفرض نوع من المنافسة على قيادتهم. ببساطة، نحن نفضّل أن نكون "خرافاً". ولا يستطيع أي مجتمع عربي أن يعلن أنه محصّن ضد هذا النموذج المثير للشفقة والناجح إلى درجة عالية.

تعليق مجهول... "أعتقد أن ما يستحق الذكر أيضاً هو أن سوريا لم تنتج إلا القليل من المتعصبين الدينيين العالميين مقارنة بمعظم، إن لم يكن كل، بلدان الشرق الأوسط". فعلياً، كل المنظّرين الرئيسيين للسلفيين والجهاديين سوريون. هل سمعتم بأبو مصعب السوري؟

تعليق مجهول... من المعروف أن معظم الشيوخ الذين لاقوا التعذيب وقُتلوا من قبل آل الأسد كانوا من الصوفيين وليسوا من السلفيين.

تعليق مجهول... قبل سوريا الأسد لم تكن تُعرف الطائفية والقبور الجماعية مطلقاً. وهذا يفسر التغطية الدولية لهذا النظام طوال 40 سنة... من يكره الشعب السوري مثل الأسد...

تعليق مجهول... عمار، أليكس، ألا تريان أن وجهتي نظركما، بالإضافة إلى وجهات نظر الآخرين، جوهرية بالنسبة للبلد. مجموع الأفكار والمواقف ضرورية للتغيير الذي نتمناه جميعاً. تبخيس عمار المتواصل لرموز آل الأسد والنظام مهم جداً وذو قيمة لتعرية صورة الديكتاتور الذي يظن أنه لا يُمس، وتبيان ذلك لشباب البلد الذين نشأوا في عهد الديكتاتور الأب الذي يصفقون له الآن، والكشف لهم عن الوجه الحقيقي لهؤلاء الناس. الزعماء والنخب الذين سرقوا وراكموا 10% من ثروة البلد في أيدي قلة (بحلول العام 1998، امتلك والده وبقية العائلة الميزانية الوطنية للبلد)، ومنعوا، وما زالوا، عجلة البلد الاقتصادية من الدوران، مما أنتج وضعاً في البلد جعله متأخراً 100 سنة عن العالم.... هؤلاء الزعماء والنخب لا تستحق أي تعاطف ويجب فضحها أمام الناس. والعم، رفعت، الملطخة يداه بالدماء، والذي سرق أموالاً ضخمة وأدار عمليات لصوصية وكل أنواع النشاطات غير الشرعية تحت نظر وسمع الديكتاتور، يعيش الآن حياة بذخ وما زال يؤثّر في حياتنا عن طريق أجهزة إعلامه. التركيز على أشخاص النظام مساعد في هذه المرحلة. فهؤلاء الناس، النظام وأزلامه، ما يزالون يعتقدون أنهم يمتلكون البلد، ويجب أن تتغير هذه العقلية. الحرية ثمينة لم يذق الشعب السوري طعمها بعد. شخص مثل عمار يقوم بعمل عظيم في إهانة هؤلاء الناس ووضعهم في موضعهم الحقيقي في مجرى التاريخ قبل انتظار 100 سنة للتجرؤ على قول هذا.

أليكس، أنت تقوم بعمل عظيم أيضاً في كشف ضعف المعارضة وشرذمتها والتفاح الفاسد في صفوفها. وأنا فعلاً أحترم مواقفك بالقدر الذي تعجبني أفكار عمار.


إِشْرَاك سوريا – فرصة أم فَخّ؟
5 تشرين الثاني، 2006  / مدونة زندقة / عن أمارجي

ما يلي هو ملخّص مُكَثَّف لما قدَّمْتُهُ في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكينغز". وكان "الطرف الآخر"، إذا جاز القول، مُمَثَّلاً بشريكي المُفَضَّل جوشوا لانديس.

كما هي الحال في المشاركة العسكرية، فإنَّ للمشاركة السياسية قواعدها. وإحدى هذه القواعد هي التالية: عند التعامل مع أنظمة سلطوية فاسدة، خاصةً إذا كان لديها بعض الحافز الإيديولوجي مهما يكن ضئيلاً، لا تُعط أكثر مما تأخذ، وإلا انتهيت إلى خلق مشكلة في المستقبل أكبر من تلك التي تحاول أن تحلّها.

حقيقة أن سوريا وإيران مهمّتان وحيويتان في المنطقة لا يعني بالضرورة أنَّ من الممكن إشراك النظامين أو أنَّ قواعد المشاركة السياسية المقترحة هي قواعد عملية ويمكن أن تفضي إلى النتائج المرغوب فيها: السلام والاستقرار في المنطقة، وبعض التقدّم الملموس في الحرب العالمية على الإرهاب، حيث يبدو هذا الأمر الأخير وكأنه يشكّل سياقاً عاماً للتدخّل الأميركي الحالي في المنطقة وللدافع الديمقراطي بأكمله.

