الأحد، 30 أكتوبر 2011

السر في عدم انضمام أي من دمشق وحلب إلى الثورة


السر في عدم انضمام أي من دمشق وحلب إلى الثورة لا يكمن في ثقافة وتربية أهالي دمشق وحلب، بقدر ما يكمن في ظاهرة الفردانية المغرقة التي تصيب سكان المدن الكبيرة والتي تكلّم عنها علماء الاجتماع مطوّلاً في دراساتهم منذ ستينات القرن الماضي. وهناك مثال شهير على ذلك هو حادثة وقعت في مدينة نيويورك في مطلع الستينات عندما هاجم رجل صاحبته في شارع عام وقام بطعنها مرات عديدة بخنجره والناس تراقب من بعيد أو تتابع السير دون أن يتوقف أحد لمساعدة المرأة أو للاتصال بالشرطة، حتى وقعت المرأة جثة هامدة. البعض في تلك الفترة نحى باللائمة على طبيعة المجتمع الأمريكي وعلى ثقافة العنف السائدة فيه، لكن الدراسات الأكثر الجدية والتي اعتمدت على تحليل ظواهر مثيلة في بلدان أخرى أشارت إلى الدور الأكبر لطبيعة الحياة اليومية في المدن الكبيرة في تشكيل هذه الحوادث. الكل في المدينة الكبيرة غريب، والكل مشغول، والكل تعوّد إلا يهتم إلا بشؤونه الخاصة.

 وفي منطقتنا اليوم، نرى أن معظم المشاركين في الحراك الثوري في تونس ومصر اليمن وليبيا جاؤوا من المدن والنواحي الصغيرة، ومن ثم توجهوا إلى المدن الكبيرة. في سوريا، نرى أن تحرّك ريف حماة وريف حوران وريف إدلب حيث الروابط الأسرية والإنسانية ماتزال محافظة على متانتها ومعناها، هو الذي فعّل ورفد تحرّك المدن الأكبر فيها. وفي حمص، تحرّكت أولاً الحارات والأحياء القديمة التي، بعكس ما جرى في حلب ودمشق، ماتزال مأهولة من قبل سكانها الأصليين. وفي دمشق وحلب تحرّكت تلك المناطق والأحياء والفئات التي ماتزال فيها للهوية الجماعية دور هام وأساسي في تنظيم الحياة اليومية.

 أما ساكن المدينة الكبيرة، والتي لم تعد المدينة بالنسبة له تشكّل بيئة داعمة وحامية، بل تحوّلت إلى مركز تجاري ضخم لينتقي منه ما يناسبه من احتياجات يومية، فهو فيما يتعلّق بتفاعله مع الشأن العام، خاصة في المجتمعات الاستبدادية، نفعي بحت، وينظر إلى الأمور من منطلق فردي بحت. وكل مين إيدو إلو، على حد تعبير كاتبنا محمد الماغوط. إنهم مثل سكان نيويورك الذين لم يحرّكوا ساكناً لمساعدة تلك المرأة المسكينة، فالحدث لا يعنيهم بشكل مباشر، لأن الكل غرباء بالنسبة لهم: الثوار والقتلة.
 وفي الواقع، لا يمكن تحريك هذا الكائن إلا من منطلق فردي ونفعي. النداءات العامة الموجّهة إلى أهالي حلب ودمشق لاتنفع، والإدانات العامة لاتنفع. إن تحريك ساكن المدينة لايتم إلا من خلال توجيه رسائل إيجابية تخاطب ضميره واحتياجاته كفرد. علينا أن نقنع الدمشقي كفرد والحلبي كفرد أن الثورة فرصة حقيقية له كفرد لتحسين ظروفه المعيشية فيما لو نجحت، وأن فشلها سيكون وبالاً عليه كفرد.

 وهذا يعني أنه ينبغي علينا أن نقوم بحملة إعلامية متكاملة من أجل ذلك، وأن نطور خطابنا الموجّه نحو الداخل السوري ليعكس هذه المتطلّبات، لكن التعامل الفعّال مع الإعلام يبقى واحداً من التحديات الكثيرة التي ماتزال قوى المعارضة تفشل في التعامل معها.

إلى متى؟


الثورة السورية والمعارضة ومشكلة انعدام الرؤية


إن التعامل مع الثورة كمجرد تحدي لوجستي وميداني يعرض منجزاتها للخطر، فسوريا هي القلب النابض للكثير من الإيديولوجيات في المنطقة، ولقد نجح نظام الأسد منذ فترة طويلة وحتى اللحظة بالتلاعب بها كلها وتجييرها لبقائه ولخدمة مخططاته. إن التحدي الذي يواجهنا اليوم يكمن في فضح نفاق وكذب الأسد وزلمه وفي تسليط الأضوء على الحقائق التي تم تغييبها. وتقع على عاتقنا أيضاً مسؤولية رسم رؤية جديدة للمستقبل، الآن وليس غداً، لأن وضع رؤى مقنعة على ساحة التداول والبحث هو السلاح الوحيد الذي قد يساعدنا على شق صفوف معسكر الأسد، فالناس يريدون أن يعرفوا لماذا يتوجّب عليهم النضال وماهي طبيعة المرحلة التي ندعوهم إلى الانتقال إليها. ويكفي الأسد في هذا الصدد أن يستغل مخاوف الناس وجهلهم وتعصبهم ليقدم سيناريو سلبي خاصة لأتباعه منهم، ليقنعهم بأن التغيير يعني الفوضى والعنف والإرهاب وانعدام الأمان والاستقرار.

إن مسؤولية تقديم رؤية إيجابية جامعة عن سوريا المستقبل، سوريا التي يمكن فيها لكافة مكوّنات المجتمع السوري أن تعيش بأمان واستقرار تقع على عاتق الثوار، ولايمكن تأجيل تقديم هذه الرؤية للمرحلة التي تلي نجاح الثورة، لأن مفتاح نجاح الثورة، والذي يتطلب شق صفوف مؤيدي الأسد، يكمن إلى حد كبير في قدرتنا على تقديم الرؤية المناسبة. من هذا المنطلق تأتي إشكالية التصريحات الأخيرة التي قام بها البيانوني وغليون، بغض النظر عن الاعتذارات والتفسيرات والتبريرات التي تلتها، لأن هذه التصريحات دعمت موقف الأسد وأتباعه، وأثارت مخاوف الكثير من الصامتين وعززتهم في موقفهم، وشقت صفوف المعارضة ذاتها. مازالت قوى المعارضة تتعامل باعتباطية وارتجال مع التحديات الراهنة، وهذا أمر مخزي ولايقل إساءة للثورة عن القمع الذي تمارسه ميليشيات الموت التي جنّدها الأسد وعبّئها عقائدياً لترى حتى في أطفال الثورة أعداءاً ينبغي قتلهم.

الخميس، 27 أكتوبر 2011

مبادرة الإضراب العام


يمكن لنجاح مبادرة الإضراب العام أن يوازن بعض الشيء من النزعة المستمرة والضرورية لعسكرة الثورة في بعض المناطق السورية، لكن غالبية المتظاهرين في كل مكان لا يزالوا يطالبون بالحماية الدولية، بما فيها فرض حظر جوي، وخلق مناطق آمنة، وتقديم الدعم للجيش السوري الحر. لايوجد تعارض بين هذه النزعات، ولايخفى علينا أبداً أن المجتمع الدولي ليس جاهزاً للتجاوب مع هذه المطالب في هذه المرحلة، لكن علينا أن نبدأ بالعمل لتهيئة الأجواء لذلك.

الأربعاء، 26 أكتوبر 2011

ذكرى


تذكرني الدعوة إلى الإضراب العام التي وجهتها قوى المعارضة اليوم بتلك التي سبق ووجهتها في عام 2006. لا ليس الهدف هنا إدعاء الأسبقية، فالدعوة لم يعرها أحد أدني اهتمام في تلك الفترة، كونها جاءت من شخصية مغمورة، الهدف هو لفت النظر إلى اختلاف الظروف والسياق، شعبنا كان صامتاً في تلك المرحلة، أما الآن فهناك ثورة تعمّ أرجاء الوطن، ومع ذلك، تبقى هناك شرائح واسعة كازالت صرخاتنا لاتصل إليها... لماذا يا تُرى؟

الجمعة، يناير 06، 2006 / دعوة من عمار عبد الحميد

الآن وقد بات الفاسدون هم أكبر المنتقدين للفساد في الوطن، هل جاء اليوم الذي يتوجّب علينا فيه أن ننعى الشعب السوري؟

أم هل يشكّل هذا الاستخفاف بمشاعرنا من قبل أحد أكبر حماتها وحرامييها في البلد، ومن قبل المجلس الناطق عن الهوى، والمصالح الخاصة، وأشياء أخرى كثيرة لا تتضمّن، لا من قريب أو بعيد، أي شيء له علاقة حقيقية بمصلحة الشعب وإرادة الشعب، أقول: هل يشكّل هذا الاستخفاف حافزاً للشعب السوري على استعادة أحقيّته في تقرير مصيره وتسيير شؤونه؟

هل يمكن للشعب السوري أن يعطي يوماً واحداً من عمره فقط لهذا الوطن؟ يوم يقوم من خلاله بتوجيه رسالة بسيطة لصنّاع القرار في البلد مفادها أن الفساد بات لا يُحتمل، وأن الشعب لم يعد بمقدوره ملازمة الصمت حيال هذا الأمر أكثر مما فعل.