أولئك الذين يدافعون عن إشراك آل الأسد يميلون إلى تصويرهم كزعماء قوميين، لكن في الوقت الذي يمكن أن نصدّق فيه نوعاً ما من يقول إن حافظ الأسد كان قائداً قومياً، رغم أخطائه وعيوبه، فإن بشار وشركاه يبدون مدفوعين بالطمع الشخصي وشهوة السلطة أكثر من الاعتبارات القومية. لا، هذا لا يعني أن آل الأسد مجرّدون تماماً من القناعات والمصالح القومية، بل يعني أنهم غالباً ما يميلون إلى الخلط بين هذه المصالح القومية والمصالح الشخصية، والعائلية، وبدرجة أقلّ الطائفية، وغالباً ما يتجاوزون الحدّ فيما يتعلق بالمصالح الشخصية والضيقة.

أولئك الذين يدعون إلى إشراك آل الأسد يبدون دوماً على استعداد لأن يسلّموا، حتى قبل إجراء أية مباحثات، ليس الجولان وحسب، بل أيضاً لبنان، وأجزاء من العراق والمناطق الفلسطينية لكي يمارس فيها آل الأسد سيطرة مباشرة أو غير مباشرة. غير أنه ليس من الواضح مطلقاً ما الذي يجعل في مصلحة الولايات المتحدة أن تسلّم كل هذا القدر لنظام فاسد وسلطوي جَعَل من هزيمة الولايات المتحدة شغله الشاغل لعقود؟ كيف يمكن لمثل هذه التنازلات أن تجعل آل الأسد أقلّ رغبة في إلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة؟ وما الضمانات لئلاّ يسيء آل الأسد إدارة شؤون مجالهم "المُكْتَسَب" فلا يغدون أكثر طموحاً وإشكالية في المستقبل؟

القسوة التي تم بها التعامل مع التحقيق في مقتل الحريري من قِبَل دعاة الإشراك هي قسوة لافتة بالفعل، إذْ يبدوا أنهم مرتاحون تماماً لفكرة تقويض المحكمة الدولية. كيف يمكن أن نتوقّع من دول هذه المنطقة أن تحترم حدود واحدتها الأخرى وسيادتها حين يبدو المجتمع الدولي جاهزاً دوماً للخضوع لمطالب وابتزاز وتهديد العناصر التي تمارس أشد عمليات البلطجة وقطع الطرق؟ إننا نريد أن تمتثل دول هذه المنطقة، بما فيها إسرائيل، للمعايير والأعراف الدولية المتفق عليها، لا أن تمتثل المعايير والأعراف الدولية للأهواء المحلية والإقليمية في القسوة والخروج على القانون. فالإلحاح على إبقاء هذه المنطقة خاضعة للمحاسبة على أساس مجموعة من القواعد مختلفة وأدنى أخلاقياً لن يعمل إلا على تعزيز هذه القواعد المختلفة وترسيخها.

والأقسى من ذلك على هذا الصعيد هو رفض النظر في التأثير الذي يمكن أن يحدثه إهمال التحقيق في مقتل الحريري على لبنان، والذي بدأ يتجلّى بعد مقتل الحريري مباشرةً. فمثل هذا التطور يمكن أن يمهّد الطريق أمام انفجار نهائيّ ويفسح المجال أمام سيطرة حزب الله على لبنان. فكيف يمكن أن يخدم ذلك مصالح الولايات المتحدة، وكيف يمكن لانفجار لبنان، أو وقوعه تحت سيطرة عليه منظمة إسلاموية، أن يخدم السلام والاستقرار في المنطقة؟

ينبغي الربط بين النقاط السابقة وتطورات معينة كانت قد حصلت في السنوات الماضية وكثيراً ما يتم تجاهلها على الرغم من صعوبة ذلك، أعني: الإقصاء الأخير لإثنين من منافسي إيران التقليديين، وهما طالبان ونظام صدام. وبذلك تكون مقاربة الإدارة الأميركية القائمة على المواجهة قد عملت على دَعْم النظام الإيراني. وما يقترحه المدافعون عن الإشراك الآن هو دعم نظام آل الأسد وحزب الله، حليفي إيران الأساسيين في المنطقة. وعند النظر في ذلك كله، لا يسع المرء ألاّ يتساءل: هل صنّاع السياسة الأميركيون منخرطون على نحو نشط وهادف في محاولة إعادة خلق الإمبراطورية الفارسية، أم أنهم مجرد أشخاص ضعاف العقول ومازوخيين متعصبين؟

إن المدافعين عن الإشراك يتحدثون عنه كما لو أنّه مهمة آلية بسيطة. وهم ينسون أنه قد جُرِّبَ من قبل وفشل، ليس فقط في عهد حافظ الأسد، بل في عهد بشار، كما في المفاوضات المتعلقة باتفاق الشراكة الأوروبية المتوسطية، وهو اتفاق كلّه جزر دون عصيّ في جوهره، تلك المفاوضات التي تواصلت لأكثر من ثلاث سنوات، بعد أن تجمدت أثناء حكم والده خمس سنوات. لتقوم إدارة بوش بعد ذلك بالضغط على الاتحاد الأوروبي لإضافة بند خاص على الاتفاق، نتيجة لموقف المواجهة الذي اتخذه بشار ضد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق. وهذا ما وضع حداً لتلك المفاوضات في الوقت الراهن.

فلماذا تواصلت المحادثات كل هذه الفترة بشأن اتفاق شديد الوضوح؟ لأنَّ تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي يقتضيها الاتفاق سوف يضرّ بمصلحة النخبة الحاكمة وسوف يفتح النظام، سياسياً واقتصادياً، بتسارع أكبر مما يرتاح له آل الأسد، وهم ما هم عليه من تقلّب الأطوار والأهواء.

وبالمثل، فإنَّ محادثات السلام، ما إن تبدأ، حتى يكون من المرجّح أيضاً أن تتواصل وتتواصل، بصرف النظر عن أية وعود أو التزامات أو ضمانات قد تُعْطَى في البدء. وهذا ما سيوفّر لآل الأسد والإيرانيين الذين يدعمونهم الوقت الكافي لتحطيم التحالف الدولي القائم في مواجهتهم، خاصة وهم يرون الروس والصينيين لا يقفون الموقف ذاته، وأنَّ لدى الأوروبيين 25-30 رأياً بشأن أي شيء وكلّ شيء، وأن لدى الأميركيين رأيين، يكونان في بعض الأحيان بعيدين عن الاستنارة كلاهما. ولدينا، من الطرف الآخر، نظامان ديكتاتوريان يناقشان استراتيجياتهما وتكتيكاتهما خلف الأبواب المغلقة، وليس في مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام وعلى شبكة الإنترنت.

هل يمكن لآل الأسد أن يكونوا ذوي فائدة في الحرب العالمية على الإرهاب؟ نظراً لكون الطابع الطائفي الأقلوي الذي يميز نظام آل الأسد واحداً من العقبات الأساسية التي تواجه هذا النظام، فإنَّ قدرته على إجراء إصلاحات علمانية لطالما كانت ضعيفة. وحقيقة الأمر، أنَّ النظام – على الرغم من تصفية الحساب مع الإسلاميين، بين سواهم من الجماعات المعارضة، في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وربما بسبب تصفية الحساب هذه – كان قد اضطر إلى تطوير استراتيجية احتواء مزدوجة فيما يتعلّق بإسلاميي البلد والطائفة السنية الأكثرية بوجهٍ عام.

ففيما يتعلّق بالقضايا الاجتماعية والتربوية، تفسح سياسات النظام المجال أمام المذهب السني التقليدي وحكم الشريعة وتشجّع على نشرهما في البلد كلّه، مستخدمة في ذلك المقررات الدينية الإلزامية في البلد والسماح بإقامة مدارس عامة تلحّ على التربية الدينية وحفظ القرآن.

أما فيما يتعلّق بالتيارات الناشطة سياسياً، فالنظام يشجّع على تبنّي ترتيبات خاصة تسمح لمنظمات إرهابية شتى باستخدام البلد كقاعدة عمليات وملجأ آمن في الوقت الذي تنفّذ عملياتها الفعلية في الخارج، غالباً في تطابق مع مصلحة معينةٍ مُتَصَوَّرة للنظام (وقد سبق لهذا النظام أيضاً أن استغل خدمات القواعد الفلسطينية الوطنية العلمانية على هذا الصعيد). وبعبارة أخرى، فإنّ آل الأسد يصدّرون مشكلتهم الإسلامية. وإلقد رأينا كيف لجؤوا إلى ذلك مؤخّراً فيما يتعلّق بالوضع في العراق، لذا، هنالك سبب وجيه للاعتقاد بأنهم سيواصلون القيام بذلك في المستقبل المنظور، حتى لو منحهم المدافعون عن الإشراك كلّ ما يريدونه. فإدراك آل الأسد للتهديد الإسلامي الذي يواجههم لطالما كان شديداً ومُنذراً بالخطر لأنهم ينظرون إلى كامل التطور من ضمن موشور طائفي محض. وبذلك يكون الدور الفعلي لآل الأسد في الحرب العالمية على الإرهاب دوراً سلبياً إلى أبعد الحدود، خاصةً أن طريقتهم المفضّلة في مقارعة الإرهاب هي تصديره، وجَعْلِه مشكلةَ أحدٍ ما آخر، ومن الأفضل أن يكون هذا الآخر الولايات المتحدة. وجلّ ما بوسع آل الأسد تقديمه في هذا الصدد هو القيام بتعذيب بعض المتهمّين بالنيابة، كما فعلوا في حال ماهر عرار وغيره.