لا، ليس المطلوب أن يخرج الناس في مظاهرة كبيرة ضد أي أحد، وليس المطلوب أن يقوموا باعتصام ما أمام أحد المباني، لا. المطلوب هو أبسط من هذا بكثير. المطلوب هو أن يبقى الناس في بيوتهم ليوم واحد فقط من أيام العمل، يستمتعون فيه بمراقبة التلفاز وصحبة الأزواج والأخوة والأولاد، ويتندّرون فيه عن أيام زمان عندما كان للكرامة معنى.

المطلوب أن يتوقف الناس عن العمل لمدّة يوم واحد فقط، لا يذهب فيه الموظّفون إلى وظائفهم، ولا يفتح فيه أصحاب المحلاّت متاجرهم، ولا يعمل فيه سائقوا التكاسي والباصات، ولا ترسل فيه العائلات أولادهم إلى المدارس، التي حبّذا لو فرغت من المدّرسين أيضاً لهذا اليوم.

نعم، المطلوب يوم واحد فقط، يوم واحد تتوقّف فيه الحياة اليومية عن اتّباع روتينها المعتاد، ويعبّر الناس من خلاله عما يجول حقاً في أنفسهم بكل بساطة ووضوح وهدوء.
وسيفهم الجميع مغزى هذا الهدوء.

هل أجرؤ على اقتراح الأول من شباط، 2006، ليكون هذا اليوم؟ هل أجرؤ على الأمل بأن أحد ما سيستمع إليّ ويلبّي هذا النداء البسيط للقيام بوقفة تضامن حقيقية مع الوطن؟

أنا أجرؤ على القول فقط، لكن التجربة علّمتني ألاّ أجرأ على الأمل... آهٍ، كم أتوق لأن أكون مخطئاً !!

عمار عبد الحميد - مرآة سوريا

الثلاثاء، 25 أكتوبر 2011

وقائع الثورة السورية


لقد تحول موجزي اليومي لوقائع الثورة السورية إلى تأريخ لحرب معلنة ضد الشعب، وإدانة يومية لنفاق قادة العالم الذين يختبئون وراء الشكليات لتبرير تقاعسهم، ولعجز وجبن حركات المعارضة وشخصياتها التي تختفي وراء إيديولوجيات بالية لتبرير امتناعها عن تبني مطالب الثورة. لقد أصبح هذا الموجز بمثابة صلاة يومية لروح آلاف الشهداء الذين يقدمهم شعبنا قرباناً للحرية، وتأكيد يومي لحقيقة أننا لن نستسلم لليأس أبداً.

الاثنين، 24 أكتوبر 2011

انتصار حقيقي يقوده الشعب من أجل الشعب


الملاحم البطولية التي يسطرها ثوارنا بدمائهم في حمص وإدلب ودرعا وغيرها من المناطق والمدن السورية، لايجب أن تعمينا عن الواقع: شعبنا لا يريد حماية دولية فقط، إنه بحاجة إليها، حتى لو أدى ذلك إلى التضحية بالتفوق الأخلاقي لموقف الثورة في نظر البعض. إننا، وبعد 50 عاماً من الاحتفال بانتصارت الأسد الوهمية وثورته الشعبية الزائفة بأمس الحاجة كشعب وبشر لنحتفل بانتصار حقيقي يقوده الشعب من أجل الشعب. إن توفير بعض الحماية الدولية والدعم لهذا لشعب ليتمكن من تحقيق ذلك لايقلل من شرعية الثورة أو تفوقها الأخلاقي. إسألوا الشعب الليبي إذا كانت فرحته بالنصر والتحرر أقل لأنها جاءت نتيجة دعم دولي أو إذا كانوا لا يشعرون بأن طلبهم للحماية الدولية كان مبرراً أخلاقياً.