خاتمة: حين نأخذ النقاط السابقة جميعاً بعين الاعتبار، يتّضح أن الاقتراحات الحالية الرامية إلى إشراك آل الأسد لن تقوى على تحقيق الهدف المرغوب، وقد يكون لها مردودها العكسي بسهولة. ذلك أنّها جميعاً تنتهك روحاً ونصاً تلك القاعدة الأساسية في الإشراك السياسي والتي سبق أن أشرنا إليها، فهي تنزع إلى أن تعطي أكثر بكثير مما يمكن أن تأخذه. وهي بذلك سوف تحمي آل الأسد، وتنظّفهم وتُعِدّهم كقوة إقليمية خطرة تماماً يمكن لها، مع حليفيها الوثيقين والقويين مؤخّراً، إيران وحزب الله، أن تشكّل تهديداً هائلاً لمصالح الولايات المتحدة وآفاق الاستقرار والسلام في المنطقة. وعلاوةً على ذلك، فإنَّ إشراك آل الأسد، بدلاً من أن يشكّل بعض التقدّم الملموس في الحرب العالمية على الإرهاب، يمكن أن يجعل المشكلة أسوأ، ذلك أنه في معركة التصورات، سوف يُرَى باعتباره قلباً للسياسة المُعْلَنَة في تغيير النظام من طرف الولايات المتحدة، فما بالك بفرنسا، وهو أمر لا يمكن إلا أن يشجّع الإرهابيين ويمكّنهم.

توصيات: إذا كان الإشراك ضرورياً، ينبغي أن يتم في سياق مقاربة إقليمية شاملة لا تفسح مجالاً كبيراً أمام المفسدين ولا تتجاهل قضايا الشرعية الدولية المتعلقة بالتنفيذ الكامل لجميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما فيها الخاصة بإسرائيل، و/أو الحاجة إلى إصلاحات سياسية واقتصادية جدّية في معظم، إن لم يكن في كلّ، الدول المعنية. كما ينبغي إشراك ممثلي حركات المعارضة، والمجتمع المدني، ونشطاء الديمقراطية وحقوق الإنسان فضلاً عن المثقّفين، في المحادثات كوزن يقابل وزن الأنظمة وبغية تمثيل مصالح واهتمامات شعوب المنطقة بشكل الصحيح. أما المقاربات الخطرة التي لا تهدف إلا لتلبية حاجات طرف واحد دون النظر الكافي إلى التشعبات الداخلية أو الإقليمية فسوف يكون لها مردود عكسي، وقد سبق أن كان لها مثل هذه الآثار السلبية على المنطقة والتي تمثّلت بتدعيم مواقف الفاعلين والأنظمة البلطجية، وآل الأسد مثال على ذلك.

نحو نظامٍ عالمي جديد: مساهمة هرطوقية
26 تشرين الثاني، 2006  / مدونة زندقة / عن أمارجي

كلُّ هذا الانقسام بين المحافظين الجدد والواقعيين، بين المدافعين عن الديمقراطية والمدافعين عن الإلزام، هو في الواقع بلا أيّ معنى ولا يصيب كبد الحقيقة. ذلك أنَّ ما من طرف لديه ما يجترح اختلافاً في مشكلات منطقتنا المُحَاصَرَة، فما بالك بمشكلات العالم، أو ما يجترح أي تقدّم جدّي في الحرب على الإرهاب. وهذان الطرفان ينزعان على امتداح سياسات هي في جوهرها غير جوهرية وتمهّد السبيل أمام مزيدٍ من تدهور الأوضاع ليس في شطرنا من العالم فحسب، بل في كل مكان.

يعكس هذا الانقسام أزمة هوية خطيرة نزلت بالولايات المتحدة ولا تزال في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء ما أدعوه الطور الأول من الحرب الباردة، إذ أعتقد أنَّ الحرب الباردة لا تزال قائمة بين ظهرانينا مكتفية بالتحول من مواجهة ثنائية الأقطاب أساساً إلى مواجهة متعددة الأقطاب واضحة وعالمية النطاق، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، وإلى حدٍّ ما اليابان، فضلاً عن قوى إقليمية مختلفة، مثل تركيا وإيران والهند، وكندا وأستراليا بوضعهما المحيّر، لا تزال تبحث عن دور وهوية عالميين.

والحال، أنّ لأزمة الهوية في الولايات المتحدة ما يكافئها في غير مكان من العالم، ليس بين دول العالم الأول فقط بل أيضاً في أرجاء مناطق العالم "الأدنى"، حيث يمثّل الإرهاب الإسلامي واحداً من تجلياتها. وجميع الأطراف منكبّة، في الواقع، على تصدير أزمة هويتها الخاصة وكثيرٍ من عواقبها الحتمية إلى العالم ككل. وعادة ما يكون لمثل هذه السلعة المصدَّرة أثرها المدمِّر على شعوب العالم "الأدنى" في ظلّ غياب إطار مؤسساتي يمكن للنظام العالمي الجديد أن يقوم عليه.

كان النظر في الحاجة إلى إطلاق سيرورات جديدة والشروع ببناء نظام عالمي جديد قد تمّ في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي وغزو العراق للكويت عام 1990. واللافت أنَّ الإدارة الأميركية في ذلك الحين لم تكن مستعدّة لمواصلة انتصارها حتى الإطاحة بنظام صدّام حسين خشية أن يخلق ذلك مشكلات وتصدّعات خطيرة في التحالف الدولي القائم آنذاك. وكان ذلك دلالة على أنَّ العالم القادر على الاتفاق على تحالف يرمي إلى استعادة وضعٍ قائمٍ معين، يواجه مشكلات كبرى لدى استخدام القوة في تغيير نظام من الأنظمة، بصرف النظر عن المبررات التي يمكن أن تُسْتَخْدَم في ذلك. وكان ثمة شيء مفقود في المعادلة القائمة، ألا وهو قواعد الأمم المتحدة التي تتيح ذلك، وما من أحد كان يريد أن يجرّب شيئاً جديداً.

وكانت عملية السلام التي أطلقها مؤتمر مدريد عام 1991 ودامت حتى عام 2000 سبيلاً آخر لخلق وقائع جديدة في الشرق الأوسط، لكن هذه المحاولة انتهت إلى الفشل لأسباب كثيرة، من أهمها – وهو سبب لم يُدْرَس بما فيه الكفاية – أنَّ أوروبا وروسيا والولايات المتحدة قد فشلت في التعاون معاً على هذا الصعيد ذلك التعاون المؤثّر، وبدت في بعض الأحيان كما لو أنها تتنازع وتقوّض مبادرات بعضها بعضاً. وهذا ما ساعد على إطالة أمد المحادثات وأعطى للقوى الراديكالية والمفسدين فرصة التدخّل. أما أسباب هذا العجز عن التعاون حتى بين الحلفاء، القدامى والجدد، فهو أنَّ عمليات مماثلة أو حاجةً إلى حدوث عمليات مماثلة كانت قائمة في غير مكان من العالم، وغالباً ما كانت مصالح القوى العالمية المعنية متصارعة ولم تقدّم الأمم المتحدة، بصيغتها الحالية، ذلك السبيل الكافي للتحكيم بين الأطراف المختلفة والفصل في نزاعاتها.

وهذا ما دفع القوى المختلفة لأن تعمل، مباشرةً أو بصورة غير مقصودة، على إفساد مطامح وخطط بعضها بعضاً. فالولايات المتحدة وأوروبا عارضتا روسيا في الشيشان، ونازعتا مصالحها في غير مكان من القوقاز وآسيا الوسطى، وكذلك عارضت روسيا الخطط الأميركية والأوروبية في الشرق الأوسط. وأرادت الصين من العالم أن يتقبّل موقفها من تايوان ويقبلها هي كقوة عظمى جديدة مع كلّ الحيثيات المترتبة على ذلك، لكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كانا يعيشان وضعاً أصعب من أن يتيح لهما قبول ذلك مع جميع تشعباته، ولذلك اختارت الصين أن تعمل كقوة إفساد على صعيد الكثير من القضايا.

كانت القوى المختلفة قد أعلنت حقّها في مناطق نفوذها قبل زمن طويل من بروز الصين، لكن هذه الأخيرة باتت تريد حصّتها الآن من الأسلاب وفي عملية صنع القرار الدولي. وهو وضع يذكّر كثيراً بموقف ألمانيا في أوائل القرن العشرين، على الرغم من وجود اختلافات كثيرة. فالأشكال الحالية من الهيمنة والنفوذ الإقليمي هي أشدّ حذقاً وبراعة مما كانت عليه، وكذلك دور الصين أيضاً كعامل إفساد.

والحال، أنَّ إخفاق المؤسسات الدولية القائمة في توفير سبيل جديد لعملية صنع القرار الدولي والتحكيم الدولي شجّع على اللجوء إلى مؤسسات جديدة مثل قمة الثمانية الكبار أو على توسيع مؤسسات قديمة مثل الناتو. كما شجّع أيضاً على تشكيل تحالفات مؤقتة واللجوء إلى أعمال من طرف واحد عندما يستلزم الأمر.

ومن الواضح أنَّ هذا الوضع قد أدّى إلى قيام مشكلات كثيرة والحيلولة دون حلّ كثير من الصراعات حول العالم. وما يحتاجه العالم اليوم لإقامة نظام عالمي جديد جدير بهذا الاسم هو إقامة الإطار المفاهيمي والمؤسساتي المناسب لهذا النظام. فقبل أن نتمكّن من الكلام على خطط مارشال في هذه المنطقة أو تلك، أو على عملية مدريد أو برشلونة جديدة، دَعْ عنك التفكير الفاعل في إطلاق عمليات مشاركةٍ قادرةٍ فعلاً على إطلاق الثمار المرغوبة وليس إطلاق النار والانفجارات في وجوهنا جميعاً، لا بدّ للعالم من مؤتمر عالمي جديد مماثل لتلك المؤتمرات التي عُقِدَت في الأيام الخوالي في كلّ من فيرساي ويالطا.

وعلى هذا المؤتمر أن يركّز على الحاجة إلى الاتفاق على مجموعة جديدة من القواعد والترتيبات والمؤسسات التي يمكن أن تساعد في إقامة الإطار الشامل للنظام العالمي الجديد الذي نحتاج إليه ونرغب فيه. لا نستطيع أن نواصل تعثّرنا من أزمة إلى أخرى على هذا النحو. وهذا الحال لا يبشّر بمستقبل حسن على الإطلاق، ولن يدوم طويلاً. كما أنّ الفراغ النظري والمفاهيمي القائم اليوم في حقل العلاقات الدولية لا بدّ أن يمهّد السبيل أمام مواجهات كبيرة، سيقوم كثير منها في منطقتنا بلا شكّ، ويبدو أن إحداها تلوح في أفق المستقبل القريب بالفعل. فعلى الرغم من الأسلحة النووية وقَدْرٍ أعظم من دهاء السياسة، لم تخرج الحرب العالمية من المعادلة تماماً، كما يروق لنا أن نظنّ، لكي نكتفي بما أحرزنا من نجاح. وحين يتعلّق الأمر بصنع السلام، فإننا لم نحرز في الحقيقة ذلك القدر المهمّ من النجاح.