الأحد، 23 أكتوبر 2011

محاضرة مشتركة مع الناشطة اليمنية توكل كرمان


قد يتسائل البعض عن "السر" وراء دعوتي لحضور هذا الحدث الخاص مع الناشطة المتألقة توكل كرمان، وهو بسيط: لقد كان لمؤسسة ثروة دورها في تدريب بعض الناشطين اليمنيين، والصديق منير الماوري الذي نظّم هذا الحدث يدرك ذلك جيداً فهو من ساعدنا في التواصل معهم، وهو يذكر، كما قال في كلمته أثناء هذا الحدث، حديثاً بيننا منذ نحو 5 سنين، سألني فيه عن الطريقة الناجعة للتعامل مع الأنظمة الشمولية في منطقتنا، فقلت: الثورات الشعبية، وقلت أن مجتمعاتنا باتت مهيئة لها، والمسألة وقت وتحضير، وأنه يمكن لنا العمل على التعجيل منها من خلال زرع الأفكار الثورية وتدريب الناشطين، كما ينبغي علينا أن نجهز أنفسنا لدعمها عندما تحدث.

نعم، نحن مقصرون في الدعم فيما يتعلق بثورتنا في سوريا خاصة، ولكن سنبقى نحاول. وفي هذه الأثناء، يظهر بيننا أبطال جدد، رزان زيتونة وسهير أتاسي ومنتهى الأطرش في سوريا الحبيبة، وتوكل كرمان في اليمن الغالي، لنرى في سحناتهن الجميلة والنبيلة ملامح المستقبل الأفضل الذي نصبو إليه.


السبت، 22 أكتوبر 2011

حرب حقيقية


هناك حرب حقيقية تجري في حمص ودرعا اليوم، وحتى الآن لم يقم زعيم عالمي أو عربي واحد، ولا عضو بارز من أعضاء المعارضة، أو المجلس الوطني، بتناول هذا الأمر بشكل واضح وصريح. هناك مدنيون عزل يموتون في كل يوم، والمعارضة لا تزال تناقش ما اذا كان عليها مطالبة المجتمع الدولي بتوفير حماية للمدنيين وبفرض حظر جوي، في حين أن الثوار لم يتوقفوا عن المطالبة بهذا منذ أشهر. إذا استمر الحال على هذا المنوال، فإن المتظاهرين الذين يردّدون اليوم هتاف "الجيش السوري خائن،" لن يترددوا طويلاً قبل أن يتبنوا هتاف: "المعارضة السورية خائنة." فحذارِ غضب الناس.

الجمعة، 21 أكتوبر 2011

عودة الاحتجاجات


عودة الاحتجاجات إلى مدينة الرستن تثبت من جديد أن القمع هو الشيء الوحيد الذي يبقي الأسد في السلطة، إذ ما أن تغيب دبابات وميليشيات الأسد عن أي ساحة حتى يعود الناس إليها مطالبين برحيله. لذا، من الواضح أن الأمل الوحيد المتاح لنا للفوز في مواجهتنا مع الأسد يكمن في قدرتنا على تحييد دور هذه العناصر. الشعب السوري يدرك ذلك جيداً، لذا نراه يطالب بالحماية دولية، وبالحظر الجوي، وبالمنطقة العازلة، وبكل ما هو ضروري للمساعدة على وقف أعمال القتل والنهب ليتمكن الناس من تخليص أنفسهم والعالم من الأسد وزلمه.

الخميس، 20 أكتوبر 2011

الشعب السوري يريد حماية دولية


لو صدقت الأسد ورجاله، فغالبية الشعب السوري من الإرهابيين والداعمين للإرهاب. ولو صدقت بعض من في المعارضة، فالشعب السوري لا يريد سوى أن يترك ليموت "بسلام" تحت الوابل اليومي من رصاص القناصة وقذائف الدبابات التي ما انفك الأسد ومن معه يمنوا عليه بها. لكن ماذا لو صدقت عينيك وأذنيك، وأصغيت لمعطيات عقلك وضميرك؟ ربما كان بوسعك أن تدرك عندها أن الشعب السوري يريد حماية دولية، وحظراً جوياً، وملاذاً آمناً، ودعماً لوجسيتاً ومادياً لجيشه الحر، وكل ما هو ضروري لوقف أعمال القتل والنهب التي يتعرض لها في كل يوم على أيدي الأسد ومحبيه، وللتخلص من حكمهم. هل هناك أي شي غير عقلاني أو منطقي في هذا التطلع؟

الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

حقاً إنها ثورة أطفال


بدأت الثورة السورية عندما قامت مجموعة من الأطفال بكتابة شعارات معادية لنظام الأسد على الجدران في جميع أنحاء مدينة درعا. وبعد نحو 7 أشهر على قيامها، ما يزال أطفال سوريا أبطال الثورة الرئيسيين. لقد أكلنا الحصرم لسبب أو لآخر، لكن أطفالنا لا يريدون فيما يبدو أن يقضوا طيلة عمرهم وأسنانهم تضرس من حمضه. إنهم في برائتهم أكثر حكمة منا.