دِكْ: أرى أن هناك تحول آخر. فالدول القومية لم تعد اللاعب الوحيد أو الأساسي على الخشبة العالمية. فالقوة تمارسها على نحوٍ متزايد حركات أصغر تقوم ضمن الدول (إيرلندا، إسبانيا، السودان، الخ..) والأهم من ذلك عبر الدول (الاشتراكية الأممية، القاعدة، الخ...).

ولذلك فإن قضايا القرن الواحد والعشرين تختلف نوعياً عن قضايا القرن التاسع عشر والقرن العشرين (على الأقل في النصف الأول من هذا الأخير).

والحلول لم تتضح بعد. ولا أعتقد أنها ستبزغ من صراع جديد بين الأمم. فمقارعة النار بالنار تبدو مشتملةً على شيء ينسجم مع سياسة القوة القائم على أساس من الأخلاق والتي تعمل عملها عبر الحدود القومية.

أما الآن، فأنا أوافق على قوانا الخاصة بوصفها الشبه الأقرب إلى ذلك.

أليكس: عالم واحد (نظام عالمي جديد؟) أم لا. تلك هي ملاحظاتي:

بنى القوة أحادية القطب وثنائية الأقطاب ومتعددة الأقطاب جميعها إشكالية.

لقد سبق لنا أن جرّبنا ثنائية القطب. وكانت القوتان من القوة بمكان لدرجة أنهما لم تجرؤا على مواجهة واحدتهما الأخرى، وكان ذلك شيئاً عظيماً. لكنهما كانتا تريدان الشيء الأفضل التالي: الحرب الباردة التي لا نهاية لها. واليوم تثبت تجربة القوة أحادية القطب أنها كارثية.

أما الانتقال إلى بنية متعددة الأقطاب... فليس ثمة سبيل يسير متاح للتوصل أمام أية تسوية، سواء كانت داخل إطار الأمم المتحدة أم لا، توافق عليها بسلاسة جميع القوى المعنية. ففي مجلس الأمن تلك القوى الخمس الدائمة، واليوم تحسب الهند واليابان وألمانيا، وحتى إيران، أنها تستحق أن تلعب دوراً أبرز في المنظمة الدولية. أين ترسم الخط الذي يشمل البلدان "الأقوى" ويضمها إلى نادي VIP جديد؟ كما أنَّ النوايا المعلنة الخاصة بإصلاح مجلس الأمن سرعان ما دعت كلّ بلد مرشّح محتمل إلى إطلاق حملة دولية ترمي إلى إعلام بقية العالم بأهميته.

لا أعلم ما الذي يشير إليه عمّار حين يدعو إلى إطار مؤسساتي يمكن أن يرتكز عليه النظام العالمي الجديد الناشئ. ومهما يكن ذلك، فإنه سيبقى هنالك على الدوام قوة عظمى أو أكثر تصنع القرارات تبعاً لمصلحتها الأنانية بصرف النظر عن الإطار الجديد الذي تقترحه.

لماذا؟

لأنه ما دامت الديمقراطية تقول إن على الزعيم المُنْتَخَب أن يُحَاسَب داخل بلده وحسب، وعندما يتعلق الأمر باللعب على الخشبة العالمية، تغدو الأنا القومية باعثاً أقوى من الحاجة إلى إنصاف الآخرين، فسوف نواجه الكثير ممّا نواجهه الآن.

وكما قلت هنا منذ أسابيع خلت، ثمة ما هو خطأ عندما يكون الأميركيون هم الطرف الوحيد الذي يُتاح له أن ينتخب رئيس الولايات المتحدة، في الوقت الذي تموت فيه شعوب الشرق الأوسط يومياً من جرّاء هذا القرار الذي اتّخذه الشعب الأميركي في أن ينتخب ذاك الرئيس وتلك الإدارة. كم هو عدد الأشخاص في الشرق الأوسط وأوروبا الذين شعروا بالإحباط حين وجدوا الشعب الأميركي يصوّت للإبقاء على الإدارة ذاتها؟

ومن الأمثلة الأخرى على ذلك مقدار التهديد الذي تشعر به إسرائيل إزاء الرئيس الإيراني المتطرف الذي انتخبه الإيرانيون... أتحسبون أن الإسرائيليين لا يحلمون بطريقةٍ يمكن لهم من خلالها أن يعكسوا قرار الناخبين الإيرانيين؟

وهذه الإحباطات غالباً ما تُتَرجَم إلى غضبٍ، ثم إلى دعم للأفعال العنيفة ومشاركة فيها.