وقتنا ينفد، ونحن بأمس الحاجة إلى رؤية وخطة


وقتنا ينفد، ونحن بأمس الحاجة إلى رؤية وخطة اليوم وليس غداً>

يحاول الأسد استعادة سوريا عبر سلسلة من جرائم القتل الجماعي الواحدة تلو الأخرى، والنتائج ماتزال غير واضحة بالطبع، لكنه على الأقل يمتلك خطة، مهما كانت همجية، ورؤية مهما كانت ضبابية. أما نحن، فأين خطتنا؟ أين رؤيتنا؟ ألا تدرك جماعات المعارضة أن الاعتماد على شجاعة شعبنا وقدرته على التحدّي لا يشكّل خطة، وأن الوقت هو صيرورة موضوعية وحيادية، وأنه لايقف بالضرورة إلى جانب الخير والعدالة، لكن إلى جانب التنظيم وأصحاب الخطط، مهما كانت بدائية.

وقتنا ينفد، ونحن بأمس الحاجة إلى رؤية وخطة اليوم وليس غداً. أين أنتم من هذا يا من سعيتم إلى الزعامة بأرجلكم وأيديكم وأسنانكم؟ أين هي خطتكم؟ أين هي رؤيتكم؟ قودوا، أردتم القيادة، إذاً قودوا، حاولوا على الأقل أن تكونوا على قدر المسؤولية التي وضعتموها على عاتقكم. فالقيادة مسؤولية وليست تشريفاً أو تكريماً. لقد أصبحتم الآن على المحكّ، والنوايا الحسنة لا تكفي، وتاريخكم النضالي لا يعني شيئاً في هذه اللحظة بالذات. قدرتكم على إفراز الرؤى ووضع الخطط المناسبة للتعامل مع التحديات المختلفة التي تواجهها الثورة في هذه المرحلة هي وحدها التي تهمنا اليوم، هي وحدها التي يمكن أن تؤثّر على مجريات الأمور.



الاثنين، 17 أكتوبر 2011

السؤال الذي يواجهنا في سوريا اليوم


- السؤال الذي يواجهنا في سوريا اليوم ليس "العنف أو اللاعنف" بل "الثأر أو اللاثأر" وعلينا أن نقول لا للثأر ولا للانتقام، ونعم للعدالة ولتحكيم الضمير والعقل لنفسح المجال لحكم القانون في يوم بات مرآه قريباً.

- إذا كانت أهدافنا نبيلة فعلى وسائلنا أن تكون نبيلة أيضاً، فالغاية النبيلة تفرز الوسيلة المناسبة لنيلها والتي لايمكن تحقيقها إلا من خلالها، والوسائل النبيلة قد تتطلّب منا الشرح والإيضاح والتفسير لكنها بغنى عن التبرير.

- لأن نظامنا طائفي ينبغي على ثورتنا أن تكون وطنية، وإلا لفقدنا كل شيء بدءاً بالسلام وانتهاءاً بالوطن.

- إذا كان لابد لنا من عسكرة الثورة فلنكن منهجيين ومبدئيين في ذلك، ولنلتزم بأخلاق المواجهة الإنسانية، فلا نستهدف المدنيين ولانسعى إلى الثأر، بغض النظر عن سلوكيات الطرف الآخر، فنحن لسنا هم، ولهذا ثرنا.

- اللاعنف ليس ديناً وعقيدة جديدة بل نهجاً يتطلّب مراجعة مستمرة، وله حدوده وظروفه ومعاييره الخاصة، ومن يطرحه كبديل نهائي ومطلق يخطئ فهم كنهه، ويحوله لأداة جديدة للقمع ورفض الآخر والتعامي عن الواقع.

- بشكل عام، نريد للواقع المُعاش أن يكون أقرب إلى مُثُلنا وتطلعاتنا، لكنا مطالبون في كثير من الأحيان  أن نقوم بمراجعة المُثُل والتطلّعات في ضوء الواقع وإفرازاته.

- يا أيها الثوار تذكروا ولاتنسوا للحظة أنكم لم تثوروا لأن ساسة المعارضة أمروكم بذلك بل لأن ضميركم هو الذي أمر، وأن شعارات الثورة وأهازيجها لم يكتبها كاتب أو شاعر أو باحث معروف بل وعيكم هو الذي نطق. لاتبحثوا بعيداً إذاً عن القادة والأمل والحل، فأنتم القادة والأمل والحل. الوعي ألهم والضمير أمر.