إننا بحاجة إلى تعليم مواطني القوة العظمى الوحيدة أن يهتموا بالأطفال العراقيين بقدر اهتمامهم بالجنود الأميركيين. عندئذٍ يمكن لنا أن نعيش عيشة هانئة مع قوة عظمى وحيدة أميركية لا تلوي القواعد الدولية لمصلحتها دون كبير اعتبار للبلدان الأخرى والشعوب الأخرى.

لو لم تخلط أميركا مصالحها النفطية (ومصالح إسرائيل، والحاجة إلى معاقبة صدام لمحاولته اغتيال الرئيس بوش الأب) مع "مساعدة الشرق الأوسط على أن يغدو ديمقراطياً" لعلنا كنا قد توصلنا اليوم إلى نتائج مختلفة.

أليكس: لقد راقتني كثيراً رسالة عمّار الجديدة. فعلى هذا الصعيد، الذي لا أحد يملك المفتاح لحلّ جميع صراعاته الجارية، نحن بحاجة إلى أن نطرح الأسئلة الصحيحة، مثل تلك التي يطرحها عمار هنا.

واعتقادي أننا نستطيع أيضاً أن نتعلّم الكثير من سؤال مباشر أبسط بكثير طرحه عدد من الصحف الغربية (البريطانية والكندية والمكسيكية... ) عن الطرف الذي يمثّل أكبر خطر على السلام العالمي.

لماذا تكون إسرائيل المكان الوحيد الذي تشعر فيه الأغلبية أن الرئيس الأميركي لا يشكّل تهديداً للسلام؟

كيف يمكن للشعب في إنجلترا أن يرى الأمور بطريقةٍ تعاكس تماماً الطريقة التي يراها بها الشعب الإسرائيلي؟
لعله حان الوقت لكي نعترف بأن مستوى النفاق وتشويه المعلومات في بعض الديمقراطيات (وأنتم تعلمون أيّها) قد بلغ خلال السنوات القليلة الماضية درجة تضاهي ما لدى صحف الحزب الحاكم في أعتى الدكتاتوريات العربية.

عمار:  لقد أثارت رسالتي بعض الردود الخاصة اللافتة. بل إن صديقاً حقيقياً لي قد أرسل رابطاً يصل بمقالةٍ على موقع منظمته بعنوان "الأمم المتحدة ومبدأ المشاركة". لكن هذه المقالة تشير إلى نوعٍ من المثل الأعلى الذي يحتاج زمناً كيما يتحقق.

وحين يتعلّق الأمر بالأمم المتحدة، فإن لدي اقتراح محدد تماماً:

ينبغي حقّاً إلغاء مجلس الأمن وأن يتاح لجميع البلدان التصويت على القضايا المطروحة، لكنني لا أدافع عن نظام للتصويت متساوٍ، لأن ذلك لن يفرّق بين الدول الصغيرة والكبيرة، وبين الدكتاتوريات والديمقراطيات. ما أدافع عنه هو فكرة التصويت الموزون حيث يكون صوت كل بلد تبعاً لعاملين: GNP ومؤشر الحريات (وهو مؤشر خاص يأخذ في حسبانه قضايا مثل حكم القانون والنظام الانتخابي والشفافية وحرية التعبير والمساواة بين الجنسين، الخ).

وليس هذا النظام بالكامل، وهو يميّز ضد الدول الصغيرة. لكنه أيضاً يشجّع هذه الأخيرة على إقامة تحالفات، إقليمية أو بحسب القضية المطروحة. كما يشجّع الدول على الاضطلاع بمشكلاتها التنموية ونواقصها من حيث الحريات كيما تكسب لصوتها مزيداً من الثقل. فما إن تعلم الدول والشعوب إن لها كلمة ورهاناً في النظام، حتى تفعل ما بوسعها لتصل بنفوذها إلى أقصاه. ومثل هذا النظام سوف يوفّر لها طريقةً بنّاءة لفعل ذلك.

حقّاً إن هذا النظام ليس بالكامل ويمكن أن يساء إليه. فالقوى العظمى لن تكفّ عن إيجاد سبيل للتلاعب بالدول الصغرى. غير أن هذا النظام يوفّر أساساً واقعياً لنشوء ديمقراطية عالمية من هذا النوع أو ذاك، ولمواصلة إكمالها من خلال آلية التصويت المقترحة. فالمؤشرات المقترحة يمكن حسابها سنوياً أو كل فصل. وفي وقت ما لعله يغدو من الممكن ممارسة ذلك يومياً.

ما لم نبدأ التفكير في توجّهات كهذه، مهما بدت في هذه المرحلة، فإننا سنواصل التعثّر دون رؤيا، وهذا شيء خطير في عالم مثقل بصراعات كثيرة ومصالح متداخلة.