- التعامل مع موضوع عسكرة الثورة كسقطة أخلاقية فيه الكثير من الفوقية بصراحة، فالناس الذين اختاروا العسكرة أُجبروا على ذلك بحكم القمع الوحشي والممنهج الذي تعرضوا له على مدى أشهر طويلة، وربما أيضاً بحكم موروث ثقافي معين لم تتح الفرصة لمراجعته بعد على المستوى المحلّي وتبنّي مقاربات أخرى وتمثّلها في العمق. المهم أن خيار العسكرة لم ينبثق بشكل عشوائي، ولعل أكبر دليل على ذلك هو أنه لم يُطرح على بساط الواقع إلا بعد مضي أشهر طويلة من بداية الثورة في تلك المناطق التي تعرضت لحملة قمع وحشية مصطحبة بتحريض طائفي متواصل. لذا، من الأفضل أن يبقى الطرح المتعلق باللاعنف وبالعسكرة في إطار الحوار حول الاستراتيجيات الأنسب منه في إطارالأخلاق والمُثُل. السؤال المطروح عملياً على الساحة إذاً هو عن العلاقة الأنسب التي ينبغي لها أن توجد بين رواد الخيار اللاعنفي وأتباع الخيار العسكري. هل نريد لهذه العلاقة أن تكون علاقة تخوين وتبادل للوم؟ أو هل نسعى للحفاظ على علاقة ودية من خلال التنسيق والتعامل على أساس توازي المسارين، مهما بدى ذلك صعباً أو متناقضاً؟ فالواقع أننا حالياً نعيش هذا التناقض وهذا التوازي، وعلينا اليوم، من أجل الثورة والوطن، أن نحافظ على لحمة جامعة ما في صفوف الثوّار، مهما تباينت خياراتهم التكتيكية والفكرية.

- فجرنا ثورة سلمية والتزمنا باللاعنف رغبة في حقن الدماء، وكان رهاننا دائماً على شق صفوف النظام وخاصة شق الجيش عن النظام، ومن الواضح أننا فشلنا إلى حد ما، لأن ثنائية الفساد والطائفية التي يسيطر من خلالها النظام على الجيش أثبتت أنها أقوى من رهاننا عليه، لكن الوطن يستحق منا أن نحاول المستحيل من أجله، كما أن فشلنا لم يكن بالمطلق، فلقد نجحنا في تشجيع الكثير من المجندين والضباط على الانشقاق، وهاهم قد إلى صفوف الثورة للقيام بالواجب الذي دعوناهم إليه من اللحظة الأولى: الوقوف مع الثوار ضد النظام وزعرانه. إذن، سواء كنا من دعاة العنف أو اللاعنف، كل منا ساهم بشكل أو آخر في خلق هذا الموقف. والتنصل منه الآن جبن ونفاق. علينا أن ندعم المنشقين والعمل العسكري، وأن نعمل بالتوازي على المسارين: السياسي المدني والعملياتي العسكري لنضمن نجاح ثورتنا.


الأحد، 16 أكتوبر 2011

ثُرنا من أجل الكرامة


نحن وطن ودولة ولن نختزل في نظام، نحن ثورة وشعب ولن نختزل في مجلس. ثُرنا من أجل الكرامة لا من أجل المناصب والحصص، ثُرنا لنختار قادتنا لا لكي يستمروا هم في اختيارنا وتفصيلنا على مقاس أهواءهم ومصالحهم وإيديولوجياتهم العقيمة. لقد كسرنا حاجز الخوف من الموت، وعلينا اليوم أن نكسر حاجز القرف من السياسة. الساسة يمكرون وقافلة الثورة تمضي.

على المعارضة أن توحد صفوفها


بإعلانهم لدعمهم للمجلس الوطني السوري، والآن للجيش السوري الحر وأحرار الجيش كافة، يسعى المتظاهرون إلى حث المعارضة على توحيد صفوفها وتطوير منصة سياسية شاملة تتجاوز لغة العنف واللاعنف وتسعى إلى مناقشة الحقائق والضرورات والتعامل معها بطريقة موضوعية. الشعب يريد حماية دولية، والكثير منهم يريدونها الآن وحتى لو أدى الأمر إلى تدخل عسكري، لأنهم يرون بأم عينهم أن الثورة تنهار جراء استمرار القمع والقتل، وهم لا يريدون العودة إلى وراء، لكن ليس بوسعهم ألا يأخذوا بعين الاعتبار أن هذا الاحتمال قائم، ولا يكفيهم في هذا الصدد التأكيدات الخطابية لرموز المعارضة بأن النظام انهار، فهم يرون كل يوم تماسك قيادات الجيش ومؤسسات الدولة في البلد واستمراها في الالتفاف حول الأسد وعائلته، وينابهم كل يوم ما ينابهم من ويلات جراء نشاط آلة الموت التي حركها ضدهم الأسد. لايمكننا تجاهل هذه الشريحة من شعبنا لأنها ليست هامشية، بل هي في قلب الثورة، وخيار العسكرة بالنسبة لها في مناطقها بات أمراً واقعاً. لذا، يبدو من الواضح اليوم أكثر من أي وقت مضى أن المصلحة الوطنية تقتضي أن يعمل قادة المعارضة الأحرار من سياسيين وعسكريين معاً من أجل حشد الدعم للثورة كثورة شاملة: ثورة سلمية حيث يُتاح لها أن تكون سلمية، وعسكرية حيث يُفرض عليها أن تكون كذلك. لكن هل ستصل هذه الرسالة إلى هؤلاء القادة، أم هل سيتطلّب الأمر أن يثور الشعب على المعارضة أيضاَ، أو ينقسموا على بعضهم البعض وينشغلون بذلك عن مواجهة النظام، كما تفعل المعارضة؟

- يأيها الثوار تذكروا ولاتنسوا للحظة أنكم لم تثوروا لأن ساسة المعارضة أمروكم بذلك بل لأن ضميركم هو الذي أمر، وأن شعارات الثورة وأهازيجها لم يكتبها كاتب أو شاعر أو باحث معروف بل وعيكم هو الذي نطق. لاتبحثوا بعيداً إذاً عن القادة والأمل والحل، فأنتم القادة والأمل والحل. الوعي ألهم والضمير أمر.



الجمعة، 14 أكتوبر 2011

اللاعنف


إن من يطرح موضوع اللاعنف من منطلق محض أخلاقي وليس من منطلق استراتيجي لا يترك مجال للطرف الآخر للرد، فهم مدانون أخلاقياً حُكماً لاختيارهم حمل السلاح، بغض النظر عن الأسباب التي دفعتهم إلى ذلك وعن استعدادهم للالتزام بالقوانين والأعراف الدولية في هذا المجال. إن الإصرار على التعامل مع الأمر من هذا المنطلق يحتّم على أصحابه أيضاً رفض أي تدخل خارجي ما خلا، ربما، الخيار الرمزي الممثّل في إرسال مراقبين دوليين، كما يؤدي إلى ترك الثوار في تلك المناطق من سوريا التي اختارت حمل السلاح لتواجه آلة الموت الأسدية بمفردها بلا أي دعم من الداخل أو الخارج. ربما يرى البعض أن هزيمة هذه الفئات والتجمّعات سيفسح المجال لعودة النضال السلمي. لكن الاحتمال الأكبر أن تفسح الهزيمة المجال لليأس والتخاذل فقط، لأن خيار التسلّح جاء بمثابة الخيار النهائي، فمن المرجح لذلك أن يكون الفشل فيه نهائياً بدوره.

ويزيد دخول أصحاب النزعات المعادية للغرب على الخط الأمر تعقيداً، فهم بتبنّيهم للمقاربة ذاتها ليسوا مدفوعين بإيمان حقيقي باللاعنف، كما يشهد على ذلك دفاعهم عن عنف حماس وحزب الله في الصراع مع إسرائيل وامتناعهم عن تفضيل المقاربة اللاعنفية في هذه الحال، بل بعقائدهم السياسية الخاصة والتي قد يختلف معهم فيها الكثير من السوريين.

الطرف الأول يتعامل مع المنشقّين ومؤيديهم كعدو داخلي، والطرف الثاني يتعامل مع المطالبين بتدخّل دولي، عسكري إن اضطر الأمر،  لحماية المتظاهرين، كعدو خارجي، وتأتي الإدانات من منطلق وطني وأخلاقي ولاتفسح أي مجال للحوار. وفي هذه الأثناء، يستمر الأسد في قمعه للمتظاهرين وفي بسط سيطرته من جديد على كل بلدة وقرية ومدينة متمرّدة، الواحدة تلو الأخرى، وما من أحد يقدم لأي تصور لحل، أو للكيفية التي يمكن فيها للاعنف أن ينجح، ناهيك عن القيام بدور القيادة ببعدها المعنوي، بما فيها من توجه للشعب وشرح أبعاد الخيارات الختلفة أمامه ومؤازته معنوياً.