نورمان: ما رأيته بعد انهيار الاتحاد السوفيتي هو أن الناتو ووارسو قد انتقلا من التنافس على حبّ بلدان العالم الثالث إلى التعاون على سلب العالم الثالث وقتله. والحل الوحيد للإرهاب العالمي هو وجود قانون عالمي تلتزم به الأمم جميعاً حيث يجري حل الخلاف في محكمة دولية وليس في ساحة المعركة. وعندئذ فقط سوف يعلم الضعفاء أن بمقدورهم أن يحصلوا على حقوقهم بوسائل سلمية وأن ما من سبب يدعوهم إلى التماس الإرهاب وسيلة للحصول على هذه الحقوق، ولا حاجة للسعي وراء أسلحة الدمار الشامل للحيلولة دون اعتداء قوة عظمى. والمؤسف أنني لست متفائلة بأن تلتزم الدول العظمى بنظام قانوني عالمي.


أقول: "حقاً، ماذا يجري؟ "
7 نيسان، 2007  / مدونة زندقة / عن أمارجي

ما الذي حقّقه فعلاً إبراهيم سليمان من وراء زيارته "التاريخية" إلى إسرائيل؟ هل شكّلت هذه الزيارة ضغط على الإسرائيليين فعلاً ليصبح موقفهم تجاه عملية السلام أكثر مرونة؟ أم هل أدت الزيارة إلى إحراج القيادة السورية فقط، خصوصاً بشار الأسد، مما يسبب نكسة لعملية السلام؟ لأن الحديث إلى أن إلى الإسرائيليين في هذه المرحلة بالذات وبعد خطوة استسلامية وتكالبية كهذه من قبل نظام أدمن على خطاب الرفض والمقاومة والإباء، مهما كان هذا الأمر مصطنعاً في حقيقته، سيكون بمثابة الانتحار بالنسبة لبشار؟

فلإن كانت الطريقة التي تغطى بها هذه القصة في الصحافة العالمية يجعلها تبدو وكأنها بادرة جريئة نوعاً ما من جانب القيادة السورية، فالحدث من وجهة نظر الصحافة السورية، بل والشارع السوري، وهو الأهم، تفوح منه رائحة الخيانة والاستسلام.

هل هناك من ينصب الأفخاخ هنا للقيادة السورية؟ ومن يقوم بذلك؟ أم هل لا يعدو الأمر عن أن يكون زلّة من الزلاّت المعتادة لرجالات النظام؟ أو هل يتلخّص الحدث بفعل فردي كانت له بعض النتائج غير المتوقعة أو المقصودة؟

الأجوبة قد لا تكون بهذا الوضوح وهذه السهولة، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار في هذا الصدد العلاقة المزعومة بين إبراهيم سليمان وبعض كبار الضباط المخابرات السوريين، خاصة أولئك الذين يحملون الإسم نفسه، والذين قيل أنهم قد حضروا بعض الاجتماعات التي نظمّها إبراهيم في الفترة الأخيرة.

من ناحية أخرى، ما حقيقة ما يجري من وراء كل هذه الخطط التي باتت تتكشّف مؤخراً فيما يتعلّق بتدمير أحياء هامة ومعروفة من دمشق القديمة، الأمر الذي بلغ ذروته منذ أيام من خلال خبر عن مخطط مفترض لتدمير مئذنة  من مآذن الجامع الأموي؟ ماذا يحدث هنا؟ هل هناك من هو على هذه الدرجة من الطمع والغباء في النظام السوري؟ أم هل ينطوي الأمر على مخطّط حقيقي لإثارة فتنة طائفية في البلاد من خلال استهداف مجتمع دمشق السني؟ فإذا كان الأمر كذلك، فأي جهة تقف وراء هذا؟

هنا أيضاً، الجواب ليس بهذه السهولة. فهذه التقارير والأخبار غالباً ما تسرّب عن طريق مواقع تابعة للنظام مثل سيريا نيوز وشام برس.

مالذي يجري إذاً، ضرب من الغباء؟ أم تآمر؟

أيار 27، 2007 – يوم الزكام الوطني في سورية
12 أيار، 2007 / مدونة زندقة / عن أمارجي

الخطوة الأولى نحو ثورة سلمية وديمقراطية في سوريا قد لا تتطلّب منا أكثر من البقاء في البيت لمدة يوم واحد فقط.

بالفعل، ماذا لو أصيب البلد بأكمله بالإنفلونزا في 27 أيار 2007، ولم يتمكن أحد من مغادرة منزله للمشاركة في الاستفتاء الرئاسي؟ ألن يكون ذلك شيئاً؟ ألن يشكّل هذا الحدث امتداداً منطقياً لسابقة المقاطعة الشعبية للانتخابات التشريعية؟ هل يمكن أن يتخيل أحد طريقة أسهل وأقل مخاطرة للتعبير عن مشاعرنا الوطنية من الإصابة بالإنفلونزا في يوم معين؟

فلنجعل من الـ 27 من أيار يوم الانفلونزا الوطني في سورية. ولنسلم أنفسنا طواعية لتأثير جراثيم افتراضية في محاولتنا للوقوف في وجه الجراثيم الحقيقية التي أصابت جسد الوطن وهاهي اليوم على وشك أن تقتله.

فلنبدأ حملتنا الحقيقية من أجل الحرية في الـ 27 من أيار.

المزيد من الأفكار في الأيام القادمة. وفي هذه الأثناء، أهلاً بمقتراحاتكم.

ولا تنسوا متابعة تغطية الناخب السوري للمجريات.