ويكفينا في هذا الصدد أن نذكّر أن الرجل الذي أسرع وأعلن رئاسته للمجلس الوطني قبل إجراء أية انتخابات لم يقم بعد بالتوجه إلى الشعب السوري بأي نداء ليقدم نفسه كمرشح لهذا المنصب الهام، ويشرح وجهة نظره بشكل مباشر فيما يتعلّق بكل القضايا الخِلافية، طارحاً رؤية بديلة عن الحل العسكري الخارجي يمكن لها أن تلهم الناس وتعطيهم ثقة بأنفسهم وبقادتهم الجدد، ليستمروا في الصبر والمصابرة وتقديم التضحيات. الناس بحاجة إلى ذلك، بحاجة إلى قادة يرضون بأن يكونوا مسؤولين عن الناس ومُسائلين من قبلهم، لا مسؤولين عنهم وكأنهم قاصرين. وعلى أي شخص يسعى لتبوّأ منصب القيادة في هذه المرحلة أن يدرك أن مهمته في هذه المرحلة بالذات تفرض عليه أن يكون شخصاً جامعاً، وهذا أن يعني أن عليه أن يتعامل بتواضع وبانفتاح أكثر ورحابة صدر مع كل من اختلف معه وعنه، وأن لايسمح لنفسه بالتقوقع وراء جدران العقيدة السياسية الخاصة به ويحيط نفسه فقط بمن يتفق معه في الرؤية، إذ لايمكن التوصّل إلى إجماع من خلال الإقصاء، ولايمكننا أن نحرز أي تقدم حقيقي على طريق تكوين رؤية جامعة للمرحلة الانتقالية من دون التعامل المباشر مع القضايا الأكثر حساسية. 


الخميس، 13 أكتوبر 2011

المثابرة على القمع


كل ما يحتاج أن يقوم به الأسد هو الاستمرار على التمسّك بالسلطة والمثابرة على القمع، فهو في الواقع ليس بحاجة إلى تقديم أية رؤية وأي مشروع، إذ غسل الخوف عقول معظم أتباعه وتكفّل الطمع بالباقي، فباتوا مكتفين بالوضع الراهن وشعارات "منحبك" و "ما رح يسقط." أما نحن المعارضون الناشطون المنشقون والثوار، فنحن مطالبون بتقديم رؤية سياسية واعدة وواضحة المعالم لغد أفضل، ويتعيّن علينا أيضاً توفير الوسائل والطاقات والزخم اللازم للتغلب على قوى العطالة في وطننا لننتقل به إلى المرحلة التالية: مرحلة البناء والتجديد والتحديث الحقيقي. لأننا من دون هذه الوسائل وهذه الرؤى لن يكون بوسعنا تفعيل التظاهرات مرة أخرى، لذا، علينا أن نبدأ بمناقشة هذه الأمور الآن وبالتوازي مع أنشطتنا الميدانية، وأن ننأى بأنفسنا عما يجري من صراع شخصيات وأنيّات ومصطلحات في ساحة المعارضة.

الاثنين، 10 أكتوبر 2011

العقيد رياض الأسعد - بطل وطني؟


ينبغي علينا عند محاكمة الأمور هذه الأيام أن لا ننسى أن العقيد رياض الأسعد بات يعد بطلاً وطنياً من قبل المتظاهرين وأن الجيش السوري الحر يتمتع في هذه المرحلة بمصداقية شعبية وشرعية أكبر من تلك التي مُنحت للمجلس الوطني، لأن الأول من الشعب ومع الشعب في كل يوم وكل لحظة، أما المجلس فنخبوي الطابع ومايزال أصحابه غارقين في النظريات والتنظير وفي صراعات واصطفافات شخصانية وإيديولوجية لاعلاقة لها بمعاناة الشعب اليومية. لذا، نرى يوماً بعد يوم كيف تتنامي شعبية العقيد الأسعد، فيما تتراجع شعبية الدكتور غليون ومعه مصداقية المجلس الذي لم يوفق بعد لإيجاد صيغ مناسبة للتخاطب مع الشارع ومع المجتمع الدولي. ولعلّه من الضروري أن يدرك الدكتور الغليون أن طريقه نحو الشرعية والمصداقية باتت تمر اليوم عبر أنطاكية، المقر الحالي للعقيد الأسعد، وليس عبر باريس أو إستنبول أو القاهرة أو أستوكهولم فقط، إذ لايمكن للمجلس أن يستمر دون دعم الجيش الحر، في حين، يمكن للجيش الحر في أية لحظة أن يشكل بديلاً عن المجلس الوطني يكون غطاءاً سياسياً له ما لم يتمكّن المجلس من ملء هذا الفراغ. ولعل اجتماعاً ما بين الرجلين وفريقيهما بات اليوم من الضرورات القصوى لتجاوز هذا المطب. وفي الختام، أذكّر أن الجيش الحر قد باشر بإداء واجبه الوطني حيال الوطن والشعب، في حين مايزال المجلس الوطني غارقاً في التخبّط في جدل عقيم حول الأسماء والأدوار، متجاهلاً القضايا الأساسية للثورة والدولة.